أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - أساس الاقتصاد السياسي لحرب الشعب فى النيبال( من كتاب – لندرس الثورة الماوية فى النيبال و لنتعلّم منها-)















المزيد.....



أساس الاقتصاد السياسي لحرب الشعب فى النيبال( من كتاب – لندرس الثورة الماوية فى النيبال و لنتعلّم منها-)


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3305 - 2011 / 3 / 14 - 23:58
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


أساس الاقتصاد السياسي لحرب الشعب فى النيبال( من كتاب – لندرس الثورة الماوية فى النيبال و لنتعلّم منها-)
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الرفيق (د) بابورام باتاراي
"عندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها ، تدخل فى تناقض مع علاقات الانتاج الموجودة أو مع علاقات الملكية – و ليست هذه سوى التعبير الحقوقي لتلك – التى كانت الى ذلك الحين تتطور ضمنها . فبعد أن كانت هذه العلاقات أشكالا لتطور القوى المنتجة ، تصبح قيودا لهذه القوى .و عندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية." كارل ماركس / لينين" كارل ماركس".
01) الإطار و المقدمات النظرية :
لقد إنطلقت حرب الشعب المسلحة فى النيبال منذ 13 فيفري 1996 تحت قيادة الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) و هدفها المعلن هو إرساء نظام إقتصادي إجتماعي ديمقراطي جديد بالإطاحة بالتشكيلة الإقتصادية الإجتماعية و الدولة الحاليين . و هذا ينبغى فهمه على خلفية أن النيبال إنزلق إلى مرتبة ثانى أفقر دولة فى العالم بالنظر إلى التطورات المادية و الثقافية ف 71 بالمائة من سكان النيبال يوجدون تحت حد الفقر المطلق و 46،5 بالمائة من الدخل القومي بيد 10 بالمائة من الأغنياء . و اكثر من 60 بالمائة من مجموع السكان أميين و ما يفوق 90 بالمائة من مجموع السكان يعيشون فى المناطق الريفية . و 81 بالمائة من قوة العمل تشتغل بالفلاحة المتخلفة أو هم فى بطالة مقنعة و 10 بالمائة فى بطالة تامة و 60 بالمائة لا يعملون إلا جزئيا . و الشيئ نفسه بخصوص نسبة نمو إنتاج الحبوب الغذائية وهو أهم إنتاج وطنيا ، و نسبته تراجعت فى الثلاثين سنة الماضية . وتتفاقم الديون التى تمثل أكثر من 60 بالمائة من الناتج القومي الخام مع مرور الزمن . و بالتالي من الطبيعي للجميع أن نكون متطلعين لمعرفة كيف ستعالج حرب الشعب الثورة و الديمقراطية الجديدة المشاكل الهائلة المشار إليها أعلاه. و ليس سرا أن الدولة الرجعية الحالية كانت طوال الخمسين سنة الماضية ترفع شعارات جذابة متنوعة مع ثمانية مخططات خماسية بإسم حل هذه المشاكل إلا أنه إثر كل مخطط أو حملة تعمقت أكثر خطورة هذه المشاكل و الوضع الإقتصادي الإجتماعي للبلاد إزداد إنزلاقا مقارنة ببلدان أخرى. فى هذا الإطار ، من الضروري كشف السبب الأصلي أو العامل الذى يقف وراء هذا الوضع و توفير حل علمي عوض النظر ببساطة إلى العوارض الخارجية للمشكل و معالجتها جزئيا أو جانبيا . لهذا لا بد من إيجاد الحل بتحليل المشكل بطريقة مادية تاريخية أو مفهوم الماركسية-اللينينية –الماوية للإقتصاد السياسي . و اليوم ، هذا بالضبط ما تسعى حرب الشعب الماوية فى النيبال لإنجازه.
فى سيرورة إنتاج الحاجيات الضرورية إستجابة للحاجيات المادية و الثقافية يستعمل الناس بعض الأدوات و التكنولوجيا ( أي قوى الإنتاج) . و فى هذه السيرورة يتم تركيز علاقة مختلفة بينهم (علاقات إنتاج) . و من التركيب التفاعلي لقوى الإنتاج و علاقات الإنتاج يولد نظام إجتماعي معين ( أي نمط إنتاج) . و التناقض بين قوى الإنتاج الدائمة التغير و علاقات الإنتاج يفرز تحولا فى تطور المجتمع. عموما ، بما أن تطور قوى الإنتاج باعث تحرك أسرع وتطور علاقات الإنتاج تطور قوى الإنتاج و هذا يؤدى إلى تأخر المجتمع و تشوهه . و فى ظل مثل هذا الوضع يغدو من اللازم تحطيم علاقات الإنتاج القديمة و إيجاد علاقات إنتاج جديدة بدلا عنها . فقط بهذه الطريقة من الممكن تجاوز التشويهات و العوائق السائدة و تطوير عوضا عنها قوى إنتاج جديدة و إعطاء دفع للأمام لتقدم المجتمع . هذه هي سيرورة الثورة الإجتماعية و هذا زمنها . فى المقابل ، تسعى الطبقات الرجعية الحاكمة و حلفاؤها لتطوير القوى المنتجة بإستعمال خطوات إصلاحية متنوعة ، دون تحطيم علاقات الإنتاج القديمة التى صارت عائقا دون التطور . و هكذا ، تاريخيا ، الطريق الأول للتطور يعرف بالطريق "الثوري" و الثانى هو الطريق "الإصلاحي" . مع ذلك ، سيظل الطريق "الإصلاحي" قادرا على الإستمرار طالما ثمة إمكانية تطوير قوى الإنتاج داخل علاقات الإنتاج القديمة و مع إستنزاف تلك الإمكانية يضحى الطريق "الثوري" ضروريا و حتميا. و من المهم هنا فهم أن فى النيبال تجرى محاولة إرساء نظام ديمقراطية جديدة بتحطيم النظام القديم عبر حرب الشعب طويلة الأمد بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) و أن هذه المحاولة أتت لما اخفقت كافة محاولات إنجاز إصلاحات ضمن النظام شبه الإقطاعي و شبه المستعمر القديم الذى طالما هزته الأزمة هزا.
و من المهم تسجيل أن الحركة التى تولدها التناقضات الداخلية ذاتها كامنة فى جميع الأشياء فى العالم وهي العامل الحاسم فى تطور المجتمع ( أي بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج) . مع ذلك ، فى ظروف معينة ، يؤثر تدخل قوى خارجية على سيرورة التطور الداخلي بطرق لها دلالتها. و بخاصة مع قدوم الرأسمالية و مرحلتها الأعلى ، الإمبريالية ، بسبب سيرورة الإحتكار الملازمة لتطور الرأسمالية ( إبتلاع كافة الرساميل الصغيرة من قبل الأخطبوط الذى ينشره الرأسمال الكبير فى إعادة إنتاج موسع للرأسمال) اليوم ، ليس من نظام إجتماعي فى العالم خارج تأثير التدخلات الإمبريالية و لا يمكن إلا أن يكون كذلك. و بقدر ما تكون التشكيلات الإجتماعية بدائية و متأخرة بقدرما يكون تأثير التدخلات الإمبريالية فى سيرورة تطورها الداخلي هداما. و بصورة خاصة فى مجتمعات على وشك الإنتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية الكمبرادورية و البيروقراطية ( أي رأسمالية مزيفة عميلة للرأسمال الإحتكاري الأجنبي و تشتغل فى النشاطات المالية و التجارية عوضا عن النشاطات الإنتاجية و تتخذ طابعا إحتكاريا منذ البداية بالإعتماد على الدولة لا على الرأسمالية الصناعية ). لهذا من اللازم تحطيم العلاقة مع الإمبريالية الخارجية و إحداث تحويل تدريجي فى علاقات الإنتاج الداخلية عبر الوسائل الثورية .
إضافة إلى ذلك ، من المهم إدراك العلاقات المتبادلة الجدلية بين سيرورة تطور المجتمع و الهيكلة الفضائية / الجغرافية و ذلك لأنه إلى جانب تطور السيرورة الإجتماعية ، تحدث تغييرات فى الهيكلة المادية أيضا رغم أن طبيعة التغير و نوعيته يمكن أن يكونا متمايزين أو ليسا فى مستوى التشكيلة الإجتماعية . و بصدد طبيعة السيرورتين و نوعيتهما ، سيكون أكثر علمية أن ننظر فى الهيكلة المادية على أنها "تعكس " أكثر التشكيلة الإجتماعية و الفضائية فى ترابطهما المتبادل كتشويه أو أزمة السيرورة الإجتماعية تنعكس فى الهيكلة الجهوية عبر تطور جهوي غير متساو إلخ. من خلال هذا فقط يمكن فهم أهمية حرب الشعب طويلة الأمد الماوية القائمة على إستراتيجيا محاصرة الريف للمدينة.
إنطلاقا من الشرح المقتضب أعلاه للمقدمات النظرية ، بالإمكان تحليل العلاقات الطبقية الخارجية و الداخلية للمجتمع النيبالي و المشاكل الإقتصادية و الإجتماعية و الفضائية الناجمة عن ذلك و بالإمكان تقييم مدى معالجة حرب الشعب لهذه المشاكل.
02 ) العلاقات الخارجية الإمبريالية و التوسعية :
2-1 / الإضطهاد الإمبريالي :
العصر الراهن هو عصر الإمبريالية أو الرأسمالية الإحتكارية . و نظرا للتطور اللامتكافئ و اللامتساوي ، صار رأس المال و الثروة مجتمعين بأيدى حفنة من البلدان الإمبريالية الغربية و الشمالية حيث غالبية بلدان الشرق و الجنوب ( أي آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ) تشكو التخلف و الفقر و البون بين الأغنياء و الفقراء لم يكن أبدا بهذا الإتساع فى تاريخ الإنسانية إلى الآن . و تمادى هذا البون فى الإتساع حتى أكثر إعترفت به إحصائيات المنظمات الإمبريالية عينها . مثلا، فقط جملة المبيعات السنوية لمائتي شركة عالمية كبرى للبلدان الإمبريالية يفوق الإنتاج القومي الخام لجميع البلدان بإستثناء إقتصاديات تسعة منها غنية ( هي الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان و ألمانيا و فرنسا و بريطانيا و روسيا و إيطاليا و كندا و أستراليا) ووحدها تملك ثلث ثروة العالم . و كذلك كانت فروقات الدخل بين بلدان العالم الأكثر غنا و الأكثر فقرا عقد الستينات قدرت بثلاثين مرة بينما غدت فى التسعينات أكثر من ستين مرة .
و على النطاق العالمي يتخذ إبتلاع البلدان الإمبريالية لثروة البلدان المضطهدة شكل أرباح التجارة فى السلع و الخدمات إلخ. لهذا مهما كانت إستثمارت رأسمال القوى الإمبريالية فى البلدان المضطهَدة عبر طرق و أطراف متنوعة على غرار البنك العالمي و صندوق النقد الدولي إلخ و عبر طرق خاصة مثل الشركات العالمية التابعة لبلدانها و حكوماتها ، فإنها تمتص من البلدان المضطهَدة رأسمال أضعافا مضاعفة إلى المراكز الإمبريالية بوسائل مختلفة . و علاوة على ذلك ، تسببت البلدان الإمبريالية فى تشويه السير العام لتطور البلدان المضطهَدة و جعلته تابعا لها. و من جهة أخرى ، وفق منطق "قانون الغابة" و قانون الإمبرياليين ثمة على الدوام تنافس شرس فى صفوف المجموعات الرأسمالية الإحتكارية من أجل توسيع نفوذها و ثمة حرب من أجل الحفاظ على مجالات ( أو مناطق) نفوذها الإقتصادي الخاصة أو من أجل إعادة تقسيم مناطق العالم الإقتصادية. و هذا يبين أن بعد نشوء الإمبريالية ، حدثت فى القرن العشرين الحالي ، حربان عالميتان ( و ما يفوق ال160 حربا حدثت بعد الحرب العالمية الثانية ). و عدد الناس الذين فقدوا حياتهم فى الحروب بلغ ستة أضعاف ،فى هذا القرن ، مقارنة بحروب القرن التاسع عشر السابق . و يبرز إنفاق الإمبرياليين ألف بليون دولار أمريكي سنويا على التسلح
( تقريبا نصف هذا المال تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية وحدها) العلاقة بين الإمبريالية و الحرب. لهذا السبب تسمى الإمبريالية أيضا "عصر الحرب الرأسمالية ". و هكذا ن فى النهاية ، تزداد التناقضات بين الإمبريالية و الأمم المضطهَدة حدة و من جهة أخرى ، تدفع الإمبريالية العالم بأسره بإتجه الحرب. فى ظل مثل هذا الوضع ، يمسى ليس طبيعيا فحسب و إنما أيضا حتميا بالنسبة للأمم المضطهَدة أن تخوض حرب تحرير بالإعتماد على إستراتيجيا التعويل على الجماهير المضطهَدة و ليس على إستراتيجيا التعويل على رأس المال و الأسلحة أو التكنولوجيا.
و يظل النيبال واحد من أشد الأمم المضطهَدة فى العالم إضطهادا. و كون النيبال إنزلقت من المرتبة الثلاثين فى عداد البلدان الأفقر فى السبعينات إلى مرتبة البلاد الثانية الأفقر فى العالم يشير الآن إلى وضع البلاد الذى يرثى له. و فقر هذه الدولة و تخلفها لا يعزى إلى نقص فى الموارد الطبيعية أو إلى كسل الجماهير الكادحة و إنما يعزى إلى العلاقات الطبقية الداخلية و الخارجية وهو أمر يمكن البرهنة عليه بمقارنة موقع النيبال قبل معاهدة سوقاولى شبه الإستعمارية و بعدها مع بلدان أخرى فى العالم معاصرة لها . فالنيبال الواقع بين الدولتين العملاقتين ، الصين و الهند ، و الذى يحده جنوبا و غربا و شرقا الهند على مستوى الهيملايا ،تاريخيا ، إضطهده بداية الإستعمار البريطاني و بعد الخمسينات إضطهدته عديد القوى الإمبريالية و رئيسيا تضطهده التوسعية الهندية . منذ معاهدة سوقاولى إلى الآن بقي التطور الداخلي للنيبال مقموعا و مشوها بسبب التأثير الخارجي الهدام للإمبريالية أو / و القوى التوسعية . و كل المؤشرات الإقتصادية و غيرها للتطور الإجتماعي تؤكد ذلك . و غدت سيرورة التخلف و التشويه و التبعية أحدّ بصورة خاصة بعد الخمسينات حين إرتبط النيبال بالإمبريالية عبر التجارة و التمويل و غيرها من الطرق. و مع إرتفاع الديون الخارجية اليوم إلى ما يزيد عن 150 بليون روبي و بلوغ العجز التجاري تقريبا 50 بليون روبي ( وهو ما يعادل الميزانية السنوية) تفاقمت التبعية فى كافة المجالات الإقتصادية و ما إلى ذلك . و يوفر هذا مؤشرات كافية عن الإضطهاد الإمبريالي . حسب تنصيص صندوق النقد الدولي ، كل بلد تفوق ديونه الخارجية 200 إلى 250 بالمائة من إجمالي تجارته الخارجية و تصير نسبة خدمات ديونه أرفع من 20 بالمائة من تجارته التصديرية يعد فى وضع "حرج" .مع ذلك ، فى النيبال ، كلا المعياران قفزا فى 1994 -1995 ذاتها إلى أكثر من 600 و 35 بالمائة تباعا . و عليه ، ما من شك أن وضع النيبال بات حرجا و فظيعا جراء وقوعه فى الشرك الإمبريالي, و صار هكذا من الضروري خوض حرب الشعب فى سبيل التحرر من الإضطهاد الإمبريالي و المضي قدما على طريق التطور بالتعويل على الذات . من زاوية النظر هذه ، حرب الشعب فى النيبال جزء من حركة التحرر الوطني العالمية المناهضة للإمبريالية.
2-2) الإضطهاد التوسعي :
أبرز مظهر مباشر للإضطهاد و الإستغلال الإمبرياليين العالميين فى النيبال هو الإستغلال و الإضطهاد التوسعيين. فالتوسعية هي سيرورة إستغلال و إضطهاد الإقتصاد الأصغر و الأضعف من قبل إقتصاد أقوى لم يتطور إلى مستوى الإمبريالية و لكنها تستمد قوتها من مساندة القوى الإمبريالية الخارجية و دولتها هي الخاصة . و كذلك بإعتبار أن سيطرتها لا يمكن الحفاظ عليها على قاعدة المنافسة الرأسمالية تستعمل القوة التوسعية الإكراه غير الإقتصادي ( مثل الإكراه العسكري و السياسي و الثقافي إلخ) لصيانة مناطق نفوذها التى هي سجن قوميات مضطهَدة مختلفة . و إستغلت و إضطهدت عديد البلدان المجاورة فى جنوب آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية بمساندة القوى الإمبريالية كالولايات المتحدة و أنقلترا و اليابان و فرنسا و إيطاليا و ألمانيا و روسيا إلخ أو شركات عالمية معا مع دولتها المركزية الخاصة و قيادتها العامة بدلهي . و قد أبقت التوسعية الهندية ولا تزال النيبال سوقا أسيرا لها من خلال معاهدات غير عادلة مفروضة عليه ، فى أوقات متفرقة ، مستفيدة من أن النيبال تحاصره الهند من ثلاث جهات و أن النقل و المواصلات و العلاقة التجارية مع العالم غيرممكنة إلا عبر الهند . و تاريخيا ، فى 1816 ، فرضت الهند البريطانية معاهدة سوقاولي على النيبال جاعلة إياه شبه مستعمرة و بالتالي أعاقت طريق النيبال إلى الإستقلال و التطور بالتعويل على الذات و إبتدأت سيرورة تخلف إقتصادي إجتماعي
( أي تطور مشوه و تبعي ) . و لئن وجب عقد مقارنة بين مؤشرات التطور الإقتصادي بالضبط قبل و بعد معاهدة سوقاولي ، يغدو هذا واضحا للغاية . مثلا ، قيل تلك الفترة ، كان النيبال مكتفيا ذاتيا فى الإنتاج الصناعي الأساسي كمصانع القطن و النحاس و الأدوات النحاسية و الأدوات المنزلية و التسلح العسكري ( بما فى ذلك البنادق الحديثة) و السكر و سواها و الحبوب الغذائية .
لكن النيبال اليوم بات فى تبعية كلية و هذه السيرورة لم تحدث فجأة و إنما إنطلقت مع معاهدة سوقاولى ثم إحتدت بصورة خاصة إثر الإتفاق التجاري النيبالي الهندي لسنة 1923 ( الذى جعل النيبال "سوقا مشتركا " للهند) و بلغ القمة فى عقود المعاهدة شبه الإستعمارية لسنة 1950 مع ما يسمى الهند "الحرة" . و حاليا، بالأساس عبر معاهدة 1950، تحافظ التوسعية الهندية على إحتكارها شبه الإستعماري والتجاري و الصناعي و المالي و الجبائي على النيبال و الإضطهاد و الإستغلال التوسعيين فى مختلف المجالات تماديا عبر التجارة المنظمة و معاهدات الديوانة و معاهدات و إتفاقيات أخرى معتمدة على العلاقات غير العادلة الكامنة الناجمة عن معاهدة 1950. و للعلاقات شبه الإقطاعية أبعاد متعددة الأشكال مثل الأبعاد الإقتصادية و السياسية و العسكرية و الثقافية و ما إلى ذلك . و فى النيبال لإستغلال التوسعيين الهنود و إضطهادهم أيضا طابع متعدد الأشكال . و مع ذلك ، فى النهاية كافة الأشكال المتنوعة غايتها الإستغلال و الإضطهاد الإقتصاديين . و فى النيبال كذلك ، الإقتصاد هو المظهر الأهم و الأكثر بوحا لإضطهاد التوسعية الهندية و إستغلالها.
تقليديا ، دأبت التوسعية الهندية على إستعمال النيبال كسوق أسير لسلعها الصناعية . لذلك إلى الخمسينات ، حوالي 95 بالمائة من التجارة الخارجية النيبالية كانت تتم غالبا مع الهند. و فى العقود التالية ، بتصاعد التدخل المباشر للقوى الإمبريالية الأخرى فى النيبال ، تراجعت نسبة التجارة مع الهند إلى حوالي 30 بالمائة غير أن هيكلة التجارة فى معظمها لا تساعف النيبال (أنظر/ أنظرى جدول 1) . إضافة إلى ذلك ، من الهام تسجيل أنه نظرا للحدود المفتوحة بين النيبال و الهند فإن ثلث التجارة تقريبا تجرى بما لا يساعف النيبال و بصورة لاقانونية و بالتالي حجم التجارة مع الهند هو دائما أعلى مما تقدمه الإحصائيات الرسمية. و إذا كان على المرء أن يحكم من خلال هيكلة التجارة فإن نسبة النيبال فى التصدير و التوريد إلى و من الهند قبل معاهدة سوقاولى ، كانت أرفع بخمس مرات لصالح النيبال و بقيت إلى سنة 1923 و إثر معاهدة 1950 ، غدت تقريبا سبع مرات ضد النيبال . و هكذا ، من الواضح أن مع التصاعد الدائم للعجز التجاري فإن الإقتصاد النيبالي يختنق بشراك التوسعية الهندية على نحو لا رجعة فيه. ثانيا، إذا كان على المرء أن يحلل هيكلة سلع التوريد و التصدير فإن النيبال يبدو مصدرا لسلع أقل قيمة مضافة و بالأساس منتوجات فلاحية غير مصنعة أو نصف مصنعة (64 بالمائة) بينما يورد من الهند حوالي 75 بالمائة منتوجات صناعية لها قيمة مضافة أعلى و هذه النسبة تفاقمت مع مرور السنين ضد النيبال . و من ثم نرى سيرورة الإضطهاد و الإستغلال الإمبرياليين عبر "التبادل اللامتكافئ" تعمل فى حال النيبال أيضا. و ثالثا ، بما أن معاهدة 1950 شبه الإستعمارية توفر "معاملة وطنية " للرأسماليين الإحتكاريين الهنود كي يقيموا فى النيبال و يتعاطوا النشاطات الإقتصادية على قدم المساواة مع المواطنين النيباليين ، فإنهم قادرون على إحتكار الإقتصاد النيبالي كليا. و حاليا ، لمجموعة مكونة من عشرة أنفار تقريبا من الرأسماليين ذوى المليارات المقيمين بالهند ( لا سيما موروريس) السيطرة الأساسية على الصناعة و التجارة النيباليين . ووفق تقديرات باحث هندي قام بدراسة قبل فترة قصيرة من الزمن ، حوالي 80 بالمائة من الإقتصاد و التجارة النيباليين يمسك بها رأسماليون هنود أو ذوو أصول هندية . و دأبت الدولة التوسعية الهندية على وضع حدود لتسهيلات المبادلات العالمية الشيئ الذى حال دون تمتع بلد مغلق كالنيبال بها. و عبر ذلك ، مكنت لنفسها تكرارا الهيمنة على الإقتصاد النيبالي لفرض شروط تجارية على التصدير و التوريد مناوئة و غير عادلة. و ينعكس هذا بشكل دوري ، كل عقد ، فى الصراع الذى يظهر عند تجديد معاهدة التجارة و العبور حينها يحتج الشعب النيبالي على ذلك.
و مظهر هام آخر فى جعل النيبال سوقا أسيرا للتوسعية الهندية هو أن الشركات العالمية لمختلف البلدان الإمبريالية مثل الولايات المتحدة و أنقلترا و اليابان و ألمانيا إلخ تبيع سلعها المصتعة فى فروعها المركزة بالهند إلأى النيبال أو تفتح فروعا بالنيبال تابعة لفروعها الهندية . فعلى سبيل المثال ، منتوجالت الشركات العالمية المرتكزة فى الهند مثل باطا ( الأحذية) هواشت ( الأدوية) و بركتوا و قامبل ( صابون و شكلاطة إلخ ) و نستلى ( منتوجات القهوة و الحليب إلخ) و بركبوند ( شاي ) إلخ و منتوجات المشاريع المشتركة بين الهنود و الشركات العالمية كماروتى سوزوكى ( السيارات) و هيروهندا ( الدراجات النارية ) إلخ تباع فى النيبال . و كذلك ، فتحت شركات عالمية فروعا فى النيبال تابعة للفروع الهندية على شاكلة الليفر الهندوسي ( صابون...) . و على هذا النحو تتوغل الإمبريالية العالمية فى النيبال بالركوب على حصان التوسعية الهندية . و هذا التوغل المزدوج و الإضطهاد الإمبريالي و التوسعي لم يعيقا تطور الصناعات الوطنية النيبالية فحسب بل خلقا كذلك وضعا فيه يتم القضاء على الصناععة تلو الأخرى . و تلك الصناعات التى برزت منذ الثمانينات وهي المصدر الرئيسي لبلدان من العالم الثالث ( أكثر من 92 بالمائة من مجموع الصادرات ) مثل الزرابي و الثياب الصوفية سيطر عليها التوسعيون الهنود بصورة مكشوفة أو غير مكشوفة و ذلك لتحكمهم فى المواد الأولية و اليد العاملة و رأس المال و التجارة . و أيضا يوجد القطاع السياحي الذى يمثل الصناعة الأساسية للخدمات التى تدر العملة الأجنبية ، يوجد هو الآخر تحت سيطرة الرأسماليين الهنود . و هذا يبينه أن من ضمن النزل ذات الأربع أو الخمس نجوم ،و على رأسها كافة النزل ذات الأربع و الآن الثلاث نجوم ، المساهمون فيها من الرأسماليين الهنود . (بما فى ذلك واحد يملكه كليا الهنود) و أن علاقات صناعة السياحة المتقدمة منها و المتأخرة مرتبطة حميميا بالإقتصاد الهندي.
علاوة على جعل النيبال السوق الأسير للسلع المصنعة ، الميزة الأخرى للإستغلال و الإضطهاد التوسعيين الهنديين على الموارد الطبيعية النيبالية لا سيما الموارد المائية الغنية . فمعظم الأنهار التى تروى سهول غنجاتى الشمالية الأكثر سكانا تعبُر النيبال و المورد الأرخص و الأسهل للطاقة التى تحتاجها الهند للتصنيع المستقبلي و الإستهلاك العام يمكن أن يكون الموارد المائية الهائلة للنيبال الذى له ثانى أكبر مورد ماء ممكن فى العالم ( من ضمن الطاقة الكامنة المقدرة ب 83 ألف ميغاوات من الطاقة المائية فقط 0.5 بالمائة قد إستُغل إلى الآن ) . لهذا كان التوسعيون الهنود فى الماضى يستحوذون على الموارد المائية النيبالية بالأساس موارد الري من خلال إتفاقية شرادارن لسنة 1920 و إتفاقية كوسى سنة 1954 و إتفاقية كنداكي لسنة 1959. مع ذلك ، ، فى 1996 ، عبر ما سمي " إتفاقية مشروع تطور ماهاكالي المندمج " وضعوا يدهم تماما على جميع نهر ماهاكالي للري و التحكم فيه . و كانت الإتفاقيات السابقة كوسى و كنداكى مجرد معاهدات شبه إستعمارية حيث أنها حرمت تيراي مطمور حبوب النيبال من الري بصبها كافة ماء الري فى الهند عبر سدود شيدت بالضبط على الجانب النيبالي للحدود (و لا تسمح إلا بكمية ضئيلة جدا من الماء نحو النيبال و تمنع بناء سدود أخرى فى أعلى النهر لمسافة هامة ). و إتفاقية ماهاكالى الحالية ، مع ذلك ، إتخذت شكلا مميتا أكثر من الإستغلال و الإضطهاد شبه الإستعماريين بالحديث عن العدالة نظريا ولكن عمليا بضمان إحتكار التوسعيين الهنود للماء و الكهرباء وعوض ذلك ، فرضت آلاف البليونات من الروبي من الديون الخارجية على النيبال . أضف إلى ذلك ، عبر "البيان المشترك" للعاشر من جوان 1990 ، فتح التوسعيون الهنود الباب لممارسة الإحتكار على أهم الموارد المائية النيبالية مستقبلا بالتصريح بأن جميع أنهار النيبال " أنهارا مشتركة " مع الهند أيضا .
و شكل آخر مميت من إستغلال التوسعيون الهنود و إضطهادهم يلاحظ فى صيغة توجيه شباب النيبال البريئ و المجتهد و المناضل فى الجبال نحو الخدمات الحريصة على كسب المال و قطاعات أخرى نحو العمل البخس الثمن و بالتالي الحفاظ على الفلاحة شبه الإقطاعية بالنيبال حتى أكثر تبعية لها. و هذه السيرورة من إستغلال اليد العاملة و العمل المؤقت و "التعويل" ( أي أخذ الإبن مكان الأب!) فى إتساع و كان للهجرة التى بدأت بالضبط إثر إتفاقية سوغاولى الأثر المأساوي على التطور التاريخي للبروليتاريا الصناعية والرأسمالية الوطنية فى النيبال.
وجعلت المحافظة على السوق المشترك و فتح الحدود على إتفاقية التجارة لسنة 1923 و "الإتفاقية السلمية و الأخوية " لسنة 1950 النظام المالي و النقدي النيبالي تابع تماما للنظام المالى و النقدي الهندي و كان لهذا الأثر الضار على تطور رأس المال الوطني و تصنيع النيبال .
فى هذا الإطار الشامل لا مجال للشك فى أن 180 سنة من العلاقة المتصلة شبه الإستعمارية مع التوسعية الهندية أثرت سلبيا و على نحو هدام على تطور العلاقات الطبقية و الهياكل الإقتصادية الإجتماعية الداخلية و جوهريا على تطور الرأسمالية الوطنية فى النيبال، لذا من أهم أهداف حرب الشعب الماوية هي كسر السلاسل شبه الإستعمارية و إرساء نوع جديد من الرأسمالية الوطنية ( أو الديمقراطية الجديدة ) بتعبئة الشعب من جميع الفئات و الطبقات التى ترزح تحت كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد شبه الإستعماريين .
03) العلاقات الإجتماعية و الفضائية (الجهوية ) الداخلية :
بما أن التطور الإجتماعي يتأثر بالتدخل الإمبريالي و التوسعية و لو أن السبب الأساسي و القاعدة الأساسية للتطور ينبغى رؤيتها فى العلاقات الطبقية الداخلية أو علاقات الإنتاج ، من الضروري البحث عن جذور التخلف و الفقر و عدم التوازن الإقتصادي الإجتماعي الجهوي و الإنحطاط الثقافي للنيبال فى العلاقات الإجتماعية و الجغرافية ( الفضائية ) كيما نبلغ طريق التحويل التقدمي . عامة الوضع الحالي للنيبال فى سيرورة إنتقالية من الإقطاعية إلى الرأسمالية بيد انه تم قمعه و إنحط إلى وضع شبه إقطاعي و شبه مستعمر بسبب التدخل الخارجي الإمبريالي/التوسعي و العلاقات الطبقية الرجعية الداخلية . و كذلك، للنيبال خصوصياته الجغرافية و التاريخية مثلما يعكسها كون أن من مجموع المساحة 79 بالمائة يمثل منطقة جبلية و فقط 21 بالمائة سهول. و له تنوع هائل جغرافي و إثنيّ و لم يشهد تاريخيا أي تجربة إستعمار مباشر و فى السنوات ال225 الأخيرة ، كان يملك دون إنقطاع دولة مركزية لنفس الطبقات الرجعية إلخ. فى هذا الإطار ، سيكون من المفيد تحليل التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية الحالية للنيبال و المشاكل التى تثيرها و ذلك على ضوء بعض العلاقات الأساسية الإجتماعية و الجغرافية .
3-1/ العلاقات شبه الإقطاعية و التخلف فى الفلاحة :
إن القاعدة الإقتصادية الأساسية للمجتمع النيبالي الحالي هي الفلاحة. و ذلك لأن أكثر من 81 بالمائة من قوة العمل فى البلاد تشتغل بالفلاحة و ما يناهز نصف الناتج القومي الخام مصدره القطاع الفلاحي. لذا يترك مستوى تطور القوى المنتجة و الإنتاجية فى الفلاحة تأثيرا حاسما على تطور الإقتصاد ككل و تنهض علاقات الإنتاج القائمة فى الفلاحة بدور حاسم فى تحديد طبيعة الهيكلة الإجتماعية بصفة عامة .
إن قوى الإنتاج فى الفلاحة النيبالية فى غاية التخلف وهي تقريبا بدائية فى طبيعتها . قبل كل شيئ ، تعكس طبيعة وسائل الإنتاج مستوى تطور قوى الإنتاج . و بقدر ما يكون مستوى تطور الفلاحة متدن و أكثر تخلفا بقدر ما يحتاج إلى التعويل على وسائل إنتاج تقليدية مثل الأرض و الإنسان و الحيوان و الأدوات البدائية و ما سواها . و بصورة عامة، إلى اليوم ، ما يقارب 99 بالمائة من الإستثمار العام فى الفلاحة النيبالية يتم فى الأرض و عمل الإنسان و الحيوان و الأدوات البدائية و حوالي واحد بالمائة فقط يستثمر فى وسائل الإنتاج الحديثة ( كالآلات و السماد و الأدوية المضادة للحشرات و البذور ذات الإنتاج العالي إلخ) . فى قمة هذا ، ، كون ما يفوق 81 بالمائة من قوة العمل فى عموميتها تشتغل فى الفلاحة يشير إلى مرحلة بدائية فى الإقتصاد إعتبارا لفائض العمل الذى يبذر فى شكل عمل مقنع أو عمل جزئي و فى النهاية له تبعات ضارة على الإنتاج الوطني ككل . لذلك بقدر ما يكون الإقتصاد متطورا بقدر ما تكون عكسا النسبة المائوية لقوة العمل المشتغلة فى الفلاحة ضعيفة و يوجه العمل الفائض إلى قطاعات لها إنتاجية أوفر على غرار الصناعات و الخدمات. ( و على سبيل المثال ، فى الولايات المتحدة أقل من 7 بالمائة من مجموع قوة العمل تشتغل بالفلاحة ). بينما الوضع فى النيبال هو أن معدل ثلاثة أشخاص يشتغلون فى هكتار واحد من الأرض و فى المناطق الجبلية يبلغ المعدل حتى تسعة أشخاص فى الهكتار. و كذلك ، مؤشر هام آخر لتطور قوى الإنتاج فى الفلاحة هو توفر سهولة الري . فى النيبال ، إلى سنة 1991/1992 فقط 13 بالمائة من مجموع الأرض المزروعة ( من 26 مليون هكتار) بما فيها 18 بالمائة فى منطقة تاراي و فقط 8 بالمائة فى المنطقة الجبلية كان لديها سهولة فى الري المتواصل. و هذا لا يعود إلى أي نقص طبيعي فى الماء أو إلى الطوبوغرافيا الجبلية و إنما إلى أسباب إجتماعية محضة ، وهو ما يؤكده بالأساس تقرير قدمه سابقا بنك النمو الآسيوي و حسبه 60 بالمائة من مجموع الأرض المزروعة فى النيبال بما فيها 80 بالمائة فى تاراي و 25 بالمائة فى الجبال ، يمكن أن تتوفر لها سهولة الري. و بسبب نقص الري جوهريا ، تقدر كثافة المحصول فى النيبال بفقط 90 بالمائة ( أو أقل من المحصول فى السنة ) وهو ما يشير إلى المستوى المتدنى للغاية لتطور القوى المنتجة فى الفلاحة. و أيضا ، تبين الهيكلة البدائية للإنتاج الفلاحي و تراجع معدل الإنتاج المستوى المتدنى للقوى المنتجة فى الفلاحة. فبقدر ما يكون المجتمع متخلفا أو درجة تقدمه متدنية بقدر ما يكون معدل إنتاج القيم الإستعمالية متدنيا أو منخفضا. من هذا المنظور ، فى النيبال ، 80 بالمائة من الإنتاج الفلاحي العام حبوب غذائية و إنتاج زهيد من المحاصيل المحولة نقدا إلى حد انه مركز فى مناطق محدودة من الجهة الشرقية لتيراي. و المظهر الأكثر إزعاجا هو تراجع معدل الإنتاج الفلاحي حيث أنه وفق الإحصائيات الرسمية للعقد 1984/1985 إلى 1994/1995 المعدل العام لنمو الإنتاج الفلاحي كان سالبا (-) 0.68 بينما كان بالنسبة للحبوب الغذائية سالبا(-) 7.23 و حتى ضمن ذلك كان المحصول الرئيسي للأرز سالبا (-) 16.17 بالمائة . و عليه صار النيبال الذى كان فى يوم ما بلدا مصدرا للحبوب الغذائية الآن بلدا موردا للغذاء. و التوريد الصافي للحبوب الغذائية المقدر ب 3.5 بليون روبي فى السنة الجبائية 1994/1995 من الهند و بلدان أخرى يؤشر إلى ذلك. و تحويل غالبية المحافظات الجبلية التى كانت عادة ذات إكتفاء ذاتي فى الحبوب الغذائية إلى محافظات عاجزة غذائيا يوفر مؤشرا كافيا عن الوضع المنحط و الباعث على الفزع للفلاحة فى المناطق الجبلية . و المؤشر الأهم عن تطور قوى الإنتاج فى الفلاحة هو إنتاجية الأرض و العمل و معدل نموهما. مع ذلك ، من غير الصعب إدراك أن المستوى المتدنى للغاية لإنتاجية كل من الأرض و العمل فى النيبال حيث نسبة السكان للمساحة عال جدا و إستعمال الري و الإستثمار المعاصر فى الإنتاج ضعيف جدا و حسب تقرير يعود إلى بضعة سنوات خلت ، معدل إنتاج الهكتار ل 10 محاصيل كان 2700 روبي بالأسعار المتداولة بينما كانت إنتاجية العمل (السنوية ) فقط 1461 روبي . هذا المستوى المتدنى للغاية للإنتاجية يتراجع أكثر كل سنة و بإستثناء بعض محافظات منطقة تيراي الشرقية ، وضعية الفلاحة حرجة جدا و باعثة على الفزع عبر البلاد لا سيما فى المناطق الجبلية. ما هو إذا السبب الأساسي الذى يقف وراء المستوى المتدنى للغاية لقوى الإنتاج و إحتداد أزمة الفلاحة وهي العامود الفقري لإقتصاد البلاد و الهيكلة الإجتماعية ؟ لأجل هذا لا بد من تحليل علاقات الإنتاج فى القطاع الفلاحي. أهم وسائل الإنتاج فى الفلاحة هي الأرض ووضعية ملكية الأرض القابلة للزراعة تحدد نمط تنظيم إنتاج فائض القيمة و إستخراجه و إستعماله ( أي علاقات الإنتاج) . و فى غياب أرقام علمية و معلومات يمكن الركون إليها حول توزيع الأرض فى النيبال ، يمسى من الصعوبة بمكان إنجاز تحليل موضوعي للعلاقة بالأرض غير أنه بالإمكان تقديم بعض التعميمات إنطلاقا من المعلومات المجمعة من مصادر حكومية أو شبه حكومية أو غير حكومية. و الصورة الأولى التى يتحصل عليها الإنسان حول العلاقة بالأرض حاليا بالنيبال عموما هي أن توزيع الأرض غير عادل و غالبية عريضة من السكان لا أرض لها أو ضمن من لا أرض لها تقريبا أو ضمن وضع الفلاحين الفقراء.
و بشأن نسبية توفر الأرض القابلة للزراعة و إنتاجيتها فى النيبال ، إذا كان لزاما تحديد الذين يملكون أقل من هكتار واحد من الأرض ك "فلاحين فقراء " و الذين يملكون من هكتار إلى أربعة ك "فلاحين متوسطين" و الذين يملكون أكثر من أربع هكتارات ك " فلاحين أغنياء " أو "إقطاعيين " فبالتالي حتى المعلومات المعتمدة على الإحصائيات الحكومية تقول لنا إن حوالي 70 بالمائة من الفلاحين الفقراء لا يملكون سوى حوالي 45 بالمائة من الأرض و حوالي 5 بالمائة من الفلاحين المتوسطين يملكون ثلاثين بالمائة من الأرض ( أنظر / أنظرى الجدول 2 ) . ووفق التقرير الأوثق الذى قدمه إخصائي من منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة وهو أخصائي أتى إلى النيبال لتقييم تبعات "الإصلاح الزراعي " الذى لقي إشهارا كبيرا فى 1964 ، فإن وضع العلاقات بالأرض فى النيبال إزداد إبتعادا عن العدالة حتى أكثر. و حسبه 8 بالمائة من سكان النيبال لا يملكون أرضا مطلقا و 25 بالمائة من الفلاحين المتوسطين يملكون 25 بالمائة من الأرض و 10 بالمائة من الفلاحين الأغنياء يملكون 65 بالمائة من الأرض. و فى تاراي ، اولئك الملاكين العقاريين الكبار الذين يملكون أكثر من عشرة هكتارات فيجمعون بين أيديهم أكثر من 50 بالمائة من مجموع الأرض ، بينما فى الجبال ، يمثل الفلاحون الفقراء أكثر من 80 بالمائة من السكان ( أنظر / أنظري الجدول 3 ) . و هكذا من السهل رؤية أن السبب الرئيسي للتطور المتدنى لقوى الإنتاج فى الفلاحة النيبالية هو نقص إمتلاك الأرض لدى الغالبية الكادحة من الفلاحين فى حين أن النسب العريضة للأرض مركزة بين أيدى الحفنة غير الكادحة من الأشخاص .
إلى جانب ملكية وسائل الإنتاج ، كيف ينظم العمل و كيف يتم توزيع المنتوجات و كيف يتم إستهلاكها سيعين العلاقة الطبقية الإجتماعية و سيعين فى النهاية علاقات الإنتاج الإجتماعية . ففى الفلاحة النيبالية ثمة قلة من الإحصائيات التى يمكن الركون إليها بهذا الشأن. مع ذلك ، يمكن رسم صورة عامة عن العلاقات الطبقية فى الفلاحة النيبالية بتعميم المعلومات الواردة من المصادر الحكومية و شبه الحكومية و غير الحكومية. و لا شك أن هنالك أغلبية من "الفلاحين الملاكين " الذين يملكون قطعا صغيرة من الأرض و الذين يعملون على أرضهم هم . غير أنه بما أن حتى أولئك الفلاحين الذين يملكون قطعة أرض مساحتها أكبر من عشرة هكتارات و لم يذهبوا و لو مرة إلى مزارعهم يعدون "فلاحين ملاكين " حسب الإحصار الفلاحي الرسمي، من غير الممكن الإعتقاد بان عدد " الفلاحين الملاكين " قد تصاعد من 60 بالمائة فى 1961 إلى 80 بالمائة فى 1971 ( أنظر / أنظرى الجدول 4) . و ذلك بسبب أنه من أجل التلاعب بقانون الملكية قام غالبية الملاكين العقاريين بتصريحات خاطئة بأنهم كانوا يفلحون أرضهم هم و بالتالى تضخمت أعداد "الفلاحين الملاكين ".و حتى الآن و لأسباب مختلفة
( مثلا ، العجز البدني نظرا للمرض أو كبر السن أو إشتغال أفراد آخرين من العائلة فى أعمال أخرى إلخ ) لم يؤجر كبار الملاكين العقاريين فحسب بل أيضا الفلاحون المتوسطون أراضي لمستأجرين للفلاحة عوض فلاحتها بأتفسهم إلا أن فى إحصائيات الحكومة جرى تسجيلهم بإسم "الفلاحين الملاكين " عوض المستأجرين . من وجهة النظر هذه ، الأرقام التى قدمها تقرير أخصائي من منظمة الأغذية و الذى وفقه عدد "الفلاحين الملاكين " هو 65 بالمائة و الأرض التى يفلحونها هي 49 بالمائة ، هذه الأرقام يمكن قبولها بإعتبارها الأقرب للحقيقة ( أنظر/ أنظري الجدول 5 ) . و بإستثناء أولئك الذين يفلحون أرضهم عبر عمل عائلتهم الخاصة ، فإن البقية أجروها لمستأجرين و يفلحونها بأشكال مختلفة من العمال المسخرين أو العمل المأجور. و لأن حقوق المستأجرين إلى الآن لم تضمن فى البلاد و عدد المستأجرين غير المسجلين يفوق بكثير المستأجرين المسجلين، ليس ممكنا تقديم تقدير لعدد المستأجرين و حجم الأرض التى يفلحونها. و حسب الإحصائيات الفلاحية الأساسية للحكومة التى تنجز كل عشرية منذ 1961 إلى 1991 فإن عدد المستأجرين كنسبة مائوية لعموم الأسر الفلاحية يبدو متأرجحا بين الأقصى 40 و الأدنى 10 و الأرض التى يفلحونها كنسبة من الأرض القابلة للفلاحة يبدو متأرجحا بين الأقصى 2 والأدنى 6 وهو كما أشرنا أعلاه بوضوح فى أدنى جوانبه . و تقرير منظمة الأغذية الدولية ذو الدلالة يبين عدد أسر المستأجرين 30 بالمائة و الأرض التى يفلحونها 24 بالمائة بينما حسب دراسات أخرى قامت بها منظمات غير حكومية، يبدو عدد المستأجرين 40 بالمائة و الأرض التى يفلحونها 30 بالمائة. من تجربتنا العملية الخاصة ، نعتقد أن التقديرات الأخيرة أقرب إلى الحقيقة .
و جغرافيا ، نسبة "الفلاحين الملاكين " أعلى فى المناطق الجبلية و "المستأجرون " فى تيراي و تيراي الداخلية وهو أمر طبيعي ببساطة بإعتبار توفر الأرض القابلة للفلاحة و كثافة السكان وفق ظروف الإستئجار ، تناهز نسبتهم 2/3 المستأجرين يفلحون الأرض على قاعدة إقتسام المحاصيل و البقية على أساس ريع محدد نقدا أو عينا و ظروف الحيازة الأخرى . فى تقاسم المحاصيل ، يقدم المستأجرون فقط من ثلث إلى سدس الإنتاج .
و بالرغم من أن نظام الإستئجار يوجد فى ظل نمط الإنتاج الرأسمالي كذلك ، فإنه فى ظل نظام الإستيجار النيبالي ضمن تقاسم المحاصيل ، يضطر المستأجرون لفلاحة أرض أخرى تلبية لحاجياتهم المعيشية أكثر منه للحصول على ربح رأسمالي و حقوق المستأجرين غير مضمونة و نسبة الريع عالية و المستأجرون مرتبطون بالملاكين العقاريين و نسبة الربح العالية على القروض و ظروف خدمة العمل الأخرى إلى جانب إستيجار الأرض . لكل هذا ، علاقة العمل هذه من نوع شبه الإقطاعي و طبيعتها رجعية. و بالتالي من الجلي أن النمط الرئيسي لإستخراج فائض القيمة فى الفلاحة النيبالية ( و فى كافة قطاعات الإقتصاد ) هي العلاقة شبه الإقطاعية و العلاقة نفسها تنهض بالدور الرئيسي فى النمو دون المستوى الضروري و تخلف الفلاحة النيبالية ( و بالنتيجة الإقتصاد بأسره ). إلى جانب الفلاحين الملاكين و المؤجرين ، الباقي تقريبا خمسة بالمائة من الملاكين العقاريين يستعملون عمل السخرة و العمل المأجور لفلاحة باقى العشرين بالمائة من الأرض. و نظام العمل السخرة المعروف ب "هروا" و "كامايا" إلخ يوجد فى منطقة تاراي الوسطى و الغربية و يوجد نظام زراعة الأرض من خلال العمل المأجور الموسمي فى شرقي تاراي و مناطق حول المراكز المدينية. و نظام العمل السخرة حيث يبقى العمال تحت المراقبة كالأقنان المجبورين على العمل فى الأرض هو شكل و إمتداد للنظام الإقطاعي القروسطي و من زاوية النظر هذه هو علاقة من أكثر العلاقات بدائية و تخلفا فى الفلاحة النيبالية. و رغم أن نظام العمل المأجور بالأساس طبيعته رأسمالية فبخصوص النيبال ، حجمه الكمي ليس فقط صغيرا فعلا و لكنه أيضا إذا كان على المرء تحليله فى العمق ، سيكون من العسير فى غالبية الأحيان أن نقبل به على أنه علاقة رأسمالية تقدمية ذلك أن غالبية الذين يفلحون بهذه الطريقة، يقومون بذلك ليس بغرض إعادة الإنتاج الموسعة لرأس المال فى القطاع الفلاحي نفسه و إنما يقومون بذلك إما للعيش على نطاق ضيق و إما للإستثمار فى فائض القيمة الفلاحي فى التجارة أو التمويل فى المناطق المدينية. و نتيجة لذلك ، لا نراه يلعب أي دور له دلالته فى تطوير قوى افنتاج فى الفلاحة. و بصورة عامة رغم أن علاقات عمل متنوعة توجد فى الفلاحة النيبالية، فلا شك أن العلاقة شبه الإقطاعية تظل العلاقة الرئيسية و المحددة نوعيا وكذلك كميا. و هنا لا بد من أن نكون واضحين حول أنه بالرغم من أن الفلاحين الملاكين الصغار يمثلون عدديا الأغلبية فإنه بحكم إرتباطهم بسلاسل مختلفة من الإستغلال الإقتصادي و غير الإقتصادي الذى يقف وراءه الملاكون العقاريون و المرابون و الطغاة الإقطاعيون، فإنهم غير "أحرار" و ليس لديهم وضع إجتماعي مستقل كما يبدو ظاهرا وهم مدفوعون للإستجابة لقوانين علاقات الإنتاج شبه الإقطاعية المهيمنة القائمة .
إضافة إلى ملكية الأرض و علاقة العمل فى سيرورة الإنتاج ميزة الدور الرجعي للرأسمال المرابي أيضا إضطرت الفلاحة النيبالية لتركن فى وضع شبه إقطاعي و أخرت سيروة التطور. مستغِلِين الأفضلية غير المشروعة لهذا الوضع ، يوفر المرابون الإقطاعيون قروضا للفلاحين بنسب أرباح عالية و بشروط إضطهادية و بإيقاعهم فى حلقة مفرغة من التداين و يعززون الإستغلال شبه الإقطاعي عبر دفوعات أرباح خدمة بالعمل . و تمادت هذه الممارسة لزمن طويل فى المناطق الريفية. حديثا ، مدار هذا الإستغلال كان يتحول تدريجيا نحو المرابين التجار من المربين الإقطاعيين ،دون أن يخفف أبدا من إضطهاد الفلاحين سواء كميا أم نوعيا. زيادة على ذلك ، هذا الشكل التقليدي من مراباة رأس المال ، لعقود عديدة منذ دخول الرأسمال المالي الإمبريالي القطاع الفلاحي فى شكل رأس مال بيروقراطي بمساندة من الدولة الأداة الأساسية للرأسمال البيروقراطي هو بنك التطوير الفلاحي الذى يحقن الرأسمال المالي الإمبريالي إلى القطاع الفلاحي النيبالي المتخلف بنسب أرباح عالية ( أي 19 بالمائة ). و هذا يمثل 85 بالمائة مما يسمى القروض النظامية. و مع ذلك ، وفق دراسة القرض الريفي الحالي الذى أجراها بنك أسترالي ، حتى الآن 8 بالمائة من القرض الريفي تحت مراقبة المرابين التقليديين و الرأسمال البيروقراطي النظامي قادر على إختطاف نصيبه وهو 20 بالمائة ووفق نفس الدراسة ، أكثر من ثلثي الفلاحين واقعين فى أحبولة الديون لدى المرابين التقليديين" و "النظاميين " و يعتمد الفلاحين الفقراء أكثر على المرابين "التقليديين" الذين يطالبونهم بأضعاف ( فى الواقع ثلاث أو أربع مرات أكثر ) نسب الأرباح من نسب "النظاميين " و كذلك إن أردنا تحليل أغراض القروض التى يقدمها بنك التطوير الفلاحي ، نلاحظ أنه عوض الإستثمار فى قطاعات مثل الري إلخ التى ستدفع بتطور قوى الإنتاج ، فإن المزيد و المزيد يستثمر فى مثل قطاعات"التسويق الفلاحي " الذى سيجعل الفلاحة النيبالية مجرد تابع للإمبريلية العالمية. و على هذا النحو ، من الواضح أن فى الفلاحة النيبالية قد فرضت علاقات الرأسمالية البيروقراطية الجديدة فرضا على العلاقات القديمة شبه الإقطاعية لكن ، بدلا من تطوير قوى الإنتاج فى الفلاحة جعلها مشوهة و تابعة لا غير .
و يتمظهر تخلف العلاقات الإقطاعية فى قطاع الفلاحة النيبالية من جهة فى تفشى بطالة مقنعة و تخلف نتيجة خنق فائض العمل فى العمل المنتج و من جهة أخرى فى هجرة على نطاق واسع للعمل الموسمي و المؤقت من المناطق الريفية إلى المناطق المدينية و بخاصة إلى الهند ليعوض المهاجرون نقص الدخل فى المزرعة مع مداخيل من غير المزرعة و بالتالي تأبيد السيرورة الرجعية لإعادة إنتاج العلاقات شبه الإقطاعية . و تبعا لدراسة لجنة التخطيط النيبالي ، أنجزت قبل وقت قصير ، من مجموع أيام العمل فى المناطق الريفية بقي ما يناهز ال63 بالمائة غير مستغل. و النتيجة حوالي ثلث قوة العمل فرت نحو الهند كيد عاملة موسمية أو مؤقتة بهدف تعويض مكاسب المزرعة. ووجود هذه البطالة المقنعة و إنعدام التشغيل هو فى آن معا سبب و نتيجة لتخلف الفلاحة و دون نقل هذا النطاق الواسع من فائض العمل إلى القطاع غير الفلاحي فإنه غير ممكن تماما تطوير القطاع الفلاحي و الإقتصاد ككل .
منذ الخمسينات ، جرت عديد محاولات إدخال إصلاحات على الفلاحة النيبالية دون تحطيم العلاقات الطبقية الأساسية أو تطوير قوى الإنتاج بالحفاظ على علاقات الإنتاج القائمة. و إثر الحرب العالمية الثانية و بصورة خاصة إثر نهاية حكم الرانا ، فى الخمسينات و الستينات ، جرت محاولات فى ظل هيكلة الدولة القائمة بهدف تنفيذ "إصلاح زراعي " والقيام بإصلاحات تدريجية دون تحطيم الهيكلة الإقطاعية القديمة و تسهيل توغل الرأسمال المالي الإمبريالي , كذلك جرت أيضا محاولات لتطبيق مخططات "تطور " نمو موجه مختلف معتمدا على نموذج "الثورة الخضراء" التى كانت تهدف لتشق طريقها إلى بلدان العالم الثالث التى إضطهدتها البلدان الإمبريالية عبر البنك العالمي و صندوق النقد الدولي. و بعد فشل ذلك النموذج و فهم الخطر المتصاعد لثورة الفلاحين فى البلدان المضطهَدة مثل برامج "برنامج تطوير المزارع الصغرى " و التى أتى بها الإمبرياليون من خلال البنك العالمي فى السبعينات طبقت أيضا فى النيبال .
و عقب الثمانينات ، مع شعار الإمبريالية "العولمة " و "التحرير" مرة أخرى طبق جهاز الدولة سياسات و برامج مثل جعل الفلاحة "موجهة للتصدير " و "موجهة للمؤسسة ". لكن هذه السياسات و البرامج لم تعمل كما أرادوها كالسحر المخرج للأرواح الشريرة من الأجساد ، إذ من غير الممكن تحسين أو تغيير الإقتصاد الذى تضطهده الإقطاعية و الإمبريالية فى ظل إدارة الإمبرياليين و فى ظل إدارة الإقطاعيين و الرأسماليين البيروقراطيين فلم يحصل التحسين والتغيير فى النيبال أيضا. و عليه، بالنيبال يوجد إقتصاد فلاحي يتميز بتفشى الفقر و البطالة المقنعة و التشغيل الجزئي و إنتاجية متدنية جدا و نسبة نمو فى تراجع و تخلف عام. و الطبقات الحاكمة و مخططوها دأبوا على محاولة تغطية هذا الوضع الذى يرثى له للإقتصاد الفلاحي بتقديم إعتذارات الجغرافيا الجبلية و المناخ غير الملائم إلخ. بيد أن الحقيقة هي بالضبط عكس ذلك بما أن الأرض و الماء و العمل المناسبين الذين تحتاجهما الفلاحة بالكاد يوجد أفضل منهما فى مكان آخر مثل النيبال. و من هنا الهدف الرئيسي لحرب الشعب فى النيبال و أساسها هو تطوير قوى الإنتاج فى الفلاحة و إرساء قواعد التطور الشامل للإقتصاد بتركيز علاقات إنتاج جديدة و تقدمية بعد تحطيم علاقات الإنتاج الرجعية السائدة التى تسندها الدولة الرجعية .
3-2/ إنحطاط الصناعة و توسع رأس المال الكمبرادوري و البيروقراطي :
إن أهم معايير قياس الإقتصاد و تطور المجتمع هو معيار مدى التصنيع و نوعيته لأنه خلافا للفلاحة المرتبطة أكثر بوسائل الإنتاج الطبيعية، ترتبط الصناعة أكثر بوسائل الإنتاج التى يصنعها الإنسان و يمكن لسيرورة الإنتاج أن تنظم على مستوى واسع و بمرونة أكبر و من ثم يكون تطور المجتمع ككل أسرع نظرا للنمو السريع للإنتاجية الإجتماعية. و بقدر ما يكون مستوى تطور المجتمع أرقى بقدر ما تكون مساهمة قوة العمل العامة فى الصناعة أوسع و يكون قسط الإنتاج الإجتماعي للصناعة أوفر. و رغم أن جذور الصناعة الخفيفة ووجودها كملحق و جزء من الفلاحة يمكن ملاحظته منذ المجتمع البدائي، فإن ظهور و تطور المعامل الصناعية العصرية على نطاق واسع حدث مع حلول المجتمع الرأسمالي. تاريخيا ، ولادة الرأسمالية الصناعية رافقتها سيرورات عديدة ملازمة أي سيرورة التراكم الرأسمالي البدائي الناتج عن تركيز فائض الإنتاج الإجتماعي من القطاع الفلاحي الإقطاعي القديم كرأسمال بأيدى فئة قليلة من الرأسماليين التجاريين، و سيرورة حرمان المنتجين الصغار للمجتمع الإقطاعي القديم من وسائل إنتاجهم و تحويلهم إلى عمال أحرار يبيعون قوة عملهم ، و سيرورة إنتاج وسائل العيش ووسائل الإنتاج كسلع يتم تبادلها فى السوق الحرة. بكلمات أخرى، من الضروري للرأسمالية الصناعية أن تكون ملازمة لها "طبقة رأسمالية " تستثمر رأس المال فى سيرورة الإنتاج بهدف الحصول على أرباح متصاعدة بإستمرار، و "طبقة بروليتارية حرة" يمكن أن تنتقل إلى أي مكان لبيع قوة العمل دون أي عائق، و "سوق حرة " أين يمكن بيع السلع المعيشية ووسائل الإنتاج و يمكن شراء المواد الأولية اللازمة للإنتاج الصناعي على النقيض من السوق المحدود للطبقة العليا الصغيرة الحجم و التى تستهلك سلع الترف فحسب. و لأسباب عدة ، إذا غاب أحد هذه العناصرالثلاثة أو غابت كلها أو نقصت فعندئذ من غير الممكن تطوير الصناعة الرأسمالية. و بالعكس ، نشوء رأس المال التجاري و تطوره حدث منذ بداية المجتمع الإنساني من خلال تبادل السلع التى كان يتطلبها التفاوت و التنوع فى الإنتاج لدى مختلف المجتمعات. و كذلك إحتاج التفاوت فى الإنتاج ضمن مختلف المنتجين داخل نفس المجموعة إلى قروض أحيانا و قاد إلى ولادة رأس المال المرابي ( أو رأس المال المنتج للأرباح الذى صار يسمى رأس المال المالي إثر ولادة البنوك المعاصرة ). كلا الرأسمالان لا يساهمان فى سيرورة الإنتاج ، مع ذلك يساعد رأس المال التجاري فى تحقيق قيمة رأس المال بجعل المنتوج يصل المستهلكين و لهذا فهو يختلس جزءا من أرباح رأس المال المنتج و رأس المال المالي يختلس جزءا من أرباح رأس المال المنتج فى شكل أرباح للإعانة على الإستثمار المسبق. و بسبب هذا حين يعملان داخل نمط الإنتاج الرأسمالي و فى ظل هيمنة رأس المال الصناعي ، ليس للرأسمال التجاري و الرأسمال المالي قوة مستقلة كبيرة و يلعبان دورا تقدميا فى المجتمع . لكن فى المجتمع الإقطاعي ، ما قبل الرأسمالي أو شبه الإقطاعي يقدمان نفسيهما على أنهما لاعبان مستقلان و طفيليان فى شجرة ليس إلا ، و بقدر ما يكون حجمهم كبيرا بقدر ما يكون تأثيرهم هداما و سلبيا على تطور المجتمع . إثر نشوء الإمبريالية العالمية ، تحول رأس المال التجاري و المرابي أو رأس المال المالي لمجتمعات ما يسمى بالعالم الثالث الإقطاعية و شبه الإقطاعية ، تحول إلى رأسمال كمبرادوري و بيروقراطي عميلا لرأس المال الإمبريالي . و ينهض توسعه بدور سلبي مزدوج فى الأمم المضطهَدة عبر،من جهة ، إعاقة تطور الرأسمالية الصناعية الحرة ،و من جهة أخرى ، عبر نقل رأسمال ما يسمى بالعالم الثالث نحو مراكز الإمبريالية العالمية فى شكل أرباح فائقة الحد فى التجارة و فى شكل فوائد. على هذه الخلفية ، سيكون من المفيد تحليل إنحطاط الصناعات التقليدية و قمع نمو رأس مال الصناعة الوطنية و توسع رأس المال الكمبرادوري و البيروقراطي فى النيبال.
3-2-1/ كما تمت الإشارة إلى ذلك فى الجزء السابق ، إلى بداية القرن العشرين ، كانت حالة الصناعة التقليدية فى النيبال تبعث تماما على التفاؤل إلا أنه عندما شُرع فى إستيراد البضائع المصنعة دون ضوابط من الهند البريطانية ، أخذت الصناعات تموت تدريجيا .
فى خضم الأزمة الإقتصادية الإمبريالية الشاملة للثلاثينات و مع طلبات السلع المصنعة التى خلقتها الحرب العالمية الثانية ، تركزت براناقار جوت ميلز فى 1936 . و دفعت عصرا من الصناعات المعملية المعاصرة فى النيبال. مع ذلك ، إن كان علينا أن ننظر فى تطور الصناعات فى النيبال بعد ستين سنة مذاك ، نجدها فى وضع من التخلف المستمر. و اليوم دور الصناعة فى إقتصاد البلاد لا يؤبه له تماما. و هذا يثبته حجم الإنتاج الوطني المتدنى جدا و أنه عوض أن ينمو فإنه يتراجع أو هو فى ركود. مثلا ، من مجمل قوة العمل المشتغلة فى مختلف النشاطات الإقتصادية ، النسبة المائوية للذين يشتغلون فى الصناعة هي 2،19 فى 1952/54 و 1، 32 فى 1971/72 و مجرد 1،25 فى 1991/92 . و الشيئ ذاته ، من الناتج القومي الخام ، نسبة مساهمة القطاع الصناعي كانت مجرد 15،63 فى 1964/65 و 9،60 فى 1974/75 و 6،01 فى 1984/85 و 10، 33 فى 1994/95 بينما فى الإقتصاديات المتطورة ، كلا النسبتان أعلى من 40 بالمائة. إلى جانب الحجم الضئيل و الذى لا يؤبه له للقطاع الصناعي بشكل مطلق ، تُشير الهيكلة الصناعية أو نوع إستعمال و كمية السلع المنتجة أيضا إلى تخلف كبير ووضع مشوه للصناعة النيبالية . ففى النيبال ، إنتاج السلع الأساسية ( مثل الإسمنت و الكهرباء إلخ ) و سلع رأس المال ( مثل التجهيزات الفلاحية ، الآلات إلخ) و السلع الوسطية ( مثلا مواد البناء ، الأسلاك ، الورق إلخ ) الأساسية للتطور الإقتصادي العام ، متدن للغاية. و فى حين أن إنتاج السلع الإستهلاكية و على رأسها السلع الإستهلاكية غير الدائمة ( مثلا المواد الغذائية ، الكحول ، السجائر، إلخ ) عال جدا مقارنة بالإنتاج العام ( أو أكثر من 80 بالمائة من الإستثمار الرأسمالي العام و أكثر من 60 بالمائة من العدد الجملي للصناعات و العمال ). و بينما إنتاج سلع الترف الإستهلاكية غير الدائمة ( مثل الجعة و الخمر و السجائر و المشروبات الخفيفة إلخ ) الذى تستهلكه الغالبية من الطبقات الوسطى و الدنيا متدن و نسبته فى تراجع ، مثلا سنة 1993/95، إنتاج الجعة و المشروبات الخفيفة ( الكوكاكولا و البيبسى كولا) كان مرتفعا بحيث أنه كان بالمستطاع توزيعها بنسبة لتر لكل فرد من مجموع سكان النيبال ، فى حين كان إنتاج مصنع القطن يوفر مترا من القماش لكل ثلاثة أشخاص و فقط يتوفر حذاء واحد لثلاثين شخصا. وعلى رأس هذا ، خلال العقدالأخير، إزداد إنتاج الجعة خمس أضعاف بينما تراجع إنتاج مصانع القطن و الأحذية إلى الثلث.
و الصناعات التى تدرّ الربح السريع و التى ليست لها ضمانات إستقرار( كالفولاذ الذى لا يتآكل فى الستينات، و صناعة الزربية و الثياب فى الثمانينات) تترنح و تضمحل فى لمح البصر مقارنة بالصناعات المعتمدة على المواد الأولية و العمل و السوق المحليين أو التى لها قيمة مضافة أكبرداخل البلاد. هذه الصناعات الأساسية التى تركزت فى البلاد على مستوى الدولة بإعانات خارجية زمن صراع الحرب الباردة العالمية فى الستينات هي الآن فى وضع يرثى له بحكم غض النظر عنها او الفساد أو هي تباع بسعر بخس للبرجوازية الكمبرادورية. غالبية المصانع تقفل أبوابها إما لنقص المواد الأولية أو لأنها غير قادرة على منافسة السلع الأجنبية و تقريبا 50 بالمائة من الصناعات تستعمل أقل من 55 بالمائة من قدرتها الجملية،حتى بعد الثمانينات ، زمن حملة "الليبرالية " التى حازت دعاية كبرى بدفع من الإمبريالية العالمية . و لم تستثمر الشركات العالمية رأسمالا بالقدر الذى تتوقعه الطبقات الحاكمة ، بالعكس نجد تلك الشركات تستثمر أكثر فى القطاعات التى تعود عليها بربح أوفر بمعنى فوائد أوفر سريعة و ضخمة مثلما هو الحال بالنسبة للجعة و الكحول و المشروبات الخفيفة ( بيبسى كولا و كوكاكولا) و النزل إلخ. و كذلك ، تنمو الصناعات المزيفة التى تركب القطع المستوردة فقط ( كالتلفزة و الراديو إلخ) او لا تفعل سوى إلصاق العلامات التجارية. بصورة عامة ، جرت إعاقة الرأسمال الصناعي الوطني و تطور فقط نوع مشوه و تابع من الصناعات المزيفة و التى لا جذور لها إلى حد ما. و ليس من العسير فهم الأسباب التى تقف وراء هذا التخلف و الإنحطاط فى صناعات النيبال. و العامل الرئيسي وراء هذا هو ، فى النهاية ، وجود العلاقات شبه الإقطاعية و تخلف الفلاحة فى البلاد من جهة و من جهة أخرى ، نقص تطور ملازم لرأس المال و العمل و السوق الذين يتطلبهم تطوير الرأسمالية الصناعية و ذلك نظرا للتدخل الإمبريالي و التوسعي.
قبل كل شيئ ، تاريخيا ، فى النيبال ، بإعتبار أن مراكمة بدائية لرأس المال من الفلاحة و القطاع التجاري تركزت بايدى الإقطاعيين الكبار من الطبقات الحاكمة و البرجوازية الكمبرادورية القاطنة بالهند و لأنه حتى الآن لا يزال يتمادى نفوذها على الإقتصاد وهو يعيق تطور الطبقة الرأسمالية الوطنية. و على سبيل المثال ، بدأت أول صناعة عصرية براتناغار ، جوت ميلز ، و بتعاون مشترك بين مروارى هندي يسمى رادها كيشان شاماريا و الوزير الأول آنذاك جودها شمشار ، و حتى اليوم فى غالبية الصناعة الكبرى و التجارة ذات الإستثمار المشترك للعائلة الحاكمة رانا-شاها و الممرواريين لا يزالون موجودين . تستثمر هذه الطبقة الكمبرادورية التعاون الكلي مع التوسعية الهندية و تجد فائدة أهم فى الإستثمار فى التجارة الخارجية أو العمل كعملاء رأس المال الأجنبي من أن تطور الرأسمالية الصناعية الوطنية. و بما أن هذه الطبقة بالذات كانت تتمتع بسيادة الدولة إلى حد الآن ، لم يكن ممكنا ظهور أي طبقة رأسمالية وطنية مستقلة أخرى . ثانيا ، تطوير طبقة عاملة مستقلة لم يحدث فى البلاد . و ذلك بحكم أن العمال نصف البروليتاريين مرتبطين بالفلاحة شبه الإقطاعية المتخلفة و فائض العمل من المناطق الريفية ، يهاجرون إلى المدن الهندية ليشتغلوا كعمال مؤقتين أو موسميين و عمال من الهند ياتون ليعملوا فى الصناعات داخل البلاد و فى تاراي بالخصوص. و ثالثا ، بسبب تخلف الفلاحة و هيمنة الفقر على الريف لم يتمكن سوق داخلي مناسب للسلع المنتجة صناعيا و المواد الأولية الصناعية من التطور ، و أي سوق داخلي وجد أسيرا للإمبريالية و التوسعية و جراء التفاوت الإقتصادي إلى حد أقصى فى البلاد ، لا قدرة شرائية لغالبية الشعب و هكذا مهما كان العدد المحدود للصناعات التى تفتح أبوابها فإنها تنتج سلع الترف لا غير لإستهلاك العدد المحدود من الأغنياء و بما أن هؤلاء الأخيرين محدودين فإن توسع الصناعات لا يمكن أن يزدهر. أما بالنسبة للسوق الخارجي فإنه من ناحية، بفعل تدنى الإنتاجية لا يمكن للصناعات النيبالية أن تدخل بيسر فى المنافسة و من ناحية ثانية ، لا يوفر التوسعيون الهنود سبيلا للوصول إلى السوق الهندي و ذلك بوضع جملة من العوائق أمام التجارة و النقل و هم أيضا يحولون دون بلوغ سوق ما يسمى بالعالم الثالث.على هذا النحو، ضمن العلاقات و التشكيلة الطبقية الداخلية و الخارجية القائمة يستحيل تطوير رأس المال الصناعي الوطني فى النيبال و تصنيع البلاد وهو ما يثبته الفراغ و الفشل التامين لشعار تصنيع البلاد طوال الستين سنة الماضية .
3-2-2/ على أنقاض إنحطاط و تراجع رأس المال الصناعي الوطني العامل بالإنتاج فى البلاد ، مضى توسيع رأس المال التجاري المرابي و المالي العامل فى التوزيع فحسب و مضى تسهيل هروب رأس المال الوطني بإتجاه البلدان الأجنبية عبر الربح التجاري أو الفوائد ، يتراكم بنسق سريع مشكلا راسمالا كمبرادوريا و بيروقراطيا ، فى العقود الأخيرة. و مع أن الحجم المطلق لرأس المال التجاري و المالي فى المجتمع الذى تهيمن عليه الفلاحة المتخلفة شبه الإقطاعية و الإقتصاد المعاشي ليس متينا بعد ، فإن نسبة توسعهم كانت سريعة و غدت أسرع حتى أخيرا. و على سبيل المثال ، ضمن قوة العمل المشتغلة فى مختلف القطاعات الإقتصادية ، تلك المشتغلة فى التجارة و "قطاع الخدمات" ( رغم أن " قطاع الخدمات " لا يشمل الخدمات المالية فحسب و إنما يشمل أيضا خدمات إجتماعية أخرى ) مثلت 4،51 بالمائة فى 1952/54 و 4، 97 بالمائة فى 1970/71 و 8، 32 بالمائة فى 1990/91 . و كذلك فى الإنتاج الوطني، نسبة التجارة و قطاع الخدمات كانت 12،81 بالمائة سنة 1964/65 و 14،34 فى 1974/75 ،و 27،23 بالمائة فى 1984/85 و 31،30 بالمائة فى 1994/95 . و نسبة النمو الأسرع إثر الثمانينات يمكن إرجاعها لما يسمى سياسة "الليبرالية" وليس من الصعب فهم الطبيعة الأساسية ذات الإلهام الأجنبي و الرجعية لهذا النمو .
و إذا كان علينا أن ننظر فى حالة رأس المال التجاري فى النيبال، بالرغم من أن تاريخه عريق فإن حجمه و تأثيره، مع ذلك، لم يكونا بتلك الأهمية فى الإقتصاد فى عمومه. لكن الخصوصية الجوهرية لرأس المال التجاري فى النيبال هي أنه، منذ البداية الأولى ، تعين دوره أكثر فى التجارة الخارجية منه فى التجارة الداخلية. و من هنا، بما أنه لم يكن مرتبطا بسيرورة إنتاج البلاد، تحول إلى رأس مال كمبرادوري بدلا من التحول تاريخيا إلى رأس مال صناعي وطني. و يعزى هذا بالأساس إلى أن النيبال يوجد على الطريق التجاري بين التيبت و شمال الهند و من ثم هيمنت تجارة التخزين هنا بالضبط منذ البداية و بعد فتح طريق التيبت عبر سيكين بداية القرن العشرين و بعد إغراق الأسواق النيبالية بالسلع المصنوعة فى المعامل الهندية تزاوج رأس المال التجاري النيبالي مع التجارة مع الهند. و حتى الآن، حجم التجارة الداخلية فى البلاد ضئيل لأن 30 بالمائة فقط من الإنتاج فى القطاع الفلاحي يوجه نحو السوق ووفق دراسة أنجزت فى المدّة الأخيرة، فإن التجارة الداخلية لا تساوى إلا 15 روبي للفرد المقيم فى البلاد ،شهريا. لكن مقابل هذا ، حجم التجارة الخارجية نمى أيضا مع تجارة التوريد و بالأساس بشكل مكثف. ففى سنة 1964/65 ، كانت نسبة التجارة الخارجية من الناتج القومي الخام 16،75 بالمائة ( و ضمنها ساهمت تجارة التوريد ب 11، 32 بالمائة ) و فى 1994/95 تضاعفت نسبته مرتين و نصف المرة و بلغت أحيانا ما يفوق 40، 13 بالمائة (و ضمنه كانت تجارة التوريد تمثل 31،52 بالمائة) .
و كذلك ، يتأتى ما يناهز ثلث ميزانية مداخيل الدولة من التجارة الخارجية و أيضا أساسا من التعريفة الجمركية لتجارة التوريد و تعتمد ضرائب المبيعات التى تقدر ب 60 بالمائة من مداخيل ميزانية الدولة على القطاع التجاري. من هنا يتضح أن الدولة نفسها مسؤولة عن توسع راس المال البيروقراطي. و بالرغم من أن السياحة التى تعتبر أحد أهم مصادر الكسب فى التبادل مع الخارج تسمى "صناعة خدمات " بما أن أغلب المواد المستعملة فيها تورد من البلدان الأجنبية و 50 بالمائة من المرابيح العامة تعود إلى البلدان الأجنبية فإن شكل السياسة الحالي يجب إعتباره مجرد جزء من الرأسمالية البيروقراطية .
بصورة عامة ، إن كان علينا أن نحلل هيكلة رأس المال التجاري النيبالي ، ليس ثمة من شك فى أن طبيعته "كمبرادورية " نظرا لأنه يساعد بالأساس فى تحقيق قيمة للرأسمال الأجنبي ببيع سلع الإمبرياليين و التوسعيين الصناعية. و أيضا بحكم بقائه " مستقلا " عن سيرورة الإنتاج داخل البلاد و يساهم فى عبور رأس المال العالمي نحو البلدان الأجنبية فى شكل ربح تجاري، من الجلي أن لتوسعيته التأثير السلبي و الهدام على تطور الإقتصاد الوطني. و بإعتبار أن التجار الهنود و الإقطاعيين المقيمين بالنيبال إحتكروا رأس المال التجاري النيبالي ( مثلا 75 بالمائة من مجموع مبيعات التجارة فى كتمندو و تاراي بين أيديهم و لغالبية النزل السياحية إستثمارات مشتركة بين عائلات رانا –شاهو الهنود إلخ ) ، فإن رأس المال التجاري بدل أن يندمج فى سيرورة الإنتاج الداخلية يتركز فى التجارة الخارجية التى تحددت بتلبية طلبات السلع الإستهلاكية لحفنة من الطبقات الغنية إلخ . إن رأس المال التجاري النيبالي قد تحول إلى رأس مال كمبرادوري عوض أن يطور رأس المال الصناعي الوطني. و من هنا إن لم يقع تصحيح هذه السيرورة بتحطيم رأس المال الكمبرادوري و بتغذية رأس المال الوطني ، من غير الممكن تطوير إقتصاد البلاد .
و فى ما يتعلق برأس المال المالي ، فإن رأس المال المرابي يحصل على فوائد عالية و يتكفل بخدمات أخرى وهو جد تقليدي لزمن طويل و حتى الآن لديه شبكة واسعة فى المناطق الريفية. لقد نشأ رأس المال المالي المعاصر المنظم ،مع ذلك ، فقط بعد إنشاء البنك النيبالي محدود الضمان فى 1937. بيد أنه إلى الستينات ، من جهة ، كانت العملة الأجنبية تحت مراقبة بنك الهند الإحتياطي فى حين كان داخليا ، رأس مال المرابين الأفراد هو المصدر الأساسي لكافة القروض. و إثر إنشاء شركات مالية متنوعة ( كشركة التطوير الصناعي للنيبال و بنك تطوير الفلاحة إلخ ) و بنوك تجارية فى ظل حماية الدولة و إستثمار رأس المال الأجنبي فى نهاية الخمسينات و فى الستينات، توسع رأس المال البيروقراطي فى شكل رأس مال مالي بنسق أسرع. وفى الستينات، مثلت أملاك جميع الشركات المالية 14بالمائة فقط من الناتج القومي الخام لكن فى التسعينات، زاد ليبلغ حوالي 50 بالمائة. و إبان الثمانينات ، شرعت البنوك الأجنبية فى ولوج البلاد و فى السنتين الأخيرتين ، أنشأت ثمانية بنوك أجنبية و معها تضاعفت أموال البنوك التجارية تقريبا بعشر مرات من 7.7 بليون روبي إلى 75.99 بليون روبي. غير أنه إذا كان علينا أن نبحث فى هيكلةهذا النمو السريع لرأس المال المالي ، لن يكون من الصعب كشف طبيعته الرجعية. أولا ، بدلا من أن يستثمر الإقطاعيون و الرأسماليون البيروقراطيون التجاريون فى مشاريع الإنتاج الصناعي الموجه ، يستثمرون فائضهم من الفلاحة و الأرباح من التجارة فى هذا اللون الجديد من الربى حيث يمكن تحقيق الفوائد الأعلى و العائدات السريعة. و يفضى هذا إلى تخلف الفلاحة و الصناعة. ثانيا، بما أن غالبية إستثمارات المؤسسات المالية (تقريبا 50 بالمائة) توظف فى قروض الإستهلاك فى قطاعات الفلاحة و الصناعة المنتجة ، فلهذا تداعيات سلبية على التطور الإقتصادي البعيد المدى. ثالثا ، بحكم أن هذه المؤسسات المالية تابعة فى الأساس لرأس المال المالي الإمبريالي ، فإن عبرها سيغادر رأس المال البلاد و بالتالي سيحبط تطور رأس المال الصناعي فى البلاد. و كون نسبة توسع رأس المال المالي سريعة ، لا علاقة إيجابية له الآن بتطوير الفلاحة و الصناعة فى البلاد ،و يؤكد بصورة قاطعة الطبيعة الرجعية لرأس المال المالي هذا .
و مثال آخر عن تدخل رأس المال المالي الإمبريالي و نشاطاته التخريبية فى صورة رأس مال بيروقراطي ما يسمى إعانة أجنبية . فبعد الخمسينات ، و بداية دخول رأس المال الإمبريالي و التوسعي بإسم الإعانة الأجنبية ، تزايد حجمه فى العشريات التالية و معه إزداد القرض الخارجي كله و إزدادت تبعية البلاد كذلك. و بالنتيجة ، أضحى النيبال الآن تخنقه حلقة مفرغة من أحبولة الديون التى تتطلب مزيدا من القروض الأجنبية لتسديد الديون الخارجية. ففى سنة 1970/71، كان الدين الخارجي 15 روبي للفرد الواحد لكن بعد 25 سنة من "التطور" أي فى 1994/95 إرتفع الدين الخارجي للفرد بما يعادل 400 مرة ، إلى أكثر من 600 روبى و ربع مدخول الميزانية السنوية ينبغى صرفه خدمة للديون الخارجية. و أيضا ، كيفية تزايد التبعية الخارجية للبلاد يبين أن سنة 1975/76 ، كان 408 بالمائة من مجموع "ميزانية التطوير" معتمدا على القروض و الإعانة الخارجيين ، فى 1994/95 تعمقت التبعية إلى 61.60 بالمائة.إضافة إلى ذلك ، كان الهدف الرئيسي للقروض الخارجية ، إلى جانب الحصول على الفوائد ، توسيع الأسواق الإمبريالية و التوسعية. و هذا ما تؤكده الأربعون سنة الأخيرة حيث إستعملت أكثر من 60 بالمائة من "الإعانة الخارجية " فى مجال النقل و الإتصالات. كما و تم ضخ بلايين الروبى فى النيبال فى المناطق الريفية بإسم المنظمات غير الحكومية و المنظمات العالمية غير الحكومية إمتدادا لخطة الإمبريالية فى التحكم بالأزمة المستفحلة فى الأمم المضطهَدة إثر السبعينات و الحيلولة دون تحولها إلى إنتفاضات ثورية .
و هكذا لأجل تطوير رأس المال الصناعي الوطني بتحطيم رأس المال الكمبرادوري و البيروقراطي و تعبيد الطريق أمام التطور بالتعويل على الذات قطعا مع التبعية ، بات التحويل الثوري للمجتمع و سيرورة حرب الشعب حتميان .
3-3. التفاوت الجهوي و المسألة القومية :
تحدث السيرورات الإجتماعية فى مجال جغرافي و من هنا يتمظهر التقسيم الإجتماعي للعمل فى التقسيم الجهوي للعمل. تاريخيا ، بدأ التقسيم بين المدينة و الريف مع التقسيم الإجتماعي للعمل. لهذا ، مع سيرورة التطور التاريخي للمجتمع ، تأخذ سيرورة تنظيم أو تغيير المجال الجغرافي مجراها هي الأخرى. بكلمات أخرى، وفق نمط الإنتاج و التوزيع و الإستهلاك فى المجتمع ، تتجدد هيكلة تبلور التجمعات السكانية والنقل و الإتصال الإنسانيين و الهيكلة الجهوية ككل. ففى المجتمعات ما قبل الرأسمالية لا سيما فى نمط الإنتاج الإقطاعي ، فى هذه المجتمعات التى تقوم أولا على الفلاحة ( وفيها الأرض وسيلة الإنتاج الرئيسية لا يمكن نقلها من مكان إلى آخر)، و فيها لتبادل السوق دور لا يؤبه له،هنالك هوة ضئيلة بين المناطق على المستوى الجغرافي ذلك أنه لا توجد سوى بعض المدن كحصون عسكرية أو مراكز إدارة سياسية و مراكز إستهلاك لطبقات إجتماعية طفيلية صغيرة جدا و بقية طبقات الشعب المنتجة تعيش ضمن قرى ريفية صغيرة أو مراكز سكانية واسعة الإنتشار. وعليه ، الهيكلة الجهوية ذات المركز الواحد التى تتميز بمدينة كبيرة فى المركز و قرى ريفية صغيرة متجانسة حولها هي خاصية من خاصيات المجتمع الإقطاعي. وفقط بعد حلول نمط الإنتاج الرأسمالي، تطورت المدن الكبرى العصرية كمراكز للإنتاج و التوزيع و الإستهلاك و أخذت تحصل تغيرات لم يسبق لها مثيل. مع هذا ، حصل تفاوت جهوي و تطور غير متكافئ كتمظهر جغرافي للتفاوت الإجتماعي الناجم عن سيرورة التوجه نحو المركزة و الإحتكار الكامنة فى الرأسمالية. و يمكن تشبيه الهيكلة الجهوية للمجتمع الإقطاعي أو شبه الإقطاعي المرتبط بعلاقة إستعمارية أو شبه إستعمارية مع الرأسمالية الإحتكارية العالمية ( أي الإمبريالية ) يمكن تشبيهها بالهيكلة الهجينة الإقطاعية و الرأسمالية بمعنى آخر ،من جهة ، فى مرحلة تخلف ريفي تغلب الأرض الفلاحية الداخلية بينما ثمة مراكز مدينية محددة و جزر من "التطور" الظاهري الذى يراكم فائض الإنتاج الإجتماعي من المناطق المتخلفة و ينقله إلى البلدان الأجنبية و يورد المنتوجات الأجنبية ليوزعها عبر البلاد كافة. هذا الوضع من التطور غير المتكافئ ينشئ لدى الجهات المضطهدة و المتخلفة وعيا بالهوية الجهوية و الحكم الذاتي أو الإستقلال. وهو عادة ما يتخذ شكل مسألة قومية. و لأن الذين يقطنون مناطق الجهات المتخلفة و المضطَهدة هم غالبا السكان الأصليون و حيث ثمة تزاوج بين المنطقة و اللغة و الإقتصاد و الثقافة المشتركين ، فإن مثل هذا الإضطهاد الجهوي يعبر عن نفسه كإضطهاد قومي و على هذا النحو تتداخل المسائل الجهوية و القومية بصورة لا فكاك منها. و هذا ( التطور الجهوي المتفاوت) هو السبب الأساسي لإحتداد المسألة القومية حتى أكثر بعد نشوء الرأسمالية أو الإمبريالية. و بالضبط على ضوء ما تقدم ينبغى أن نفهم المسألة الجهوية و القومية فى النيبال الذى يمر بمرحلة إنتقالية من الإقطاعية إلى الرأسمالية .
حتى الآن ، فى النيبال ، يعيش 90 بالمائة من مجموع السكان فى المناطق الريفية و فقط 10 بالمائة يعيشون فى المناطق المدينية و هذا مظهر من التقسيم الجغرافي للعمل المناسب للتقسيم الإجتماعي للعمل فى المجتمع شبه الإقطاعي المعتمد على الفلاحة ( فى حين أن فى المجتمعات المتطورة 80 إلى 90 بالمائة من السكان يعيشون فى المدن و فقط حوالي 10 إلى 20 بالمائة يعيشون فى القرى). فى 1953/54 ، كان السكان المدينيون فى النيبال 3 بالمائة و بعد أربعين سنة ، بلغوا 10 بالمائة وهو أمر لا أهمية له بأي معيار. مع ذلك ، سيرورة التمدين و نمط تطور نظام النقل و الإتصالات فى الأربعين سنة الأخيرة يشيران إلى بعض التغييرات الهامة فى النيبال. ففى 1952/54 من عشر مراكز مدينية يقطنها أكثر من 5000 ساكن ، خمسة كانوا فى وادى كتمندو و خمسة فى تيراي . بتوزيع سكان المدن ، فى كتمندوا ، 83 بالمائة و فى تيراي 17 بالمائة . إذا كان علينا أن ننظر فى تاريخ إرساء بعض المراكز السكانية فى تاراي على إثر توسع السكك الحديدية الهندية إلى حدود تاراي من النيبال ، مع نهاية القرن التاسع عشر، عندئذ لا يمكن تسمية المراكز السكانية بالمراكز المدينية سوى كتمندو و للتيور و مهاكاتابور و من ثم كان مجمل السكان المدينيين فى النيبال متجمعين بوادى كتمندو. هذه الهيكلة المدينية الريفية و كيفية توزعها تتوافق فى غالبيتها مع الهيكلة الإحادية المركز فى المجتمع الإقطاعي غير أنه من 33 مركز سكاني، تعد رسميا "مراكز مدينية" فى شكل بلديات ، فى 1991 ، ثلاثة توجد بوادى كتمندو و 22 فى تيراي و 8 فى المناطق الجبلية و توزع سكان المدن فيها تباعا 35 بالمائة و 53 بالمائة و 12 بالمائة . و هكذا، من الجلي أن بعد الخمسينات، كان الإقتصاد النيبالي يزداد وقوعا فى شرك الإمبريالية و التوسعية و كتعبير مادي عن ذلك ، نمت كالفقاقيع المراكز "المدينية" على طول الحدود الهندية و الهيكلة الجهوية العامة للنيبال بدأت توجه إلى الخارج. و على الرغم من ذلك ، ظلت الأولوية السابقة لوادى كتمندو كعاصمة جهوية محدودة نسبيا. و هذا الوضع يؤكده أكثر كون إنسياب حركة المرور على الطرق وجوبا و أنظمة الإتصالات هي بالأساس موجهة نحو كتمندو و ثم نحو مدن تيراي و كون ضمن مجمل حركة مرور العربات فى البلاد تمثل تلك التى تتوجه إلى وادى كتمندو و تعود منها 40 بالمائة. تعكس مثل هذه الهيكلة الجهوية الإحادية المركز و الموجه للخارج الهيكلة الإجتماعية شبه الإقطاعية و شبه الإستعمارية و سيرورة التطور غير المتفاوت والمشوه للبلاد .
لئن حللنا وضع تطور الجهات الأساسية جغرافيا فى البلاد و نسق هذا التطور،فإننا نلاحظ صورة باعثة على الفزع للتخلف المطلق من جهة و النمو اللامتكافئ و تشوه التطور من جهة أخرى. عمليا ، يمكن تقسيم النيبال إلى جبال الهيمالايا و جبال تيراي و سهولها ( بما فى ذلك تيراي الداخلية ) من الشمال إلى الجنوب و إلى كوشى غنداكا و كرنالي و أترشادس من الشرق إلى الغرب ووادى كتمندو الموجود داخل منطقة نصف جبلية كمنطقة على حدة بسبب خصوصيات تطورها التاريخي. تاركين جانبا فترة ما قبل التاريخ ، إذا كان علينا أن نعاين تاريخ الثلاثة آلاف سنة الماضية ، فإنه يبدو أن العامود الفقري شرق-غرب المنطقة الجبلية المركزية فى الوسط هو أول منطقة أساسية للسكن و كان وادي كتمندو أكثر المناطق تطورا. و فقط إثر نهاية القرن التاسع عشر حين تم إقتلاع غابات بصورة فاحشة بتيراي ( بما أن الأهمية الإقتصادية للأرض الغابية الخصبة بتيراي تم دوسها مع توسع السكك الحديدية الهندية إلى الحدود) و بالخصوص بعد القضاء على المالاريا فى الخمسينات ، أخذ عدد السكان فى تيراي ينمو و ضمن المناطق الجبلية. قبل إرساء الدولة المركزية ، كان مستوى التطور تقريبا متماثلا فى كل الأماكن . مع ذلك ،فى ما بعد ، غدت منطقة غنداكا فى الوسط أكثر تطورا لأنها كانت أقرب إلى مركز الدولة المركزية و كانت الموطن الأصلي للبيروقراطية الرئيسية العسكرية و غير العسكرية و كذلك كانت مليئة أحواضا و هضابا مناسبة للفلاحة مقارنة بمنطقتي كوزى و كرنالا و هما بعيدتان عن أن تكونا حصن الدولة المركزية. و كون 60 بالملئة من عموم سكان البلاد ،قبل الخمسينات ، كانوا يعيشون فى الجبال ( بما فى ذلك فى الهيمالايا) و 5 بالمائة فى وادى كتمندو و 35 بالمائة فى تيراي ، يشير بوضوح إلى أن المنطقة الجبلية كانت المنطقة السكنية الأساسية إلى حينذاك. إلا أنه ، مع التسعينات ،شهد توزع السكان فى مختلف الجهات تغيرا فصار 42 بالمائة فى الجبال و 11 بالمائة فى وادى كتمندو و 47 بالمائة فى تيراي . و فى إطار إستمرار طبيعة الإقتصاد المعتمد على الفلاحة و غياب مستوى تصنيع ذو دلالة فى أي مكان، من الواضح أن نقل السكان هذا ليس نقلا عموديا قطاعيا واسعا ( أي من الفلاحة إلى الصناعة ،وهو أمر تقدمي تاريخيا ) و إنما مجرد نقل جغرافي عبر المناطق ( أي من الفلاحة إلى الفلاحة ). و هكذا ، لن يحل النزوح من فلاحة الجبال إلى فلاحة تيراي المشكل لبعض الوقت الشيئ الذى يزيد فى الواقع من تأخير تطور منطقة الجبال التى تشكل منطقة واسعة ( أي 79 بالمائة من مجموع المساحة) .
أما بصدد التيار المتصاعد للنزوح نحو منطقة العاصمة ، وادى كتمندو، فإنه إلى حد ما يعود توفر فرص عمل غير فلاحي و أساسا يعود إلى الإنتقال البائس للفلاحين نصف البروليتاريين ك " لاجئين غير شرعيين". مع هذا، بسبب مركزة كافة الخدمات الإقتصادية و الإجتماعية تقريبا بما فيها الإدارة المركزية و التسهيلات المادية فيها ، يتسرب الإقطاعيون الريفيون و الأغنياء الجدد عبر البلاد بأسرها إلى كتمندو ليستثمروا فوائضهم الفلاحية فى نشاطات مالية و تجارية أو فى مشاريع عقارية. ومن مؤشرات تدفق رأس المال من البلاد جميعها صوب كتمندو وكون هذه الأخيرة هي نفسها تستهلك أوفر قسط من "التطور" تقدمها هذه الأرقام : 60 بالمائة من الإيداعات و 50 بالمائة من قروض البنوك التجارية تتمركز فى كتمندو و ثلث التجارة الداخلية للبلاد يتم فى كتمندو و69 بالمائة من الإستثمارات فى النزل السياحية تجرى فى كتمندو و 60 بالمائة من العربات ذات المحركات فى البلاد مسجلة فى كتمندو و 60 بالمائة من الصناعات موجودة فى كتمندو أو حولها إلخ . على العكس من هذا ، لا تتوفر فى المناطق الجبلية و أغلب المناطق الريفية البنية التحتية الأساسية مثل الطرقات و الماء و الكهرباء إلخ و الخدمات الإجتماعية مثل التعليم و الصحة إلخ .
و حين يقع حساب نسبة التطور المركب للمحافظات، يلاحظ أن محافظات وادى كتمندو ( أي كتمندو ، لالتبور و بهاكتابور) توجد على رأس القائمة و محافظات شرق تيراي ( أي مورانق ، سنساري و جهابا ) تأتى فى المرتبة الثانية و محافظات مثل برسى و كاسكى و بنكى و شتوان إلخ ذات المراكز المدينية الكبرى تأتى فى المرتبة الثالثة و بقية محافظات تاراي تأتى الرابعة و المحافظات الجبلية فى أسفل السلم. حتى ضمن محافظات المناطق الجبلية، المحافظات فى كرنالي و أترشاد هي الأكثر تخلفا. و هكذا ، مع التخلف العام لكامل البلاد ، فإن التفاوت بين الجهات يتفاقم ضمن التوزيع الحالي شبه الإقطاعي و شبه المستعمر و إن لم يجر تصحيح سيرورة التطور الأحادي المركز و الموجه للخارج ، من الأكيد أن الإختلافات الجهوية ستكون أحدّ مستقبلا.
و الجهات المضطَهَدة داخل البلاد هي أولا المناطق التى يقطنها السكان الأصليون منذ الحقب البعيدة. و هؤلاء السكان الأصليون سيطروا على الجهات التى كانت دولا قبلية مستقلة سابقا لتشكل الدولة المركزية ، فى أواخر الجزء الثاني من القرن الثامن عشر، صاروا الآن فى وضع أكثر تخلفا و إضطهادا نظرا للإستغلال الإقطاعي الداخلي و الإضطهاد الخارجي شبه الإستعماري. لقد خلفوا وراءهم سيرورة التطور التاريخي بسبب إعاقة طريقهم نحو التطور المستقل و فرض إضطهاد إجتماعي ثقافي إلى جانب إضطهادهم الإقتصادي من قبل قوى أتت من خارج البلاد مستندة إلى الدولة. و من هنا ، من الطبيعي تماما أن ظهرت مسألة الإضطهاد الجهوي للمنغول المسيطرين على شرق و وسط و غرب المناطق الجبلية أو أرسترو-درافيد بينما سيطر الأرسترو-درافيد على داخل تيراي و مناطق تيراي ، فى شكل إضطهاد قومي. هنالك ، المسائل الجهوية و القومية متداخلة الواحدة مع الأخرى. و بالإظافة إلى ذلك ، مشكل الكاس الذين يهيمنون على منطقة أقصى غربي كرنالا يمكن أن يبدو مسألة جهوية بدلا من مسألة قومية و يجب معالجتها تبعا لذلك. و هكذا ، حسب الوضع الملموس ، من الضروري معالجة مشكل الجهات و القوميات المضطهَدَة بتوفير حكم ذاتي جهوي و قومي.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------الجدول 1 : تجارة الإستيراد و التصدير فى النيبال / مبوبة حسب البلدان و السلع ( 1994-1995)/ قيمة بمليون روبي
مجموع التجارة بلدان أخرى الهند البلاد
إستيراد/تصدير :
نسبة مائوية إستيراد/تصدير :
نسبة مائوية إستيراد/تصدير :
نسبة مائوية سلع
16427.32437.414.84
25.0713.16
100.00100.00 19861.31276.413.92
- 44.401.90
- 68.09.11.34 -5242.1216141.22
- 22.2164.14
- 31.9188.66 قيمة
نسبة مائوية للسلع
نسبة مائوية بالبلاد
49084.515461.33150
- 47.9186.38
- 100.00.100.00 248624914253.257.33
- 555895.10(++)
- 68.3392.19 -15545.91208.17.77
- 74.7735.86
- 31.677.81 قيمة
نسبة مائوية للسلع
نسبة مائوية بالبلاد
-14.90.10.67
- 0.020.0
-100.00100.00 -11.70.185
-0.20.00
- 78.52100.00 - 3.20.0
-0.200.0
- 21.480.0 قيمة
نسبة مائوية للسلع
نسبة مائوية بالبلاد
65526.717898.827.32
-100.00100.00
-100.00100.00 44735514529.732.48
-100.00100.00
- 68.2781.18 20791.23369.116.20
- 100.00100.00
- 31.7318.82 قيمة
نسبة مائوية للسلع
نسبة مائوية بالبلاد

(++) ملاحظة من المنتوجات الثانوية المصدرة ل"بلدان أخرى" زرابي صوفية و ثياب جميعها تمثل 92 بالمائة
و المصدر هو بنك أسترا النيبالي ، قسم التجارة الخارجية /1995.
الجدول 2 : توزع الأسر و المساحة التى تحتلها / عقار الأرض بالنسبة المائوية .
1991 1981 1971 1961
مساحة اسر مساحة اسر مساحة اسر مساحة اسر حجم العقار
0.0 1.17 0.0 0.37 0.0 0.80 0.0 1.43 لا تملك أرضا
30.5 68.63 17.33 66.32 27.20 76.77 24.03 73.89 أقل من 1.0 هكتار
50.8 27.68 46.13 28.05 39.29 18.39 35.68 19.56 1-4 هكتارات
18.7 2.51 36.54 5.35 33.74 4.03 41.42 5.13 أكثر من 4 هكتارات
100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 المجموع

الجدول 3: التوزع الجغرافي للأسر و المساحة المملوكة بعد "الإصلاح الزواعي " حسب حجم العقار بالنسبة المائوية :

الجبال الغربية الجبال الشرقية غربي تيراي شرقي تيراي وادي كتمندو حجم الملكية الجهوية
أسر مساحة أسر مساحة أسر مساحة أسر مساحة أسر مساحة
25.71 76.17 44.51 91.33 1014 14.61 5.63 43.27 39.90 80.28 أقل من هكتار واحد
57.45 22.65 25.81 6.98 12.41 36.52 29.20 41.28 60.10 19.72 1-5 هكتارات
4.12 0.50 14.64 1.34 32.14 29.21 15.77 7.5 - - 5-10 هكتارات
12.63 0.64 - - 54.31 19.66 49.40 7.95 - - أكثر من 10 هكتارات
100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 المجموع
المصدر : زتمتن ،م أ (1973)، تقييم الإصلاح الزراعي فى النيبال ، وزارة الإصلاح الزراعي ، حكومة جلالته فى النيبال، كتمندو ( ص 93-94).
الجدول 4 توزع ملكية الأرض حسب أنواع الحيازة و المناطق (1961و 1971)
المجموع ملاك مستأجر فلاح مالك نوع الحيازة
مساحة أسر ملك / اخر أسر مساحة أسر مساحة أسر
-

100.00 -

100.00 -

13.91/8.02 -

15.63 -

1.56 -

2.30 -

76.50 1961/ -
1971/ 82.00 مناطق جبلية عالية
100.00

100.00 100.00

100.00 27.56 /13.68

9.74/ 5.68 31.43

9.63 2.19

0.67 2.95

1.03 56.56

84.26 1961/-65.62
1971/ -89.32 جبال
100.00

100.00 100.00

100.00 27.64 /29.85

15.84 / 13.09 49.61

25.77 7.51

12.89 12.19

19.96 35.00

58.19 1961/38.13
1971/ 54.27 وادى كتمندو
100.00

100.00 100.00

100.00 16.12 /9.89

5.27/ 4.96 18.14

5.95 14.43

8.60 10.52

5.35 59.56

81.22 1961/ -71.34
1971/ -88.88 تيراي الداخلية
100.00

100.00 100.00

100.00 21.42 / 16.75

11.18 / 10.87 37.60

22.95 12.25

7.99 15.00

8.46 49.58
69.96 1961/ -47.40
1971/ -68.59 تيراي
100.00

100.00 100.00

100.00 22.64 /15.72

10.62 / 9.32 33.19

14.61 9.79

6.48 7.17

4.38 51.84

73.65

1961/ -59.64
1971/ -80.99 النيبال

- ملاحظة :" مناطق جبلية عالية" مدمجة مع" جبال " فى أرقام 1961 / المصدر : المكتب المركزي للإحصاء / الإحصاء الفلاحي النيبالي ( 1961/1971) كتمندو.
الجدول 5 :
توزيع حيازة الأرض بعد "الإصلاح الزراعي " ( المصدر : زامان م ، أ (1973)، مصدر ذكر سابقا . )

معدل حجم الملكية بالهكتار--- الأرض المزروعة 100.00 الأسر التى تملك أرضا 100.00 مجموع الأسر
92.2 ملكية الأرض/ نسبة مائوية
18.33 26.91 3.31 1.8 إقطاعيون
1.67 49.11 56.22 62.0 فلاحون ملاكون
1.64 15.36 20.70 19.1 ملاكون غير مستأجرين
1.74 8.62 10.77 2.3 فلاحون مستأجرون
- - - 7.8 فلاحون لا يملكون أرضا
100.00 100.00 100.00 100.00 المجموع
-----------------------------------------------------------------------------
4.0) سياسة الديمقراطية الجديدة : برنامجها الاقتصادى و سيرورتها :
من التحليل أعلاه لظروف التطور الاجتماعي و الجهوي و سيرورته ، من الجلي أن العائق الأساسي أمام تطور قوى الانتاج الاجتماعية هو العلاقات الطبقية الداخلية و الخارجية أو علاقات الانتاج الاجتماعية ، فى ظل الوضع شبه الاقطاعي و شبه المستعمر. من هنا يستحيل المضي قدما بالمجتمع النيبالي تاريخيا فقط عبر الاصلاحات أو تغيير البنية الفوقية فحسب و الابقاء على قاعدة المجتمع القديم بتمامها. لقد بات من الضرورة التاريخية ارساء نوع جديد من نظام الانتاج الرأسمالي الموجه نحو الاشتراكية أو الديمقراطية الجديدة بتحطيم نمط الانتاج القديم شبه الاقطاعي الذى تستعبده الامبريالية و التوسعية. بصيغة أوضح، ان التاريخ يدفعنا الى أن نقول وداعا للطبقات الاقطاعية و الكمبرادورية و البيروقراطية المعيقة لتطوير المجتمع من مجال التاريخ النيبالي و الى أن نسلم مسؤولية تنظيم شكل جديد و أرقى من النظام الاجتماعي (أي العمال و الفلاحين و البرجوازية الصغيرة و البرجوازية الوطنية ). و حرب الشعب هي الوسيلة الحتمية لهذا التغيير الثوري التاريخي للديمقراطية الجديدة. و ترمى حرب الشعب المخاضة فى ظل قيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و بمساهمة مشتركة من جميع طبقات المجتمع التقدمية، ترمى الى بناء قاعدة ديمقراطية جديدة بعد القضاء على القاعدة شبه الاقطاعية و شبه المستعمرة للمجتمع و فى الأخير ترمي الى نوع مجتمع خال من الطبقات و من الاستغلال. و يمكن تقديم سياسة التطوير الاقتصادي و برنامج و سيرورة مثل هذه الثورة الديمقراطية الجديدة كالتالي :
4.1) سياسة تطوير الاقتصاد:
ستكون سياسة تطوير الاقتصاد الأساسية فى الثورة الديمقراطية الجديدة للنيبال كما يلى:
أ) تغيير ثوري لعلاقات الانتاج :
ستغير السياسة الاقتصادية الأساسية لثورة الديمقراطية الجديدة فى النيبال علاقات الانتاج القديمة من أجل تطوير قوى الانتاج اعطاء نسق أسرع لتطوَر المجتمع عموما. رغم وجود علاقة ترابط بين علاقات الانتاج و قوى الانتاج وأن أي تغيير فى احداهما يؤثر فى الآخر إلاَ أنه فى العلاقات المتخلفة شبه الاقطاعية و شبه المستعمرة ، فى المرحلة الحالية للمجتمع النيبالي، غدت المعرقل الأساسي لتطور شكل جديد و أرقى من نمط انتاج رأسمالي. فى هذا الوضع ، محاولات التشديد على قوى الانتاج فحسب (أو رأس المال و التكنولوجيا و الخارج أيضا!) و المحافظة على علاقات الانتاج القديمة كما هي لن يكون رجعيا تماما فحسب و إنما أيضا ثبت فشله عمليا. و عليه ستكون السياسة الجوهرية للثورة مصادرة وسائل الانتاج التى كانت بأيدى الطبقات الرجعية و بالأساس الأرض التى كانت بأيدي الاقطاعيين و رأس المال الذى كان بايدى الطبقات الرأسمالية الكمبرادورية و البيروقراطية و بالتالي وضعها بأيدي القوى التقدمية ( أي العمال و الفلاحين و البرجوازية الصغيرة و البرجوازية الوطنية ) و تنظيم نمط الانتاج بطريقة جديدة. و فقط بتحرير المبادرات الثورية لغالبية الجماهير الكادحة و التقدمية سيكون من الممكن التغيير الثوري لإقتصاد متخلف مثل الاقتصاد النيبالي . لهذا بالمستطاع القول إن شعار " القيام بالثورة مع دفع الانتاج " الذى رفعه ماو العظيم سيكون صالحا للنيبال أيضا. مع ذلك ، بسبب تخلف الدولة شبه الاقطاعي و المستوى المتدنى جدا لتطور قوى الانتاج فى النيبال ، فإن الشكل الرئيسي لعلاقات الانتاج الجديدة لن يكون الاشتراكية فى بدايته بل سيكون من نوع رأسمالي و فقط بعد المرور بمرحلة انتقالية يتم انجاز التحويل الاشتراكي. فى المرحلة الديمقراطية الجديدة، ستكون الصناعات الثقيلة و الأساسية و الشركات الكبرى ملكية اجتماعية للدولة و ستكون بعض وسائل الانتاج الكبيرة ملكية مشتركة للدولة و الأفراد و ستوجد، فى الفلاحة ، ملكية خاصة للفلاحين و فى الصناعة و التجارة الصغيرتين و المتوسطتين ، ستوجد ملكية الصناعيين و التجار.
ب) التطوير المستقل و التعويل على الذات :
سياسة التطوير الرئيسية الأخرى فى اقتصاد الديمقراطية الجديدة ستكون التطور المستقل و التعويل على الذات متحررا من اضطهاد الامبريالية و التوسعية و استغلالهما. إن تطوَر البلاد غير ممكن دون تحرير ذاتها من قيود الامبريالية و التوسعية لأن سيرورة التخلف فى النيبال تسارعت بعد خنقه بعلاقة غير متكافئة و استغلالية مع الامبريالية العالمية و بصورة خاصة مع التوسعية الهندية و النيبال حاليا واقع فى أحبولة لا مخرج منها هي الديون الخارجية و عجز تجاري لا يحتمل و تبعية و سلب على كافة الأصعدة من قبل الرساميل الأجنبية و الشركات العالمية. و من ثم ، عوض سياسة التطور الحالية المشوهة و التابعة ، سيتم اتباع سياسة موجهة نحو الداخل و معوّلة على الذات بالاعتماد على الموارد الطبيعية و رأس المال و العمل و التكنولوجيا و السوق المحليين. و هذا لا يعنى بالمرة أنه لن توجد روابط إقتصادية مع البلدان الأجنبية أو لن يستعمل العلم و التكنولوجيا العصريين كما يدعى زورا الامبرياليون و عملاؤهم . و ستكرس سياسة صيانة التجارة و العلاقات الأخرى مع الكل على قاعدة المساواة و الفائدة المتبادلتين و الحاجيات الوطنية و استعمال التكنولوجيا المعاصرة الى المدى الممكن. غير أن قابلية النجاح عمليا فى هذه العلاقة سيرتبط بسياسة القوى الأجنبية حيال الدولة الثورية.
ت) التطور المخطط :
السياسة الهامة الأخرى ستكون جعل تطوَر الاقتصاد مخططا عبر التقدير العلمي لموارد البلاد المتوفرة و الممكنة التوفر من جهة ، و الحاجيات المادية و الثقافية للمجتمع من جهة ثانية. حاليا، ما يسيطر هو توجه انتاج سلع و توزيعها بطريقة فوضوية بغرض تحقيق أرباح للحفنة من الرأسماليين الاحتكاريين و من أجل سوق غير محدد تحت سلطة الامبرياليين و التوسعيين بإسم ما يسمى السوق الحر أو من أجل الاستهلاك البارز لطبقة محدودة من المجتمع . لهذا ، من جهة ، ثمة تبذير كبير فى جزء هام من وسائل الانتاج و موارد المجتمع و من جهة أخرى ، غالبية المجتمع محرومة حتى من الحاجيات الأساسية الدنيا. و من هنا ، إنه لصحيح ، بكل مقاييس المنطق الاقتصادي و الفائدة الاجتماعية، تنظيم الاقتصاد عمليا و بطريقة مخططة حسب حاجيات المجتمع ، ضد مثل هكذا نمط من الانتاج الفوضوي المبذر و اللاانساني. مع ذلك ، بينما نتحدث عن التطور المخطط ، لا بد لنا من أن نكف عن توجه ذكر التجارب السلبية للاتحاد السوفياتي السابق (بخاصة بعد 1956) و ذكر رؤية اقتصاد تحت التصرف. هنا التطور المخطط يعنى ايجاد اقتصاد موجه للجماهير حقا و فعالا يعمل تحت قيادة و توجيه ممركزين و مبادرة و إدارة لا مركزية وهو الى حد بعيد ما مورس فى الصين زمن ماو.
ث) التطور المتوازن:
و ستكون سياسية الديمقراطية الجديدة الاقتصادية الهامة الأخرى اقامة تطور متوازن اقتصاديا و جغرافيا بالمحافظة على توازن و تناغم سليمين بين الريف و المدينة ، بين الجبل و تاراي ، بين الفلاحة و الصناعة ، بين الصناعة الخفيفة و الصناعة الثقيلة العصرية الخ. حاليا ، ثمة تفاوت و عدم توازن بين المناطق الاقتصادية و الجغرافية. و التطور المتوازن للبلاد سيتحقق بالقضاء على الاحتكار الاقتصادي ما قبل الرأسمالي و الرأسمالي البيروقراطي و بإعطاء حكم ذاتي قومي و جهوي للقوميات و الجهات المضطهَدة و المناطق الجغرافية و بإتباع استراتيجيا التطور الشامل المخطط. إن الاستراتيجيا الأساسية للتطور المتوازن ستعتمد على اعتبار الصناعة قطاعا قياديا و الفلاحة قاعدة فى تطور الاقتصاد و فى إطار التطور الجهوي ، سيجرى اتباع سياسة " تمدين الريف" و ليس " ترييف المدن".
4.2 ) برنامج تطوير الاقتصاد :
لمعالجة الانحرافات و المشاكل الاقتصادية الخطيرة السائدة فى البلاد ، ستطبق البرامج الاقتصادية بصراحة تامة و كحملة وطنية لصيانة السياسات الأساسية أعلاه أثناء سيرورة الثورة الديمقراطية الجديدة و إتمامها .
أ) الاصلاح الزراعي الثوري :
فى بلاد شبه إقطاعي معتمد على الفلاحة مثل النيبال ، تعنى الثورة الديمقراطية الجديدة فى الأساس الثورة الزراعية. لذا الاصلاح الزراعي الثوري هو أعظم و أهم برنامج إقتصادي للثورة الديمقراطية الجديدة. و الهدف الرئيسي للاصلاح الزراعي سيكون :
1- أقصى الاستعمال للمقدرة الانتاجية لغالبية الفلاحين و التسريع فى تطوير قوى الانتاج الاجتماعية بجعل الفلاحين الذين لا يملكون أرضا أصحاب أرض و بتوفير وسائل الانتاج (الأرض،القرض و هكذا) للفلاحين الفقراء.
2- رفع الانتاج الاجتماعي بالاستعمال الأقصى لوسائل الانتاج المبذرة أو المستعملة بأقل من قدرتها (الأرض ، رأس المال النقدي ،الخ) التى هي بأيدى الاقطاعيين الآن.
3- توفير رأس مال و مواد أولية لتصنيع البلاد برفع الانتاج الفلاحي و بتنويع الفلاحة .
4- ضمان السوق الداخلية المناسبة للصناعة بإغناء الفلاحين الذين يمثلون غالبية سكان البلاد الخ
الاستراتيجيا الرئيسية للاصلاح الزراعي ستكون دفع العلاقات الرأسمالية بالتحطيم التام للعلاقات الاقطاعية و شبه الاقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية السائدة فى الفلاحة. ستكون أولا مرتكزة على سياسة " الأرض لمن يفلحها ". بكلمات أخرى، أرض هؤلاء الاقطاعيين (و كذلك غوتيس) الذين لا يضعون عملهم أو رأسمالهم بالأرض سيتم مصادرتها دون تعويض و توزيعها على الفلاحين الذين لا أرض لهم و الفلاحين الفقراء و سيصبح المزارعون ملاكى الأرض. مع ذلك ، الأرض التى هي على ملكية الفلاحين المتوسطين أو الأغنياء لن تصادر لكن ستحدد و يطبق حد أقصى لملكية الأرض و حق الايجار و نسبة الريع . الى جانب هذا ، ستلغى كل أشكال الديون على كاهل الفلاحين الذين لا أرض لهم و على الفلاحين الفقراء كليا و ستلغى خدمات العمل و أشكال أخرى من الدفعات المفروضة عليهم. و بغاية تعزيز إنتاج الفلاحة و انتاجيتها و لصيانة القطاع الفلاحي المتخلف من منافسة القطاعات الصناعية و التجارية و المالية ، ستحدث ظروف ري مؤسساتية مناسبة و ظروف استثمار عصري (مثلا ،سماد ،بذور ، مبيدات حشرات،آلات...) و قروض و سوق وذلك لصالح المزارعين و بهدف ضمان السعر المناسب للمنتوجات الفلاحية وستطبق السياسة المالية الضرورية على مستوى الدولة .
و ستكون سيرورة تطبيق برنامج الاصلاح الزراعي الأهم و الأكثر عملية و ثورية. و ليس ممكنا تكريس برنامج الاصلاح الزراعي الثوري دون جعل الفلاحين واعين و منظمين اذ أنهم عرضة للاضطهاد و الاستغلال منذ سحيق الزمن و هم متخلفون ثقافيا. لهذا سيتعين الانطلاق فى التعاون من تجمعات الفلاحين المحليين و تعبئة الجماهير الواسعة للفلاحين للاعداد للقياسات المحلية لملكية الأرض و للتحقق من الوضع الطبقي للفلاحين (أي الذين لا أرض لهم ، الفقراء و الفلاحين المتوسطين و الأغنياء و الاقطاعيين ) و دورهم فى القرية و لتحديد المزارعين الحاليين و تطبيق الاصلاحات الزراعية على نطاق القرية. و كذلك ، سيطبق برنامج الاصلاح الزراعي على مراحل ( أي بمعنى كل من الطبقات الاجتماعية و المناطق الجغرافية !) و بإتخاذ الخصوصيات المحلية بعين النظر تماما. فى هذه السيرورة سيمارس أقصى الحذر من أجل تجنب كل من الأخطاء "اليسارية" و" اليمينية ". و سيولى انتباه خاص عند تطبيق برنامج الاصلاح الزراعي لتعبئة 70 بالمائة من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا و الفلاحين الفقراء بنشاط الى جانب الاصلاح الزراعي الثوري و يجذب 25 بالمائة من الفلاحين المتوسطين و الأغنياء الى مساندة الاصلاح الزراعي أو يحيّدوا و ينجز برنامج الاصلاح الزراعي حصرا ضد 5 بالمائة من الاقطاعيين و الرأسماليين البيروقراطيين من ال2.8 مليون هكتار من الأرض القابلة للفلاحة المتوفرة فى الوقت الحاضر فى البلاد اذا تمت مصادرة فقط على الأدنى 40 بالمائة من الأرض التى على ملكية ال5بالمائة من الاقطاعيين و الرأسماليين البيروقراطيين و سيغدو فائض الأرض 1.0 مليون هكتار. و اذا وزعت هذه الكمية على 70 بالمائة من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا و عائلات الفلاحين الفقراء فستحصل كل عائلة على أكثر من 0.5 هكتار و اذا وزعت على 44 بالمائة من الذين لا أرض لهم و أشباه البروليتاريين ( أي الذين يملكون أقل من 0.5 هكتار فإنهم سيحصلون تقريبا على هكتار لكل واحد). و الآن ، لفقط 0.25 مليون هكتار من الأرض سهولة الري المستمر بينما حسب تقدير التقنيين ،1.4 مليون هكتار من الأرض بالامكان ريّها. اذا عبأ الكم الهائل من فائض العمل المتوفر لجلب سهولة الري ل1.15 مليون هكتار أرض إضافية ، فإن حتى ضمن حدود المستوى التقني الحالي للانتاج يمكن للانتاج الفلاحي أن يتطور لعديد أضعافه. و من هنا لا شك أن تحولا مثيرا فى قطاع الفلاحة و فى الاقتصاد إجمالا لا يمكن أن يحدث إلاّ عبر الاصلاح الزراعي الثوري فى البلاد.
ب) التصنيع الوطني :
فى الثورة الديمقراطية الجديدة ، البرنامج الاقتصادي الهام الآخر يتصل بتصنيع البلاد بنسق سريع وجعل الصناعة القطاع القيادي للاقتصاد . و الأهداف الرئيسية للتصنيع ستكون :
1- رفع الانتاج و الانتاجية الاجتماعيين العامين للعمل و للاقتصاد كافة عبر تحويل فائض العمل العالق فى القطاع الفلاحي شبه الاقطاعي المتخلف الى استعمال منتج .
2- فسح المجال أمام تطور نمط انتاج أرقى (أي نمط انتاج رأسمالي و اشتراكي ) فى الفلاحة و فى النهاية فى كافة الاقتصاد بإنتاج السلع الرأسمالية الضرورية للقطاع الفلاحي و بتقديم أسواق لمنتوجات فلاحية و توفير تشغيل منتج لفائض العمل فى القطاع الفلاحي
3- الحيلولة دون هروب رأس المال خارج البلاد و إنهاء التبعية لإنتاج السلع الرأسمالية الضرورية و السلع الأساسية و السلع الوسطية و السلع الاستهلاكية.
4- تشجيع التصدير بإنتاج السلع ذات الأفضلية مقارنة بغيرها فى التقسيم العالمي للعمل .
5- الاستجابة للحاجيات العليا المادية و الثقافية للمجتمع إلخ.
إن التنسيق بين الرأسمال و العمل و السوق الأساسية للتصنيع الوطني سيتم أولا من خلال سيرورة التحويل الثوري للمجتمع القائم. و من أجل المراكمة البدائية لرأس المال ، رأس المال الناجم عن القطاع الفلاحي و الموضوع عبثا بين أيدى الاقطاعيين أو الذى يبذر فى الاستهلاك الترفي أو فى الدوران لأهداف ريعية و رأس المال بأيدي الرأسماليين الكبار الكمبرادوريين و البيروقراطيين ، سيتمتع بصورة كبيرة ، الصناعيون الصغار و الوطنيون و التجار الصغار و المتوسطون و رأس المال البرجوازي الوطني، وهم محدودي العدد، بالصيانة و التشجيع و ستشجع أقصى المراكمة الرأسمالية فى القطاع الفلاحي و استثمارها فى الصناعة. و فى النهاية ، سيكون قطاع الفلاحة المصدر الأساسي لرأس المال للتصنيع. و سيشدد على تصنيع العمل المكثف بما أنه سيوجد رأس مال قليل و فائض عمل داخل البلاد لزمن طويل آت. و سيولى انتباه لتطوير و استعمال التكنولوجيا المحلية. و سيشدد على ملاءمة القدرة العظيمة للطاقة المائية للبلاد من خلال مشاريع كهرمائية صغيرة للتزويد بالطاقة الصناعية الضرورية و لضمان التعويل على الذات و التطور المتصل الحالي دون تلويث. و منذ البداية، ستولى عناية مناسبة لمستوى التربية التقنية الأساسي و لمتوسط إنتاج العمل الماهر و قدرة الانسان التقنية التى ستكون الحاجة اليها متزايدة معا مع سيرورة التصنيع. أما بخصوص سوق المواد الأولية و المنتوجات الكاملة التصنيع ، فإن سياسة أولية للتعويل على السوق الداخلية ستشجع من جهة ، و سيضمن التزويد بالمواد الأولية بالتشجيع على انتاج الأعشاب الطبية و تربية الحيوانات و البستنة و الانتاج الزراعي للبيع و تحويل المعادن الخ ، مستفيدين تماما من التنوع الجغرافي و من جهة أخرى ، سيخلق السوق الضروري للمنتوجات الصناعية بالقضاء على التفاوت الاجتماعي و الاقتصادي الموجود و تنمية القدرة الشرائية لعموم الجماهير. هكذا سيسرع فى خلق سوق كبير للوسائل المعيشية ووسائل الانتاج للجماهير العامة عوض السوق الضيق الحالي لسلع الترف الموجهة فقط للطبقة العليا المحدودة العدد مما سيسرع سيرورة التصنيع. و كذلك ، ستتخذ اجراءات خاصة مثل الغاء المعاهدات غير المتكافئة و مراقبة الحدود المفتوحة و ستتخذ الدولة سياسات مالية للتعريفات الجمركية حماية للصناعات الوطنية ضد التدخل الامبريالي العالمى و لا سيما التوسعية الهندية و هيمنتها.
و من البديهي أن تلعب الدولة دورا خاصا فى سيرورة تصنيع النيبال بسبب ظروف البلاد شبه الاقطاعية و شبه المستعمرة و نظرا للتخلف الفاحش لوضع قوى الانتاج. و بالرغم من ذلك سيكون طابع التصنيع فى مرحلة الديمقراطية الجديدة رأسماليا أكثر منه اشتراكيا. و الدولة ستقود و ترشد التصنيع الشامل عن طريق ملكية الصناعات الأساسية و المؤسسات المالية و عبر التخطيط المركزي و السياسات الجبائية /المالية. و من جهة أخرى، ستوجد ملكية خاصة و مبادرة خاصة فى صناعات معاصرة أخرى، صناعات صغيرة و محلية و تجارة صغيرة و متوسطة. و هكذا فقط بالتحرر من الاضطهاد الامبريالي التوسعي فى ظل قيادة و ارشاد دولة تقدمية سيمكن احداث تطوير الرأسمالية الصناعية فى النيبال و القاعدة بالامكان اعدادها لبناء مستوى اجتماعي أرقي.
ث) التوازن الجهوي و التطور المندمج :
و تتمثل سياسة الثورة الديمقراطية الجديدة و برنامجها و تطويرها الهامين الأخريين فى تنسيق التطور الاقتصادي و التطور الجهوي منذ البدايات الأولى و ضمان التطور المتوازن و المندمج عبر البلاد. و عناصر هذه الاستراتيجيا الرئيسية هي :
1- التسريع فى نسق التطور الاجتماعي بالقيام بالاستعمال الأقصى للامكانيات الانتاجية لمختلف المناطق الجغرافية.
2- جعل الاقتصاد معوّلا على الذات و حمايته من خطر التدخل و الاضطهاد الخارجيين عبر لا مركزة اقتصاديا و جهويا.
3- توجيه المجتمع نحو مرحلة أكثر تقدما و ديمقراطية بضبط الاستقطاب الاجتماعي و الجهوي .
4- ضمان تطور متصل عبر تكافل القطاعات الاجتماعية المختلفة و الجهات الجغرافية الخ. فمن أجل تطور جهوي متوازن و متكافل ، ستكرس مثل هذه البرامج : التحكم فى الاستقطاب بين الريف و المدينة و تطوير العلاقات التفاعلية بين المناطق الجبلية و منطقة تاراي بالتيقن من تقسيم العمل بينها و تركيز مناطق انتاج معتمدة على تطور مندمج للصناعة الثقيلة و الخفيفة و الفلاحة و تعزيز الاستقلال الوطني فى المناطق حيث تهيمن القوميات المضطهَدة و تطبيق الحكم الذاتي الجهوي و الحكم الذاتي المحلى فى المناطق المضطهَدة و البعيدة ، وما الى ذلك. فى الأنظمة الاجتماعية القديمة و بخاصة بسبب مركزة الخدمات الأساسية الاقتصادية و الاجتماعية و المادية و البنية الأساسية ، فقط فى بضعة مراكز مدينية و ضمن سكان لا رقابة عليهم ، يحدث تمركز فى مدن كبرى مما يفرز " ترييف المدن". ضد هذا ، ستتوفر فى النظام الديمقراطي الجديد ،الخدمات الاقتصادية و الاجتماعية و المادية فى المناطق الريفية و ستتبع سياسة " تمدين الريف ". و هذه السياسات و البرامج ستكرس عبر تطوير مندمج و اجراءات ضرورية اقتصادية و سواها.
4.3 ) سيرورة التحويل الثوري :
تحويل نظام اجتماعي الى آخر أو انكار [نفي] الجديد للقديم يحدث على الدوام بالقوة و بقفزة ثورية و حرب الشعب هي وسيلة انكار القديم بقوة الجديد و قفزة جديدة باتجاه نظام (اجتماعي ) جديد و أرقى. و ستوجد خصوصيتان اثنتان هامتان لسيرورة التحويل الديمقراطي الجديد عبر حرب الشعب طويلة الأمد فى النيبال.
أ) السيرورة الجدلية للتحطيم و البناء :
لأن المجتمع النيبالي الحالي فى مرحلة شبه اقطاعية شبه مستعمرة و فيه يسود تطور غير متكافئ و مستوى متدن من التطور المادي و الثقافي ، من الضروري تحطيم نمط الانتاج القديم شيئا فشيئا ابتداءا من الناحية الأضعف و تعويضه بنمط انتاج جديد من الأصل، من المكان نفسه (أي استراتيجيا حرب الشعب طويلة الأمد). بكلمات أدق ، بما أن التناقض الأحد فى المناطق الريفية ، سيشرع فى سيرورة تحطيم الهيكلة القديمة و ايجاد هيكلة جديدة انطلاقا من تلك المناطق الريفية ، مع تطور حرب الشعب فى النيبال ،ستنجز سيرورة تحطيم علاقات الانتاج القديمة و ايجاد علاقات جديدة بصورة متلازمة ومن الأسفل. و طبقا لذلك، ستحطم العلاقات شبه الاقطاعية القائمة فى المناطق الريفية و تكرس عوضا عنها سياسة الاصلاح الزراعي الثوري و التصنيع و التطور المتوازن على قاعدة ديمقراطية جديدة .مع ذلك ، دون تعزيز سلطة الدولة الجديدة لن يكون ممكنا تطبيق البناء الاقتصادي و حتى إن طبق ، لن يكون من الممكن الحفاظ عليه. لهذا ستنطلق سياسة تنظيم نظام الانتاج الديمقراطي الجديد من الأسفل مع مرحلة تطوير سلطة الدولة الجديدة و لن تطبق كليا إلا بعد افتكاك سلطة الدولة عبر البلاد[كافة].
ب) الرأسمالية الانتقالية و الثورة الدائمة :
إن نظام الديمقراطية الجديدة فى الأساس نظام رأسمالي بيد أنه ، فى المرحلة الحالية للامبريالية و فى وضع تخلف شديد لقوى الانتاج فى النيبال ، يستحيل تطوير نظام رأسمالي على الشاكلة القديمة و جعله مستقرا و ليس ممكنا بصورة خاصة لمالكي القطع الصغيرة من الأرض و رأس المال الصغير أن ينميا الانتاجية بالعمل فرديا وبحماية أنفسهم من هجمات احتكارات رأس المال الكبير. من ثم فقط عبر التعاون التدريجي الفلاحي و عبر صيانة الدولة للصناعة أو المضي بصورة منظمة قدما على طريق المشركة ، فقط هكذا ، بإمكان المنتجين الصغار الكثيفي العدد أن يحافظوا على وجودهم و أن ينموا إنتاجيتهم . بهذا المعنى ، نظام الديمقراطية الجديدة نظام رأسمالي انتقالي و تناقضاته ينبغى معالجتها عبر شكل أرقى من النظام الاشتراكي. و لذلك لن تكون ممكنة معالجة المشاكل و التناقضات الجديدة التى تظهر فى المجتمع على مستوى أرقى إلآ عبر سيرورة الثورة الدائمة . و سيرورة حرب الشعب فى النيبال حلقة من سلسلة مثل هذه الثورة الدائمة لحل مشاكل المجتمع. و الهدف الرئيسي و الأساسي لحرب الشعب فى النيبال هو بالتالي تطوير قوى الانتاج الاجتماعية و بلوغ شكل أرقى من المجتمع من خلال ثورة دائمة فى القاعدة و البناء الفوقي أو بوضع " السياسة موضع القيادة ".



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية-اللينينية-الماوية :من وثائق أحزاب شيوعية ماوية( ال ...
- الحركة الأممية الثورية : بيان سنة 1984 و بيان سنة 1993( الفص ...
- مشاركة النساء فى حرب الشعب الماوية فى النيبال (الفصل الثالث ...
- لنكسر القيود ، لنطلق غضب النساء كقوّة جباّرة من أجل الثورة ! ...
- الثورة البروليتارية و تحرير النساء (الفصل الخامس من كتاب - ت ...
- الإعداد للثورة الشيوعية مستحيل دون النضال ضد إضطهاد المرأة! ...
- تشانغ تشنغ : الطموحات الثورية لقائدة شيوعية ( الفصل الثاني م ...
- بقية (الفصل 5) : الماوية: نظرية و ممارسة -8- تحرير المرأة من ...
- الماوية : نظرية و ممارسة - 8 -تحرير المرأة من منظور علم الثو ...
- بصدد التطورات فى النيبال و رهانات الحركة الشيوعية = نقد الحز ...
- ثورة النيبال: نصر عظيم أَم خطر عظيم!(من كتاب - الثورة الماوي ...
- من تمرّد نكسلباري إلى الحزب الشيوعي الهندي (الماوي) ( مقتطفا ...
- لنقاتل من أجل إنقاذ الثورة فى النيبال! _ من كتاب -الثورة الم ...
- ليس بوسع أي كان أن يغتال أفكار -آزاد- ! ليس بوسع أي كان أن ي ...
- رسالة مفتوحة إلى الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي) من ...
- عملية الصيد الأخضر : إرهاب دولة فى الهند. (مقتطف من كتاب -مد ...
- شبح الحرب ضد إيران و التكتيك الشيوعي الماوي (الفصل الثاني من ...
- إنتفاضة شعبية فى إيران : وجهة نظر شيوعية ماوية(الفصل الثالث ...
- الإسلام إيديولوجيا وأداة في يد الطبقات المستغِلّة (الفصل الر ...
- مساهمات ماو تسى تونغ فى تطوير علم الثورة البروليتارية العالم ...


المزيد.....




- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - أساس الاقتصاد السياسي لحرب الشعب فى النيبال( من كتاب – لندرس الثورة الماوية فى النيبال و لنتعلّم منها-)