أكرم عبدالقادر يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3296 - 2011 / 3 / 5 - 05:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المتظاهرون.. وتكتيكاتهم! (2)
بعد أن التقطنا، في حديث سابق، بعض المتغيّرات التكتيكية التي جرت في العراق خلال أقل من شهر تحت ضغط المظاهرات، حتى قبل ان تخرج للشارع، وهي متغيرات كبيرة قياسا الى نظام يداور نفسهة، وكتل سياسية لم تحسن حتى لعبة تبادل الادوار،لأنها تتعارض والمطامع الشخصيّة لأعضائها وقياداتها التي استحقّت منا لقب: العشرة المبشرين بالسلطة! بلا منازع! سنلقي نظرة على المتظاهرين.. وتكتيكاتهم في لعبة المظاهرات المقسّمة الى فريقين رئيسيّين: الحكومة بأجهزتها (النظام!).. والناس!
وأنطلق دائما من تعريف لهذا "النظام" بوصفه مكوّن من مجمل هذه الفوضى، مجمل هذه "الكتل" اللا كونكريتية السيّاسيّة الهشّة، المنقسمة من الداخل، التي تعرّف نفسها بطائفيتها والتي لم ولن تقُود لغير تقسيم هذه الطوائف: سياسيا وروحيّا! وتعدّتها الى زجّ طوائفها في حروب ضد الطائفة او الطوائف الخرى لاداعي حقيقي لها باسم الحفاظ على هذه الطائفة، وهي تتطابق في ذلك مع دكتااوريّة نظام صدام الذي ضحّى بالمواطن وروح المواطنة بأسم الدفاع عن الوطن! وكأن الوطن قيمة غير حقيقيّة ولا تختزل بالمواطن.. المكوّن الرئيس والوحيد لها! وبالتالي ضحّى بالمواطن والوطن والأهم: روح المواطنة!
هكذا ضحّت الكتل الشيعية بشيعتها وشيعيّتها عندما زجّت بها الى حرب لا مبرر لها، معلنة وشبه معلنة، ضد السنّة.. وجاء جواب السنّة، ومرجعيّاتها، الهيئة العليا لعلماء المسلمين خاصّة، باعلان "المقاومة" ضد الاحتلال، الذي لم يحصد غير ارواح عشرات الآلاف من الشيعة والسنّة البسطاء بصفتهم "متعاونين" مع "الاحتلال" أكثر مما أصاب الاحتلال نفسه! والى جانب شعار "المقاومة" تسلّل الشعار الديني: "فريضة الجهاد" ليحصد ما تبقّى من الاقليات الدينية والاثنيّة.. ويرفع راية "عراق اسلامي" و"دولة العراق الاسلاميّة" وذلك لتجريد من تبقّى من تلك الاقليّات من عراقيته! وهي طريقة مبتكرة لهدر الدم الديني والوطني!
لقد اثبتت هذه النزعات كلها، بشكل عملي وبالحديد والدم، بأنها انما ترفع شعار البعث نفسه ولكن بتحوير طفيف، فبدلا من "نموت ويحيا البعث!" جعلت شعار الشيعة: "نموت ويحيا الشيعة" "ونموت ويحيا السنة" وكأن للمذهب، اي مذهب، كائن هلامي وكيان منفصل عن مكوّناته الواقعيّة.. بوصفه مجموعة أفراد والتضحية بهم لا تعني أكثر من التضحية بالمذهب ذاته!
ان الشعوب تعي، عمليّا، ما يحدث لها، وهو ما فاجأ كل "الكتل السياسية" الحاكمة، وايقظ شيء منها وهي في خضم هستيريا النهب العام والمنظم لثروات كان من المفترض ان تحمي هيبة طوائفها وقيم هذه الطوائف الروحيّة والاخلاقية تحت خيمة بلاد تكتسب الكثير من هيبتها وكرامتها منه، سواء كانت في السلطة او خارجها!
ومن هنا تكمن حقيقة اننا نحتجّ ضد نظام هزيل.. هزم نفسه امام شعبه منذ زمن، وصخّم وجه يافطة حزبه او كتلته عبر سنوات حكمه الثمانية.. نظام مهزوز فجّر بعضه بعضا مثل ديناصورات سياسيّة طمّاعة وسيئة التأهيل.. وجدت لها حاضنة في بلاد كان نهج شعبها الصمت والاصغاء للمراجع "الدينوسياسية" والتي راحت تحكم هنا وتبارك وزارة هناك.. واثبتت سطوتها الروحيّة التي بفضلها انكشف خطائها السياسية وهي تبارك او تشارك من تمنحهم صكوك المباركة السياسية رغم عجزهم المريع عن تشريف تلك المباركة المرّة تلو الاخرى والدورة تلو الاخرى!
إن أغلبيّة هذا الشعب المهان، المطعون بدينه قبل حصّته، وبوطنه قبل طائفته، وفي حياته فبل مماته، وفي كهرباءه قبل تحضّره، لم يتمكن من الخروج الى الشارع يوم أمس.. وعلى شباب التحرير، اينما كانوا واينما كانت ساحة تحريره، جذبه اليه..
نحن، شعوب البؤس، مثل "النسوان" والحكام، نغار من بعضنا البعض، ونتعلّم ايضا من بعضنا البعض!
انظروا الهيم وهم يداورون خلطتهم السياسية، بالوجوه نفسها والتوجهات عينها لانهم عاجزون عن النظر اليكم، واذا نظروا لم يدركوا.. واذا ادركوا سيظلّون عاجزين عن تحقيق التغيير الذي يتناسب معكم، لأن خلطتهم السياسيّة تشكّلت ولم ولن تمثّل اي منكم، خلطتهم "شاطت" من ارتفاع درجة حرارة نهبهم واستخفافهم ببلادكم وهيبتكم ومصائركم! والقاء تلك الخلطة في القمامة اهون وأسهل بكثير من إعادة طبخها! لأن طعمها اصبح بايخاً.. وسمّها ما زال يسري في عروق البلاد من شرقه الى غربه ومن شماله الى جنوبه!
لنخرج للتظاهر كما نخرج لنزهة! كما نخرج للتعرّف على شعب آخر، ليس هو نفسه الشعب الذي استيقظ عدة مرات، من هول زلازل صدّام وانتفض قليلا وقُمع واستسلم! يومها التف العالم كله مع عدوّه وضدّه.. فلنخرج لنلتقي شعبا يمكن رؤيته في ساحة التحرير، وليس في منطقة صدام الخضراء، أجمل مكوناته!
فلتكن مظاهراتنا سلميّة.. سلميّة ولكن يجب الأ نسكت على فصل الكرخ عن الرصافة؟ هما كرخنا ورصافتنا.. سلميّة الجموع تأتي من وقوفها رص منيع في الدفاع السلمي عن نفسها وفي الهجوم السلمي لتحقيق ارادتها ايضا!
لا للصبّات على جسورنا.. شريان حياة بغدادنا!
ان خوض مظاهرة مثل خوض معركة، ولكن سلميّة، يجب ان تحقق انتصارات صغيرة، تشدّ صفوف الخارجين فيها، وتشعرهم بكينونتهم وارادتهم.. فلنبحث عن انتصارات صغيرة.. ولنخطط مثل اي قائد عسكري طموح: ان نحقق نصرا سلميّا وبأقل الخسائر!
لقد تعامل النظام مع المظاهرة يوم امس تعامل مدير مدرسة خبيث وغير نزيه: يمنع دخول الاقلام والكاميرات! ويمنع دخول الماء والاكل (التغذية!)! والدوام يخلص بالثنتين!
وتعامل المتظاهرون مثل طلّاب نجباء في اعدادية نموذجيّة: عندنا كم مطلب.. ونريد من ادارةالمدرسة تحقيقها!
علينا ان نكتشف خبثهم.. منعو الماء من الدخول؟ مطلبنا الماء في ساحة التحرير! فلنلتفّ حول هذا المطلب! كذلك الاكل والأقلام والكاميرات!يحب ان نقف بكامل كرامتنا تحت لافتاتنا المرفوعة.. والا اذا تكرّرت الاهانة.. فما نفع التظاهر؟
آسف لقسوتي.. ولكن.. هناك دائما ما يجدر بنا ان نقوله.. او نفعله..
ان نفكّر، مثلا، ب: ماذا تعني ألأرادة الشعبيّة؟ وكيف يمكن ان نحققها بشكل سلمي وبأقل قدر ممكن من الخسائر الماديّة والمعنوية!
محبتّي واعتزازي لكل من تظاهر.. ولو على سطح بيته!
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟