أكرم عبدالقادر يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3292 - 2011 / 3 / 1 - 05:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الخطيئة العراقيّة الأولى!
لسنا ضد أحد.. ولكننا مع العراق! (2)
جلال نعيم
نعم.. كل الأجواء مؤاتية..
وما كان القبول به قبل 25 يناير 2011 لم يعد ينفع بعدها.. أنها الثورة التي انطلقت شرارتها في جسد بو عزيزي.. وأدخلت المنطقة في ظروف جديدة لا يمكن العودة أو الإبقاء على ما قبلها! وهذه حكمة التاريخ التي لا رادّ لها!
لذا لا بد من المراجعة وقراءة ما جرى لبلداننا بعيون اللحظة الحاضرة.. لأن اللاعب الرئيسي، الذي كان مستبعدا من جميع المعادلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قد فرد طوله وشمّر عن ساعديه.. واستنشق عبير كرامته ولابدّ له من ان يسحب الطاولة عن المتفاوضين عن حياته، هيبته وثرواته ومصيره، ليفرض ارادته: نحن هنا!
* * *
لم تكن الخطيئة العراقيّة متأتية من إسقاط صدام ونظامه، وبأية أيدي وعلى أية دبابة، ببساطة لأن نظامه كان مستفحلا، وعجزنا طوال 35 عاما عن استيلاد ثورة بوعزيزي الحاضرة، وكان عالمنا حينها يحيا ظروفأ وأجواء مختلفة تماما عمّا نعيشه الآن.. وأرى أن الخطيئة كانت من عدم تشكّل دور حقيقي للعراقيين كشعب وكأمة، مما ترك الحبل على الغارب لمجموعة من "الشلل" الحزبية والدينية والقبلية لاعادة تشكيل نفسها وتجيير إسقاط الدكتاتورية لصالحها.. ولم تكن تلك خطيئتهم ايضا (رغم حدّة اجراميتها) وانما الخطيئة كانت بتشكيل نظام تأسس على شاكلتها ومذاقها وبحدود ما يتوافق مع مصالحها! اي انها فصّلت نظاما على مقاسها ومقاس اللاعبين معها.. والبقيّة مجرّد هوامش!
فكان هنالك هامش الشعب وهامش ميزانيته، هامش الدولة والعجز عن بناء ابسط متطلباتها او اسسها، هامش السياسة في مقابل هامش التوافقات بين الاحزاب المشكّلة بصيغ عائلية ومناطقيّة وعشائريّة وطائفيّة أكثر منها الى هامش السياسة الداخليّة والخارجية! وهامش الوطن.. والتعامل معه وكأنه بلا مواطن.. وانما ثلّة من الوصوليين والمرتشين الذين يؤدون ادوارهم الاعتباطيّة عند الحاجة.. والحاجة فقط وليس الضرورة!
وكانت الخطيئة أمريكيّة بامتياز.. كما هي غالبا، وتمخّضت من عبقريّة جورج بوش وشلّته من المحافظين الجدد، الذين خطفوا سياسة بلادهم ليحققوا واحدة من اكبر الكوارث على بلادهم التي مازالت تعاني منها: سياسيا واقتصاديا وأخلاقيّا! (وما تجاهل الإعلام الامريكي لما اقترفته ايديهم في العراق الى محاولة لعدم نكء الجرح الأخلاقي الذي ما زال يطالعني، انا المواطن العراقي الامريكي، في اعتذار المواطنين الطيبين هنا، وهم الأغلبية، لما اقترفته ادرة بوش هناك، وفيهم من انحنى لتقبيل يدي اعتذارا حال معرفته بأني انحدر من هناك!)
هذا الغطاء الذي تكشف بعد اسابيع من الغزو الامريكي، والذي اسقط الغطاء الاخلاقي للحرب، فلم يتبق لادارة بوش، تحت هول الضغط الدولي والرأي العام (الأمريكي طبعا وليس العراقي!) وفي مناورة سياسية اعتباطيّة تحوّل شعار هذه الادارة (التي باتت شهيرة بفسادها!) من اعادة اعمار العراق الى ارساء اسس الديموقراطيّة، اعادة كتابة الدستور واجراء انتخابات اعتباطيّة متعجّلة بمشاركة (كل أطياف الشعب العراقي!)
اعادة كتابة الدستور وانتخابات.. والاسلحة تباع في الشوارع!
اعادة كتابة الدستور وانتخابات.. وميليشيات متصارعة سرعان ما عرفت طريقها بان القتل على الهويّة هو الذي يعبد طريقها للوصول الى الرقم السرّي للخزائن السياسيّة في عراق منقسم على نفسه!
دستور متعجّل وانتخابات اعتباطيّة.. من دون اعطاء الفرصة الكافية للوطن لالتقاط انفاسه والمواطن للنزول الى الشارع ولو للتسوّق!
دستور وانتخابات.. والعراق اصبح، من وجهة نظر بوش وقتلته على الأقل، مجرّد فخ لاصطياد "أعداء أمريكا" في المنطقة والعالم.. (أن نقاتلهم هناك.. أفضل من أن نقاتلهم هنا! "جورج بوش") ويقصد "القاعدة"! ولكنه لم يكن يقاتلهم.. لأنهم ببساطة مفجعة كانوا يقتلون انفسهم ويقبضون جنّة آل سعود وعشرات الآلآف من أرواح المواطنين العزّل!
دستور وانتخابات.. ودول الجوار: السعوديّة وايران وسورية تبرعت بأموال طائلة وسيّارات معبأة بالمفخخات لتدفن أشلاءهم بأجساد العراقيين!
دستور وانتخابات.. حتى قبل ان يجفّ حبر بول بريمر وهو يقضي على ما تبقّى من الدولة العراقيّة ببناياتها ومؤسساتها وكأن البلاد خلقت لتوغل بالتخريب!
دستور وانتخابات.. وكأن الديموقراطيّة هي صندوق اقتراع واصابع المغلوبين على أمرهم تلوّنت بدعاء تجدّد يلهج بالعافية والستر! لأن كلاهما قد ينسف في أيّة لحظة وفي اي مكان على امتداد البلاد!
لذا.. كان شعار سلق الدستور.. وصناديق الاقتراع قد جاء استجابة لضرورات أمريكية بحته، وجاء على هوى من تسيّدوا الساحة والشارع العراقي وأخذوا يفرضون ايديولوجياتهم ومزاجهم على الشارع وينهبون أسواقه وخزائنه.. ليصلوا بنا الى ديموقراطيّة كاتم الصوت التي هي أرقى أشكال ديموقراطية شراذم العائدين من عالم مبهم!
نعم.. الأجواء مؤاتية لكنسهم كلهم، في هبّة جماهيرية تليق بشعب يبحث عن استحقاقات كرامته وكينونته.. لأنهم خلقوا نظاما يشبههم، نظام عاجز عن اصلاح نفسه.. لأنه قائم على تأصيل المشاعر البدائية واللعب على حبالها: الدين، الطائفة، القومية والعرق! بينما السياسة الحقيقية تقوم على الوصل وليس على الانفصام!
لسنا ضد أحد.. ولكننا مع العراق!
من قتل فليرحل.. رغم اننا نطالب بدم شهداءنا بالبناء وليس بالدم!
ومن سرق فليرحل.. لأننا عائدون.. لبناء عراقنا!
لسنا ضد أحد.. وسنكنسكم بروح مسالمة.. وبطمأنينة من يملك الغلبة.. والورقة المنتصرة دائما: إرادة الشعب.. والأجواء مؤاتية!
#أكرم_عبدالقادر_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟