جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3288 - 2011 / 2 / 25 - 00:25
المحور:
كتابات ساخرة
كنت وأنا في المدرسة سريع الحفظ للأشعار وللمواد الأدبية المنظورة والمحفوظات ولكن كنت أواجه صعوبة في حفظ اسم (ليبيا) الذي من المفترض أن يكون كما تعودنا,إما المملكة الليبية وإما الجماهيرية الليبية, ويا طولين العمر قام القذافي بتغير اسم ليبيا قبل سنة من تركي للتعليم النمطي العادي وذلك سنة 1986م وكانت سنة 1987م هي آخر سنة دراسية لي في المدارس وكنت أعشق مادة التاريخ والاجتماعيات عشقا مميتا ولكن اسم (الجماهيرية العربية الليبية الاتحادية الديمقراطية الاشتراكية الشعبية العظمى) قد زهقني حياتي وقرفني حتى الدراسة وبالذات مادة الاجتماعيات التي أضفتها إلى مادة الرياضيات التي كنت أكرهها بسبب وضع أستاذ الرياضيات الأقلام بين أصابع يدي الناعمة جدا, وكان يقول لي أستاذ الاجتماعيات : ما اسم ليبيا؟ فكنت أقول: الجمهورية, فيقاطعني لاء, أولا الجماهيرية, فكنت أقول: نعم, الجماهيرية الشعبية العربية الإسلامية الاتحادية الانفصالية الراديكالية ..وكان الأستاذ يقاطعني قائلا: شو أنت أهبل شاطر بس تحفظ أغاني سيد درويش (محسوبكم حاس صبح محتاس) فكنت أقول: والله يا أستاذ إنها أهون من اسم ليبيا, وكان يرد غليّ قائلاً: إما أن تحفظها وإما أن يأتي ولي أمرك وممنوع دخولك الصف إلا بحضور ولي أمرك, ويومها كان عمي يعمل مقاولا في السعودية رحمه ألله وكان بالصدفة قد جاء ليقضي إجازته معنا ومع أولاده فذهبت إليه وقلت له بأن مدرس مادة الاجتماعيات طردني من المدرسة نظرا لأنني لا أستطيع حفظ اسم الجماهيرية الليبية الشعبية الاستوكازية الفيبروكانية اللي مش عارف شو دينها , فضحك عمي من أسلوبي الساخر وقال هذه سهله شو اسمها , فأحضرت له الكتاب فقرأ(الجماهيرية العربية الليبية الاتحادية الديمقراطية الاشتراكية الشعبية العظمى) فقال وكمان مني زيادة: الإسلامية الاشتراكية الرأسمالية الشيوعية المتحدة: أي والله أنا يا ولد ما بقدر أحفظها والله لو أقعد كل إجازتي هنا وأنا أحفظ باسمها صدقني ما راح أقدر أحفظه ولكن لازم نحل الإشكالية...وكيف بدي أروح معك على المدرسة؟ وفي اليوم التالي ذهبت بسيارة عمي الجيمس برفقة اثنين من أصحابه ودخل على مدير المدرسة وقال له : إحنا كلنا حافظين اسم ليبيا مع بعضنا ولكن إذا انفصلنا عن بعضنا فسننسى لأن كل واحد منا يحفظ جزء منها , ونناشدك الله أن تتركوا الولد بحاله وصدقوني هذا القذافي واحد مجنون.
وليس عمي الوحيد الذي يواجه صعوبة في حفظ وتفسير مصطلحات القذافي فحتى المترجمون في المؤتمرات الدولية لا يترجمون خطاباته مباشرة لأن مصطلحاته بحاجة إلى تمحيص فهو السياسي أو الزعيم السياسي الوحيد الذي لا تترجم خطاباته للغات الأخرى مباشرة ,وهذه الطبيعة الشوفينية في الأسماء العربية والتي تعبر عن جنون العظمة والنقص والفشل موجودة أيضا في غالبية الشخصيات العربية فبعض المنتفخة والناس من أقربائي إذا أرسلنا لهم ببطاقة دعوة لحضور حفل زفاف فإنهم ينزعجون إذا كانت الصيغة هكذا (حضرة السيد) فهم يريدون وخصوصا أقربائي الأعزاء بأن نكتب لهم هكذا (حضرة معالي الأستاذ الدكتور الحاج العميد المتقاعد الركن أول الطيار البطل المهندس المظلي المغوار الشجاع صاحب محل المفروشات في وسط البلد وصاحب محطة التنقية الحديثة للمياه الممغنطة والمعدلة جينياً على الطريقة الأمريكية الحديثة أخو وضحا أو أخو شمّا.. ) وقبل مدة أو قبل أقل من عشرة أيام أرسلت لي إحدى السيدات البروفايل الخاص بسيرتها الذاتية وبصراحة تعبت جدا من قراءة التعريف الخاص بها لأنه كان كالتالي : رئيسة تحرير صحيفة الأطفال ...سنة..., كاتبة مقالات وأنا بعمر كذا وكذا 16 سنة, حائزة على جائزة الدولة التقديرية, المهندسة الشاعرة والروائية والقصصية المتزوجة من الدكتور العميد الركن وقد من ألله علينا بابننا المهندس الدكتور المتزوج من الدكتورة رئيسة قسم ....إلخ فأرسلت لها برسالة قلت لها بها : هذا الشهر سأقرأ سيرتك الذاتية وحتى أنتهي هذا الأسبوع من قراءة اسمك وأسم زوجك وأسم المجلات التي رقصت أو كتبت بها فسأوعدك بعد ذلك من أن أتمكن من قراءة قصيدتك الجديدة.
وأذكر أيام تغيير القذافي لاسم الجمهورية الليبية بأن الناس في ذلك الوقت كانوا يكتبون طُرف عنه وكان أجملها يوم مات سألوه الملائكة ما اسمك؟ فقال: العقيد البطل معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من أيلول رئيس الجماهيرية العربية الليبية الاتحادية الديمقراطية الاشتراكية الشعبية العظمى ملك ملوك أفريقيا باني نهضة ليبيا الحديثة مؤسس النظرية الخضراء التي جاءت بعد الرأسمالية والشيوعية محرر بني غازي أنا وصديقي جاسم أبو خميس وأبو سيف الإسلام.... فقاطعه ألله قائلاً: شو هذا كمان اشوي ابتيجي تقعد محلي!!.
وأحيانا أذهب لحضور أمسية شعرية أو قصصية فيبدأ المنسق أو عريف الحفل بالتعريف على القاص أو الراوي أو الكاتب بأكثر من 5 دقائق عن اسمه فقط لا غير وربع ساعة عن منجزاته , وإذا كان في يوم من الأيام قد أعطى مساقا بسيطا في إحدى الجامعات فإنه يغضب إن لم يقل له عريف الحفل (المحاضر المتفرغ) وإذا نشر قصيدة أو مقال في صحيفة الرأي أو الدستور قبل عشرين عام فيجب أن يقول الكاتب في صحيفة الرأي سنة...وهذا حصل معي فبعد أسبوع من تقديم أحد الأصدقاء في أمسية فكرية اتصل بي وقال : أبو علي ليش ما حكيت عني إني محاضر متفرغ في جامعة ...إلخ فقلت له: يا زلمه والله اسمك صار قد عدد أسماء ألله الحسنى أي والله القذافي اسمه ما هو قد اسمك, وهل تعلم بأن تشرشل الزعيم الانكليزي كان لقبه (مستر تشرشل) وسائقه كان أيضا يلقب بلقب (مستر) وطباخه أيضا بلقب (مستر).
وفي النهاية ليبيا لم تكن في أي يوم من الأيام ولا واحدة من تلك الأسماء المذكورة, والدولة التي اسمها اسم واحد كانت وما زالت كل شيء والشخص الذي عاش حياته وهو يدعي بأنه البطل الطيار المظلي المهندس الفارس المغوار, لم يكن في أي يوم من الأيام أي شخص من الشخصيات التي يدعيها,والذي ادعى بإنه الشاعر القاص الراوي كاتب المقالة الاعلامي لم يكن في أي يوم من الأيام مبدعاً في المجالات التي عاش وهويدعيها وكما قال المسيح : من أراد كل شيء خسر كل شيء.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟