أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - هل لوزارة الثقافة معايير في النظر إلى الثقافة والمثقفين؟















المزيد.....

هل لوزارة الثقافة معايير في النظر إلى الثقافة والمثقفين؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 982 - 2004 / 10 / 10 - 10:19
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تؤكد متابعتي لنشاط وزارة الثقافة خلال السنة والنصف الأخيرة أن لهذه الوزارة رؤية خاصة وضيقة جداً لمفهوم الثقافة والجماعات التي تشكل جمهرة المثقفين من النساء والرجال وفي داخل العراق وخارجه تصل إلى حد لم يسبق لأي وزير ثقافة أو وزارة ثقافة في العرق أن امتلكتها. ويبدو لي أن المنطلق في النظر إلى الثقافة والمثقفين ينحصر في دائرة الشعر والقصة والرواية والصحافة والرسم والنحت لا غير, في حين أن الفارق كبير جداً بين الفنون الإبداعية كجزء حيوي وأساسي من الثقافة وبين الثقافة كمكون عام يشتمل على مجمل الإعمال والنتاجات الفكرية الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والأدبية والفنية والتقنية وفي مختلف الاختصاصات في المجتمع. والمثقف يتجاوز حدود النشاط الإبداعي, كالشعر والقصة والرواية والرسم والنحت والموسيقى, بكثير ليشمل مختلف جوانب النشاط الإنساني الفكري بشكل خاص. إن هذه النظرة الضيقة التي كنت أتأمل بأن وزارة الثقافة العراقية ستهجرها وتتبنى رؤية أكثر شمولية وعلمية وواقعية للثقافة والمثقفين, خاصة وأن بعض الأسماء التي تعمل هناك كان يفترض فيها أن تنبه الوزارة والوزير على الخلل في النظرة الضيقة لمفهوم الثقافة والمثقفين في المجتمع العراقي, وبشكل عام. إن المؤتمرات التي عقدتها وزارة الثقافة اقتصرت على مجالات معينة وحصرت نفسها بها مما سيؤدي على خسارة كبيرة ومضرة في المجالات الأخرى التي تدخل في باب الثقافة حقاً. فالثقافة يا سيدي الوزير هي الحياة, هي الآداب والفنون والعلوم والفلسفة والتاريخ وكل المجالات الأخرى, ولهذا لا بد لوزارة الثقافة أن تنتبه إلى ذلك وأن تبدأ بالعمل على مختلف المجالات والأصعدة. السؤال الذي كان وما يزال يدور في أذهان الكثير من الناس في العراق وخارجه هو: من هو المثقف؟ وما هو دوره؟
أشارك غرامشي رأيه في أن كل الناس مثقفون وان اختلفوا في الوظيفة المحددة التي يؤدونها داخل المجتمع من جانب, وان هناك, كما يقول محمود امين العالم بصواب, مثقف عام ومثقف متخصص. والمثقف هو نتاج غير عفوي لبيئته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والروحية, وهو نتاج التناقضات والصراعات الاجتماعية والسياسية, ولكنه في الوقت نفسه مكون لذاته وثقافته وفاعل ومؤثر في هذا المجتمع ونتاجاته. كما أن المثقف لا ينفصل عن تلك العوامل والمؤثرات الخارجية التي تلعب دورها في تشكيل بنية المجتمع, وبالتالي في تشكيل بنيته الذاتية. لهذا تراه مدفوعا إلى اتخاذ مواقف فكرية وسياسية تمليها عليه اجتهاداته وقناعاته ومصالحه التي يمكن أن تتفق مع هذه الفئة الاجتماعية أو تلك, ومع هذه السلطة أو تلك, أو مع هذه الجماعة المعارضة أو تلك, بغض النظر عن مستوى مساهمته الفعلية في السياسة اليومية, إذ إنها تتجلى في نشاطه الثقافي المتنوع والمتعدد المجالات بشكل ملموس. وهناك عوامل أخرى تفرض على هذا المثقف أو ذاك أن يتخذ مواقف معينة ربما لا تنسجم مع اجتهاداته وقناعاته الذاتية. وهذه الحالة هي السائدة في أيامنا هذه في بلدان العالم الثالث عموما, وأملي أن يكون العراق قد بدأ لتوه للتخلص منها, ولكن أوضاعه المادية ستبقى ضاغطة عليه بهذا القدر أو ذاك ولهذه الجهة أو تلك.
يشارك المثقف في إنتاج الخيرات الفكرية والروحية في المجتمع, تماما كما يشارك العامل في إنتاج الخيرات المادية. وان الإنتاجين لا يخليان من عمل جسدي وفكري على التوالي, وكلاهما لا ينفصل عن واقع ومستوى تطور القوى المنتجة وطبيعة علاقات الإنتاج السائدة في علاقتهما الجدلية المتطورة في المجتمع. وبالتالي فأن الإنتاجين يكونان الثروة المادية والروحية للمجتمع. ويفترض أن لا ننسى إن في هذا الإنتاج الفكري ما هو غث وما هو سمين, كما هو حال الإنتاج المادي حيث تظهر فيه النوعية الجيدة والرديئة أيضا. وحول هذه الثروة بجانبيها المادي والروحي أو الفكري - الثقافي ومنتجيها ينشأ الصراع وتدخل السياسة من أوسع أبوابها. وإذ يحاول المهيمن على السلطة السيطرة على الإنتاج المادي من خلال تملك وسائل الإنتاج وشراء قوة العمل وإخضاعها لأرادته ورغباته, يحاول أيضا الهيمنة بأساليب مختلفة على الإنتاج الفكري - الثقافي والتحكم بمنتجي هذه الثروة الوطنية. وبالمقابل فأن القوى التي تواجه السلطة وترفض هيمنتها على الإنتاج ووسائل الإنتاج أو التي تريد المشاركة فيها أو فرض نموذج آخر للملكية عليها, تحاول هي الأخرى الهيمنة بأساليب مختلفة على منتجي الثروة الفكرية وجعل الثقافة في خدمة أهدافها ومصالحها. وفي هذا تنقسم الثقافة, شاء الإنسان أم أبى, إلى ثقافة سلطة وثقافة خارج السلطة, والثقافة التي هي خارج السلطة يمكن أن تجد فيها ما هو مناهض للسلطة بمستويات مختلفة أو ساكت عنها أو خارج عليها ولكن لا يختلف كثيرا في مضامينه الأساسية عما تمارسه ثقافة السلطة. وكذا الحال في الثقافة خارج السلطة التي تسعى على التمرد أحياناً من يحاول في صف المعارضة السيطرة على الثقافة المعارضة للسلطة والتحكم في وجهتها والتأثير في مساراتها.
وإذ امتلك المثقف منذ انتصار الثورة البرجوازية في أوروبا مزيدا من الحرية في التعبير عن مواقفه المستقلة, تماما كما امتلك العامل مزيدا من الحرية في بيع قوة عمله لمن يشاء, فأنهما معا كانا وما زالا يعانيان من أساليب وأدوات كثيرة تحد من تلك الحرية وتجعلهما في أحايين كثيرة مجبرين على اتخاذ مواقف لا تنسجم مع إرادتهما سواء ببيع العامل قوة عمله, إذ بدون ذلك يفقد قدرته على الكسب المادي ومواصلة العيش, وإصابة المثقف بحالة انفصام أو ازدواج الشخصية, أو انسداد أبواب العيش في وجهه. وجمهرة واسعة من مثقفي بلدان العالم الثالث, ومنها الأقطار العربية كانت وما تزال مصابة بحالة انفصام الشخصية المرضية. وبمعنى آخر يتعرض المثقف المنتج للخيرات الروحية والتقنيات العلمية الحديثة والعامل المنتج للخيرات المادية إلى استغلال اجتماعي واضطهاد سياسي في آن. وفي هذا تبرز أيضا قضيتهم المشتركة.
أرت في أعلاه إلى أن المثقف, وكما جاء في الدراسة القيمة التي قدمها الأستاذ الفنان محمود صبري ونشرتها مجلة الثقافة الجديدة في عددها 256 لعام 1993, يقوم بإنتاج الثروة الفكرية والروحية ويساهم في خلق الثروة والثورة العلمية - التقنية ذات المضمون الفكري والمادي مساهمة كبيرة. وهو يؤدي دوره هذا بصورة مستقلة مرة, ومتشابكة مع المنتجين للخيرات المادية مرة أخرى. وينشأ عن هذا دوره المستقل سياسيا من جهة ودوره المتشابك مع الآخرين في العملية الاجتماعية من جهة أخرى. وهذه الحقيقة تتطلب الاعتراف للمثقف بدوره المستقل وبدوره المتشابك في آن. إلا أن هذا التشابك يجب أن لا يعني بأي حال تقليص دوره المستقل أو الإضرار به أو التجاوز عليه.
يسعى المثقف في نشاطه الفكري أن يعبر عن رؤيتين متشابكتين: رؤية المجتمع من خلال ذاته, وروية ذاته من خلال المجتمع مجسدا في ذلك رؤيته وتطلعاته الذاتية مقترنة بسعة اطلاعه على الموروث الفكري والاجتماعي وفهمه له وبصيغ وأساليب تعبيره عنه, وهي محصلة متباينة في طاقتها التعبيرية ومرتبطة عضويا بمستوى وطبيعة وموقع وقدرات وسعة معارف وتجارب هذا المثقف أو ذاك ووعيه لواقع المجتمع الذي يعيش فيه ومدى استيعابه لمشكلات هذا المجتمع, إنها محصلة الماضي والحاضر والمستقبل, وهي أخيراً محصلة ناشئة عن الرؤيتين. وأهمية عمل المثقف تكمن أيضا في عمق هذا التفاعل بين الرؤيتين وفي أسلوب وأدوات التعبير عنهما.
والمثقف لا يمكن أن يحصر مجال فهمه في القصة أو الرواية أو الاقتصاد أو الفيزياء أو الرسم دون أن يكون له الاطلاع المناسب على مجالات الثقافة الأخرى التي تؤهله على المشاركة الفعالة والواعية في نشاط المجتمع وفي الربط العضوي في ما بين مختلف مجالات الثقافة.
إن لوزارة الثقافة كما تبين لي من خلال متابعتي لنشاطها أنها تقتصر, سواء أكان ذلك على مستوى الداخل أو الخارج, على العلاقة بمجالات معينة من الثقافة وجماعات معينة من المثقفين, سواء باستشارتهم أم بدعوتهم ومشاركتهم بفعاليات الوزارة, وخاصة علاقاتها بالشعراء والروائيين أو كتاب القصة أو الصحفيين والرسامين, وهو أمر على أهميته وإيجابيته لا يعبر عن التنوع في مجالات الثقافة.
كنت أتوقع تحولاً فكرياً نوعياً في نشاط وزارة الثقافة والوجهة التي تعمل بها, ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه.
إن التحليل السياسي العلمي من جانب المثقفين للأوضاع السياسية الجارية في البلاد أو تحليلهم لطبيعة التطور الاقتصادي والاجتماعية أو دراساتهم حول التغيرات النفسية والعصبية التي طرأت على أفراد المجتمع خلال العقود الأربعة الخيرة أو الدراسات الأدبية والمسرحيات التي عالجت هذه الفترة أو القصائد التي عبرت عن أحاسيس الإنسان كلها تدخل ضمن النشاط الثقافي أو الفكري, سواء النظري منه أم التطبيقي, وكل العاملين في هذه المجالات يعتبرون ضمن مجموعة المثقفين, وأن اختلفوا في الوظيفة التي يؤدونها بصورة مباشرة أم غير مباشرة. وهو ما لم يؤخذ بالحسبان في وزارة الثقافة العراقية. ليس بودي أن أتحدث عن موقع العيب في سيادة هذا التصور, ولكن بودي أن ينتبه إليه كل العاملين في الحقل الثقافي لينبهوا كل العاملين في الوزارة على الخلل الذي يمكن أن ينمو دون أن ندرك مخاطره.
كاظم حبيب برلين في 9/10/2004



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعلان عبر الإنترنيت إلى دور الطباعة والنشر العربية
- هل أمسك الدكتور ميثم الجنابي في تعقيبه بجوهر ملاحظاتي أم تفا ...
- مرة أخرى مع أفكار الزميل الدكتور خير الدين حسيب التي عرضها ف ...
- مرة أخرى مع أفكار الزميل الدكتور خير الدين حسيب التي عرضها ف ...
- فكر وسياسات الدولة السعودية والحوار المتمدن! غربال السعودية ...
- مرة أخرى مع أفكار الزميل الدكتور خير الدين حسيب التي عرضها ف ...
- من المسئول عن سقوط القتلى والجرحى يومياً في العراق؟ رسالة مف ...
- مرة أخرى مع أفكار الزميل الدكتور خيري الدين حسيب التي عرضها ...
- ما هي المشكلات والقوى التي تساهم في تعقيد الوضع الراهن في ال ...
- !إحذروا جواسيس فلول البعث الصدّامي والإرهاب في الخارج
- حوار مع الدكتور ميثم الجنابي حول مقاله عن الهوية الوطنية وال ...
- حوار مع الدكتور ميثم الجنابي حول مقاله عن الهوية الوطنية وال ...
- حوار مع الدكتور ميثم الجنابي حول مقاله عن الهوية الوطنية وال ...
- هل سيستمر البعثيون القدامى والجدد على إرسال رسائل التهديد وا ...
- هل هناك محاولات لتوسيع رقعة وتطوير نوعية وحجم العمليات الإره ...
- إلى ماذا يسعون مرتكبو الجرائم الإرهابية العمياء في العراق وب ...
- رؤية حوارية حول واقع وسبل معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماع ...
- هل حقاً عاد البعثيون الصدّاميون إلى الحكم في العراق ثانية؟
- رسالة مفتوحة إلى السيد وزير الدفاع العراقي حول الموقف من ماض ...
- 2-2 من هم ال?يشمر?ة في كردستان العراق؟ لِمَ تشكلت ميليشيا مق ...


المزيد.....




- رسالة طمأنة سعودية للولايات المتحدة بشأن مشروع الـ 100 مليار ...
- جهاز مبتكر يزرع تحت الجلد قد ينفي الحاجة إلى حقن الإنسولين
- الحكمة الجزائرية غادة محاط تتحدث لترندينغ عن واقعة يوسف بلاي ...
- ماذا نعرف عن -المنطقة الإنسانية الموسعة- في غزة؟
- ماذا نعرف عن -المنطقة الإنسانية الموسعة- التي خصصتها إسرائيل ...
- شاهد: ترميم مقاتلة -بوليكاربوف آي-16- السوفياتية الشهيرة لتش ...
- اتهامات -خطيرة- ضد أساطيل الصيد الصينية قبالة شرق أفريقيا
- اكتمال بناء الرصيف البحري الأمريكي لنقل المساعدات لقطاع غزة ...
- كينيدي جونيور يوجه رسالة للعسكريين الغربيين عن تصعيد خطير في ...
- ضابط أمريكي متقاعد ينصح سلطات كييف بخيار سريع لتجنب الهزيمة ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - هل لوزارة الثقافة معايير في النظر إلى الثقافة والمثقفين؟