أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد طولست - فوبيا السفر















المزيد.....

فوبيا السفر


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3285 - 2011 / 2 / 22 - 01:47
المحور: الادب والفن
    


فوبيا السفــــر

هل السفر تفريج هم، أم اغتراب وفقد أحبة؟
أعرف أن ما سأكتبه اليوم قد يبدو للكثيرين غريبا، ولكنها الحقيقة التي لا يمكنني التمرد عليها، والمتمثلة في ازدواجية الشعور بكره السفر ومحبته في نفس الآن، الرغبة الكاسحة في السفر ممزوجة بالرهاب العارم منه، مشكلة أعيشها منذ الصغر والى الآن، حالة انفعالية عاطفية معقدة أشعر معها بقلق مفرط وخوف ملح لاعقلاني يداهمني عندما أفكر في السفر ولو لمكان قريب.. ويزيد ضراوة كلما اقترب موعد السفر، وحان تجهيز حقائب الاغتراب عن الديار، فأتردد وأمتنع وأفكر كثيرا وأشعر بالإحباط والعجز واليأس والاضطراب، ويتشتت تفكيري، وأفقد الشعور بالأمان والدفء العاطفي وكأني أخشى من تحمل مسؤولية فلا أستطيع المحافظة عليها أو القيام بها، فتغرق نفسي في طوفان من الأسى ويشحب وجهي، وأصاب بالرُعاش، والنزوع نحو التقيؤ، والتبول، وتُدمر كل إمكاناتي على الصمود والاستقرار إلى درجة لا أستطيع معها السيطرة على الذات، فأكره السفر رغم حبي الكبير للتنقل وعشقي العارم للاستمتاع بزيارة البلدان، والتعرف على تاريخ الدول والترفه في مناطقها السياحية، وإيماني القاطع بأن "تبدال المنازل راحة" وأن "اللي ما جال ما عرف الرجال" والبلدان.
حالة انفعالية عاطفية معقدة، ومفارقة غريبة لامنطقية، وشعور عام غامض وغير سار، أعيش كتهديد وتوقع للخطر والسوء وحدوث كل شر مستطر، مصحوب بالتوتر والخوف والتحفز، وما يزيد من غرابت الأمر، هو كونها حالة تحدث مع أشخاص يحبون التنقل، ويكثرون من السفر والترحال داخل وخارج الوطن.
صحيح أن لكل منا هواياته، وأن السفر يجسد أعظم الهوايات، فمنا من يحبه لتفريج الهم، ومنا من يجده عبئا كبيرا يُحمّله أوزارا. فبقدر ما أحب وأرغب في السفر، كوسيلة أولى للترفيه و"تبدال المنازل" في آفاق الدنيا الفسيحة، وعوالمها المتسعة، بقدر ما أشعر- ولأسباب غالباً لا شعورية في العقل الباطن- بفقد الارتباط بحاجاتي وأدواتي ورفاقي وأهلي وبلدي وحتى جدران بيتي، وأشعر بشعور المفارق الذي ربما لن يعود أبداً، وهو الشعور الذي اكرهه، لأنه يحول السفر إلى كابوس وقطعة من العذاب، بالرغم من تطور وسائل النقل وتوفر الفنادق وأماكن الإقامة المريحة والمطاعم والمدن الترفيهية والمطارات الخيالية، ورغم ما يتيحه السفر من فوائد جمة، قيل ظلما أنها خمسه فقط، اجتماعية وتربوية وصحية وحضارية واقتصادية، تمكنه من أن يكون هواية الكثير من الأسوياء ولا أدري، ربما لست كذلك سويا؟ لأني لا أستطيع معرفة أسباب ما يعتريني من تشاءم كلما فكرت، مجرد التفكير في السفر، لذلك لن أدخل في تفاصيل الأسباب، ليس تعتيما، لكن لأن بعضها واضح في ذهني، وبعضها ما زال مختبئاً في خزائن لاوعيي، ولا أستطيع أن أراها فضلاً عن أن أشرحها...!
لكني متيقن أنها لا تدخل في خانة الأسباب التي ذكرها الإنجليز في تراثهم القديم عن السفر والمسافر حين قالوا: "يجب أن يكون له عينا صقر ليرى كل شيء، وأن يكون له أذنا حمار ليسمع كل شيء، وأن يكون له ظهر جمل لتحمل أي شيء، وساقا معزة لا تتعبان من المشي، وحقيبتان إحداهما امتلأت بالمال والأخرى بالصبر"...وليست بسبب نصيحة الأعرابية لابنها في سفره حين قالت له: "يا بني إنك تجاور الغرباء وترحل عن الأصدقاء ولعلك لا تلقى غير الأعداء، فخالط الناس بجميل البشر واتق اللّه في العلانية والسر". ولم تكن استجابة لنصائح الحكيم الأعرابي لصديق له أراد سفر فقال: "إنك تدخل بلداً لا تعرفه ولا يعرفك أهله فتمسك بوصيتي تكتب لك السلامة، عليك بحسن الشمائل فإنها تدل على الحرية، ونقاء الأطراف فإنه يشهد بكرم المنبت والمحتد، ونظافة البزة فإنها تنبئ عن النشء في النعمى، وطيب الرائحة فإنها تـظهر المروءة، والأدب الجميل فإنه يكسب المحبة، وليكن عقلك دون دينك وقولك دون فعلك ولباسك دون قدرك، والزم الحياء والألفة فإنك إن استحييت من الفظاظة اجتنبت الخساسة، وإن أنفقت من الغلبة لم يتقدمك نظير في مرتبة".
أما الذي أنا متيقن منه، وأحمد الله عليه، أنها حالة وقتية تتبدد مع مرور الوقت، ويتراجع الخوف عندما تنتهي النوبة عند السفر وبعده، وأني لست الوحيد في هذه الحالة وذاك الشعور،
وقد تفرق الناس في السفر -كعادة بني البشر في القضاياهم عامتها- من مؤيد للسفر ومعارض له. وحفل الأدب العربي بالكثير من القصائد والنثر الذي تحث على الأسفار والرحلات كما حفل بالكثير الذي يعارض ذلك. كقول المتنبي في عشق السفر والترحال:
ذراني والفلاة بلا دليـل ووجهي والهجير بلا لثام
فإني أستريح بذي وهذا واتعب بالاناخة والمقـام
وذاك الذي نسب لأبي البلاغة الإمام علي بن أبي طالب (ع) يمتدح فيه الغربة امتداحا ويجد فيها أفضل وسائل لتفريج الهم واكتساب المعيشة والتعلم وتعليم الآداب والرفقة الجميلة، حيث يقول:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
فإن قيل في الأسفار ذل وغربة
وقطع فياف وارتكاب الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته
بدار هوان بين واش وحاسد»
أما المعارضون للسفر والرحلة فقد عبر عنهم شاعرهم بقوله:
تفكر إخوان وفقد أحبة
وتشتيت أموال وخيفة سارق
وكثرة إيحاش وقلة مؤنس
وأعظمها يا صاح سكن الفنادق
فإن قيل في الأسفار كسب معيشة
وعلم وآداب وصحبة فائق
فقل كان ذا دهراً تقادم عهده
وأعقبه دهر كثير العوائق
وهذا مقالي والسلام مؤبد

وقد وقف البعض بين الرأيين وفضلوا تجربة السفر والرحلة لما في التجريب من فوائد وعلم الحقائق، فقال شاعرهم:
سفر الفتى لممالك وديار
وتجول في سائر الأمصار
علم ومعرفة وفهم واسع
وتجارب ورواية الأخبار
وقيل في السفر والغربة والشتات شعر عربي كثير أذكر منه على سبيل المثال لا الحصر، ما قاله أحمد بن عبد الملك بن مروان:
هبت لنا الريح من تلقاء كاظمة ـ وهنا فكم ردّ نفح الريح من روح
و ما عرفت نسيم الريح من بلدي ـ إلاّ بعرف حبيب هبّ في الريح

و قال إدريس بن عبد الله بن عباد و هو في المغرب :
غريب بأرض الغرب منقطع الذكر ـ بعيد عن الأهلين في بلد قفر
تذكّر في أهل الجزيرة أهله ـ فهيّجه طول التشوّق و الفكر
فصوت حمام في الغصون كأنما ـ ندبن قتيلا أو روين من الخمر
لئن كنّ ما تجري لهن مدامع ـ فكل غريب الدار أدمعه تجري

و ما قاله الحسن بن محمد بن بابل، عراقيّ عاش قبل ألف عام بعيدا عن وطنه:
ألا ما لجسمي قد علاه شحوب ـ و ما بال قلبي ضامرته كروب
و ما بال أحشائي توقّد لوعة ـ و ما بال رأسي قد علاه مشيب
و ما ذاك إلاّ أن رمتني يد النوى ـ و أنيّ في أرجاء مصر غريب
أراعي نجوم الليل لا آنف الكرى ـ كأنّي على رعي النجوم رقيب
إذا ما دعوت الدمع يوما أجابني ـ و إن رمت دعوى الصبر ليس يجيب
و إن رمت كتمان الذي بي من الأسى ـ جرى هاطل من مقلتيّ سكوب
ألا ليت شعري هل أرى الدهر منزلا ـ تبوأّه بعد الفراق حبيب
و هل أردن يوما مياه رصافة ـ و هل يصفون لي عيشها و يطيب
وأجمل مما سبق قول أمير الشعراء شوقي في مرارة الشعور بالتغرب:
وطني لو شغلت بالخلد عنه ــ نازعتني إليه في الخلد نفسي
وفي الختام لا يسعني إلا أن أغني مع ناس الغيوان رائعتهم التي تقول:
"شفتي الحالة يا عيني دوي.. ما بديا ما ندير.." .
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هتيريا الرجولة
- سوف كا، ربي يتماغ.
- بلاد الدل تنهجر.
- جوع كلبك يتبعك
- ثقافة التقليد.
- على هامش تطبيق مدونة السير.
- غربة درب
- عابد الجابري واستفزاز الصغيرات.
- عشق حي قديم.
- وإذا بوعزبزي يوما أراد الحياة...
- صراعات الأديان
- الغضب
- لماذا يبكي الآباء عند تزويج بناتهم؟؟؟
- مشاهد حياتية مستفزة(الحلقة3)
- مشاهد حياتية مستفزة الحلقة 2
- مشاهد حياتية مستفزة, الحلقة الأولى,
- عيد العمال بنكهة جديدة
- اليوم العالمي للصحافة
- احتفالات عيد العمال
- على هامش المصادقة على مدونة السير الجديجة


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد طولست - فوبيا السفر