أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد طولست - غربة درب














المزيد.....

غربة درب


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 00:20
المحور: الادب والفن
    


خاطرة.
غربة الدرب
عدت للحي البسيط الذي استنشقت أنسامه صغيرا، و درجت بين زواياه صبيا، وعشت على محبة أهله أحلى مراحل العمر الشبابية. عدت بعد نأي بدا طويلا، وبعد أحسسته مديداًَ، لأمشي فوق أتربة دروبه المتيبسة الشاحبة، التي عهدتها بليلة تثير بروائح بخورها آيات الإعَجَاب والشهَية، وصارت بكل أسف، دروبا تافهة خرساء، لم تعد تكتب تاريخ وقار الكهول الغادين للمساجد عند الفجر تحت عتمة مسالكها، ولا تنشئ ملاحم أحاديث العائدات عبرها من السوق أو "لعوينة"(1)، وفرحة عودهم تحت ثقل القفاف وسلال الغسيل و دلاء السقي، ولا تنظم القصائد من حلاوة ابتسامة ربيع البنات واحتشامهن، ولا تنشئ القصص من لذائذ طناجير وقصاع المطاعم الشعبية المتواضعة المسيلة للعاب المارة في مطلع كل يوم وفي مغربه.
ولا تحكي قصص شيطنات أطفال الدرب المتناثرة عبر ممرات الحي وركضهم وراء القط الأجرب، متعة لهوهم الجميل، في كل المسارات جميعها، وهم يتصايحون ويتضاحكون، وقد علقوا في ذيله علب السردين..
انتهى كل جميل في دربنا وتغير، حلاوة الزمان، عذوبة المكان، نقاء الهواء، صفاء الألوان، غزارة الأحلام، وندرة الأحزان. إنتهى كل شيء إنساني فيه وكأن عاصفة تسونامية ابتلعت دفئه الحميمي، وخنقت أشياءه، وعاثت فساداً في أهله وعمرانه، أناسه وسُكّانه، بناته وأولاده، رجاله ونسوته، صِبيته وشيوخه، أرامله وتكلاه، وقتلت فيهم الابتسامة البهية، وألغت بينهم الفرحة الشهية، ومنعت الضحكات الشجية، وأشاعت الأتراح العاتية، ومات كل ما غرسته الجدات فوق سطوح البيوت، من حبق وسوسن وحب الرشاد، وتحجرت أنفاس الغنباز، وتفحمت وريقات لمخينزة، وتساقطت زهيرات خدوج الخانزة. صامت نساء الحي عن بث الأبخرة في الأرجاء، وتوقفن عن تنظيف جنبات الدروب، فغدت البيوت مكفهرّة، باهتة متقيّحة، صدئة متورمة يتناسل حولها الوجوم، وأورام الذبول، وأضحت كالمتعبّد في الوَسَخِ، المتريّض في الوَحْل، المستحمّ في القاذورات، يتنفس العطب والتلاشي تحت مصابيح أشباح، تقطر بدخان الحشيش، وخيوط النيكوتين، وبصاق مساءات الحالمين بمواعيد ليلية تواقة إلى نقطة هواء أو حبّة نسيم.
ما جئتُ اليوم لأتذوق مسخ الدرب ولا برودة حيطانه المتفسخة، لكني جئت لأتطلع في وجه المصابيح المعدنيّة المتهالك، التي قاومت أمواج العتمة، علني أمسح عنها جفاء الناس ولامبالاة المنتخبين.
ملاحظة: الدرب الذي أتحدث عنه هو درب يحمل اسم "درب الزاوية" ويقع في حي "فاس الجديد" الذي ليس فيه من الجدة إلا الاسم.
1: لعوينة، تصغير للعين وتعني نبع الماء الذي كانت نساء فاس الجديد يقصدنه لغسل الأغطية والصوف والثياب، وكان موجودا بالضبط تحت سوق"باب الجياف" الحالي.



#حميد_طولست (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عابد الجابري واستفزاز الصغيرات.
- عشق حي قديم.
- وإذا بوعزبزي يوما أراد الحياة...
- صراعات الأديان
- الغضب
- لماذا يبكي الآباء عند تزويج بناتهم؟؟؟
- مشاهد حياتية مستفزة(الحلقة3)
- مشاهد حياتية مستفزة الحلقة 2
- مشاهد حياتية مستفزة, الحلقة الأولى,
- عيد العمال بنكهة جديدة
- اليوم العالمي للصحافة
- احتفالات عيد العمال
- على هامش المصادقة على مدونة السير الجديجة
- قصار القامة عظماء الهامة
- المعارض ليست سيئة كلها
- الاعتذار(1)
- فوضى الأعياد
- محاسبة الرؤساء بداية الإصلاح
- لغو أطفال
- من شب على شيء شاب عليه


المزيد.....




- كوينتن تارانتينو يعود إلى التمثيل بدور رئيسي
- لونُ اللّونِ الأبيض
- أيقونة صوفية
- تــــابع كل المسلسلات والأفلام الهندي والعربي.. تردد قناة زي ...
- إطلاق ملتقى تورنتو الدولي لفن اليوميات وفلسطين ضيفة الشرف
- افتتاح المتحف المصري الكبير بعد عقدين من الزمن في أرضٍ لا يُ ...
- ماذا حدث عندما ظهر هذا النجم الهوليوودي فجأة بحفل زفاف مستوح ...
- (غموض الأبواب والإشارات السوداء)
- تــــابع كل المسلسلات والأفلام الهندي والعربي.. تردد قناة زي ...
- المتحف المصري الكبير.. هل يعيد كتابة علاقة المصريين بتاريخهم ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد طولست - غربة درب