أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد المجيد - وستفيض دموعهم لنصف قرن قادم ... رسالة شكر من مبارك الثاني إلى مبارك الأول















المزيد.....



وستفيض دموعهم لنصف قرن قادم ... رسالة شكر من مبارك الثاني إلى مبارك الأول


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 978 - 2004 / 10 / 6 - 08:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


والدي العزيز الرئيس حسني مبارك
قرأت رسالتك بشغف شديد, واستوعبت سطورها وما بين سطورها, وتستطيع أن تنام مطمئنا على عرش مصر فهو لن يصل إلى أي مصري آخر ولو شج كل المصريين رؤوسهم في الحائط أو القوا بأنفسهم في نهر النيل العظيم. لكن ينبغي أن اصارحك, والدي العزيز, بأن هناك بعض المخاوف والهواجس التي تعتمل في نفسي والتي يجب وضع حلول ناجعة لها قبل أن تترك لي مفتاح أرض الكنانة, ومُلك مصر من شلايت ووادي حلفا إلى رأس التين والمنتزه.
لم يتبادر لذهني للحظة واحدة أن خطتك المحكمة والمحبوكة والذكية لتوريث ابنك عرش مصر يمكن أن تفشل, فأنا قادم لا محالة, والقصر الجمهوري بعابدين تنتظرني كل جدرانه وصالوناته ومكاتبه وخدمه وحشمه وضباط أمنه, بل انني لا أخفي عليك أن الاكتفاء بولايتين أو ثلاث أو أربع لن تكفيني, فثلاثون عاما قادمة هي الحد الأدنى لأحلامي في مستقبل زعامة لأكبر بلد عربي حتى يكون مبارك الثالث قد استوى, وبلغ أشده, واستعد لتسلم الأمانة.
يزداد قلقي في الفترة الأخيرة اثر معرفتي بتوسعة رقعة المشاغبين الذين يطالبون بانتخابات حرة ونزيهة, وبصعود أكثر من مرشح لرئاسة الجمهورية, وبتعليم المواطنين حقوقهم, وبرفض وراثة ملك مصر, وباعتبار المصريين كلهم على قدم المساواة! لكنني أيضا واثق ثقة مطلقة في أنك, والدي العزيز, قد صنعت ثقاقة الخوف بين رعايانا مما أدى إلى حالة من الصمت سادت وادي النيل, ولم يعد أمام سبعين مليونا من المصريين غير الانتظار لمعرفة ما ستسفر عنه التغييرات المجهولة, لكن هناك قناعة خفية تسري في العقول وتتسرب إلى الأفئدة وتستقر في الصدور بأن معركتي لوراثة العرش قد تم حسمها لصالحي قبل أن أخوض غمارها!
تابعت أيضا محاورات المصريين على شبكة الانترنيت والتي اسفرت عن تكوين جبهة مصرية معارضة لتوريث حكم مصر, وهؤلاء قد يمثلون وعيا جديدا للمصريين بحقوقهم, لكنهم لن يحركوا ساكنا, فقد قضيت أسبوعين في الولايات المتحدة الأمريكية اقتربت خلالهما من كرسي العرش في مصر, فزعماء الدول الكبرى يعلمون جيدا أنني الرئيس القادم في بلد ديمقراطي ليس من حق أفراد شعبه اختيار أحد آخر غيري.. إنها ديمقراطية صنعها والدي وأغمض ساكنو البيت الأبيض أعينهم عنها, ولم يطرح زعيم واحد من أصدقائك الكثيرين سؤالا يتيما عن حقوق مواطنينا, أو عن قوانين الطواريء, أو عن السجون والمعتقلات.
لم أعرف بعد إن كنت, والدي العزيز, ستكمل عامك الثمانين بإذن الله في ولايتك الخامسة  أم ستكتفي بأربعة وعشرين عاما, فقد نضج ابنك وأصبح أكبر من كل المصريين, وتستطيع أن تنام قرير العين, مطمئن النفس, منشرح الصدر, فقد تركت لي, أطال الله في عمرك, جيشا من المنافقين وكذابي الزفة والخائفين والصامتين والجبناء والمصفقين والمهللين الذين ينتشرون كالجراد في كل مؤسسات الدولة الاعلامية والثقافية والفكرية والدينية والفنية, وخاصة في المكاتب الفاخرة في الطوابق العليا للصحف القومية والتي يطلون منها على النيل الحزين وهم لا يسمعون بكاء أو نحيبا ولا يشاهدون دموعه تفيض علي ضفتيه من هول ما رأى!
رجائي إليك, والدي العزيز, أن لا تجدد ولايتك للمرة الخامسة, فأنا أعلم تماما عشقك للسلطة, ومتعتك في استعباد الآخرين, ونشوتك وأنت ترى الكبار من الوزراء والمحافظين ورجال الأمن والجيش والجنرالات وكل من على ظهر أم الدنيا يأتيك طوعا أو كرها, ويسلمك مقاليد أمره, ويحتكم إليك في حياته ومماته وحركته وسكونه, فأنا في شوق شديد لتسلم عرش مصر بعد أن قمت أنت باعدادي وتهيئتي لخلافتك طوال عقدين من الزمان, احتقرت خلالها شعبك ورعاياك ومواطنيك ولم تحافظ على كرامتهم, وتركت كلاب السلطة تنهش لحومهم, وأعطيت الضوء الأخضر لسلخانات الشرطة لتعلم المصريين فضيلة الصمت, وأغضمت عينيك عن آلاف المشاهد المأساوية التي تساوت فيها كرامة المصريين بتراب الأرض في معظم دول العالم, حتى أنهم يفضلون الهروب بمراكب متهالكة تعبر بهم البحر من ليبيا البائسة إلى مالطة الأكثر بؤسا ولو كان مصيرهم الموت غرقا.
لقد تابعتك, وتعلمت منك, وسأظل وفيا للعهد ورأيت بنفسك نهجي في التعامل مع الكبار وهم يصغرون أمامي كتلاميذ بلهاء يرتعدون خوفا وفزعا ورعبا, فأنا لست فقط ابن الرئيس, لكنني سيدهم وزعيمهم وقائد مصر القادم ولو لطم كل المصريين خدودهم.
صحيح أنني المسؤول الأول عن سياسة الحزب الوطني الحاكم بعد أن تراجع وصغر يوسف والي وصفوت الشريف وكمال الشاذلي, وأصبح الكبار أقزاما أمامي!
وصحيح أنني مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية بدرجة وزير, وعندما قمت بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية كنت الشخص الثالث بروتوكوليا, لكنني السيد الرئيس واقعيا وعمليا وأيضا أمريكيا وبريطانيا و .. عربيا!
إنني في عجلة من أمري فلا يدري أحد ماذا سيحدث غدا, ولا يعلم إلا الله الأجل وموعد الزيارات المفاجئة لملك الموت, لذا, أطال الله في عمرك, ينبغي التعجيل بوضع خططتك موضع التنفيذ سواء بتعييني رئيسا لمجلس الشعب أو نائبا للرئيس أو رئيسا للوزراء.
إنني مثلك, والدي العزيز, لا أعير اهتماما لمنظمات حقوق الإنسان التي تصدع الرؤوس وتطلب المستحيل بانهاء حالة الطواريء والافراج عن معتقلي الرأي وسجناء الضمير, وقد راقبتك عن كثب لسنوات طويلة وأنت, والدي العزيز, تحتقر وتزدري أي مطالب تتعلق بكرامة رعاياك وعبيدك المصريين, خاصة المطالب العادلة مثل الحفاظ على الكرامة في أقسام الشرطة, والمحاكمات القانونية, والمحاكم المدنية, وحقوق المصريين في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية, وحقوقهم في سكن لائق وعمل شريف وإدارة ذكية وحمايتهم في الداخل والخارج, وحتى رفضك تجنيس أبناء المصريات المطلقات من أزواج غير مصريين أو أراملهم وهو أكثر مطالب رعاياك عدالة.
اصارحك الحقيقة, والدي العزيز, بأن أكثر هواجسي ومخاوفي تأتي من المثلث الوطني المتساوي الأضلاع, أعني الجيش والمخابرات ومباحث أمن الدولة!
حتى لو تعمدت أنت تصغير وتقزيم وزير الدفاع وجعلته ظلا لك في استقبالاتك وحفلات مديحك وزياراتك لأماكن لا تدخل في صلب عمله العسكري والوطني, فإن هناك مئات الجنرالات الأقوياء الوطنيين الذين يراقبون انحدار وانهيار وتراجع مصر في عهدك.
قد يبدو ظاهريا أن الجيش يقف محايدا, وأن جنرالاته يخضعون لرقابة تامة فيظهرون تعاطفهم الشديد مع القائد الأعلى للقوات المسلحة, لكنني لا أريد أن أغفل حقيقة قائمة وهي أن الجيش المصري كله ينتمي إلى صلب المدرسة الوطنية, ولن يسعد جنرالاته أن تقوم, والدي العزيز, بنقل السلطة المطلقة لحكم مصر منك إلى ابنك البكر دون المساس بكرامة هذا الجهاز الوطني العتيق.
إنني اتفق معك تماما بأنه ليس للمصريين حقوق لدينا, فنحن أصحاب البلد نفعل به ما نشاء, ونرفض الانتخابات, ونترك اللصوص ينهبون مصر, وينهكون اقتصادها, ويغتصبون ممتلكاتها, ثم نطالب مثقفيهم وإعلامييهم ومفكريهم بالعبودية لنا, وبأن القلم الذي أقسم به رب العزة يجب أن يكون في خدمتنا مديحا وثناء وتكبيرا وتعظيما !
لكن الجيش الوطني حالة استثنائية ولن تنطلي على جنرالاته مسرحية اغتصاب السلطة في وضح النهار, فأنت تحكم مصر بقانون طواريء استثنائي عسكري لثلاثة وعشرين عاما, وترفض تعيين نائب لك, وتضرب بعرض الحائط تمنيات سبعين مليونا من المصريين بأن تقوم بمصر ديمقراطية قائمة على المؤسسات والترشيح والانتخاب والمساواة بين المواطنين وحق أي مواطن في ترشيح نفسه, وتعتبر نفسك فوق القانون والحساب والمساءلة ومعصوما من الخطأ!
وعندما تنتقل السلطة إلي لن يتغير شيء فهي عملية اغتصاب مستمرة سيراها الجيش تحديا لسلطته, وتخطيا لدوره في الحفاظ على أمن الوطن خاصة أن الثلاثة والعشرين عاما الماضية انتهت إلى كوارث اقتصادية وسياسية واجتماعية فضلا عن أكبر عملية نهب لأموال وخيرات مصر في العصر الحديث.
الضلع الثاني في المثلث الوطني هو جهاز المخابرات الذي يتمتع بشعبية كاسحة ولا يستطيع أي زعيم أن يقلل من شأنه أو يطعن في وطنيته أو يعرضه لتلويث السمعة, فمنذ زيارة السادات للقدس وبدء أمركة مؤسسة الحكم الساداتية, ثم الارتماء التام في أحضان البيت الأبيض خلال العشرين عاما المنصرمة والمخابرات المصرية لا تزال تحتل موقع الاحترام والتقدير في قلوب المصريين .
قد ترسل اللواء عمر سليمان للتوسط بين أبي عمار وقوى الاحتلال الصهيوني, وتطلب الصمت على وجود عدة آلاف من المصريين الذين يعملون لدى الاسرائيليين ويتعرضون لاغراءات من الموساد تهز أمن مصر, وتغمض السلطة عينيها عن بث أجهزة التجسس الأمريكية عيونها وآذانها في كل مؤسسات الدولة, وتطلب, والدي العزيز, عدم المساس بأهم رجالك حتى لو ظهرت في جبهته نجمة داود بدلا من زبيبة الصلاة, وتحاول جعل هذا الجهاز الوطني أكثر وداعة وهدوءا وطاعة لك وولاء للسلطة, واهتماما بأمنك وأمن أسرتنا الكريمة, لكن شعبية المخابرات المصرية لم تنتقص منها العقود الثلاثة الماضية قيد شعرة, فهم للأسف الشديد رجال مصر وشعبها وليسوا رجال مبارك أو ابنه!
إنهم, والدي الرئيس, يعرفون عنا الكثير, ويحتفظون بأسرار يمكن أن تنهي حكمنا لهذا البلد بين يوم وليلة, وتغلي دماء الوطنية في عروقهم وهم يشاهدون دور مصر الكبيرة يتقزم ويصبح في عهدك مساويا لدور أقل البلاد العربية شأنا, وهذا يزيدني قلقا من مفاجأة قد تحدث, ورفض المخابرات مع جنرالات الجيش لاغتصاب السلطة الذي نقوم به على نار هادئة.
الضلع الثالث الذي لن يوافق رجال العاشقون لمصر على مسرحية انتقال أو اغتصاب السلطة الذي سنقوم به هي مباحث أمن الدولة فهي جهاز له خصوم كثيرون وفي مقدمتهم اللصوص ونواب الكيف وأصحاب الملفات السوداء من الكبار وكذلك المشبوهون في مؤسسات الدولة أو البعثات الأجنبية وغيرهم.
لقد ساهم في تشويه الوجه المشرق والوطني لمباحث أمن الدولة حفنة من الضباط ومأموري أقسام الشرطة الذين تحولوا إلى ساديين ومصاصي دماء قساة القلب, فظن المواطنون أن المسؤولية تقع تحت عاتق ضباط مباحث أمن الدولة في ظل غياب أو تغييب إعلامي متعمد عن دورهم الوطني.
قد تكون توجيهاتك, والدي العزيز, صائبة تماما عندما ترفض مشاركتهم إيانا وذلك باهمال أي ملف أمني عن الفساد والسرقة والنهب والاتصالات المشبوهة بين رجالنا في الحكومة والحزب الوطني ومجلس الشعب ومجلس الشورى ورجال الأعمال والإعلام.
وهذا جعلهم يلتزمون الصمت والانتظار وأظن أنني سافعل الشيء نفسه عندما أصبح سيد القصر قريبا, فلن اسمح لأحدهم, خاصة اللواءات الذين يعرفون ويعلمون أكثر مما ينبغي, بالتبرع بعرض ملفات رجالنا أو حتى أسرتنا الكريمة.
عندما يكبر اللواءات في المنصب والمعرفة وتتملكهم مشاعر حب الوطن وتسيطر عليهم فكرة الواجبات الأخلاقية والوطنية فإن التقاعد هو الحل النهائي لقص أجنحتهم, ثم تركهم بدون سلطة بين أيدي رجال الأعمال وأصحاب الملايين واللصوص وأسياد الأمة, فيضطرون لقبول العمل مستشارين قانونيين أو حراسا لمؤسسات مشبوهة أو واجهات غير حقيقية لحماية المارينيين الجدد.
والدي الرئيس حسني مبارك,
لا تخف عندما تترك لي حكم مصر فلن يستطيع مصري واحد في الأعوام الثلاثين القادمة أن يحاسبك في غيابك أو يتجرأ بطرح سؤال غير مرغوب فيه عن أحد من عائلة مبارك, حتى لو اشترك أخي علاء مبارك مناصفة في كل المشروعات الاستثمارية والعقارية والسياحية وغيرها وأصبح مليارديرا فلن اسمح لأي جهة أمنية أو جهاز محاسبة أو المدعي الاشتراكي أو عضو مجلس الشعب بوضع علامة استفهام بجانب اسمه الكريم, وسنظل نحن كما وعدتك فوق الحساب وأسياد المصريين كلهم في نصف قرن على الأقل, نصفه لك والنصف الآخر لي, وربما يكمل القرن حفيدك .. مبارك الثالث رغم أنف أي مصري يتوهم أن لهؤلاء العبيد حقوقا مثلنا!
ستجابهني مشكلة غير متوقعة تتمثل في أن عمليات النهب والهبر والهروب بأموال المصريين لن تدع لعهدي الكثير لكي تتم سرقته, فإذا استمر الوضع عدة سنوات فقد اضطر لاشهار افلاس مصر كما فعلت بعض دول أمريكا اللاتينية!
ماذا سافعل في مشكلة سكان المقابر الذين يترواح عددهم بين اثنين وأربعة ملايين وهم يمثلون السياسة العشوائية في العقدين الماضيين؟
تعرف, والدي العزيز, أن كتيبة المنافقين والأفاقين والمتزلفين ستكون عونا لي عندما تتحدث عن الانجازات العملاقة والمشروعات الاستثمارية حتى لو كانت حبرا على ورق, لكنني اخشى من غضبة الفقراء الذي تعلموا في مدرسة انتفاضة الخبز في عهد السادات واطلق عليها الرئيس الراحل ( انتفاضة الحرامية ), وهؤلاء قد يطلقون انذارا بطوفان لا يبقي ولا يذر.
أما الاستفتاء القادم الذي ستتولاه عنا كتيبة المنافقين فنتائجه معروفة سلفا, ثم إن هؤلاء المصريين مهمومون ومنشغلون بلقمة العيش أو الخوف من السلطة أو متابعة مسلسلات وزير الإعلام, ومن أراد أن يتبجح ويظهر وقاحته ويظن أنه يتساوى معنا فقد ثكلته أمه, ولن أقبل ما حييت فكرة الديمقراطية وتعدد المرشحين وحق الشعب في الاختيار, فنحن الذين نحدد للشعب ما يفعل, ونطعمه من مزارع يوسف والي, ونغرقه في بحر من المشاكل والقضايا والعذابات اليومية , ونترك مئات اللصوص ينهبون أرض الكنانة ويفرغون بنوكها من أموال الشعب, ويحتكرون خيراتها.
لقد تعلمت الدرس جيدا, وساثبت لك أنني ابنك النجيب والملتزم والمطيع, ثم إنني ساعدك الأيمن, ووارث العرش من بعدك, ولن يتغير شيء في عهدي حتى لا يشعر المصريون أن من حقهم انتقادك أو محاسبتك أو محاكمتك.
ينبغي أن يفهم المصريون أن الرئيس هو الذي يمنع, ويمنح, ويمن عليهم, وينهى, ويأمر, وهو معصوم من الخطأ, وأن عليهم الطاعة خوفا منه, أو طمعا في ثوابه, أو خشية رجال أمنه.
هناك أيضا خطوط حمراء لا تسمح بالتلميح أو الاشارة أو الابتسامة الساخرة لايصال رسالة الرفض, وقد فعلت أنت ذلك طوال عقدين ولزم رعاياك صمت القبور! فلم يشر أحد إلى مسؤوليتك عن حشر أكثر من ثلاثين من الضباط والخبراء في طائرة يسقطها عفريت من الانس في سماء الولايات المتحدة الأمريكية, خاصة وأنت قائد قوات جوية, تماما كما حدث عندما قمت بزيارة الكويت وأبلغت المسؤولين هناك أن صدام حسين لا يحشد قواته على الحدود, فصدقك الكويتيون لخبرتك العسكرية الجوية , ثم جاءت القارعة, وما أدراك ما القارعة؟
ومن الخطوط الحمراء الاقتراب, سهوا أو عمدا من أسرار العلاقات مع أمريكا وإسرائيل, فليس من حق الشعب معرفة المقابل أو الثمن الذي يتلقاه النظام في مصر نتيجة خصوصية العلاقة مع الإدارة الأمريكية, وما هي النتائج المترتبة على اقتصادنا الهش في حال غضب سيد البيت الأبيض علينا؟, ومن الذي يحدد أمن مصر؟ ولماذا الاصرار في عهدك, والدي الرئيس, على مد آلة الحرب العسكرية الاسرائيلية بالوقود؟ وما هي مخصصات رئاسة الجمهورية؟
ومن المحرمات على المصريين طرح تساؤلات مثيرة لغضب أسرتنا الكريمة مثل الصفة الرسمية لسيدة مصر الأولى, وكيفية تعامل ديوان المحاسبة ووزارة المالية مع مشروعاتها بغض النظر عن أهمية المشروع؟, وأيضا الاشارة أو التلميح لأخي علاء مبارك حتى لو أصبح أكثر ثراء من رامي لكح وأحمد بهجت وأحمد عز وصالح كامل ورفيق الحريري!
والدي الرئيس حسني مبارك,
الحفاظ على نسبة الأمية في عهدك وعدم اكتراثك لمشروع قومي ضخم للقضاء عليها سيساهم كثيرا في تسهيل أمر الاستفتاء الأول على رئاسة الجمهورية, فالمصريون لم يفهموا بعد أن صمت السلطة التنفيذية طوال عقدين تجاه الأمية .. هذا العدو المبين والمرادف للتخلف والتراجع وفشل المشروعات وعدم استقلالية القرار الوطني هي جريمة بكل المقاييس.
والأمية تطيل في عمر السلطة المستبدة, وتجعل الخوف منها يتمكن من القلوب, وتخفض أصوات المحتجين أو المتمردين, وتضمن بقاء الزعيم زعيما في حياته وبعد موته, وقد فهمت تماما أسباب عدم تحمسك لمشروع قومي للقضاء على الأمية.
ومن أكثر المحرمات على رعايانا, وأخص بالذكر المثقفين والمفكرين والمحللين الاستراتجيين والعلماء, قياس درجة فهم واستيعاب وثقافة زعيم الدولة, ومن تسول له نفسه طرح هذا الموضوع عرضا أو من وراء ستار فلن يعرف الجن الأزرق له مكانا ولو ارتدى طاقية الاخفاء!
فالذي يتابعك, سيدي الرئيس الوالد, وأنت تقرأ ما كتبه لك مستشاروك أو كاتب خطبك, ستتملكه دهشة قاتلة عندما يشاهدك ويسمعك ويتابع تحليلاتك وأفكارك المنطقية والموضوعية وتسلسلها بدونهم, وربما لن يصدق أنه أمام شخص واحد, ومن حسن الحظ أن المصريين لم يشاهدوا فيلم( مستر تشانس ) لبيتر سليرز!
لعلك, والدي العزيز, قد سررت بابنك عندما قمت باختبار مذبحة بسيطة جدا من الفساد, وطار فيها رأس يوسف عبد الرحمن, الرجل الثاني بعد رجلك الثاني يوسف والي, فقد تركته أنت سنوات طويلة ينهب ويسرق ويستورد لبطون المصريين سموما , ويتولى أمر شبكة مشبوهة من العلاقات مع مؤسسات الزراعة في اسرائيل, رغم مئات التحذيرات التي وصلتك, ونشرتها صحف ومجلات ومنها عشرات التحليلات الموثقة في صحيفة ( الشعب ), ولكنك تعاملت معها كما تعاملت من قبل مع وزير المالية الذي قمت بتسليمه أموال دولتنا ورعايانا, وظل يسرق ويحتال ويفسد وتتوسع شبكته, وأنت تغض الطرف عن أي ملفات تجهزها لك مباحث أمن الدولة ومباحث الأموال أو اي أجهزة أمنية ومحاسبية أخرى, فلم تكن من أولوياتك, والدي الرئيس, هذه التفاهات وصغائر الأمور, فأن يسرق محافظ أو ينهب وزير المالية, أو تحقق مؤسسة وطنية خسائر بمئات الملايين, أو تثار شبهات موثقة حول أحد رجالك, أو يتعفن كرسي السلطة الذي جلس عليه محافظ الاسكندرية السابق المستشار اسماعيل الجوسقي أو المهندس فهيم الريان أو كمال الشاذلي أو صفوت الشريف أو ممدوح البلتاجي أو فتحي سرور أو عشرات غيرهم يمثلون الجدار الذي نحتمي به, فلم تهتز فيك شعرة واحدة, وفهم الجميع أن الاحتفاظ بالسلطة هي الهدف الأوحد لك ولورثتك من بعدك.
والدي العزيز,
ستترك لي أيضا دولة عريقة وصاحبة أولى حضارات الأرض, لكنها بدون مؤسسات متماسكة قائمة على إدارة سليمة وحديثة, لهذا تبتلع البيروقراطية والفساد وثقافة التسول خيرات الوطن ومليارات من الأموال التي تصب في خزانة الدولة من تحويلات المصريين في الخارج , وقناة السويس, ومساعدات الدول المانحة الغنية, وصندوق النقد الدولي, والولايات المتحدة الأمريكية الصديقة التي ترى حفاظك على مصالحها ومصالح اسرائيل مساويا تماما لضخ أموال بقدر الولاء للادارة الأمريكية حتى لو طلبت منك استضافة الحوار الفلسطيني الفصائلي لوقف العمليات الاستشهادية.
ولكن أهم ما ستتركه لي هي السيادة الكاملة على المصريين وعلى قلوبهم وعقولهم ومثقفيهم ومفكريهم وإعلامييهم ورجال الأمن والمخابرات والجيش, وكل شبر على أرض مصر وفي سمائها, ولو استفتيت رعايانا الآن على رئاسة جمال مبارك فإن النتيجة التي ستعلنها وزارة الداخلية أو وزارة الإعلام قبل فتح صناديق النعم ونقيضتها ستكون لصالح ابنك حتى لو امتنع كل المصريين عن الذهاب إلى صناديق الاستفتاء, فنحن الأسياد لسنا بحاجة ملحة لرأي الشعب.
إن شباب الحزب الوطني الحاكم سينطلقون بعشرات الآلاف في شوارع القاهرة المزدحمة, وسيتنفسون هواء ملوثا, وسيحملون لافتات تأييد ومبايعة بالروح والدم, وسينضم إليهم الملايين من البسطاء والمساكين والفقراء والخائفين, وستتصدر صورتي كل أغلفة الصحف والمجلات في افتتاحيات عملاقة بقلم أسياد الصحافة المخضرمين أصحاب الملايين والنفوذ والعقارات والضمير الغائب يؤيدون تجديد شباب مصر في زعيمها الجديد, ويتسابقون في تقبيل حذائي, ويزيفون تاريخ مصر لصالحي تماما كما فعلوا معك عندما نسبوا إليك انتصار اكتوبر المجيد وعبور المصري العربي المقاتل البطل فكتبوا زورا وبهتانا عن حرب اكتوبر التي قادها قائد الطيران حسني مبارك بضربته الجوية الأولى!
والدي العزيز,
هناك كتيبة وطنية واعية لحقائق الأمور, وتطلع على أسرار الدولة, وتعرف حجم الانهيار الأخلاقي والاقتصادي والسياسي في عهدك, وتنتمي لمدرسة فكرية دبلوماسية مغرقة في هموم الوطن, وتعرف ما لا يعرفه المثقف أو المفكر أو المحلل السياسي, وأعني بها رؤساء البعثات الدبلوماسية المصرية في العالم فهؤلاء ليسوا صناعة اسماعيل فهمي أو عصمت عبد المجيد أو عمرو موسى أو أحمد ماهر أو حتى بطرس غالي, لكنهم يحملون في حلهم وترحالهم الصورة الحقيقية لمصر, ويعرفونها جيدا, ويضطرون , كأي دبلوماسيين عرب أو أوروبيين أو من كل دول العالم للدفاع عن النظام ولو عن غير قناعة, لكنني أيضا قلق بشأنهم, وربما يفقد الكثيرون منهم الحماس في الدفاع عني فتفهم الدول المضيفة, خاصة ذات التأثير الدولي والثقل المالي والسياسي, أن خللا ما يصبغ نظام الحكم في مصر.
لا يمكن بسهولة خداع السفراء المصريين والقناصل والوزراء المفوضين فهؤلاء تعلموا في مدرسة السفر والغربة والمناقشات والمتابعات والقراءة والثقافة, ولا أحسب أن الصورة الحقيقية لمصر في عهدك قد غابت عنهم, فهم يعرفون معنى الاستبداد وسرقة الوطن واغتصاب بلدهم من سلطة ترفض ديمقراطية الترشيح والتنافس والمساواة بين المصريين, وهم يعلمون الكثير عن حقوق الانسان, ويخجلون من تبرير قانون الطواريء, ولا يقتنع إلا حفنة قليلة منهم بتبريراتك واحتفاظك بالوزراء والمحافظين, ويخفون عنك حجم المعارضة المصرية في الخارج وهي نسبة قد تصل إلى نفس نسبة نتائج استفتاءاتنا التي نفرضها على رعايانا رغم أنف أي مصري.
قد يبكي رؤساء البعثات الدبلوماسية المصرية على ما آل إليه حال وطنهم في عهد أسرة مبارك, وربما يشتعل الغضب في نفوسهم أو يتعاطفون خفية مع تغيير نظام حكم أسرتنا الكريمة, لكنهم على أي حال قوة صامتة , قدرها الدفاع عن النظام, وقلوبها مع أهلهم وشعبهم ومصرهم ومستقبل وطنهم, وعندما أصبح سيد القصر بعابدين ستصلني منهم رسائل تأييد روتينية وليس فيها روح أو محبة أو قناعة بأن عهد نهب مصر وتفريغها من الكفاءات والخيرات قد انتهى, ولكن منذ متى تكترث أنت أو أنا برأي الشعب أو الجيش أو المخابرات أو مباحث أمن الدولة أو حتى سفراء مصر في الخارج؟
والدي الرئيس مبارك,
ونحن في حالة سلام, ونتلقى الدعم من عشرات من دول العالم, وتضخ في خزانة مصر مليارات من الدولارات, ولدينا آلاف من المشروعات الاستثمارية, ومع ذلك فقد سقط وتدحرج وانهار الجنيه المصري رغم بيانات الحكومة الكاذبة التي كان يلقيها رئيس الوزراء محاولا استغفال الناس.
وكعادة شعبنا الطيب تم توجيه اللوم للحكومة ورئيس وزرائها, ولم يستطع مصري واحد أن يلومك, أو يِعاتبك, أو ينتقدك, أو يُحمّلك المسؤولية, رغم أنك قمت منذ ولايتك بصناعة هذه الادارة الفاسدة, وتركت أكبر عملية نهب في تاريخ مصر الحديث تفرغ الوطن من خيراته.
الحمد لله أن لدى السلطة كلابا للحراسة تستطيع أن تعتقل, وتعذب, وتمسك القلم وتزيف التاريخ, وتقهر المصريين, وتقمع أي تمرد, وتقطع لسان أي مواطن يظن أن له حقوقا في بلده, وأن الأسياد يخطئون!
هل رأيت, والدي العزيز, كيف قام ممثلو الجماهير من أعضاء مجلس الشعب بالتعجيل في تمديد قانون الطواريء بناء على طلب الدكتور أحمد فتحي سرور؟
وبكل اللذة المحرمة والصادرة عن مازوخية عجيبة يلف مجلس الشعب الحبل حول عنق الوطن, ويبرر الجبناء ضرورة مد العمل بالقانون المؤقت منذ عام واحد وثمانين, فهم يعلمون أننا لا نستطيع أن نستمر في حكم مصر في الهواء الطلق, وفي ديمقراطية تساوي بين المصريين وفق الحقوق والواجبات والكرامة.
لا يهم أن يضحك علينا العالم, أو يتخذنا نموذجا للاستبداد والتخلف, أو يحتج على كثرة المعتقلات, أو يلمز إلى الاستفتاء المهزلة الذي يختصر الوطن في شخص واحد, وينفي عن سبعين مليونا حقوقهم الانسانية والمواطنية المشروعة, خاصة في حق الترشيح لرئاسة الجمهورية, أعني الملكية الجديدة!
في معرض القاهرة الدولي للكتاب وهو أكبر مظاهرة ثقافية فكرية في العالم العربي كانت هناك ندوات كثيرة يتحدث فيها ضمير الأمة, اي مثقفو مصر عن مبارك وعبقريته وانجازاته واكتشافاته وشفافيته, ولم يفهم المتزلفون والمتقربون والمداحون أننا نحتقرهم, ونزدريهم, فهم يخونون أهلهم وشعبهم من أجل البقاء أحياء, أو تجنب غضبنا, أو استمرار لقمة العيش.
عندما تسلمني مفتاح الوطن, وتترك لفرعون الصغير وادي النيل, ويبدأ التاريخ في فتح صفحة جديدة لمبارك الثاني, ساقوم بحصر كامل لأهم بؤر التوتر وأماكن الشرخ التي تجعل القابلية لهزة شعبية خطرا يتهددني, وربما أبدأ من مسكنات كارثة البطالة.
صحيح أن رئـيس الوزراء يلقي البيان الكاذب عن مجهودات الحكومة في ايجاد وظائف للعاطلين عن العمل...
وصحيح أن هذا البيان لا يصدقه عاقل أو مجنون فستة ملايين عاطل فضلا عن البطالة المقنعة وملايين الوظائف غير المنتجة هي سمة عصر أسرتنا الكريمة, إلا أن المسكنات تلك ضرورة حياتية لاستمرار الحكم, ولعلك تعرف, والدي العزيز, أنه لن يبقى في مصر غيرنا وبعض المنتفعين إذا تم عرض هجرة جماعية للمصريين لأي مكان آخر خارج الوطن حتى لو كان الأردن البائس أو الجماهيرية الليبية أو جزيرة مالطة, فالهوية المصرية التصقت بلقمة العيش, وأصبح حلم الهجرة أو الغربة أو اللجوء عنوانا جديدا للمصرى يتساوى فيه ساكن المقابر مع ساكن العمارات الشاهقة التي يقع تحتها ( مول) ضخم وجراج لسيارات السادة الجدد.
وحتى لو قلت لهم بأن كل دول العالم تعاني من البطالة فلن يصدقنا المصريون فهم يعلمون أن الدول الأخرى تمنح مواطنيها المال والسكن اللائق واعانات البطالة وكورسات تطوير القدرات في حالات الانتظار.
والدي الرئيس حسني مبارك,
في عهدي لن اسمح لأحد بتوجيه سؤال غير مباشر عن سبب احجامك لسنوات طويلة عن مطاردة سارقي الشعب, وناهبي أمواله, ومفرغي بنوكه, فمحاسبة عهدك ستعقبها بالتبعية شكوك في شرعية عهدي, وتلك من المحرمات لثلاثين عاما قادمة تكون مصر قد تحولت إلى رواندا أو بوروندي أو أوغندا أو واحدة من جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية التي سقطت بين أنياب مافيا الوطن وعفن الشروط الأمريكية للاصلاح الاقتصادي.
سياسة الأذن الصماء آتت أكلها ضعفين, وتلك هي لعمري عبقرية والدي في استمرار الحكم, فقد تركت, أطال الله في عمرك, هامشا واسعا للمصريين لكي يصرخوا, ويوجهوا الاتهامات في كل مكان, ويختار كل منهم كبش فداء في مسؤول كبير أو وزير أو محافظ أو قانون أو مؤسسة, ولم تكترث أنت لصرخاتهم وأوجاعهم وعذاباتهم, لكنك بين الحين والآخر تلملم جراح قلة نادرة, وتتدخل في مشكلة من بين آلاف المشاكل, وتتولى وضع نهاية لمأساة وتدع في الوقت عينه آلاف المآسي الكبرى ليشبع منها المصريون قهرا وقمعا وذلا ومهانة.
أمامي الآن, والدي العزيز, أرشيف الصحافة في اثنين وعشرين عاما, وفيه عشرات الالاف من القضايا والمشاكل والنداءات والصراخات والاستغاثات والتقارير الموثقة عن الفساد والظلم, وكلها تقريبا وجدت منك اهمالا وعدم اكتراث وأذنا صماء, وكان بامكانك أن تصنع ورشة عمل من المستشارين والخبراء والعلماء والأكاديميين والاعلاميين والمفكرين وعباقرة مصر وهم كثيرون, لمتابعة كل مشكلة وقضية وتحقيق ومقال ونداء, ثم تحقيق العدل في دولة مؤسسات ديمقراطية لا يستطيع أن يخترق ادارتها السليمة الفساد أو النهب أو البيروقراطية أو الموظف الموميائي المحنط والمتخلف, وكان خيارك الذي سيكون خياري فأنا ابنك الذي سيحافظ على إرث مبارك, وسيحمي الأسرة الكريمة, وسيمنع المصريين من محاكمة تاريخك أو حتى مشهد بسيط منه.
وأنا أيضا الضامن لاستمرار أخي علاء ليصبح أكثر ثراء من الوليد بن طلال !
والدي السيد الرئيس,
يقول المصريون بأنه في عهدك انتهي حلمهم في اطلالة ولو من كوة صغيرة على الزمن الجميل, فقد صنعنا نحن, آل مبارك, زمنا آخر لم يعهده الشعب, ورسمنا مشهدا لا يتعرف عليه أي مغترب لدى عودته إلى أرض الوطن , وطفت على السطح طبقة طفيلية سميكة وهشة, جلها من المقامرين واللصوص وناهبي أموال الشعب وتجار المخدرات والمحرمات والممنوعات , وبدت لهم كل الأشياء في مصر قابلة للشراء, الضمير, أراضي الدولة, القروض التي لن تعود أبدا إلى البنوك, السلطة, النفوذ, الفنون والآداب والإعلام.. وهذا كله صحيح, لكنني باسمك وباسمي نتحدى المصريين كلهم أن يحاولوا تغيير نظام حكمنا, أو يرفضوا علنا وجهارا اغتصابنا السلطة عن طريق الاستفتاءات الكاذبة والمزيفة أو توريث السلطة ورقاب الشعب, أو يتعاملوا معنا على قدم المساواة, أو يشيروا خفية أو ايحاءا إلى مسؤوليتك عما أصاب مصر من انهيار وكوارث وبطالة وأمراض وأمية وفساد ونهب خيرات الشعب, فإذا لم يقبل المصريون عن طيب خاطر أو خوف أو اقتناع مصطنع حكمنا الأبدي لهم, وسلطتنا المطلقة على أرواحهم وأموالهم ودمائهم وكرامتهم, فإن كلاب السلطة لا تحتاج لأوامر صريحة منا, وهي تقوم بعملها على أكمل وجه, فمنها المخبرون, والرقيب, والمرشدون المتطوعون لحماية الاستبداد, والقوانين الاستثنائـية, خاصة أن مجلس الشعب الموقر يستطيع أن يمد في عمر قانون الطواريء حتى يرث الحكم مبارك الثالث بإذن الله عام ألفين وأربعة وثلاثين, أي بعد خمس ولايات من حكمي المبارك!
أكاد أسمع صمتا يشترك فيه الملايين, وتلك والذي نفسي بيده بشرى لقرب وصول سيد القصر الجديد ليبدأ عهدي المجهول, لكن لا مانع لدي في الشهور الأولى لحكمي أن أقوم بالافراج عن بعض المعتقلين, والقبض على عناصر من اللصوص ككبش فداء, وتعيين بعض الوجوه الشابة,والقاء فتات أموالنا كمنحة للعمال, فكل هذه الأمور ستساعد المنافقين والأفاقين والمتزلفين في وسائل الإعلام والثقافة في تلميع صورة عهد لا يعلم إلا الله ماذا يخبيء لمصر وشعبها وارضها ومستقبلها.
هل صحيح أن تجار الفساد استوردوا آلاف الأطنان من اللحوم العفنة والنتنة التي دخلت في بطون المصريين؟
وهل صحيح أن مصر الدولة الوحيدة التي لم تطالب برعاياها المعتقلين في جوانتانامو الأمريكية الكوبية؟
وهل صحيح أن هناك أعدادا كبيرة من المصريين معتقلون في الولايات المتحدة الأمريكية الصديقة لنا بدون توجيه تهم إليهم؟
وهل صحيح أن المسخ المعماري في عهد أسرتنا الكريمة أصبح مثار احتجاج من المنظمات الدولية التي تعمل في المجال الجمالي والمعماري والفني؟
وهل صحيح أن وضع الأرملة والمطلقة في عهدنا فتح الباب على معرفة خبايا القوانين الظالمة وهي قوانين في الحقيقة تتغلغل وتتشعب في كل أمور وشؤون الدولة ولا تستثني مؤسسة أو فئة أو جماعة أو أفرادا؟
وهل صحيح أن الغلاء في مصر يضرب المواطن على ظهره مئة مرة في اليوم والليلة , وأن المواطن في عهدنا لم يعد له غير الله عز وجل ليرحمه بانهاء سلطتنا أو بقبض روحه؟
وهل صحيح أن البلطجة التي تمت صناعتها محليا في عهدنا الميمون لم تعد حكرا على الكبار والمرينيين والأثرياء الجدد ولصوص الجمارك والأراضي, لكنها امتدت إلى الصغار في ظل غياب عدالة اجتماعية لم نستطع أن نحققها لرعايانا, أعني أننا رفضنا تحقيقها لهؤلاء المصريين؟ وهل صحيح أن الفساد بدأ ينخر في عظام التأمينات الصحية والمرتبات الهزيلة والمعاشات للمسنين حتى في البيوت التي وفرتها الدولة لهم؟ وهل صحيح أن قوانين التشريعات الخاصة بالاستثمار مليئة بالثغرات, وإذا استمرت فلن يبقى في مصر مستثمر واحد شريف؟
طرحي لهذه التساؤلات لا يعني أنني لا أعرفها مسبقا, لكنني أٍردت فقط تذكيرك, والدي الرئيس, بأنني سأرث من بعدك مصرا أخرى غير التي عرفها من قبل أهلها.
قرأت قائمة ببعض الاستجوابات التي طرحها أعضاء في مجلس الشعب, وهي كما تعرف, والدي الرئيس, لن تؤثر قيد شعرة في ثبات حكمنا, فممثلو الشعب تخوض استجواباتهم في أمور وشجون وهموم ليست من صلب اهتمامات رئيس الدولة مثل حالة الكساد الاقتصادي والافلاس التجاري, ومصير عشرات المليارات التي حصل عليها المغامرون المقامرون اللصوص من البنوك وبدون ضمانات كافية, ووجود العديد من القيادات الفاسدة والمنحرفة في مواقعها, وانخفاض الصادرات, وانتشار ظاهرة الانحراف في أجهزة وزارة الزراعة على الرغم من اعتراض الرقابة, والسماح باستخدام مبيدات تسبب أمراضا خطيرة, وتكرار استيراد لحوم حيوانات مريضة, والفساد والقهر في تعامل بنك التنمية والائتمان الزراعي مع الفلاحين, واتباع سياسات خاطئة أدت إلى تدهور الزراعة والاضرار بالبلاد صحيا واقتصاديا واجتماعيا, والضغوطات التي تمارسها السلطة التنفيذية على الأحزاب, وفرض الحصار الأمني عليها, وتدهور الحالة الصحية, ومشاكل الدواء... وعشرات غيرها!
الغريب, والدي الرئيس, أن المصريين وبعد اثنين وعشرين عاما من سلطتك المطلقة يظنون أن تغييرا سيحدث بين عشية وضحاها, وأنك ستبدأ في ولايتك الخامسة أو السادسة بالاهتمام بهم, ولكن دعهم في طيبتهم وحسن نواياهم يحلمون.
نحن لن نترك هذا البلد إلا بعد أن نجعله قاعا صفصفا تذروه الرياح, وبعد أن يستولي الأثرياء الجدد على كل قرش في بنوكه الوطنية والخاصة, وبعد أن يتضاعف سكان المقابر, وبعد أن تصبح البطالة هي الأصل, ويتحول الظلم وسحق المصريين وقهرهم إلى حالة اعتيادية يصفقون لنا بعدها, وينتظرون أحلاما وردية من جمال مبارك, ويستجدون العطف من القصر الجمهوري.
لابد من تعليمهم آداب السلوك معنا نحن الأسياد, هكذا تعلم الطيار علي مراد عندما حاول أن يلعب دور البطل ورفض تفتيش السلطات الاسرائيلية لطائرته قبل أن تسمح اسرائيل بتفتيش السلطات المصرية لطائراتها. والآن تعلم الدرس جيدا, فنحن نمد اسرائيل بوقود آلة الحرب لكسر الانتفاضة, ونستضيف الفصائل الفلسطينية لانهاء العمليات الاستشهادية, ونجعل الرجل الرمز للجهاز الوطني المصري رئيس المخابرات وسيطا بين السلطة الفلسطينية وبين جهاز الأمن الصهيوني القذر, ونحن نرفض مئات الملفات من مباحث أمن الدولة ومباحث الأموال التي تشكك في رجالنا, وتفضح السرقات والاتصالات المشبوهة, وسيظل رجالنا في مناصبهم حتى لو اعترف ابليس نفسه بأنه يتحالف معهم على تدمير مصر وتخريب الوطن!
والدي الرئيس حسني مبارك,
يدهشني أن المصريين يحسنون الظن بفرعونهم حتى لو وقعوا على أدلة وقرائن وشهود ووثائق تدين العهد كله, فرغم آلاف من حالات التعذيب في سلخانات الشرطة, والتعليق كالخراف, والجلد, والاعتداءات الجنسية على المواطنين أو التهديد بها ضدهم وضد زوجاتهم وبناتهم, وقلع الأظافر, بل وصل الأمر في بعض الحالات إلى صب الكيروسين واشعال النار في جسد مواطن مصري يصفق لنا, ويمشي بجانب الحائط, ويقبل السحق والقهر عن طيب خاطر, ويخشى المرور أمام قسم الشرطة, وينحني كلما واجه ضابطا أو مخبرا أو مرشدا أو امين شرطة.
والتعذيب في عصرنا الميمون أحد بواعث القلق لدى منظمة العفو الدولية, وتقارير كل منظمات الدفاع عن حقوق الانسان تدين عهدنا كله, ويكفي أن يكتب مأمور قسم الشرطة تقريرا عن حالة هبوط حاد في الدورة الدموية, ثم يأتي الأهل لتسلم جثة ابنهم, وتتم تبرئة ضابط الشرطة إلا في بعض الحالات النادرة التي وصلت مصادفة إلى أحد المحامين المشاغبين, فنحن هنا لا نمانع في محاكمة الضابط, لكنه يعود إلى عمله, ويمارس التعذيب من جديد, ويكون أكثر حذرا في اخفاء معالم الجريمة الجديدة.
فمثلا توفي مواطن يدعى شحاتة شعبان شحاتة, وهو فني ويبلغ من العمر ثلاثين عاما, ولديه ولدان, وكان ذلك في أكتوبر عام 99 داخل قسم شرطة قصر النيل.
وحكمت المحكمة بعد عام على المتهم الضابط بالحبس لمدة عام مع وقف التنفيذ, فالميت مواطن مصري تم تعذيبه في عهد الرئيس حسني مبارك الذي لم يمانع طوال اثنين وعشرين عاما في أن يتم قتل أو تعذيب أو ضرب أو حرق أي من رعايانا.
وملفات المنظمات المصرية والعربية والدولية لحقوق الانسان مليئة بما يشيب له شعر الولدان, وهكذا نجحت, والدي العزيز, في صناعة القهر والسحق والظلم والخوف ليعرف المصريون أن عليهم واجب فضيلة الصمت, وحتى الصمت لا يكفي, فهناك مستويات من الذل والقهر أقربها إلينا المديح والتزلف والتبرير والحديث عن الانجازات وتلك مهمة يقوم بها محررو الصحف القومية والوطنية الذين نلقي إليهم بالفتات فيتخاطفونه, ويكتسبون مع الامتيازات ثقافة الأرنبة, أي الجبن الموغل في النفس, والمهيمن على الروح, والمسيطر على العقل, والمسير لكل أعضاء الجسد.
عشرات من الأشخاص الذين فاضت أرواحهم تحت أحذية ضباط الشرطة في طول البلاد وعرضها, ولم يقدم أحدهم للمحاكمة بعد هم يدافعون عن النظام, ويثيرون الفزع في قلوب المواطنين, ويلقنون رعايانا دروس الخوف والاذلال والمهانة, ويعلمون المصريين أن لا أحد يرفع عينيه أمام الأسياد, أو يحتج, أو يعارض, أو ينتقد, أو يتجرأ بالتلميح لمسؤوليتنا عما آل إليه حال البلاد والعباد.
لهذا, والدي الرئيس, سيظل نهجك العبقري في غض الطرف عن اذلال واستعباد المصريين وامتهان كرامتهم مثالا أحتذي به, ولن يتأخر عن دعمي ومساندتي آلاف الجبناء من المثقفين والإعلاميين والمفكرين وورجال الأعمال وكبار رجال الدولة من الحرس القديم الذين فتحنا لهم أبواب كل شيء, وعاثوا فسادا وسرقة ونهبا لخيرات شعبهم وأهلهم ووطنهم.
قوتي الحقيقية, والدي الرئيس, تكمن في ذاكرة الشعب المصري, فالناس تقرأ, وتتابع, وتتأثر, وتعرف الكثير عن انتهاكات حقوق المواطنة التي نقوم بها, لكن قدرة عجيبة على النسيان تمسح كل شيء بفضل القهر والبحث عن عشاء للأسرة أو سكن لائق أو مبلغ صغير لكساء الأولاد أو الخوف من أن تفقد الأسرة عائلها.
لعلك تعرف أنني سأكون مضطرا لمضاعفة عدد المعتقلين الأبرياء في سجون مصر , وقد يقال بأنهم ستة عشر ألفا أو أكثر أو أقل, فتلك تفصيلات غير مهمة بالمرة , فالأهم أن تفهم كل القوى الوطنية في الجيش والمخابرات ومباحث أمن الدولة وبين المفكرين والمثقفين وأعضاء الأحزاب المعارضة أن يدا من حديد قد ورثت الحكم عن يد من حديد, ولتضرب منظمة العفو الدولية وكل منظمات حقوق الانسان رأسها في الحائط, فهذا شعبنا, ونحن نملك الحرية المطلقة في أن نعذبه أو نذله أو نلقي به في أتون الفقر والمرض والأمية أو نسلط عليه أثرياء مصر الجدد ليجعلوه تحت خط الفقر بمئة درجة أو يزيد!
والدي الرئيس مبارك,
إنني خائف من أن تظهر قوى أو كتابات شجاعة أو محاورات على الانترنيت أو ضباط أحرار أو تجمعات وطنية, وتبث في قلوب الشعب وعقوله وعيا بحقوقه ومواطنته فيظن أنه يتساوى معنا, وأن قانون الطواريء ظلم بين, وأن عهد آل مبارك أدى بمصرهم إلى كوارث وانهيار وفقر وكساد وبطالة ونهب ومعتقلات وذل وانكسار, وعندئذ سيكون العد التنازلي لاختفائنا من فوق رقاب
المصريين, خاصة وأنت ستكون بعيدا عني, وسيتجرأ المصريون على فتح ملفاتنا, فماذا أنا فاعل؟
ليس هناك حل غير مزيد من القهر والتعذيب والتخويف, والحمد لله أن لدي جهازا من حماة النظام يستطيع أن يحشر عشرات الالاف في معتقلات مصر وسجونها دون أن ينبس أحد ببنت شفة.
ومادام الإعلام كله بين اصبعين من أصابعي, والصحفيون والاعلاميون الكبار يطلبون رضائي ومودتي ورحمتي في استكانة وعبودية منحطة ويزيفون تاريخ مصر الحديث, ويبحثون عن الامتيازات الأدبية والمعنوية والمالية , ويمارسون مهمة قملة الدلفين التي تعيش على بقايا طعامه وتنظف له جسده, ويتحولون إلى فئران وهم بصحبتي في طائرة الرئاسة, ويكتبون كذبا وبغيا وظلما وبهتانا عن المكتسبات والانجازات وعبقرية توجيهات الرئيس, فإنني سأحكم هذا البلد, واطبق على رقاب المصريين لثلاثة عقود قادمة!
كرامة المصريين, كما تعلمت منك, والدي الرئيس, تحت أحذية الأسياد, وأزعم أنني لا أنسى مشاهد نعوش المصريين الخمسة آلاف التي عادت من بغداد إلى مطار القاهرة الدولي في صمت ونحيب مكتوم, ولم تصدر عنك أي ردود فعل, وكما قال المحامي السويسري دنيس بايو بأن المصري هو المواطن الوحيد في العالم الذي جرى العرف على ضربه, أو طرده, أو سحب جواز سفره, أو سرقة ممتلكاته دون أن يرتفع اصبع واحد من رئيس دولته يحتج ولو ظاهريا لذر الرماد في العيون. وتعلم الليبيون من كلاب صدام حسين كيفية امتهان كرامة المصريين والقائهم في صحراء السلوم, وتعلم منهم الأردنيون كيفية ضرب المصريين ونهبهم وسرقة أموالهم وهم في الطرق من وإلى مكة المكرمة, فضيوف الرحمن ليس لهم كرامة لدى أجهزة الأمن الأردنية ماداموا ليسوا إسرائيليين.
ثمانية وأربعون مليونا من المصريين تحت خط الفقر في عهدنا الميمون, ولكن هذا لا يكفي, فسنسلط عليهم من لا يرحمهم حتى لو كانت هند الفاسي التي تضرب بعرض الحائط أحكام القضاء المصري الشامخ.
أحمد بهجت متعثر للبنوك, ويملك قصورا وسيارات وفيلات وبحيرة صناعية, لكنه مدين بثلاثة مليارات ويحظى بثقتك ومحبتك.
عندما نشرت ( صوت الأمة ) بالوثائق تفاصيل عملية التخريب التي قام بها محمد أبو الفتح رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة السابق الذي منح قروضا تصل إلى عشرة مليارات جنيه للمعارف والأحباب اللصوص دون ضمانات كافية, لم يتحرك رئيس الجمهورية فورا, فالأمر لا يعنينا مطلقا, وكل ما من شأنه اذلال المصريين وزيادة المعذبين في أرض الكنانة والفقراء والمساكين والمضطهدين يصب في مصلحة النظام وثبات حكمنا.
عندما ثبت أن الرئيس السابق للجنة الاقتصادية في مجلس الشعب والرئيس السابق لبنك مصر اكستريور فاسد ومنحرف ولص, وتم نشر تجاوزاته بالمستندات, طلبت أنت, والدي الرئيس, من رئيس الحكومة مد خدمته بالبنك, فاللصوص في عهدنا لهم مكانتهم واحترامهم, ومن لم يسرق قوت المصريين فليس له مكان في عهد أسرة مبارك الكريمة.
والدي الرئيس,
هل يمكن أن يغضب المصريون؟
سؤال تحيرني الاجابة عليه, فعهدك كله شهد كل أنواع التسلط والظلم والسجون والمعتقلات والتعذيب في أقسام الشرطة وزيادة حدة الفقر وسكان المقابر ونهب الدولة على عينك يا تاجر, والأمية والأمراض الوبائية والبلهارسيا والكبد التي تأكل أجساد المصريين من جهة ويأكل الأثرياء الجدد من جهة أخرى, وقانون طواريء يجعلك حاكما عسكريا في بلد آمن ومسالم, وتكبر شديد في اصغائك لشعبك بشأن الفساد والتغييرات الضرورية, وآلاف من التجاوزات التي يهتز لها عرش الرحمن, ومع ذلك فآلاف المثقفين في المهرجانات والمعارض والاحتفالات وعلى صفحات الصحف يهتفون بحياتنا, ويطالبون بمزيد من القهر والظلم والمهانة والاذلال, وينتظرون بأمل بارق وتفاؤل شديد قرب تسلمي مفتاح الوطن للتسابق من أجل ارضاء مبارك الثاني وفرعون الشاب.
صدقني, والدي الرئيس, فبرغم مخاوفي التي أبديتها لك, وخشيتي أن يثور المصريون وفي مقدمتهم الأقوياء من جنرالات الجيش ولواءات المخابرات ومباحث أمن الدولة والقضاة والمحامون والأكاديميون والمفكرون وشرفاء الاعلاميين, فإنني جاهز للجلوس على العرش, ومد يدي ليقبلها الكبار قبل الصغار في بهجة تسري في كيانه كله عندما أرى مصر الكبيرة والعملاقة وأم الدنيا تخرج عن بكرة أبيها تبايعني بالروح والدم.
كن مطمئنا, والدي الرئيس, فلن يحاسبك أحد, وقل لأخي علاء بأن يناصف كل المستثمرين والأثرياء ورجال الأعمال إن أراد ذلك, فكل الصرخات والتأوهات والأوجاع والاحتجاجات والدموع تنتهي إلى حالة من الصمت المريب .
إنني على يقين من أن الذين سيقرؤون رسالتي تلك أو رسالتك السابقة, سيعودون بعد عشر دقائق فقط إلى الوضع الطبيعي, والقبول بالأمر الواقع, وانتظار ما ستسفر عنه الأيام, والتسليم بأنه قضاء وقدر ومشيئة الهية, ولن تثور مصر قبل خمسين عاما من الآن عندما لا يبقي فيها لصوص عهدنا زرعا أو شجرة أو بيتا أو طعاما أو شرابا! شكرا لك, والدي الرئيس, على اهدائك إياي مصر وشعبها وأرضها وخيراتها, أليست تلك ممتلكات والدي يرثها الابن الرئيس؟

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://www.tearalshmal1984.com
[email protected]
[email protected]
Fax: 0047+ 22492563



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دموع المصريين تفيض على ضفتي النيل .. رسالة مطوية من مبارك ال ...
- المغتربون العرب والإيدز العصبي
- الموت البطيء بالأمر السامي .. مخالب أمير المؤمنين
- أمريكا .. شيكا بيكا
- صناعة العبودية .. لماذا يحتقرنا الرئيس حسني مبارك؟
- لماذا يحتقر الرئيس الأمريكي الزعماء العرب؟
- البشرة البيضاء للعنصرية
- السلطات السعودية تحارب في المكان الخطأ .. تفريخ الارهاب صناع ...
- هل الخوف والصمت والبلادة صناعة عربية؟
- من الذي يسرق البحر في مصر؟ .. بكائية على أوجاع وطن
- اعترافات جاهل بالشعر العربي الحديث
- كل الجزائريين يبكون، فمن القاتل؟
- من الأكثر ولاء للوطن .. المواطن أم مزدوج الجنسية؟
- سيدي الرئيس حسني مبارك .. استحلفك بالله أن تهرب
- صراع الأبناء بعد وفاة الشيخ زايد .. هل يحكم محمد بن راشد آل ...
- ابتسم فأنت في سلطنة عُمان
- خذ حذرك فالاستخبارات الأردنية تتعقبك
- النقاب حرام .. حرام .. حرام
- نيلسون مانديلا ومنصف المرزوقي انطباعات شخصية
- انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد المجيد - وستفيض دموعهم لنصف قرن قادم ... رسالة شكر من مبارك الثاني إلى مبارك الأول