أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد المجيد - من الذي يسرق البحر في مصر؟ .. بكائية على أوجاع وطن















المزيد.....

من الذي يسرق البحر في مصر؟ .. بكائية على أوجاع وطن


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 966 - 2004 / 9 / 24 - 09:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في عهد الراحل أنور السادات ظن اللصوص أن عصرهم الذهبي حمله لهم الرئيس المؤمن, وبدأ الانفتاح, ودخل اللصوص الجدد مغارة علي بابا, ولكن ظلت هناك أشياء بحكم التقاليد والعادات والعرف عصية على السرقة, أو على الأقل لم تكن في جدول اهتمامات حيتان الوطن.
وعندما جاء الرئـيس حسني مبارك انقلبت مصر عاليها سافلها, ولم يعد هناك شيء غير مستباح, الأراضي, العقارات, أجسام المرضى في غرف العمليات بالمستشفيات الاستثمارية, قضبان السكك الحديدية, أموال المصريين في البنوك, تحويلات الغلابة من الخارج, كرامة المواطن المصري في قسم الشرطة, عدالة القضية في قاعات المحاكم, مرتب الموظف المسكين, علاوة العمال السنوية, دخل قناة السويس, مبيعات البترول, الفارق بين العملة المصرية وغيرها, المحصولات الزراعية, أراضي الفلاحين أو من بقي منهم فلاحا أو مزارعا, شواطيء سيناء لصالح القرى السياحية, جيوب المصريين والسياح وهي تفرغ في ثقافة التسول والبقشيش والاكراميات التي صنعها النظام, الصوت الانتخابي في مجلس الشعب, حرية المواطن في اختيار رئيسه وخليفته.. الخ قائمة من مئات الالاف من كنوز الوطن المادية والمعنوية والأدبية والتاريخية.
لقد تعرضت مصر لأكبر عملية نهب في تاريخها منذ عهد الفراعنة إلى الآن, ولا يزال المصريون يبحثون في المكان الخطأ عن المتسبب الأول في الكوارث والفواجع التي لحقت بهم.
ومع ذلك ظل هناك شيء واحد في مصر عصيا على السرقة, يخرج لسانه للصوص الجدد الذين أغمض الرئيس حسني مبارك عينيه عنهم, عمدا وعن سبق اصرار لمحو مصر العظيمة من على خريطتي التاريخ والجغرافيا لصالح الأسياد الجدد, وكان هذا هو البحر.
ملاذ الغلابة يغسلون فيه همومهم, ويتساوى في مياهه السيد والعبد, ويسبح فيه في الوقت عينه الملياردير بجانب المصري الذي إن عاد سالما لبيت ليس فيه عشاء قد تمر كرامته على كف ضابط شرطة فتجعله لا ينسى أن يشكر الله لأنه لم يمت بعد جوعا أو تسولا في عهد الرئيس حسني مبارك.
كان البحر كما يقول نجيب سرور يضحك حتى تبدو نواجذه, ويحتضن المصريين بدون تفرقة, ويسب ويلعن في الذين سرقوا بعض أطرافه وجعلوها للأثرياء والسياح والوزراء ورجال الأعمال من رمل سيناء في القرى السياحية إلى شاطيء مارينا حيث يدهس أبناء الذوات أجساد الفقراء بسياراتهم الفارهة أو بلنشاتهم الصغيرة والتي تقفز فوق الآمنين والأبرياء في عُرض البحر.
وظل البحر الأزرق يقاوم, خاصة في مدينة الاسكندرية حيث كان المستشار اسماعيل الجوسقي يدمر العاصمة الثانية لثلاثة عشر عاما تجمعت خلالها على مكتب الرئيس حسني مبارك مئات الشكاوى الموثقة والمبكية عما يحدث في الثغر, ولكن سياسة الرئيس كانت ولا تزال في ترك الفساد يسرطن في كل الخلايا أولا, ويزحف بدون عوائق, ويمنع الرئيس استئصاله حتى تأتي اللحظة التي يتأكد فيها أن الألسنة ستتوجه بالشكر لسيادته لأنه منع فاسدا من الاستمرار بعدما نهب وشبع وأشبع غيره من حيتان الفساد.
وفي العهد الأسود الذي عاشته الاسكندرية الجميلة تحت قبضة المستشار الجوسقي لم يستطع أحد أن يسرق البحر, خاصة طريقه الممتد من المنتزه حتى رأس التين, فهو ملك لكل الناس, ومنهم الحفاة والجوعى وبائعو السميط والتلاميذ الهاربون قبل الظهر من المدارس القريبة وحارسو العمارات من الصعايدة الذين كان الواحد منهم يلقي بالجلابية فوق الرمال المتسخة, ثم يلقي بجسده المنهك في مياه غير نظيفة اختلطت بها نفايات وفضلات البواخر المارة من مسافات بعيدة, وبعدها يعود إلى عمله, ويبيع زجاجات البيبسي الصغيرة بضعف ثمنها, ويضرب تحية لسكان العمارة من الذين يدفعون له بين الحين والآخر اكرامية أو بقشيشا.
وجاء اللواء محمد عبد السلام المحجوب وكأنه ملك من السماء سقط على العاصمة الثانية وقرر أن يعيد فيها زمنا جميلا في قلب زمن أسود.
كان الرجل ولا يزال أكبر من الشراء, وممثلا للقيم والمباديء والجمال والخير.
قابلته في لقاء مطول بعدما تسلم الثغر بأقل من عامين, وذرفت دمعتي فرحة على مسقط رأسي.
بسطت أمامه أحلامي وآمالي في الاسكندرية التي خرج منها أحمد عرابي والبارودي وسيد درويش وبيرم التونسي ويوسف شاهين, وتعلم منها المصريون أصول المقاومة, وضربت للعالم المثل في التسامح الديني والمذهبي والعقيدي والفني, فغنى لها جورج موستاكي وداليدا وكلود فرانسوا والشيخ امام, وكتب لها وعنها أحمد فؤاد نجم وادوارد الخراط وإبراهيم عبد المجيد, واستقرت في قاع ذكريات مئات الالاف من الأوروبيين والمصريين والعرب الذين عاشوا بها, وفرغوا همومهم في مياه بحرها الأزرق, أو الذي كان أزرقا.
قلت للواء محمد عبد السلام المحجوب: معالي المحافظ, ألا تخشى من اغراءات الحيتان الجدد وقوتهم وما قد يعرضونه عليكم من مال وعقارات وأشياء يسيل لها لعاب الشريف؟
رد الرجل بثقة المؤمن بالله بأنه سيكون آخر مصري يمكن أن يفكر للحظة واحدة في الخضوع لكل الاغراءات والتهديدات.
ولكن عبقرية واخلاص ونزاهة وشرف اللواء محمد عبد السلام المحجوب لم تمنع سماسرة العهد الجديد من سرقة أقدس مقدسات
الاسكندرية, ومدخرات الفقرات, وذكريات أهلها والمصطافين والعاشقين الذين كانوا ينتظرون منتصف يونيو من كل عام لتكملة قصة حب الصيف الماضي, أو الوقوع في حب جديد غاب عن وصفه قلم احسان عبد القدوس, و( دقوا الشماسي ) للعندليب الأسمر.
وزحف السماسرة على الشواطيء, واغلقوا البحر في وجوه الفقراء, واشتروه بثمن بخس جنيهات معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.
نعم يمكنك أن تضرب غطسا في مياهه ببضعة جنيهات تسرقها من ميزانية أسرتك التي لن تكمل اليوم الثالث عشر في الشهر حتى يبدأ الدعاء عاليا لرب العزة أن يستر الأسرة حتى نهاية الشهر. جريمة بكل المقاييس, فالبحر في الاسكندرية أكثر قدسية من المسجد والكنيسة والمركز الثقافي ومكتبة الاسكندرية وجامع القائد ابراهيم والمقر البابوي وبائع الفشار في محطة الرمل وبينالي الاسكندرية ولوحات فاروق حسني ونادي السينما الذي تعلمنا فيه من مصطفي درويش أصول النقد السينمائي.
قطعا لن نوجه حديثنا للرئيس حسني مبارك فهو لن ينقذ الاسكندرية كما لم ينقذ مصر طوال أكثر من عقدين, وربما سيسعد بخبر سقوط قلعة الصمود الأخيرة.. البحر في أيدي لصوص عهده الجدد.
إننا نخاطب ضمير اللواء محمد عبد السلام المحجوب, فعندما يترك المنصب, أطال الله في عمره, لن يغفر أهل الاسكندرية وعشاقها وأولادهم وأحفادهم له أن البحر الذي كان عصيا على صعاليك كل العصور سقط في عهده بضربة قاضية, ولم يعد بامكان المواطن أن يسير على الكورنيش, ثم يلقي بجسده في أي بقعة مباركة من الكيلومترات الممتده من المنتزه حتى قصر رأس التين. الجريمة بكل أركانها لا تحتاج لتقرير أو توثيق أو محكمة أو تظلم أو شكوى, لكنها تستغيث بضمير وايمان المحافظ أن ينهي فورا وبدون انتظار تكملة الجريمة حتى نهاية الصيف. نريد أن تظل صورة المحافظ الشهم والمؤمن والوطني الشريف وعاشق مصر كما هي منذ اليوم الأول لتسلمه منصبه.
لقد تساهلنا جميعا في سرقة الوطن كله, وعندما يكمل الرئيس القادم جمال مبارك مهمة ابيه ويترك الحيتان يجهزون على ما بقي من مصر, كنا واثقين أن البحر عصي على السرقة, محصن ضد النهب, مقاوم شرس في مواجهة أحط لصوص وسماسرة كل العصور.
ولكن البحر الجميل المقدس ينسل من بين أيدي أهله وعشاقه أمام المحافظ, وإذا أردت أن تغسل وجهك فقط في مياهه المالحة فعليك بجيبك, فسماسرة الوطن سرقوه في العهد الأغبر.
ماذا يبقي في مصر يجاهر بأنه لم يتعرض للاغتصاب والنهب والاحتيال والسرقة؟
سيدي المحافظ, هل تعرف أن الذين سرقوا البحر أرادوا سرقة كل انجازاتك من ذاكرة أهل الاسكندرية؟ فهل لنا أن نستصرخ ضميرك؟

رئيس تحرير طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://www.tearalshmal1984.com
[email protected]
[email protected]
Fax: 0047+ 22492563



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعترافات جاهل بالشعر العربي الحديث
- كل الجزائريين يبكون، فمن القاتل؟
- من الأكثر ولاء للوطن .. المواطن أم مزدوج الجنسية؟
- سيدي الرئيس حسني مبارك .. استحلفك بالله أن تهرب
- صراع الأبناء بعد وفاة الشيخ زايد .. هل يحكم محمد بن راشد آل ...
- ابتسم فأنت في سلطنة عُمان
- خذ حذرك فالاستخبارات الأردنية تتعقبك
- النقاب حرام .. حرام .. حرام
- نيلسون مانديلا ومنصف المرزوقي انطباعات شخصية
- انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان
- دعوة لتنازل الملك فهد عن العرش
- لا شرعية لنظام حكم عربي لا يغلق المعتقلات
- لماذا أحب الفلسطينيين؟ لماذا يكرهني الفلسطينيون؟
- لماذا لا يشتري العربُ موريتانيا
- صديق الغربة .. الصديق المفترس
- التدين البورنوجرافي
- رسالة مفتوحة إلى أم الدنيا.. ماذا فعل بك هذا الرجل؟
- ولكن الرقيب سيظل احمقا .....
- خالص العزاء لشعبنا التونسي .. ربع قرن جديد تحت حذاء الرئيس
- لماذا لا يبيع العقيد الليبيين؟


المزيد.....




- منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سب ...
- استمرار الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأميركية ...
- بلينكن ناقش محادثات السلام مع زعيمي أرمينيا وأذربيجان
- الجيش الأميركي -يشتبك- مع 5 طائرات مسيرة فوق البحر الأحمر
- ضرب الأميركيات ودعم الإيرانيات.. بايدن في نسختين وظهور نبوءة ...
- وفد من حماس إلى القاهرة وترقب لنتائج المحادثات بشأن صفقة الت ...
- السعودية.. مطار الملك خالد الدولي يصدر بيانا بشأن حادث طائرة ...
- سيجورنيه: تقدم في المباحثات لتخفيف التوتر بين -حزب الله- وإس ...
- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد المجيد - من الذي يسرق البحر في مصر؟ .. بكائية على أوجاع وطن