محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 955 - 2004 / 9 / 13 - 11:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا ريب في أن السفير الصهيوني الجديد في موريتانيا كان في داخله كم هائل من الضحك المكبوت عندما أعلن- عقب تقديم أوراق اعتماده للرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع- أن موريتانيا ستلعب دورا كبيرا في السلام بين العرب وإسرائيل! فموريتانيا التي تفتخر بأن لها علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ويتحدى وزير خارجيتها مشاعر كل العرب في بدء الانتفاضة ليقوم بزيارة تل أبيب، لا تستطيع أن تحرك شعرة واحدة من مكانها في الصراع الدائر بين الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق، وبين قوات الاحتلال الصهيوني.
السفير الصهيوني الجديد آريل كيريم هو الثاني بعد انتهاء مهام عمل سلفه افريدي ايتان، والمهمة واحدة في الحالتين، أي فصل موريتانيا عن واقعها العربي والإسلامي، وشراء القرار السياسي في نواكشوط لصالح التواجد العسكري والاقتصادي الصهيوني في المنطقة ومحاصرة كل شمال أفريقيا من موقعين مختلفين، موريتانيا واريتريا. وقد صرح وزير الخارجية الموريتاني من قبل بأن العرب تخلوا عن بلده مما اضطر نواكشوط إلى قبول العروض والإغراءات الإسرائيلية، فالوطن آخر اهتمامات الزعماء الموريتانيين، ومن يدفع أكثر يصبح صديقا أو حتى شقيقا من بني إسرائيل.
محاصرة المغرب والجزائر هدف استراتيجي صهيوني لم يحد عنه صناع القرار في إسرائيل، وقد وجدت تل أبيب في حكام موريتانيا رغبة شديدة وعارمة لضرب كل القيم والمبادئ القومية والعربية من أجل المال وإخراج البلد من أزمات اقتصادية سببها الفساد والصراع على الحدود ودعم الصحراويين الانفصاليين والمشاكل مع السنغال. وقد تناست موريتانيا وقوف العرب كلهم بجانبها لدى اندلاع الحرب الحدودية مع السنغال على الرغم من أن داكار كانت تملك الحق في أمور كثيرة متعلقة بالصراع الدائر بينها وبين موريتانيا.
لم يتفق الموريتانيون بعد على صيغة موحدة للوطن والدولة والسلطة، فكان المجتمع يتفجر من داخله بصمت من جراء تصادم المكونات العرقية لهذا البلد الحائر بين العرب وبين الأفارقة السمر،كحيرة السودان بين حلفا وبحر الغزال. ومضت سنوات طويلة على حملات القمع المتواصلة التي تشنها السلطة الموريتانية ضد المور والسود على الرغم من بيان المثقفين في أبريل عام واحد وتسعين الذي طالب فيه الموريتانيون الأفارقة باحترام حقوق الإنسان.
حماقة السياسة الموريتانية في إعطاء الإسرائيليين مزيدا من الحرية في التحرك داخل هذا البلد الفقير ستؤجج من جديد الصراعات العرقية بغض النظر عن تعامل الدستور الجديد للبلاد مع المواطنين بالمساواة واعترافه بالبولار والسوننكية والولوف كلغات وطنية بجانب العربية وهي اللغة الرسمية الوحيدة.
إذا كان حلم عدد كبير من الجزائريين يعبر البحر ويتوقف في باريس وتولوز ومرسيليا ونيس- وهو حلم لا تعكره صورة هواري بو مدين في مخيلة الجزائريين وهو يرفض حتى زيارة فرنسا- فإن الحلم الموريتاني لا يجد أي مبرر من بلد تم تكوينه قسرا، وضم كيانات عرقية وطائفية وسمراء وعربا وسنغاليين، فتقطعت أوصال الوطن وهو في وحدة ظاهرية، واختلطت الجماعات التي كونها كيان هش بجذورها في الصحراء المغربية أو السنغال أو جمهورية مالي.
من هنا ستنطلق الحملة الصهيونية في المستقبل لوقف أي تجمع مغاربي يفكر الداعون إليه بدولة قوية تمتد على مسافة خمسة آلاف كيلومتر سواحلية من أغادير مرورا بطنجة والجزائر ووهران وتونس وطرابلس الغرب وبنغازي وطبرق والسلوم، وفي منتصف الطريق تعبر الصحراء ذات الرمال الناعمة لتنام في أحضان دامس الواقعة على الحدود الجزائرية الليبية لألف كيلومتر داخل الصحراء.
الاتحاد المغاربي في واقعه صورة هزلية لتجمع سلطوي يداعب أحلام الشعوب، فهو قائم- كالقصور التي يبنيها الأطفال- على رمال الشاطئ، وتسقط تحت أقدام أي عابر ولو كان طفلا صغيرا. فليبيا الجماهيرية العظمى تعيش منذ أكثر من ثلاثين عاما محاصرة بأحلام العقيد المتخلفة والتي قد تكون الانضمام لحلف وارسو قبل سقوطه بيد جورباتشوف في موسكو،أو ضم إسرائيل إلى جامعة الدول العربية، أو إنشاء دولة إسراطين التي تجمع الصهاينة والفلسطينيين في كيان واحد، أو الزعامة الأفريقية أو غيرها، لكنه لا يمانع في إشعال نار الفتنة داخل المغرب من جراء دعمه الأحمق لجمهورية محمد عبد العزيز الصحراوية وعاصمتها العيون! وتونس منشغلة بإطالة عمر السيد الرئيس، وتجديد البيعة، وإنشاء مزيد من المعتقلات، ومطاردة أي صورة من صور التدين.
أما الجزائر فتكتب شهادة وفاتها مرة أو مرتين في كل عام إما لصالح مافيا الحرب من جنرالات الجيش أو لصالح الجماعات الدينية المتطرفة والتي تسابق العسكر في التخلص من أكبر عدد ممكن من الجزائريين، فسباق اغتيال الوطن يسير بصورة متوازنة بين الطرفين في ظل صمت الرئيس عبد العزيز بو تفليقة،
فإما أن يتم ذبح المواطن من الجنود..حماة الوطن قبل قراءة الفاتحة، أو من الجماعات الإسلامية بعد قراءة الفاتحة على أرواحهم، ويتعامل الجزائريون مع الموريتانيين في دعم الجمهورية الصحراوية المزعومة لوقف أي توسع مغربي.
أما المغرب فيحتاج إلى عدة عقود للتخلص من التأثيرات السلبية ونهب الأموال والاستبداد الذي مارسه الحسن الثاني طوال أربعين عاما وجعل صورته تختبئ تحت وسادة كل مواطن مغربي. والمغاربة لا يثقون في العقيد أو في حكام الجزائر( باستثناء فترة محمد بوضياف الذي تم اغتياله من أعداء التقارب مع الرباط)
أو في السلطة الموريتانية. ولم يفهم الموريتانيون أن استقرار كيانهم الهش جاء بفضل مد الجسور مع العالم العربي، والدعم المالي وقوافل الخير التي جاءت من السعودية والكويت والإمارات، وكان من المفترض أن ينعكس الدعم المالي على البلد كله دون تفرقة بين بيض وسود، أو بين أحرار من العرب المور وعبيد من الزنج المنحدرين من أصول سنغالية ومالية، لكن حكومة نواكشوط رأت أن الحل النهائي الذي مثله أسياس أفورقي في اريتريا باختيار الاستعمار الصهيوني لتثبيت الحكم، ومد جسور الحلم والإنعاش المالي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتخلص من مشاعر الخوف فجاءت المبالغة في التقرب لتل أبيب، وربما نقل ما يدور في جلسات جامعة الدول العربية كما يفعل مسئولون عرب آخرون لتوفير الوقت والجهد على أجهزة الموساد.
لم يفهم الموريتانيون طبيعة الاستعمار الفرنسي واللعبة القذرة التي مارسها لشق صفوف الوطن، والتمييز بين السود والبيض واستثناء الموريتانيين المور من التعليم الفرنسي الخالص حتى أصبحت الإدارة والمراسلات الفرنسية في أيدي الجنوبيين السمر.
موريتانيا المقسمة في المشاعر بين العالم العربي وبين أفريقيا السمراء، ضربت بالاثنين عرض الحائط، فلم تمنح زنوجها حقوقهم كاملة، ولم ترفع القمع والقهر من فوق ظهور عربها، لكن سلطتها في نواكشوط اختارت الطريق الثالث وهو التحالف مع تل أبيب بحجة المساهمة في إحلال السلام في المنطقة وهي الحجة التي يستخدمها المتعاونون مع أعداء وخصوم بلادهم في كل زمان ومكان.
ليس أمام العرب من حل إلا بشراء ذمة السلطات الموريتانية كما كان صدام حسين يشتري كثيرا من الصحفيين والكتاب والمثقفين الأردنيين والفلسطينيين والمغاربة والجزائريين والتونسيين وغيرهم! وقبل أن يكتشف العرب مواقع عسكرية ومشروعات اقتصادية وسدودا وتغييرات جغرافية في موريتانيا لصالح إسرائيل، فإن عليهم طرد النفوذ الصهيوني من نواكشوط بأموالهم، وذلك إن أبقى منها جورج ووكر بوش وارمسفيلد وكونداليزا رايس ريالا واحدا في وول ستريت. مازال الوقت غير متأخر ليشتري العرب موريتانيا ويضعوا شروطهم قبل أن يتم افتتاح جبهة صهيونية أفريقية ثلاثية الأضلاع: في إريتريا، وفي جنوب السودان، وفي نواكشوط!
http://www.tearalshmal1984.com
[email protected]
[email protected]
Fax: 0047+ 22492563
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟