أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمد أبوزينة - بلا ولا شي: من دفاتر السجن وضد المرحلة














المزيد.....

بلا ولا شي: من دفاتر السجن وضد المرحلة


محمد أبوزينة

الحوار المتمدن-العدد: 3273 - 2011 / 2 / 10 - 14:03
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    



[1] لم أتجاوز وقتها الخمسة عشر ربيعاً (مع أني لم أكن أدرك حينذاك تعاقب الفصول أو تغير المواسم، فكل سنون تلك المرحلة كانت تشبه فصل واحدا، هو فصل الخريف، الذي لم يكن يشهد فقط تساقطا لأوراق الشجر وإنما أيضا لدول وأفكار وبشر.
داهمني شاب أسمر ذي قامة شاهقة داخل خيمة مظلمة إلاّ من بصيص سجائر أسكت(وهو اسم السجائر المتفرقعة التي كان يوزعها السجان الصهيوني – أو السهير كما يطلق عليه بالعبرية)، قائلا لي أفرز. بعد أن أدركت مقصده، أجبته: لفلسطين. قال مازحاً: فلسطين هنا تختزلها فصائل وعليك الاختيار... قلت له، إذا لفقرائها والمسحوقين فيها إلى يوم الدين.... اصطحبي إلى خيمة من يمثلون الفقراء والمسحوقين، لكن الكثير منهم كان ينتمي لشرائح من البرجوازية الصغيرة المتثاقفة
.........

[2] كان نهار الصحراء (المقصود صحراء النقب حيث تنتصب خيام مسكر الاعتقال أنصار 3) أطول من أن تحصيه عقارب ساعة، أما ليلها فكان كالعقرب.... يلسع بغتة ولا ينكفئ خلسة.....
كتلاميذ مدرسة بلا مناهج مفروضة أو مدرسين معينين، كنا نمضي كل نهار متلهفين – بعد أن تحصى عدد الرؤوس - إلى جلسات التثقيف والتثاقف.
بلهجة متهكمة لا تخلو منها نبرة حزن قال لي الأسمر ذات نهار، وقد أصبحنا أصدقاء، رغم أنه كان يكبرني بعشرين خريفا وقمرين: إننا نضيع وقتا طويلا في تحليل أزمات نحن من نصنعها بأيدينا، أراهنك رفيقي أن البعض الكثير لا يفهم ما قرأ من كتب التقدم أو ما قيل في جلسات التثقف إلاّ النذر القليل، فموروثه الثقافي أثقل من أن تغيره مصطلحات ولو كانت من عيار ثقيل، ولكن أوصيك بالقراءة فقبور الثقافة بلا ثورة وقبور الثورة بلا ثقافة.
............

[3] مرت فصول الخريف عاصفة بانهياراتها، فانهيار جدران برلين وجدران خزان لم تقرع، ومشروع وطني لم ينجز، وجبهات الإنقاذ و معسكرات الصمود والتصدي، واحتلالات العراق، وهيهات هيهات خيبات.......
كنت حينها منكبا على ممارسة هوايتي التي أحببت منذ الصغر، اقتناء الكتب ومطالعتها بنهم شديد. لم يكن جمع الكتب واقتنائها آنذاك أمرا صعباً أو مكلفاً، السبب بسيط: كان الكثيرون قد كفوا حرجا عن ممارسة هذه العادة الغير اليومية والغير مؤلمة، وقد وصل الأمر بالبعض إلى البحث عن طرق للتخلص من كتبه وكأنها سمة مرحلة قد أفلت و عار قد وصمت. أما أنا فقد نجحت في جمع واقتناء ومطالعة الكثير من هذه الكتب وخاصة تلك التي كانت تصدر عن دار التقدم والفكر والطليعة و وكالة نوفستي للنشر... وغيرها، وكان أبي يقول لي بحكمته التي لا تخلو من المداعبة - بشقيها اللفظي والجسدي يعطيك الحجة والناس مروحة يا ابني... فأنت كمن ينعطف يسارا بينما ينحدر الآخرون يمينا.
......................

[4] بعد سقوط خريفين آخرين من أوراق العمر، التقينا من جديد ولكن هذه المرة في خيام منصوبة على هضاب لا تبعد إلا بضع مسافات عن بحر المتوسط (المقصود هنا هضاب معسكر مجدو للاعتقال والاعتقال الآخر)، فهو لم يكن يغادر الخيام إلا نحو خيام أخرى.
كنت أقول له مازحا أنت كالبدوي الضالع في البوسطات (البوسطة اسم يطلق على ترحيل السجناء من سجن لآخر) ولا تتزود قبل الهجرة إلا بسجائر أسكت.
قال لي، بعد أن أشعلنا سيجارتي أسكت، دعك من هذا وأخبرني عن أحوال التضاريس الجغرافية الأخرى، أخبرني عن حروف ألاف والباء والجيم....
يقولون أن رفع علم فلسطين لم يعد يكلف أرواحا ونشيدها الوطني تردده الحناجر كل صباح دون اعتقال وأصبح لدينا إذاعة وتلفاز وسلطات للمجاري وللماء والكهرباء ووزارة للأسرى والمرأة والمفاوظات و...و...
قلت له بل دعك من كل هذا وتذكّر يوم تحدثنا في الصحراء عن الأزمات والثقافات والثورات وغيرها من غير المسلّيات، وكنت تحب النبيذ الأحمر القاني وعرقَ الصبابات، تتجنب عشق النساء وتجيد فن الرهانات....
قال لي طبعا أتذكر فانا أخوض حرب ضروسا ضد كل ذاكرة للنسيان ولا أحب نضال العوامات....
قلت له وهل أنت يا رفيقي البدوي محصنا ضد الصدمات، قال لم يعد للصدمات وقع المفاجآت فنحن نعيش مرحلة الانكسارات.....
قلت له إذا أنت ربحت الرهانات: أن المتحوّلون والمحّولون لم يكونوا فقط لا يفهمون المصطلحات والنظريات التي يقرأون، ولكنهم لم يكونوا يقرأون أصلا....
قال وما دليلك، أجبته عندما كنت منكبا على جمع كتبهم وجدت بيوت العنكبوت قد عشعشت بين ثناياها وعندما أردت مطالعتها وجدت العديد من صفحاتها متلاصقة (وأنت تعلم كم كانت عالية جودة مطبوعات السوفييات) لدرجة أني كنت استخدم شفرات للفصل بين المتلاصقات.
قال إذاً لا مبرر للحديث عن المرحلة و أسباب الانهيارات ولا التحولات....وأسكت.....

……………………………………………………
[5] لم نلتقي من جديد فهو رحل إلى شمسٍ حمراء متوهجة بنار و نور دمه. هناك اختار مكانا جديدا لخيمته الأخيرة ... ولم يترك وصية سوى إقرأ ... والسلاماااااا
لك المجد رفيقي البدوي الأسمر وعلينا ما علينا من عار المرحلة............ والسلامااااا.



#محمد_أبوزينة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلا و لاشي: عندما نصاب بلوثة المعرفة-الخطيئة، فيكون القصاص ح ...
- بلا ولا شي: الكتابة فعل إجتراح
- ترحالية في نصوص غائبة وكتابة جذمورية هائمة في رائحة العنبر
- جدلية الصفر الكلي المطلق في معادلة الفكر الأحادي
- أزمنة انتصار الهزائم والأزمنة الباقية في انتظار نصر
- مساهمة في نقد مفهوم الثورة
- لماذا يطالب العمل بالتقاعد (والتقاعد المبكر) بينما لا يتقاعد ...


المزيد.....




- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمد أبوزينة - بلا ولا شي: من دفاتر السجن وضد المرحلة