أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهيل أحمد بهجت - المسيري ... تجسيد العقل المريض















المزيد.....

المسيري ... تجسيد العقل المريض


سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)


الحوار المتمدن-العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 04:29
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


" لعل أهم أسباب التنميط هو ظهور الدولة العلمانية المركزية التي لا تتعامل إلا مع وحدات إدارية ضخمة، و التي تحاول قدر طاقتها ترشيد الواقع الاجتماعي و الإنساني حتى يمكنها التحكم فيه و التخطيط له و توجيهه و توظيفه لصالحها، أي حوسلته، و عملية الترشيد هذه هي في جوهرها عملية تنميط، إذ بدونها سيصبح الواقع الإنساني و الاجتماعي متنوعا مركبا غير متجانس، فلا يمكن التنبؤ بسلوك الإنسان، و من ثم لا يمكن إخضاعه لعمليات الحوسلة.." ـ العلمانية تحت المجهر ـ ص 95
إن هذا التنميط المزعوم ــ الذي يركز عليه المرحوم عبد الوهاب المسيري في نقده للعلمانية ــ هنا هو فعليا تسمية أخرى أطلقها المسيري على "الثقافة المدنية" أو "العقل الحضري" و هو نقيض لعقلية الإنسان فيما قبل الدولة، و التنوع الذي تقوم الدولة العلمانية المركزية بحوسلته ـ أي جعله وسيلة ـ هو الفوضى بكل معانيها، فالسلوك الذي يصفه المسيري بالقول "فلا يمكن التنبؤ بسلوك الإنسان" لا يحمل معه إلا احتمالا واحدا هو أن يتحول إلى متمرد على المجتمع، و النمطية هنا هي في جوهرها الحرية و السلم الأهلي الذي تتحرك في إطاره عملية التنوع و التحول، فالمجتمعات الغربية العلمانية تستوعب الآن كافة التنوعات العقائدية و الاجتماعية و الثقافية و من خلال هذا النظام ـ الذي يحاول المسيري هدمه من خلال نعته بالنمطية كتعبير سلبي ـ هو ضرورة و لا نمطية فيها، بينما في المقابل نجد النظم الشمولية التي لا تقبل الحلول النسبية تتسم بالنمطية القسرية المصنوعة على أرض الواقع، فالاتحاد السوفيتي و الصين الشيوعية الماوية و إيران الإسلامية و السعودية، كلها نماذج لدول لا تقبل التعددية و إضافة إلى ذلك تسعى لصهر الاختلاف في بوتقة الواحدية العقائدية ـ سواءٌ كان عقيدة دينية أو نظرية فلسفية اقتصادية كالماركسية ـ و إذا كان القاريء قوي الملاحظة فسيدرك أن المسيري يحاول الإيحاء بأن الدولة العلمانية هي كائن منفصل عن الشعب و الأمة التي تنظم أمورها، بالتالي تكون العلاقة بين الحاكم "العلماني" و المحكوم "المواطن المتنوع الانتماءات" علاقة سلبية قائمة على التحكم، و هو ما ليس بصحيح، فالمجتمع العلماني في أساسه ديمقراطي يعطي الشرعية للحاكم من خلال صناديق الاقتراع فقط دون أي شرعية دينية أو قومية، و هكذا فإن النمطية المزعومة هنا ليست سوى ثقافة الحرية و الانتماء إلى الوطن عبر عقد اجتماعي قائم على الحقوق و الواجبات.
و ما الإنسان ذو البعد الواحد، و هو تعبير استعاره المسيري من هربرت ماركوز، إلا محاولة أخرى لخلق صورة "نمطية" في عقلنا الشرقي المنعزل عن ذلك الغربي "العلماني"، فالإنسان ذو البعد الواحد الذي لا هم له إلا الربح المادي و جمع المال و إنشاء الشركات الكبيرة لا يمكن أن يكون ـ نمطا عاما ـ ملازما للمجتمعات الغربية، و حتى لغير الغربية، ففي كل زمان نجد أُناسا من هذا النوع، و القرآن نفسه يؤشر على أن الإنسان من طبعه أن يحب الأشياء المادية و هذا الأمر يتفاوت من شخص إلى آخر، شخصيا لدي معرفة بالعديد من الأشخاص الذين يؤمنون بالدين و يلتزمون بمرجعية المسيري الفكرية ـ أي الإنسان كمخلوق إلهي ـ و لكنهم في الحياة العملية أكثر جشعا و نهما للمال و الثروة من أكثر المرابين و الجشعين، إذا فإن كون رغبات الإنسان و طموحاته و حاجاته تفوق و تتفوق أي حيوان آخر أمر لا شك فيه قطعا، و الإنسان ذو البعد الواحد One dimensional man لا يعدو كونه نموذجا صغيرا و لا يعدو كونه نموذجا ضمن تنوعات الإنسان الكثيرة كالإنسان ذو الشخصية الازدواجية و الدونكيشوتي و العقلاني و الموسوس و غير ذلك.
و إذا كان التفكير العقلاني العلمي "حوسلة" للإنسان فإن السؤال المنطقي سيكون: و ما هو تقييمنا للإنسان إذا انتزعنا عنه كل هذه المنجزات العقلانية و الثقافية و المساواة بين البشر؟ النتيجة المؤكدة أننا سنعود إلى العصور المظلمة حينما كان الدين ـ بتفسيره الضيق ـ يهيمن على كل شيء و يقسِّـم أبناء الوطن الواحد إلى "مؤمنين" و "كفار" أو "ذميين"، فالحوسلة المزعومة هنا تساوي في نظري اتهام السلفي لمخالفه في العقيدة بـ"الكفر" أو نعته بالـ"زندقة"، لكن المسيري لم يجرؤ على استخدام ذلك التعبير لأن ذلك سيعني دخوله (رسميا) في تنظيم القاعدة أو التكفير و الهجرة و لذلك آثر الإبقاء على "لغة أكاديمية" علمية تحتمل أكثر من تأويل، و سنرى كيف أن المسيري سينحدر من نقد "ممارسات الحرية" في المجتمع العلماني إلى نقد العلم الحديث و في نهاية الحكم بالسلب على كل التطور الإنساني.
يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري:
"و يظن هذا الإنسان ـ يقصد المسيري إنسان العلمانية ـ أنه يمارس حريّته و فرديته، فمجال الاختيار في عالم السلع واسع لأقصى حد، و لكن هذا يخبئ الحقيقة الأساسية، و هي أن مجال الإختيار في الأمور المهمة (المصيرية و الإنسانية و الأخلاقية) قد تقلَّص تماما و اختفى، و أن هذا الإنسان فقد مقدرته على التجاوز و نقد المجتمع، و أصبحت عنده مقدرة عالية التكيف و قبول الأمر الواقع و الإذعان له." ـ المصدر نفسه ص 96
إن الدليل الأكبر على مدى الحرية المنتجة التي يعيشها الإنسان في ظل العلمانية هو أن الإنسان يجد فسحة منطقية واسعة لينظر في مشاكله و مآسيه و يبحث بعقل لا حدود له عن الأسباب الموضوعية و الجهات الموضوعية التي تسبب له الشقاء و الألم، فلا أحد يتحكم به بحجة القداسة أو يكون فوق النقد، فبدأً من أصغر مواطن إلى أعلى سلطة يخضع الجميع للقانون و العدالة نفسها، و مرة أخرى يختزل المسيري الحرية الإنسانية في كلمات ـ سوف يشكك لاحقا بالمفهوم كله ـ و بالتالي يترك الموضوع الذي أخضعه للنقد من دون تقديم بدائل، فهو لا يخبرنا ما هي تلك القرارات المصيرية التي لا يملكها الغربيون أو حيث قامت دولة علمانية على هذه الأرض؟ و هذا الكلام يعني ضمنيّا أن هناك بلدان ـ ذات نظام مختلف عن العلمانية ـ تتيح لمواطنيها هذه الحرية المزعومة، و لكن الجواب الذي نحصل عليه هنا هو "الصمت المطبق"، ففي ظل العلمانية يكون اللاهوت و عالم الروح منفتحا تماما، فالاستقرار المعيشي و الرفاه "النمطية حسب المسيري"، تتيح للإنسان مجالا واسعا من البحث و اختبار الطاقات الفكرية و الروحية مما سيعني انفتاح المجال كليّا لإبداع الإنسان، بينما نجد الباحثين في الدول المتخلفة التي تتبنى وجهة نظر دينية معينة ـ المملكة السعودية و إيران و باكستان خير نماذج على كلامنا ـ يعانون الاضطهاد و المنع بل و الإعدام شنقا أو بقطع الرأس، و لا أدري ما الذي يجعل الحرية ـ و هي صيغة حياة تتوافق مع فطرة الإنسان ـ قابلة للنقد و التشكيك كما يريدها المسيري أن تكون، إن الحرية في ظل العلمانية الديمقراطية تعتبر القيمة الأعلى فكريا كونها الأسهل تطبيقا، إذ تسير الأمور و حياة الناس بشكل طبيعي و سلس يشبه انحدار الماء، بينما كل النظم السياسية التي تتناقض و العلمانية ـ و أرى أن الماركسية كنظرية شاملة تتناقض مع العلمانية ـ كونها شمولية تكون صعبة أو مستحيلة التطبيق على أرض الواقع.



#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)       Sohel_Bahjat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسني... اسم صنم سيسقط قريبا
- الإنسان و الوثنيّة!!
- الدين و الفردوس الأرضي
- العقل بين المادّي و الرّوحي
- الجالية العراقية في المهجر.. عقدة ثقافية
- الإنسان و المسؤولية الكاملة
- في النمطيّة الدّينيّة و القوميّة
- المالكي و ... قائمة المنتحرين!!
- الإنسان ذلك الكائن الخلاق!!
- نقاش.. في ماهيّة النمطية !!
- لماذا يكرهون المالكي.. و النجاشي؟
- الهولوكوست الخامنئي..
- قراءة جديدة في الدين و العقلانية (2)
- قراءة جديدة للدين و العقلانية
- ما لم يكتشفه كولومبوس في أمريكا
- العلمانية و القوالب الفكرية
- المتديّنون يبنون العلمانية
- العلم من وجهة نظر جمالية
- في ثنائية الروح و الجسد
- شاكر النابلسي.. معروض للبيع


المزيد.....




- سعودي يوثق مشهد التهام -عصابة- من الأسماك لقنديل بحر -غير مح ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل ضرباته ضد أهداف تابعة لحماس في غزة
- نشطاء: -الكنوز- التي تملأ منازلنا في تزايد
- برلين تدعو إسرائيل للتخلي عن السيطرة على غزة بعد الحرب
- مصر تعلن عن هزة أرضية قوية في البلاد
- روسيا تحضر لإطلاق أحدث أقمارها لاستشعار الأرض عن بعد (صور)
- -حزب الله- يعلن استهداف ثكنة إسرائيلية في مزارع شبعا
- كييف: مستعدون لبحث مقترح ترامب تقديم المساعدات لأوكرانيا على ...
- وسائل إعلام: صواريخ -تسيركون- قد تظهر على منظومات -باستيون- ...
- رئيس الوزراء البولندي: أوروبا تمر بمرحلة ما قبل الحرب وجميع ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهيل أحمد بهجت - المسيري ... تجسيد العقل المريض