أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - الاستغلال الامبريالي – الكومبرادوري والفقر والجوع والتهميش الناجم عنه أساس الثورات في المنطقة المغاربية والعربية















المزيد.....


الاستغلال الامبريالي – الكومبرادوري والفقر والجوع والتهميش الناجم عنه أساس الثورات في المنطقة المغاربية والعربية


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 3268 - 2011 / 2 / 5 - 21:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يستمر الوضع الاجتماعي في مصر ، في هذه اللحظة، متفجرا بعد تعنت الدكتاتور حسني مبارك ورفضه التخلي عن الحكم ولجوئه إلى المراوغة وربح الوقت والأساليب الفاشستية للانتقام من الجماهير الشعبية الثائرة على النظام. فقد خرج الملايين من المصريين الى الشارع منذ 25 يناير 2011 يوم انفجار غضب الكادحين ، متحدين حضر التجول، والنظام الفاشستي للدولة والقمع الدموي، وهاهي تلك الملايين من الكادحين لا تزال تغلي تحت محاولات الامبريالية تخذيرها وشلها بشتى الطرق حتى لا تزحف على مقر الاداعة والتلفزة والقصر الرئاسي للدكتاتور.


في نفس الوقت لا زالت الحركة الاجتماعية الجماهيرية الثورية تجدد نفسها في تونس، رغم هروب الدكتاتور بنعلي، واعتماد تعديلات حكومية وتقديم الوعود بإجراء انتخابات في مدى شهرين فلم تكفي كل هذه المراوغات لتهدئة الغضب المتفجر للجماهير الشعبية التونسية لعدم ارتياحها لعودة التحالف البرجوازي لحكم تونس من جديد.


في الأردن، خرج الآلاف من المتظاهرين يعبرون عن غضبهم في مواجهة التفقير المتزايد وغلاء الأسعار وانسداد آفاق المستقبل بينما تراجع الاحتجاج في الجزائر مؤقتا حينما عمد النظام الدكتاتوري القائم الى تخفيض معدلات الضرائب وتقديم وعود بالتشغيل عقب الهزة العنيفة للجماهير في بداية شهر يناير ضد الغلاء والتفقير والجوع وانسداد الأمل في المستقبل أمام الشباب والذي أصبح يرى في الهجرة المنفذ الوحيد للهروب من الأوضاع الكارثية السائدة رغم الارباح الخيالية للتحالف الطبقي الحاكم.


كما لم تفلح تصريحات عبد الله صالح بعدم ترشحه لولاية مقبلة وعدم عزمه تنصيب ابنه في دون خروج الجماهير اليمنية في مظاهرات حاشدة في اليمن يوم الأربعاء 02 فبراير 2011 للتنديد بالتفقير والتهميش وغلاء الأسعار وانسداد آفاق المستقبل واحتباس النظام السياسي في حكم تحالف طبقي بورجوازي مافيوزي.

أمام كل هذه التطورات اقتصرت وسائل الإعلام والسياسيين على تحريف أسباب انتفاضة الشعوب المغاربية والعربية، وتركيز بالتالي على خصوصيات المنطقة، وعلى التقاليد غير ديموقراطية للبرجوازية الحاكمة، وعلى غضب الجماهير بسبب الوجوه التي لا تتغير منذ أكثر من 30 سنة، كما سقط بعضها الآخر في اجترار نظرية مؤامرة الامبريالية القيادات المغاربية والعربية لفائدة اسرائيل.


قد يكون بعضا من كل ذلك ما تدعيه الصحافة صحيح ! فآل بنعلي، وآل مبارك وآل الرفاعي وآل بوتفليقة يشكلون مافيات كومبرادورية حقيقية في مواجهة شعوبهم، لكنهم يشكلون أيضا صورا كاريكاتورية لديكتاتورية الأوليغارشية البرجوازية التي صنعتهم والقائمة في المتربول. لكن هذه الحركات الاجتماعية الجماهيرية تشكل قبل كل شيء ثورة للكادحين المستغلين في مختلف البلدان المغاربية والعربية الخاضعة لنمط الإنتاج الرأسمالي والوكيلة للامبريالية الدولية. فانفجار الغضب الواسع للجماهير الشعبية الكادحة في المنطقة والذي أضحى اليوم يشكل رقعة زيت قاعدتها الأساسية تسارع الحلقة الجديدة من الأزمة الاقتصادية العالمية التي تدفع بالبشرية جمعاء منذ سنة 2007، نحو تعميق مخيف للبؤس والفقر والجوع عبر العالم.


فلقد انتشرت عدوى التمردات في الدول المغاربية والعربية بسرعة، فبعد تونس، انتقلت العدوى بسرعة نحو مصر! ففي منطقة شمال افريقيا على الخصوص وكما حدث في تونس فإن ما كانت تخاف منه البرجوازية بدأ يحدث فعلا. ففي مصر والجزائر والمغرب السكان الغارقون في البؤس واليأس تحت ضربات الأزمة الاقتصادية العالمية وتحت رعب القمع الدموي للتحالفات الطبقية الحاكمة منذ الاستقلالات الشكلية لأزيد من نصف قرن. ولمواجهة غضب المستغلين الكادحين، عبرت التحالفات الطبقية الحاكمة عن طبيعتها كطبقة من المجوعين والمجرمين. فالجواب الوحيد الذي تتقنه هو نشر الرعب والتصفيات الجسدية عبر اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في تونس ومصر بل وصرف الأموال لتسخير المنحرفين والبلطجية رواد السجون لتصفيتهم. الأمر لا يتعلق هنا فقط بالحكام الدمويين من أمثال آل مبارك وآل بنعلي وآل بوتفليقة وآل عبد الله صالح باليمن وزبانياتهم. بل حتى المسؤولين "الديموقراطيين" من اليسار واليمين، الذين لم يتوقفوا عن تكوين "صداقات" و"حلفاء أوفياء" ومتواطئين، متحدين معهم في مجال الدفاع عن النظام والاستغلال الرأسمالي. محاولين تجاهل كون الاستقرار الذي طالما تم التغني به لهذه البلدان أو الادعاء بكونها تشكل درعا وقائيا متقدما في مواجهة الاسلام السياسي المتطرف والذي لا يشكل سوى قناع تم ارتداءه لمدى عقود لاخفاء الطبيعة المنغلقة للأنظمة الوكيلة للامبريالية عبر الرعب البوليسي، وعن طريق تحويل الأنظار عن حالات التعذيب والاختفاء القسري والرشوة والفساد بالاضافة للاستغلال والتفقير والتجويع والمبالغة في كل ذلك، ونشر جو من الرعب والخوف لدى الجماهير الشعبية. لقد ظلوا يدافعون عن استمرارية سنوات الرصاص باسم المحافظة على الاستقرار والصداقة والسلم بين الشعوب، وباسم عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم الدفاع عن أي شيئ آخر ما عدا مصالحهم الامبريالية الوطنية المتعفنة.


التمرد الاجتماعي في مصر


لقد عاين الجميع في مصر "المحروسة"، من جديد عشرات بل المئات من القتلى، والآلاف من المجروحين، والعشرات الآلاف من المعتقلين حتى من بين الصحافيين والمدافعين عن حقوق الانسان. لكن عقب اسقاط الدكتاتور بنعلي في تونس برز أما الجماهير الكادحة عنصر جديد مفجر للثورات. وقذ ألهب ذلك شعلة الأمل الكبرى في قلوب الجماهير المضطهدة لأغلب الدول المغاربية والعربية حيث يسود نفس الرعب الدكتاتوري وانحباس الأمل لدى الشباب ولدى الطبقتين الوسطى والدنيا، وحيث شكل الرعب الوسيلة الوحيدة لتلجيم طموحات هاتين الطبقتين.


ولقد عاين الجميع في العديد من مظاهرات اليأس المصحوبة بموجة من محاولات احراق الذات في الجزائر (7 أشخاص) والمغرب (4 أشخاص) وفي موريطانيا والعربية السعودية وحتى السودان والذي طال الشباب العاطل والعمال الذين لم يبقوا قادرين على تلبية حاجياتهم وحاجيات عائلاتهم الأساسية.


في مصر رفعت نفس المطالب والشعارات التي تم رفعها في تونس: الخبز!، الحرية ! الكرامة! وانسانية! في مواجهة نفس الكوارث التي تصيب الكادحين في كل مكان من العالم والناجمة عن تعمق الأزمة الإقتصادية العالمية والتي تقف الرأسمالية ورائها في كل مكان: العطالة التي تطال أكثر من 20 % من سكان مصر، ثم الفقر الهشاشة حيث أن أربعة مصريين من كل عشرة يعيشون تحت عتبة الفقر، ثم ارتفاع اسعار المنتجات والخدمات الأساسية والبؤس المتزايد.


إن الشعار المرفوع، مبارك السعودية في انتظارك بمعنى افرغ المكان الذي يحتله منذ ثلاثين سنة ! تمت استعارته من مباشرة من جماهير تونس التي طالبت برحيل بنعلي. لقد رفعت في القاهرة شعارات منددة من قبيل: "هذه ليست حكومتنا، بل عدوتنا". لقد ظهر الشارع كما لو أنه يعبر عن ذاته. فلم يعد للكادحين ما يفقدونه سوى أغلالهم. لذلك أصبح الوضع غير قابل للاستمرار.

في يوم الثلاثاء 25 يناير، الذي يوافق "اليوم الوطني للشرطة"، نزل العشرات الآلاف من المتظاهرين الى الشارع في القاهرة وطانطا والسويس، حيث اصطدموا بقوات الشرطة. وتوالت أيام من المواجهات اليومية، حيث لم يتوقف العنف الدموي عن تغذية الغضب العارم للجماهير: خلال هذه الأيام والليالي، وقد استعملت قوات القمع خلال هذه الأيام والليالي القنابل المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي والرصاص الحي بل وتم الدفع بالبلطجية للاعتداء على المتظاهرين بالرصاص والاسلحة البيضاء واستعمال الخيول والجمال لخلق نوع من الفوضى والارتباك الجماعي وسط المتظاهرين. ومع استمرار تعنت الدكتاتور حسني مبارك وتشبته بالسلطة ظل القمع مستمرا: في القاهرة، والسويس، والإسكندرية، وسيناء.


وقد نجم عن هذه المواجهات العشرات من القتلى والمئات من الجرحى وآلاف من الاعتقالات. أما بالنسبة للجيش القوي ب 500.000 رجل، ذو التسليح والتدريب الجيدين فقد لعب دورا مركزيا كمدعم غير مباشر وقوي للنظام، على عكس ما حدث في تونس. كما يستفيد النظام أيضا من رجال يحملون العصي ومختصين في تكسير الاضرابات "البلطجية" اضافة الى العديد من المخبرين السريين الذين اندمجوا في وسط المتظاهرين مسلحين بالسلاسل الحديدية، وقد ظلت قوات القمع تراقب تجمعات الجماهير وتحاصر مخارج الميترو في العاصمة. كما عملت الحكومة على التشويش على مواقع الأنترنيت وعلى الهواتف النقالة وقطعت جميع وسائل الاتصال الهاتفية. في الليل، يتجمع المتظاهرون أكثر فأكثر، ويخرقون حضر التجول المفروض على القاهرة والاسكندرية والسويس من الثالثة مساء الى الثامنة صباحا. كما استعملت شاحنات مدافع المياه لتفريق تجمعات الجماهير، خاصة منها المكونة من الشباب.


في القاهرة، استقبلت الدبابات وفرق الجيش استقبال أبطال التحرير من طرف المتظاهرين، وشاهدنا محاولات التآخي مع الجيش، والذي تم استغلاله اعلاميا بشكل واسع. كما شاهدنا بعض العناصر من الشرطة ومن الجيش يرون بشاراتهم الرسمية ويلتحقون بالمحتجين. لكن في امكنة أخرى حدث العكس من ذلك، فقد فتحت المدرعات العسكرية النار على المتظاهرين القادمين لاستقبالهم. قائد الجيش المصري سمير عنان الذي قاد وفدا عسكريا الى الولايات المتحدة من اجل التباحث مع البانتاغون رجع فورا الى مصر يوم الجمعة. وقد قامت الجماهير الغاضبة في بداية الثورة باحراق العديد من سيارات شرطة والكوميساريات اضافة الى مقر الحزب الحاكم. كما تم احراق مقر الولاية نفسها في الاسكندرية، نفس الشيء حدث في المنصورة وفي دلتا النيل حدثت مواجهات عنيفة، خلفت العديد من قتلى. كما حاول بعض المتظاهرين احتلال مقر التلفزة لكن الجيش أبعدهم عنه بقوة.


وقد ظهر اخيرا الدكتاتور حسني مبارك على شاشات التلفزة وأخذ الكلمة للاعلان عن تعديل فريقه الحكومي في الغذ ووعد بتطبيق اصلاحات سياسية وإجراءات جديدة من اجل "الديموقراطية" مع التأكيد على الصرامة لضمان أمن واستقرار مصر كما يقول ضد مشروع زعزعة استقرارها. لكن هذه الإقتراحات لم تزد سوى غضب الجماهير الشعبية وتكرس ارادة المتظاهرين لاسقاط النظام.


تمرد الهامش وردود فعل الامبريالية

شكلت ثورة تونس نموذجا للمتظاهرين بمصر، لكن التحديات التي تواجهها البرجوازية العالمية غير متشابهة في البلدين. فتونس تظل دولة ذات حجم متواضع حوالي عشرة ملايين نسمة، ويمكنها أن تشكل بالنسبة للامبريالية أهمية خاصة مهما من الدرجة الثانية خاصة بالنسبة للامبريالية الفرنسية التي ساندت نظام الدكتاتور بنعلي حتى آخر لحظة. لكن ذلك ليس هو شأن التعامل مع ثورة الكادحين في مصر التي تضم 80 مليون نسمة حيث تشكل أكبر تجمع سكاني في المنطقة. كما أن مصر تحتل مكانة استراتيجية مركزية واساسية في الشرق الأوسط، خصوصا بالنسبة للامبريالية الأمريكية الصهيونية. فالرهان الاستراتيجي الامبريالي يصبح اساسيا هنا. فسقوط نظام الدكتاتور مبارك يمكنه أن يخلق انهيارا جهويا مثقلا بالنتائج، ومن أجل ضمان حماية الدولة الاسرائيلية وتوازن القوة ما بين الفصائل الفلسطينية وبين فتح محمود عباس واسلاميي حماس. فدولة مصر ظلت لحد الآن تشكل عامل استقرار مصالح الامبريالية في الشرق الأوسط.


نفس الشيئ، فإن التطور السياسي في السودان الذي يتجه نحو انفصال في جنوب البلاد يفترض ضرورة تواجد نظام مصري قوي خاضع للمصالح الامبريالية للولايات المتحدة الأمريكية. فمصر تشكل اذن حلقة اساسية في الاستراتيجية الأمريكية في اطار الصراع العربي الاسرائيلي منذ أربعين سنة والذي تهدد الثورة الجماهيرية بها ترنح العديد من الدول المجاورة، ومنها على الخصوص الأردن وليبيا واليمن وسوريا والمغرب. وتفسر هذه الخلفية قلق الولايات المتحدة اتجاه ثورة الكادحين في مصر والتي توجد في وضعية غير مريحة اعتبارا للروابط التي تجمعها بنظام الدكتاتور مبارك؛ وتجد الامبريالية الأمريكية نفسها مجبرة للعمل بكل حزم على التواجد في الصف الأمامي عبر التصريحات اليومية لبراك أوباما وكلنتون لمضاعفة الضغوط المباشرة على مبارك بهدف محاولة الحفاظ على استقرار البلاد وانقاد النظام قبل كل شيء وتحقيق نقل سلمي للسلطة لخدام جدد للامبريالة والذي يشكل البرادعي احداها. لأجل ذلك صرح أوباما للرأي العام انه تحادث نصف ساعة مع مبارك بعد خطاب هذا الأخير لكي يعمل اكثر على ارساء عوامل الثقة. وقد سبق لهيلاري كلنتون أن صرحت بأن "قوى النظام يجب أن تعمل على الكثير من ضبط النفس" وأن الحكومة عليها أن تعيد بسرعة شبكات الاتصال. وفي الغذ وتحت الضغط الأمريكي تم فرض عمر سليمان الرئيس القوي للمخابرات العسكرية والمكلف بالمفاوضات مع اسرائيل في الشرق الأوسط، نائبا للرئيس. انه استغلال لمكانة الجيش الشعبية لدى المتظاهرين ليبقى محايدا.


التمرد في باقي الدول العربية

تمردات أخرى حدثت في نفس الوقت في الجزائر واليمن والأردن. في الأردن تجمع 4000 متظاهر في عمان للمرة الثالثة في ظرف ثلاث أسابيع من أجل الاحتجاج على غلاء الأسعار والمطالبة باصلاحات اقتصادية وسياسية، والمطالبة على الخصوص باسقاط الحكومة. وقد قامت السلطات باقالة الحكومة والبرلمان وببعض الاجراءات الاقتصادية الصغيرة وبعض الاستشارات السياسية. لكن التظاهرات امتدت نحو مدن أخرى كاربيد والكرك.


كما أدى القمع في الجزائر الى سقوط خمسة قتلى وأكثر من 800 جريح. وفي وسط الجزائر تم قمع مظاهرة بشكل عنيف في 22 يناير. في تونس، لم يوقف سقوط الدكتاتور بنعلي لا حدة الغضب ولا ضخامة القمع: حتى في السجون، كما حدثت اغتيالات جماعية منذ هروب بن علي. التعديل الحكومي، الذي تم تأخيره عدة مرات، تم في يوم 27 يناير، حيث تم ابعاد الوزراء الأكثر تعاونا مع النظام السابق مع الاحتفاظ دائما بنفس الوزير الأول، الذي لم ينجح في تهدئة الخواطر. واستمر القمع البوليسي الوحشي للجماهير الرافضة للامر الواقع مما جعلالوضعية تصبح مبهمة.


انفجار تمردات الجماهير العفوية يؤكد نفاذ الصبر لدى الجماهير والتي نراها اليوم عازمة على انهاء البؤس والقمع الذي تفرضه هذه الأنظمة الكومبرادورية بتعاون وثيق مع الامبريالية. لكنها تؤكد أيضا ثقل الأوهام عبر محاولة حصر الثورة في مطالب "الديموقراطية البرجوازية" و"سموم التغني بشعارات الوطنية": حيث ترفع في مختلف التظاهرات، الأعلام الوطنية بنوع من الافتخار.
سواء في مصر أو في تونس انحرف غضب الكادحين المستغلين وهم على ارض معركة الانعتاق والثحرر من اجل بدائل وهمية تتلخص في الديموقراطية البرجوازية. ومن تم تحويل كراهية الجماهير اتجاه النظام نحو كراهية الدكتاتور مبارك رأس النظام(كما هو الشأن في تونس مع الدكتاتور بن علي) فبعد بلورة بعض المطالب الاقتصادية لمواجهة البؤس والعطالة في كل من تونس ومصر هاهو التعتيم الاعلامي البرجوازي يحول الأنظار نحو مطالب "ديموقراطية" بورجوازية والتي تشكل ديكتاتورية الأقلية. وسيتيح ذلك بطبيعة الحال لبرجوازية الدول "الديموقراطية" لكي توحي للطبقة العاملة، على الخصوص في المتربول بأن "انتفاظة الجماهير" في تونس ومصر ليست لها نفس الأسباب الأساسية للصراع الطبقي العمالي القائم لديها الذي ينتجه احتضار الرأسمالية العالمية، بل هو تطلعا لنفس الاستغلال السائد بها.



تطور الصراع الطبقي عالميا

هذا البروز القوي للغضب الجماهيري الاجتماعي الكبير الناجم عن تعمق الأزمة العالمية الرأسمالية في دول المحيط والتي تشكل بؤرا اساسية للتوثرات الامبريالية والاستنزافات الحربية، يشكل عنصرا سياسيا جديدا ستأخذه الامبريالية العالمية أكثر فأكثر بعين الاعتبار. فبروز هذه التمردات ضد ارتشاء المسؤولين الكبار الذين ملأوا خزائنهم من دماء الكادحين بينما تموت الأغلبية الكبرى من الجماهير جوعا، لا تشكل حلولا بحد ذاتها في هذه البلدان في غياب الأداة السياسية الطبقية للكادحين. لكن هذه الحركات تشكل مع ذلك مؤشرا عن نضج الصراعات الاجتماعية المستقبلية والتي ستنفجر بقوة حتى في الدول الامبريالية الأكثر تصنعا في مواجهة نفس المشاكل من قبيل انخفاض مستوى المعيشة، الفقر المتزايد، بطالة الشباب انسداد آفاق المستقبل أمامهم.


نفس التمرد ضد نظام امبريالي رأسمالي عالمي يحتضر، يقوده الشباب والطبقة العاملة في كل مكان فقد رأينا في أوروبا، نضالات الطلبة في فرنسا، وبريطانيا، وايطاليا وقد رأنا مؤخرا في 22 يناير 2011 في هولندا ، تجمع 20.000 طالب ومدرس في الشارع بلاهاي أمام مقر البرلمان ووزارة التعليم. لقد كان الاحتجاج ضد الارتفاع القوي لرسوم التسجيل في الجامعة والتي استهدفت بالدرجة الأولى الراسبون في السنة الدراسية (وهي وضعية الكثير من الطلبة العمال الذين يضطرون للعمل من أجل تمويل دراساتهم) والذين أصبح عليهم أن يؤدوا 3000 أورو اضافية في السنة، بينما المشاريع الموازانية المقبلة فتستهدف الغاء 7000 منصب شغل في قطاع التعليم. لقد شكلت هذه الحشود احد أهم التظاهرات في البلاد منذ 20. وقد تعرض المحتجون لقمع عنيف ووحشي من طرف الشرطة بأمر من التحالف البرجوازي الحاكم.


هذه الهبات الاجتماعية تشكل مؤشر تقدم مهم في مجال التطور الدولي للصراع الطبقي في جميع البلدان بين الأممية البروليتارية من جهة والاليغارشية الامبريالية من جهة اخرى، حتى وإن ظهرت الطبقة العاملة في البلدان المغاربية والعربية كطبقة غير واضحة، أو كقوة مستقلة، وتظل غارقة في حركة من الاحتجاج الشعبي يسهل توظيفها عبر شعارات "الديموقراطية والوطنية والشوفينية والظلامية" في غياب الأداة السياسية للطبقة العاملة ومن اجل الاشتراكية والديموقراطية الشعبية.


وفي كل مكان من العالم، تتسع الهوة بين من جهة طبقة مهيمنة، البرجوازية، والتي تمدد الاحتقار والغرور الوضيع لثرواتها، وفي المقابل الجماهير المستغلة التي تغرق أكثر فأكثر في الفقر والحرمان. هذه الهوة تدفع نحو التقريب والتوحيد في نفس المعركة ضد الرأسمالية بروليتاريو جميع الدول عندما لا تستطيع الجواب على ادانة أولائك الذين تستغلهم وعبر اجراءات جديدة للتقشف، وعبر ضرب الهراوات وبالرصاص الحي.


التمردات والمعارك الاجتماعية ستتخذ بشكل حتمي أشكالا مختلفة في السنوات المقبلة وحسب جهات العالم. قوة وضعف الحركات الاجتماعية لن تكون في كل مكان متشابهة . هنا، الغضب، القتالية والشجاعة سيكونان مثاليان. هنا، المناهج وجماهيرية المعارك ستتيح فتح آفاق أخرى وفرض علاقات قوة لفائدة الطبقة العاملة، القوة الوحيدة في المجتمع القادرة على اتاحة آفاق مستقبلية للانسانية. وعلى الخصوص، التمركز وتجربة البروليتارية المعبأة في معاركها في الدول الموجودة في قلب الرأسمالية ستكون محددة. وبدون التعبئة الجماهيرية لبروليتارية الدول في المركز، التمردات الاجتماعية في المحيط سيكون محكوم عليها بالعجز ولن يمكنها أن تتخلص من عجزها من هذه أو تلك من اجنحة الطبقة المهيمنة. فقط الصراع الدولي للطبقة العاملة ، تضامنها، وحدتها، تنظيماتها، ووعيها برهانات معارك سيمكنها أن تجر في تيارها جميع شرائح المجتمع، بهدف اسقاط الرأسمالية المحتظرة وبناء عالم جديد.

يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة انتفظوا !!!



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تبخر وهم الاستقلال الشكلي وحكامة الكومبرادور في بلدان الشرق ...
- أية آفاق للانتفاضات المغاربية؟
- شعوب البلدان المغاربية تنتفض بعد سنين من المعاناة
- في كل مكان من العالم، تتحرك ردود فعل قوية للطبقة العاملة ضد ...
- عبد السلام أديب في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الصرا ...
- الاختفاء القسري في المغرب
- الهجوم البرجوازي أمام صمود وتحمل الكادحين
- مشروع القانون المالي لسنة 2011 وتطلعات الطبقة الكادحة
- في اليوم الدولي للنضال ضد الفقر أزمة الرأسمالية تجر الإنساني ...
- الدخول الاجتماعي وتصفية القوت اليومي للكادحين
- خصائص الصراع الطبقي في المغرب
- أزمة تدبير الأزمة العامة للنظام الرأسمالي
- في ذكرى تأسيس تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية
- تعمق الفقر في زمن الامبريالية
- ذبحتونا .. ذبحتونا
- التطهير الاداري والبنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ال ...
- أوضاع السجناء والمؤسسات السجنية بالمغرب
- مجرد دردشة
- هل يتحمل القاموس السياسي مفهوم -التقاعد السياسي-
- الموجة الاشتراكية الأولى ورهانات تفكيك الرأسمالية


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - الاستغلال الامبريالي – الكومبرادوري والفقر والجوع والتهميش الناجم عنه أساس الثورات في المنطقة المغاربية والعربية