أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن فيصل البلداوي - شجرة الصفصاف















المزيد.....

شجرة الصفصاف


مازن فيصل البلداوي

الحوار المتمدن-العدد: 3254 - 2011 / 1 / 22 - 20:37
المحور: الادب والفن
    



اخذته وانتبذت به مكانا تحت شجرة الصفصاف الكائنة في طرف المزرعة،اذ لا مكان اكثر أمنا لها وله من تلك الشجرة بالأحرى لم يعد هناك شيئا اسمه مكان او سقف.
احتضنته بشدة وهي تذرف دموع الفرح الممتزجة بحزن والم وخوف تلك اللحظة التي كادت ان تقضي عليهما معا
لازالت انفاسها مسرعة ولازالت عينها تذرف الدمع اسى وحزنا.......لم يحدث كل هذا وما هو السبب؟تسأل نفسها، فقبل ساعة فقط كانت تنعم بالهدوء في ارجاء بيتها وطفلها نائم قرير العين في فراشه وليس هناك اي اشارة تنبأها بما سيحدث او على الأقل ان تنذرها.....كانت تنتظر عودة زوجها من عمله كي يتناولا طعام العشاء ويحتسيان كأسي النبيذ كما هي العادة ثم يأخذا مجلسيهما على الأريكتين امام جهاز التلفاز ليتابعا برنامجهما المفضل
هدأ روعها قليلا مع بداية اسدال الليل لأستاره الذي اصطحب معه برد المساء الذي بدأ يتسرب شيئا فشيئا الى جسدها النحيل المغطى بثوبها المنزلي فقط.
ميساء ذات الأربع وثلاثين من سني عمرها وزوجها فريد ذو الأربعين سنة تزوجا قبل خمس سنوات في مدينة كوملاك الواقعة على الضفة الجنوبية لنهر تايمون الهادىء الأنسياب باتجاه الشرق من منبعه الغربي الكائن في مدينة اوبنامش التي ترتفع عن البحر بـ 1200 قدم تجعلها موطنا ربيعيا وخريفيا اكثر من ان يتمتع سكانه بالصيف والشتاء،مما يجعل اهلها يتباهون باعتدال طقس مدينتهم والذي ساعدهم على ان تكون المدينة مزارا دائما للكثير من الناس كي يتمتعوا بأرثها التأريخي ويستمتعوا بجمال طبيعتها التي تضاهي جمال طبيعة المدن الأخرى المترامية الى شرق وغرب البلاد.
صحيح ان مدينتهم ليست بالكبيرة ولايتجاوز عدد سكانها الـعشرة آلاف نسمة من خمسة اعراق مختلفة يجمعهم حب مدينتهم، يشهد التاريخ لأجدادهم بانهم قد تعاونوا مع بعضهم البعض عندما هاجمهم قبل 1200 عام مجموعة من قطاع الطرق الذين كانوا يغيرون على مدينتهم ومدن اخرى وقيل ان تعدد اعراقهم هو الذي حمى المدينة من السلب والنهب اللصوصي الذي كانت تمارسه تلك العصابات.
أناسها بسطاء والمدينة ليست من المدن الكبرى ولاتشاهد فيها بنايات ضخمة او بنايات حديثة، اغلب ما تراه هو مجموعة من البيوت والبنايات القديمة ذات طابع تراثي تزين ساحاتها الأزهار المتنوعة الموشحة باللون الأخضر لحشائش تنمو هنا وهناك. يرتكز ارثها التاريخي على انها كانت مركزا اساسيا لحكومات متعاقبة خلال تاريخها الماضي مما اكسبها سمعة حضارية وعلمية طيبة طيلة عقود من الزمن الماضي حتى تحالف ضدها حكام المدن المحيطة بها نقمة منهم وحسدا على تمتعها بتلك المكانة العالية وتلك الثروات، فأجهضوا حضارتها واغتصبوا انسانيتها عنوة مما جعلها تحمل من اغتصابهم جنينا ملوثا ببدائيتهم وهمجيتهم وعنفهم،تلوث رحمها فصارت تنجب اولادا مشوهين فكرا وعقلا، ليس لهم من هم الا استعادة قوة السلطة غير آبهين بطريق السيطرة هذا ان كان صحيحا ام كان مغلوطا، جعلها تنزوي على استحياء منها مما انجبته.

كان فريد يشغل منصب مسؤول قسم العقود والمشتريات في بلدية المدينة،انتسب اليها بعد ان انهى دراسته الجامعية في قسم المحاسبة وتدرّج في مناصب صغيرة حتى اصبح مديرا لهذا القسم،يشهد له الكثير ممن حوله بنزاهته وحرصه العالي على ان تكون العقود والمشتريات شفافة الى اقصى حد مما ادى بأخرين ان يكونوا اعداءا له نظرا لتعطل منافعهم الشخصية المبنية على الغش والتلاعب لأغراضهم الشخصية ،الا انه كان غير آبه بهؤلاء على الرغم من علمه المسبق بوجودهم ومحاولة التأثير عليه بعدة وسائل كان احدها التهديد بالأذى.
انهى عمله اليومي كالعادة ونزل الى الشارع ليأخذ سيارته ويتوجه الى البيت بعد ان قلق قليلا،اذ انه اتصل بهاتف داره قبل خروجه لكن الخط كان معطلا مما اثار شكوكا داخله،الا انه بددها بتوقفه امام احد محلات الورود كي يأخذ باقة من الورود معه الى زوجته،يعلم انها تحب الورود..........نزل الى المحل وطلب من البائعة ورودا معينة احاطتها ببعض الأوراق الخضراء ولففتها بورق شفاف جميل ليأخذها بعد ان دفع ثمنها ودلف سائرا الى داره.

كانت داره تبعد بحدود 35 كم عن موقع عمله والطريق اليها يمر عبر غابات خضراء تليها قرية صغيره فيها ميني ماركت اعتاد ان يقف امامه احيانا كي يأخذ مشروبا معينا او حاجة قد تكون زوجته تحتاجها في البيت، سار بالطريق كالعادة قائدا سيارته وهو يستمع الى تلك الموسيقة المحببة لنفسه محاولا الأسترخاء ومركزا على الطريق امامه فقد هبط الظلام بعد ماغادر مقر عمله،ومن بعيد لاح له ضوء احمر اوضحته ظلمة الليل بشكل استغربه وبدا له كأن شيئا يحترق،اسرع قليلا ونبضات قلبه تسارعة مع تقدمه تجاه الدار فقد تبين انها نار تحرق بيتا ما لم يستوضحه جيدا بسبب ازدحام المشهد بالمساكن العديدة المحيطة بداره الواقعة على الطرف الأخر لتلك المساكن باتجاه الأرض المفتوحة..........ما هي الا دقائق حتى دخل الزقاق المؤدي الى الدار،صدم وهو يتأكد بأن النار اتت على داره ورجال المطافىء قد تم استدعاؤهم لأطفاء الحريق.
وصل ونزل هلعا يبحث عن زوجته وابنه........سأل جيرانه ورجال المطافىء ومن تواجد من رجال الشرطة فلم يجبه احد عنهم بأي شيء، بدأ بالصراخ والصياح وذهب باتجاه شجرة الصفصاف التي اعتاد ان يجلس تحتها مع زوجته اثناء الفترات الأولى من زواجهما كانا يتحدثان عن احلامهما وعن مستقبلهما،وكم تبادلا قول الشعر واستمعا للموسيقى،قد قضيا وقتا جميلا حقا، وصل الى الشجرة ليجد زوجته ملقاة على الأرض محتضنة طفلها، هزهزها الا انها لم تستجب فقد اغمي عليها من شدة الصدمة التي رافقت احتراق البيت، ازاح الطفل من بين يديها وحملهما معا متوجها الى سيارة الأسعاف الموجودة قرب الدار المحترقة، تراكض صوبه رجال عدة بعد ان رأوه قادما نحوهم حاملا زوجته وابنه، تلقفوهما من بين يديه واسرعوا بهما الى السيارة وبدأوا الأسعافات الأولية ثم انطلقت سيارة الأسعاف صوب المستشفى.
خمدت النار التي لم تبقي على شيء الا بعض المواد الحديدية التي كانت هنا وهناك كأجزاء من هيكل الدار او بعض قطع الأثاث، دمعت عيناه وسال الدمع على خدّه،فلم ينزل الدمع هكذا منذ ان توفيت والدته قبل سنتين،كان فقدها كارثيا بالنسبة له فقد كانت تمثل له الأب والأم الا ان عزرائيل لايعرف هذه المشاعر،فهو مأمور يقوم بعمله كما تقول الكتب المقدسة.
اقترب منه احد جيرانه ودعاه الى بيته كي يرتاح قليلا ويغسل وجهه كي يستطيع ان يتصرف بعدها بما يحلو له، ذهب معه ودخل الحمام ليذرف دموعا اكثر الا انه نظر في المرآة مخاطبة نفسه...يجب ان تكون قويا ومترابط الجأش، دعك عنك البكاء واذهب لترى ابنك وزوجتك.........خرج من الحمام وجلس على الأريكة، قدم له جاره كأسا من شراب ارتشف منه القليل واتصل بأخيه هاتفيا موضحا له ماحدث، ونهض يهمّ بالمغادرة، عرض عليه جاره ان يرافقه لكنه شكره وفضّل ان يذهب وحده.
خرج وركب سيارته وانطلق، وصل الى المستشفى وسأل عنهما فدلّوه، ذهب الى الغرفة بخطى متثاقلة حتى وصل الغرفة واثناء فتحه لبابها تفاجىء بخروج الممرضة من الغرفة لتخبره بانهما على مايرام ويحتاجان للراحة وباستطاعته ان يستلق على الأريكة الموجودة داخل الغرفة،دخل وجلس وهو ينظر اليهما نائمين، فكر قليلا بما حدث وما السبب الا ان عيناه اخذت بالأغماض نتيجة التعب الذي اصابه وغط في النوم.
افاق صباحا ليجد اخاه الى جانبه في الغرفة ولازالت زوجته وابنه نائمين، فأخذه وخرجا من الغرفة ذاهبين الى منطقة الطعام في المستشفى وبدأ بسرد ماحدث لأخيه.
سمع اسمه يتردد عبر المذياع داخل المستشفى فقاما متوجهين الى الأستعلامات ليخبروهما ان زوجته قد افاقت من نومها وسألت عنه، فاتجه مهرولا نحوها، دخل الغرفة واقترب منها ليمسك بيدها وهي بعينان دامعتين من هول ماحدث فاحتضنها ليطمأنها ويهدّأ من روعها فسحب كرسيا ليجلس الى جانبها بعد ان اطل على ابنه الذي مازال نائما.
ماالذي حدث؟.........قالت والعبرة تخنق حديثها
كالعادة كنت جالسة على الأريكة انتظر قدومك،فانتبهت الى ان هنالك حركة غير طبيعية خارج المنزل،فأزحت الستائر، لم ار شيئا، عدت الى مكاني....وبعد قليل سمعت صوت جلبة ناحية مرآب السيارة، فتوجست خائفة منها والتزمت مكاني ولم احرك ساكنا وانا اتوقع حضورك ابان تلك اللحظات،الا اني شعرت بان شيئأ يمتد صوب رأسي وصوتا يقول لاتصرخي والا قتلت ابنك، فتيبست اوصالي وتسمرت في مكاني، وكان هنالك صوت حركة لشخص آخر وصوت سائل يسقط على الأرض، لم استطع فعل شيء.........لم اشعر الا وصوت النار الذي اسمعه قد دب في المنزل والشخص لازال واقفا خلفي لم يتزحزح......وبعد ان ازداد الدخان وبدأت بالسعال، لم يكن بدا من ان اقوم والتفت، لأجد خشبة مثبتة بقاعدة على الأرض وقد ربط بها مسدس وضعوه قرب أذني ولاوجود لأي شخص حولي،هرولت مسرعة صوب ابننا وسط النيران التي بدت وكأنها ستقضي علينا، فأخذته وهرعت به خارجا صوب تلك الصفصافة.........
هذا ما حدث..



#مازن_فيصل_البلداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تعود كراهية النساء وازدرائهن في العالم الأسلامي تبعا للثق ...
- حلقة جديدة في سلسلة التطور البشري
- التعليم وعلاقته بالأقتصاد
- هل هنالك علاقة بين الألتزام الديني والحالة الأقتصادية؟
- لماذا ارتفعت نسبة الألحاد في أندونيسيا؟!
- أهمية و إمكانيات إطلاق فضائية يسارية علمانية!
- عزوف الشباب عن ارتياد المؤسسة الدينية!
- المناهج السعودية في بريطانيا!
- سقط سهوا !
- الْتَضَارُب بَيْن الْنُهُج الْدِّيْنِي وَالْنُهُج الْعِلْمِي ...
- التطور والتغيير الفكري
- يَقُوْلُوْن....,ويَقُوْلُوْن...؟!
- هل كانت الرياح سببا لعبور موسى البحر..؟؟!
- الفقر...تلك الحالة التي يستغلها الجميع..!
- لماذا الله مختفي.......؟!ج2
- لماذا الله مختفي....؟! الجزء الأول
- الى حبيبتي الساكنة هناك!!!
- لاملحد ولا متدين....الشارع البريطاني، في حالة أيمان غامض
- حسن وسوء استخدام مفهوم التطور في موضوع النقاش حول العلم/ الد ...
- جديد العلمانية والتطور...كائنات تتطورحديثا!


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن فيصل البلداوي - شجرة الصفصاف