أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - جورج حداد - أميركا و-عقدة فيتنام-!















المزيد.....



أميركا و-عقدة فيتنام-!


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 20:23
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


منذ اكثر من ثلاثين سنة، وعلى اثر الهزيمة المدوية لاميركا في الحرب الفيتنامية، دخلت عبارة "عقدة فيتنام" في القاموس السياسي الاميركي والعالمي. والمدلول البسيط المباشر لهذه العبارة يعني: عجز دولة كبرى وفائقة القوة الاقتصادية والتسليحية كأميركا، على الانتصار وفرض الاستسلام التام على شعب صغير (نسبيا) وفقير، كالشعب الفيتنامي. واذا استخدمنا طريقة المقارنات الكمية والنوعية والنسبية، فإن اميركا (وباستثناء القنبلة الذرية التي القيت على هيروشيما وناكازاكي) قد استخدمت في الحرب الفيتنامية كل ترسانتها التسليحية، واستخدمت في فيتنام من الذخيرة التدميرية اكثر مما استخدمته في الحرب العالمية الثانية، وجعلت من الفيتناميين "فئران تجارب" للاسلحة الكيماوية والجرثومية الرهيبة، ومارست حرب التجويع والابادة الجماعية، عن طريق تسميم واحراق المصادر الاولية البسيطة للحياة وفرض التعطيل التام للحركة الانتاجية والاقتصادية والاجتماعية (احراق الغابات والاعشاب والنبات، تسميم مياه الشرب، تسميم الانهار والبحار، تلغيم المرافئ، "فلاحة" المطارات والطرقات والجسور وحتى العبارات الريفية البسيطة، التدمير التام للمستشفيات والمدارس والمصانع والمزارع، دك المدن والقرى ومسحها بالارض). وكان الطيران الستراتيجي الاميركي يطارد ويقصف بالقنابل الطنية كل ما يدب على الارض الفيتنامية، حتى لو كان رأس معزى هارب من "الحضارة" او "الدمقراطية" الاميركيتين. كما انه لا مجال للمقارنة بين الخسائر الاميركية والخسائر الفيتنامية. اذ ان الفيتناميين الذين لاقوا حتفهم على ايدي رسل "الحضارة" الانغلو ـ ساكسونية/اليهودية الاميركية بلغ عددهم حوالى 2،5 مليونين ونصف المليون انسان. في حين ان عدد السوبرمانات الاميركيين الذين قتلوا على ايدي الثوار الشعبيين الفيتناميين لم يتجاوز 60 الف اميركي. ومع ذلك تراجعت اميركا ورضيت مكرهة بالانسحاب من فيتنام، وترك الشعب الفيتنامي يقرر مصيره بنفسه. وهذا يدل ان الحرب، اي حرب، هي بالدرجة الاولى والاساسية معركة ارادات وتحقيق اهداف، وان مسألة الخسائر ـ مع كل اهميتها ـ هي مسألة متفرعة عن المسألة الاساسية وخاضعة لها. فالنصر والهزيمة يقاسان ليس بما وقع من خسائر لدى كل من الطرفين المتصارعين، بل في من حقق هدفه من الحرب، ومن فشل في تحقيق هدفه. والخسائر هي "وسيلة اقناع" للخصم بالتراجع والتنازل والاستسلام. وينطبق ذلك بالدرجة الاولى على الشعوب المناضلة من اجل التحرر، والتي تكون على استعداد لتحمل الخسائر والتضحيات اكثر بكثير من العدو المعتدي، واكثر مما يتصور هذا العدو. وهذا ينطبق تماما على الشعب الفيتنامي في المواجهة المصيرية بينه وبين الامبريالية الاميركية في السنوات 1956 ـ 1975.
ولكن هذا لا يمنع، بل يؤكد ضرورة التساؤل: لماذا اضطرت اميركا العظمى للتراجع امام الشعب الفيتنامي الصغير، بالرغم من الخسائر النسبية القليلة التي تكبدتها، وضخامة الخسائر التي تكبدتها فيتنام؟
ان البروباغندا الامبريالية ـ الصهيونية عامة، والاميركية خاصة، تحاول ان تضفي على الهزيمة الاميركية في فيتنام طابعا "خارجيا". وتزعم ان الامر يتعلق بالطبيعة "الوحشية" و"اللاانسانية" للعدو، هنا: الشيوعية الفيتنامية، الذي لا يقيم الاعتبار لتضحيات شعبه، ولا يتراجع عن تحقيق اهدافه مهما كانت تلك التضحيات. وفي هذه البروباغندا الفرنكشتاينية يصبح العدوان الامبريالي وجرائمه شيئا "طبيعيا" ومشروعا و"انسانيا"، وتقع الملامة كلها والمسؤولية كلها على حركة التحرير التي لا تقيم الاعتبار لحياة ابناء شعبها. وقد رأينا الحجج ذاتها تساق ضد المقاومة وجماهيرها في لبنان في حرب تموز 2006 ، حيث ان العميل الاميركي (رئيس الوزراء حينذاك) فؤاد السنيورة ذرف الدموع على تضحيات الشعب اللبناني، وحيث انبرى خونة الوطن الجدد (وخونة الشيوعية، الستالينيون السابقون) امثال كريم مروة والياس عطالله لاعطاء الناس دروسا في ما سموه "فلسفة الحياة" ولاتهام المقاومة بنشر ما سموه "ثقافة الموت".
ولكن هذه البروباغندا الكانيبالية، العرجاء والعوراء، تبعدنا عن النظر في الجواب الصحيح لهذه المسألة، لانها تجعل منها فقط "مسألة خارجية"، بالنسبة للدول الامبريالية العدوانية، تتعلق فقط بدرجة ممارسة الضغط على "العدو"، اي ان هذه البروباغندا تستخدم لمزيد من سياسة تخدير الرأي العام داخل الدولة الامبريالية المعتدية، والرأي العام الدولي عموما، ولتبرير استخدام المزيد من الوحشية العدوانية، او "القوة المفرطة"، ضد الشعوب الصغيرة والضعيفة لاجبارها على الاستسلام امام عالم ميت الضمير.
والواقع ان الهزيمة الاميركية في فيتنام، والتي نشأت عنها "عقدة فيتنام"، هي مشكلة اميركية "داخلية" بامتياز. وان الوجه الخارجي للمشكلة ليس الا انعكاسا للمشكلة الاساسية، الداخلية. ونحاول فيما يلي مقاربة هذه المشكلة، ليس من باب حب الاطلاع المجرد، بل من اجل الاقتراب اكثر من فهم المشكلات التكوينية للتركيبة الامبريالية ـ الصهيونية، وكيفية مواجهتها والتغلب عليها وفي المحصلة الاخيرة: تفكيك الدولة الاميركية، من الداخل، وهو ما ينبغي ان يصبح هدفا ستراتيجيا مركزيا لجميع حركات التحرير والقوى الثورية والتقدمية في العالم:
بعد مجزرة 11 ايلول 2001، وبشكل أعم بعد كل ضربة تلقتها الدولة الامبريالية الاميركية داخل او خارج حدودها، جرى ولا يزال يجري الحديث عن عجز اميركا عن تحمل الخسائر البشرية في ارواح مواطنيها، المدنيين والعسكريين، في المواجهة مع "الاغيار": "الشيوعيين" او "الاسلاميين"، "المخربين" و"الهدامين" و"الارهابيين". ويبني مختلف الاطراف، "الاعداء" و"الاصدقاء"، استنتاجاتهم ومواقفهم، تبعا لفهم كل طرف لطبيعة هذه "النقطة الضعف" الخاصة بالدولة الاميركية.
عقـدة "وطنية"
والواقع ان هذه "العقدة" تتناقض ظاهريا مع التاريخ الخاص، الداخلي والخارجي، لاميركا، الذي هو مليء بالعنف. بدءا بإبادة الهنود الحمر، واستعباد وابادة ملايين الزنوج الافارقة، وحرب الاستقلال عن بريطانيا، والحرب الاهلية بين الشمال والجنوب. وانتهاءً بمشاركتها في العديد من الحروب والحملات الخارجية، الدولية والاقليمية.
كما انها تتناقض مع "نمط الحياة الاميركية" ذائع الصيت. حيث ان نسبة ارتكاب الجريمة في اميركا هي من اعلى النسب، اذا لم تكن الاعلى، في العالم. و"ثقافة!" العنف و"الأكشن"، التي تعكس صورها السينما والتلفزيون والروايات والقصص الخ، بما فيها الخاصة بالاطفال، هي "السلعة" الاكثر انتشارا في "سوق التربية!" الاميركية.
وفي دولة تسود فيها البراغماتية، وذات هوية قومية ملتبسة قيد التشكـّـل (او اللاتشكـّل)، من الخفة غير المقبولة القول ان السبب الرئيسي لهذا الخوف هو "وطنية" زائدة لدى الطغمة الاميركية السائدة، تبز بها مثيلاتها في الدول الغربية الكلاسيكية، ولا سيما الامبريالية منها. ومن زاوية النظر - "الوطنية" - هذه، فإن العكس تماما هو الصحيح. حيث ان الطغمة المتسلطة الاميركية تتميز بالكوسموبوليتية والعدمية (1) الوطنية، اكثر من اي طغمة مثيلة في العالم. وهذا ينطبق بشكل خاص على جناحها الصهيوني، الذي يمتلك من النفوذ الواسع في هذه الدولة، ما يمكن معه التشكيك التام بحقيقة "الهوية الوطنية الاميركية". وهذا الخوف الاستثنائي على المواطنين "الاميركيين" انما يمثل لا علامة قوة وميزة، بل علامة ضعف ونقيصة "وطنية"، تتجسد بشكل نموذجي في هذه "العقدة" الخاصة، النابعة من الاوضاع البنيوية للدولة والمجتمع الاميركيين.
...................................
(1) Nihilism : العدمية، او النهليستية (المورد).
.................................
وبالرغم من كل التاريخ والحاضر الداميين، والتقاليد العسكرية، و"الاخلاق!" العنفوية التي "تؤلـّه" القوة، لاميركا "الجديدة!"، فإن الطغمة السائدة فيها، تعاني بشدة من هذه "العقدة". ويبلغ لديها الخوف على هذا الصعيد درجة لامنطقية، لا مثيل لها في اي دولة استعمارية وامبريالية أخرى. وربما لا نبالغ في القول إن هذا الخوف يصل أحيانا حد الهلوسة النفسية والسياسية.
وأي مراجعة لتاريخ الدولة الاميركية بعد تشكلها، ولا سيما منذ "إطلالتها الكبرى!" على المسرح الخارجي منذ الحرب العالمية الاولى، ترينا أن هذه "العقدة اللامنطقية" من الخوف المبالغ فيه على "مواطنيها"، مما قد يتعرضون له في مواجهة "الاغيار"، كانت دائما تنعكس على السلوك الستراتيجي لهذه الدولة، بمختلف الاشكال المتناقضة: حينا بإظهار التردد و"الجبن" المفرطين. وحينا باستخدام القسوة المفرطة. وغالبا بـإبداء "التخبط"، غير اللائق بدولة عادية، فكيف بدولة اعظم! ويكفي ان نشير الى بعض الأمثلة وحسب:
1ـ التردد والتأخر في خوض الحربين العالميتين الاولى والثانية، وفي فتح الجبهة الثانية في الاخيرة. فإن الخوف على الجنود "الاميركيين" كان احد اسباب هذا التردد والتأخر. ولكنه كان ابرز حجج البروباغندا الاميركية لتبرير هذا التردد والتأخر .
2- استخدام القنبلة الذرية ضد السكان المدنيين في اليابان، بدون اي مبرر عسكري. والحجة البروبغاندية الرئيسية التي اوردتها ادارة المجرم ترومان حينذاك هي اجبار اليابان على التعجيل بالاستسلام من اجل عدم تعريض ارواح الجنود الاميركيين للخطر في حال استمرار القتال بضعة ايام او بضعة اسابيع اكثر.
3ـ "الفرار" العسكري من بلدين صغيرين ضعيفين، كلبنان والصومال، في 1983 و1993، بعد أن تعرضت قوات المارينز، التي هي من قوات النخبة في الجيش الاميركي، لضربتين عاديتين تماما، من مقاتلين عاديين تماما بالمقاييس المحلية ذاتها ومسلحين بأسلحة بسيطة.
4- القصف المريع بأفتك الاسلحة، بما في ذلك استخدام الصواريخ "الذكية" والقنابل الضخمة (يصل وزن بعضها الى 7 اطنان واكثر من المواد شديدة الانفجار) والنابالم واليورانيوم المنضب، وتسميم الارض والمياه، وتدمير البنية التحتية والملاجئ وحتى قرى القش والطين البائسة، وقتل ملايين وملايين المدنيين العزّل الفقراء، والتهديد باستعمال القنبلة الذرية ذاتها، في كوريا، وفيتنام، والعراق وغيرها، وأخيرا لا آخر في افغانستان، وذلك بدون أي مبرر عسكري، مباشر أو غير مباشر.
5- التناقض غير المقبول، وغير المفهوم في ابسط مقاييس المنطق، الذي يتبدى في موقف اميركا من الصراع العـربي - الاسرائيلي. فأميركا تتمسك باحتكار دور "راعي السلام" الاول في المنطقة، وفي الوقت ذاته تأخذ على عاتقها تمويل وتسليح اسرائيل حتى الاسنان، وتتحمل مسؤولية إعطاء النازية اليهودية "كارت بلانش" لذبح الشعب الفلسطيني، وتقويض السلطة الوطنية الفلسطينية ذاتها الزاحفة على بطنها نحو "السلام!"، وتهديد سوريا ولبنان والعراق وايران وغيرها من دول المنطقة. وكل ذلك تحت شعار مكافحة ما يسمى "الارهاب"، الذي هو ليس شيئا آخرا سوى مقاومة شعبية مشروعة، كنتيجة وردّة فعل على الارهاب الأصلي والفظيع للستراتيجية الامبريالية – الصهيونية، القائمة على العدوان والاحتلال واستعباد الشعوب.
وقد تبدت هذه "العقدة" بالامس بشكل خاص في العداء الرُهابي للشيوعية، الذي كان فيه كابوس "الروس قادمون!" يقض مضاجع القادة الاميركيين، الأمنيين والعسكريين والسياسيين. كما يظهر اليوم بشكل صارخ في ردود فعل ممثلي النظام الاميركي و"إيديولوجييه"، على مجزرة 11 ايلول2001، ولا سيما في زلات لسان المسؤولين البارزين، حول "الحملات الصليبية"، وغير ذلك من أعراض الكوابيس "العربية والاسلامية!". وهذا ما احرج بشكل مثير أقرب حلفاء اميركا انفسهم في جميع أنحاء العالم (باستثناء اسرائيل طبعا)، وخصوصا انظمة البلدان العربية والاسلامية الموالية تقليديا للغرب.
مفتاح "الباب العالي"
لقد شاركت اميركا فيما مضى في معارك وحروب خارجية كثيرة، كانت رابحة على العموم، وبأقل ما يكون من الخسائر. وهذا المعطى التاريخي كان يسدل حجابا خادعا على هذه "العقدة" ، دون ان يمكنه إلغاء وجودها. ويتأكد ذلك بطريقة منطقية "بسيطة" وواضحة، في المقارنة بين اميركا وبين غيرها من الدول الاخرى، الكبرى والصغرى، سواء كانت في وضع المنتصر او المهزوم، التي واجهت مثلما تواجه اميركا أو أكثر، وتحملت اضعاف اضعاف ما تحملته من الخسائر. حيث لا نجد مثل هذه "العقدة"، بـ"طبعتها الاميركية الخاصة"، الا في اميركا وحدها.
وكانت الهزيمة الاميركية في حرب فيتنام نقطة تحول لظهور هذه "العقدة الاميركية" على السطح. ولذلك سميت هذه الظاهرة "عقدة فيتنام". ولكن هذه التسمية "الخارجية" لا تلغي، بل هي بحد ذاتها تؤكد بشكل صارخ الطابع الاميركي الخاص لهذه "العقدة". فالفيتنام كانت بلدا مستعمرا، صغيرا، فقيرا وضعيفا، وبدرجة لا يمكن معها المقارنة بينها وبين جبروت الامبراطورية الاميركية. وقد تحملت فيتنام، في الحرب ضد الغزاة الاميركيين، خسائر بشرية ومادية هائلة، اكثر بكثير مما تحملته اميركا، بالارقام المطلقة، وأكبر بما لا يقاس، بالحسابات النسبية. ومن وجهة نظر الحساب "البسيط" للقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية، كانت اميركا قادرة على متابعة الحرب، وسحق وإبادة الفيتناميين بأكثر مما فعلت، على فظاعة ما فعلت. ومع ذلك فقد انسحبت تجرجر اذيال الهزيمة. والسبب هو: بالرغم من تفوقها الكاسح، وقدرتها على متابعة الحرب حتى آخر فيتنامي، فإن اميركا لم تكن ـ وفي استنتاج منطقي تعميمي ـ مستعدة ذاتيا لتحمل الخسائر في ارواح "مواطنيها" على أيدي "الأغيار"، حتى في مواجهة شعب صغير وفقير وضعيف كالشعب الفيتنامي، او اي شعب آخر أصغر او اضعف او افقر منه . وهذا هو بالتحديد "ســر" هذه "العقدة الاميركية".
وخلال ربع القرن الممتد بين هزيمة فيتنام وبين احداث 11 ايلول 2001، كانت "عقدة فيتنام" تشكل محورا رئيسيا في السياسة الاميركية، داخليا وخارجيا، وذلك ليس فقط بوجهها المباشر، بل كذلك، وبالاخص، بوجهها غير المباشر. وقد تمثل ذلك، على مستوى الدولة، في السعي المتواصل لـ"الإبراء" من الأعراض الخارجية لهذه "العقدة"، التي "طفت" وتفشت بعد حرب فيتنام. اما على مستوى المجتمع، فيتمثل في مظاهر "التبرؤ" من الممارسة الامبريالية الاميركية في الخارج، وشجبها، والنضال الدمقراطي ضد مقوماتها الداخلية الأصلية، التي تعتبر هذه "العقدة" احد مظاهرها. وكان هذا ولا يزال يملي ما يمليه من عوامل الضغط على مراكز القرار في الدولة، وعوامل التأثير في تكوين مواقف مختلف قطاعات المجتمع المدني، في اميركا.
وجاءت حرب الخليج الثانية، او ما يسمى "عاصفة الصحراء"، لـ"تساعد" الادارة الاميركية نسبيا في محاولة "العزل الجوي والفضائي" لهذه "العقدة"، عن جذورها الداخلية الاميركية، وتصويرها بشكل وهمي، خادع ومؤقت، بأنها لم تكن سوى عقدة استثنائية معزولة، محصورة في النطاق "الخارجي" وحسب، وفي حالة محددة وحسب. وفي الواقع، لم يتعد ذلك كونه محاولة بائسة لقلب الحقائق رأسا على عقب، والتعزي المزيف بإعطاء "الامتحان الفيتنامي" خصوصية "سحرية" غير قابلة للتكرار!!
وعلى هذا الاساس الواهي، اتيح للطغمة الامبريالية الاميركية التظاهر أنه بامكانها "الإبراء" من هذه "العقدة"، عن طريق تحقيق الانتصارات العسكرية الكاسحة في الخارج، بالاستناد الى التكنولوجيا "الفضائية" المتطورة، التي تكفل لها أدنى حد ممكن من "الاحتكاك البشري" المباشر مع "الأغيار" ـ الكوابيس. وهذا بالاضافة الى تأمين حاجز "ضروري" من التعمية الاعلامية للداخل، يجري معها قسمة العالم الى "من هو معي" و"من هو ضدي"، على اساس صيغة مبتذلة لممايزة "الخير والشر"، تستغل فيها بشكل معكوس اسطورة "قايين" وهابيل" التوراتية، تماما كما فعلت وتفعل الاوليغارشية اليهودية في كل تاريخها العنصري، التي كانت ولا تزال تستغل مآسي اليهود البسطاء، التي تتحمل هي مسؤوليتها الاولى، لتحقيق مصالحها الفئوية الضيقة، بالاشتراك مع جميع انظمة الاستبداد والاستعمار التي التصقت بها.
ولكن مجزرة نيويورك في 11 ايلول، وبصرف النظر عن هوية وأهداف الاطراف التي نفذتها، والتي تقف خلفها، والتي تستفيد منها، هزت الدولة والمجتمع الاميركيين في الصميم، واحدثت تحولا نوعيا في تمظهر "عقدة فيتنام" الاميركية، حيث وضعتها بشكل صارخ في سياقها الواقعي، وأظهرتها على حقيقتها بأنها: ليست مجرد ظاهرة جزئية "خارجية"، ذات انعكاسات داخلية، بل هي اولا وبالاساس ظاهرة كلية، داخلية "وطنية"، خاصة بالدولة والمجتمع الاميركيين، وان كانت ذات انعكاسات وامتدادات خارجية.
وقد كان تحليل هذه "العقدة الاميركية" النموذجية، قبل 11 ايلول 2001، محدودا في اطار جزئي، كعنصر مهم لفهم السياسة الاميركية، الخارجية بشكل خاص. أما بعد هذا التاريخ فقد اصبح يُـرى بالعين المجردة ان هذه "العقدة" تمثل ليس فقط "حجر الاساس" للسياسة الخارجية الاميركية، بل تمثل ايضا، قبل كل شيء، "الركن الرئيسي" للنظام الامبريالي الاميركي ككل، وبالتالي "المفتاح الرئيسي" لـ"الباب العالي" لما يسمى النظام العالمي الجديد.
من هذا المنطلق، فإن فهم هذه العقدة اصبح يبدو بوضوح كشرط رئيسي مسبق ليس فقط لفهم السياسة الداخلية والخارجية الاميركية، ولتحديد الموقف من الدولة الاميركية، وطرق التعامل معها، بل كذلك، وبالاخص، لفهم طبيعة المجتمع المدني الاميركي، والتمييز بينه وبين امبريالية "دولته"، واخيرا تحديد طرق التعامل معه بمعزل عن، وضد، هذه الامبريالية.
وهذا يتوقف اساسا على تحليل المصالح التاريخية المتناقضة لكل من الدولة الاميركية المعاصرة، والشعب الاميركي، انطلاقا من الارتباط العضوي لتلك المصالح مع:
أ ـ مجمل التركيبة الداخلية للدولة والمجتمع الاميركيين.
ب ـ العلاقات الخارجية المتداخلة لمؤسسات الدولة، من جهة، ولمختلف فئات ومؤسسات المجتمع المدني الاميركي، من جهة اخرى.
الطبقية والعنصرية
ما هي الأسس والخلفيات البنيوية ـ المصلحية، "الوطنية"، الخاصة بـظاهرة "عقدة فيتنام" الاميركية؟
ان التحليل المنطقي البسيط ذاته يعطينا بادئا ذي بدء تفسيرين رئيسيين:
الاول ـ "شوفيني طبقي"(1)، وهو ينشأ عن الخوف "الطبيعي" من التضحية بالنفس، لدى أبناء الطبقات المالكة، المتميزة والمرفهة.
........................
(1)Chauvinism : الشوفينية، اي المغالاة او التعصب في الوطنية، بالمعنى السلبي. وقد استخدمنا التعبير على "الطبقية" و"العنصرية".
........................
والثاني ـ "شوفيني عنصري"، وهو يتمثل في حرص الطبقة السائدة في البلد الامبريالي على حياة "بني جلدتها".
وهذا التفسير المزدوج انما يدل على الاستعلاء "الطبقي ـ العنصري" المركـّب، الخاص بالطبقات السائدة في امثال هذه الدولة. فهي، اولا، تحرص على عدم المخاطرة بحياة "أبناء الطبقة الخاصة". وهي، ثانيا، تسعى بمختلف السبل وقدر الامكان لعدم تعريض "بني جلدتها" للخطر وخصوصا خطر الموت، والاحتفاظ بهم لاستخدامهم بشكل رئيسي كأدوات لممارسة دور "السيادة" في النطاق الخارجي. وهذا يعني واقعيا: لا سيادة الشعب "الامبريالي" عامة، بل سيادة تلك الطبقات تحديدا، على "الأغيار"!
وهو تفسير حقيقي تماما ينطبق، بدون استثناء، وإن بأشكال مختلفة، على جميع الدول "السيدة"، والطبقات والمجتمعات الاغنى والاكثر رفاهية، من ايام الامبراطورية الرومانية القديمة، حتى ايام "روما" الاميركية الجديدة.
و"المنطق الخاص" لهذه الشوفينية "الطبقية ـ العنصرية" المركـّبة يقود تلك الطبقات السائدة للعمل للتعويض عن هذا "النقص"، او "النقيصة"، بطريقتين لاإنسانيتين ـ لاأخلاقيتين:
الاولى ـ مع العمل لتطوير اسلحتها، كي تكون ذات فعالية حربية متفوقة على الدوام، تلجأ تلك الطبقات الى تجاوز جميع "اخلاق الحرب" المعروفة، واستخدام اشد الاسلحة فتكا، والاسلحة المحرمة، حيث لا ضرورة عسكرية لذلك، وكذلك الى ارتكاب الجرائم ضد الانسانية، بحيث تتحول عمليات القتال الى عمليات قتل سادي لامسؤول ومجازر وحشية.
الثانية ـ تقوم تلك الطبقات تقليديا بتطبيق الستراتيجية الطبقية – العنصرية التقليدية، القائمة على القتال بواسطة "العبيد" و"سكان الارض الاصليين" ذوي "المرتبة الادنى"، بما في ذلك ابناء المستعمرات والبلدان المحكومة ذاتها، التي تتعرض للعدوان والغزو والهيمنة. وقد صار الشعار الاميركي حول "فيتنمة" الحرب، أي مقاتلة "الفيتناميين بالفيتناميين"، "الأغيار بالأغيار"، "الأعداء بالاعداء"، رمزا نموذجيا لذلك.
وكمثال، كانت افغانستان ساحة فريدة لتطبيق هذا النموذج: حيث اعتمدت اميركا في البداية على "المجاهدين"، ومعهم الشيخ بن لادن وتنظيم "القاعدة" و"الافغان العرب"، في محاربة السوفيات والحكم الافغاني الأسبق الموالي لهم. ثم اعتمدت على "الطالبان" بمساعدة "الافغان العرب" لاقامة "النظام الطالباني" بدلا من حكم "المجاهدين" الذين لم يكن مرضىً عنهم تماما من قبل اميركا، بسبب "استقلاليتهم" النسبية حينذاك. واخيرا لجأت الى "تحالف الشمال"، المؤلف من "مجاهدين" سابقين من الطاجيك والاوزبك، ومن بقايا الملكيين، لمساعدتها في تأمين غطاء فولكلوري لعملية "الحرب الصليبية العظمى!" على "الارهاب الدولي!". وقد بدأت بالقضاء على نظام "طالبان" السابق، الذي كانت هي ذاتها بمثابة "قابلته القانونية" الحقيقية، ولكنه تحول الى "عبء" عليها، ثم الى "عدو" لها. ولا ندري الان كيف ستنتهي مساعيها لتصفية "اصدقائها القدماء": الشيخ بن لادن و"القاعدة" و"الافغان العرب"، وكأنهم "آخر الموهيكان!"(1). والان حين تحول الجسم الاساسي لتنظيم طالبان ذي الطابع الجماهيري، الى قوة معادية للاحتلال الاميركي، تسعى الادارة الاميركية بكل الاشكال الممكنة، وتبذل امكانيات تسليحية وتدريبية وتمويلية كبرى، لاجل "أفغنة" الحرب في افغانستان، عن طريق خلق دولة افغانية عميلة مصطنعة تضفي عليها "شرعية دولية" وتعبئة جيش نظامي وقوات شرطة وامن تابعة لتلك "الدولة" التي يترأسها عميل السي اي ايه حامد كرزاي. ومما تجدر الاشارة اليه بقوة هو ان هذه السياسة العنصرية الخبيثة حققت نجاحات كبيرة في العراق، حيث طغى الاقتتال الداخلي على المقاومة الوطنية والاسلامية ضد الاحتلال الاميركي.
وهذا يطرح على بساط البحث ضرورة تطوير الوعي الوطني ـ الدمقراطي للشعوب المغلوب على امرها، حتى لا تكون مختلف فئاتها وفصائلها "مطايا غبية" لشتى انواع الطامعين الامبرياليين واصدقائهم وعملائهم.
.....................................................
(1) رواية "آخر الموهيكان"، للكاتب الاميركي جيمس كوبر (1789ـ1851)، خلدت اسم هذا الشعب الذي، كغيره من شعوب الهنود الحمر، محقته "الحضارة!" الاستعمارية الانكلو ـ ساكسونية.
.....................................................
الامبريالية الكلاسيكية
حتى هذه النقطة، فإن النظام الاميركي "يتساوى"، على هذا الصعيد، مع غيره من الانظمة "الامبراطورية" المشابهة، بحيث تبدو "عقدة فيتنام" ظاهريا كعقدة "خارجية"، تتعلق فقط بالصراعات والحروب "الخارجية" للدولة الامبريالية، واستطرادا الاميركية، وردود فعلها عليها، وطريقة "معالجتها" لها.
ولكن هذا بالواقع هو جزء وحسب، وبالتحديد الجزء "الخلفي"، الأقل اهمية، مع كل أهميته، من حقيقة "عقدة فيتنام" الاميركية بالذات. أما الجزء الآخر، الأهم، فهو بالضبط الجزء "الجواني"، "التكويني"، للدولة الاميركية. وهذا يعود الى "خصوصية" التركيبة التسلطية للدولة الاميركية.
فالدولة الاستعمارية والامبريالية "العادية"، "النمطية"، تقوم، في البعد الاجتماعي ـ الانساني المركـّب، على تقسيمين رئيسيين:
الأول، داخلي ـ طبقي: وفيه تسيطر الطبقة المالكة على الثروات الطبيعية، ووسائل الانتاج، والسلطة السياسية بأدواتها "الحقوقية" و"العنفية". وبذلك تسود على "شعبها"، الذي ينتمي عادة، بأغلبيته، الى العنصر "العرقي" او "القومي" او"الاتني" ذاته، الخاص بالطبقة السائدة ذاتها.
الثاني، خارجي ـ عنصري: وفيه يسود "المتروبول" (البلد ـ الام) الاستعماري والامبريالي، بوجهه "العرقي" او "القومي" و"الاتني" المحدد، على بلدان واتنيات وشعوب وأمم اخرى، "غيْـرية"، بالمدلولات العنصرية، القومية، الوطنية والدينية.
وبالطبع ان هذه الدولة، كظاهرة تاريخية، بمختلف أبعادها ووجوهها، لا يمكنها ان تكون، وان لا تكون، الشيء نفسه، في الوقت نفسه، وفي المكان نفسه. وبالتالي، إذا كانت دولة ٌ "قومية" و"وطنية" محددة، في مرحلة تاريخية محددة، هي استعمارية ً وامبريالية، "للخارج" و"في الخارج"، فهي حتما ستكون الشيء نفسه ايضا، "للداخل" و"في الداخل".
ولكن واقعية المسار التاريخي نفسه تحتم وجود اختلاف نوعي بين الوجهين، "الداخلي" و"الخارجي"، لهذه الظاهرة الدولويّـة المرحلية، التي هي بذاتها طفيلية ومعادية لجوهر الترابط الانساني للمجتمع البشري:
ـ في الداخل، تقوم هذه الدولة اولا على آلية التقسيم التمييزي الطبقي، في اطار "الوحدة" القومية والوطنية.
وبفعل هذه الآلية، تستولي الطبقة السائدة في "المتروبول" على "حصة الاسد" من "ثمار السيادة" على الامم والشعوب والاتنيات الاخرى. أما "شعبها الخاص" فيحصل على الفتات، من "عائدات" هذه السيادة، المنسوبة الى "قوميته" أو"وطنيته" أو "اتنيته" او "دينه". وفي المقابل، فإن شعب الدولة الاستعمارية والامبريالية يتحمل جميع الخسائر المعنوية والمادية، التي يدفعها من قيمه الانسانية، ومن كرامته الذاتية والقومية والوطنية، ومن دماء ومعاناة رجاله ونسائه وأبنائه، واخيرا وليس آخر من مصالحه المادية ولقمة عيشه، بسبب السياسة الاستعمارية والامبريالية لـ"دولته" الوطنية. وكل ذلك في سبيل الاحتفاظ بهذه "السيادة" المشؤومة، الغريبة عن حقيقة ذلك الشعب. وهي سيادة محكومة تاريخيا بالزوال.
ـ أما في الخارج، فإن الدولة الاستعمارية والامبريالية تقوم اولا على آلية التقسيم التمييزي العنصري، التي تتمكن فيها قوة غازية اجنبية، تتزيا بهوية "قومية" او "اتنية" او "دينية" معينة، من تحقيق سيادتها بالقوة على امم وشعوب واتنيات اخرى، فتستبد بها وتنهبها وتستغلها، بدرجة "لاانسانية" مضاعفة، قياسا على معايير القمع والاستغلال ضمن نطاق العلاقات "القومية" او "الاتنية" او "الدينية"، "الداخلية الخاصة" للقومية "السائدة".
وبفعل هذه الآلية، وفي حال الاستمرار المستقر لهذه الظاهرة، يصبح "الخارج" التابع مركز قوة وقاعدة انطلاق اضافيين، للطبقة المتروبولية السائدة، لتشديد قبضتها اكثر فأكثر في "الداخل" على "شعبها" ذاته. اي: بعد ان يكون التسلط الطبقي ـ الاستغلالي على الجماهير الكادحة والشعبية (في الداخل) هو قاعدة الانطلاق للتسلط الاستعماري ـ العنصري على الشعوب المستعمرة وشبه المستعمرة (في الخارج)؛ تنقلب الادوار بقوة جدلية العلاقة التاريخية بين "الداخل" و"الخارج"، ويصبح التسلط الاستعماري ـ العنصري (في الخارج) هو قاعدة الانطلاق لتجديد وتشديد التسلط الطبقي ـ الاستغلالي ـ الاحتكاري ـ الفاشي على الجماهير الكادحة والشعبية (في الداخل). وفي التاريخ "الاوروبي" المعاصر مثال ساطع على ذلك، وهو مثال الحرب الاهلية الاسبانية (1936 ـ 1939): فبعد ان اختارت الجماهير الكادحة والشعبية الاسبانية السير في الخط الجمهوري، والدمقراطية الشعبية المفتوحة على افق التطور الاشتراكي، فإن الفاشية الاسبانية (الرأسمالية الاحتكارية + النزعة الاستعمارية العنصرية) استطاعت (بقليل من التضليلات والاكاذيب الديماغوجية "المدعومة" بقليل من الفتات المكاسبية) ان تضلل قطاعات واسعة من الشعب المغربي وتجند عشرات الوف الشبان المغاربة بقياده ضابط اسمه المارشال محمد أمزيان، ضد "الجمهورية الاسبانية". وبذلك تحولت الارض المغربية المستعمرة قاعدة تجمع وانطلاق للقوات الفاشستية الاسبانية بقيادة الجنرال فرنكو، لمهاجمة اراضي الجمهورية الاسبانية وتحطيمها. وحتى وفاته في 1975 كان الحرس الخاص للجنرال فرنكو لا يزال من المغاربة. وهذا المثال يبين الخطأ المميت للخط الستاليني المعادي للشعوب المستعمرة، والقائم على الفصل الميكانيكي بين النضال لاجل الاشتراكية في البلدان الامبريالية خصوصا، والمتقدمة عموما، وبين النضال لاجل تحرير الشعوب المستعمرة وشبه المستعمرة من الاستعمار والامبريالية. وعلينا ان نضيف هنا ان هذا الخط الخياني الستاليني كان في اساس اعتراف القيادة السوفياتية بتقسيم فلسطين واقامة دولة اسرائيل سنة 1947.
فبالاضافة الى الجوانب الاستغلالية والقمعية والسياسية "التقليدية"، فإن احد اخطر اشكال تشديد الهيمنة التمييزية الطبقية "الداخلية"، في ارتباطها مع التمييز العنصري "الخارجي"، هو ان "عائدات" النهب المضاعف للامم والشعوب والاتنيات المظلومة تسهم، في "داخل" البلد "السيد" قبل غيره، في تعميم الانحطاط الاخلاقي والفساد والمفاهيم التسميمية لـ"المجتمع الاستهلاكي"، الذي يهدف الى تحويل الانسان "الطبيعي" الى حيوان او ربوط (1) ذي بعد واحد وحيد "مبرمج"، انتاجي ـ استهلاكي - لاإرادوي، بحيث تسود العبودية الصنمية لثلاثية: النقود، السلعة والسلطة.
.........................................
(1) الـرَّبوط – robot : الانسان الآلي (المورد).
........................................
وأخيرا فإن النتيجة الاقتصادية ـ الاجتماعية لهذه العملية الاستغلالية الطبقية ـ العنصرية المركـّبة، هي التعمق الاسطوري للهوة ليس فقط بين "المستعمـِـرين" و"المستعمـَرين"، بل كذلك بين حفنة ضئيلة من كبار الغيلان ـ الاحتكاريين، الذين يصبحون اباطرة حقيقيين، وبين عامة الشعب في البلد "السيد" ذاته. بحيث ان كل السلطة تتركز في ايدي تلك الحفنة الاوليغارشية وأجرائها. ويتم ذلك تحت ستار خادع من البحبوحة النسبية، لقطاع محدود من المجتمع "السيد"، يطلق عليه التعبير الضبابي "الطبقة الوسطى"، بالمقارنة مع مستوى المعيشة البائس للجماهير الشعبية الواسعة. وفي المقابل تظهر، كـ"ثقل موازن" حتمي، فئة واسعة، متزايدة باستمرار، من "فائض" السكان "الزائدين عن الحاجة الاستعمالية" للرأسمال الاحتكاري، شديدي البؤس والمنبوذين اجتماعيا، الذين يعيشون في مستوى لا يمكن مطلقا المقارنة بينه وبين مستوى المعيشة الملوكية للحيوانات المدللة للأغنياء.
وبنتيجة ذلك كله، تفقد الرابطة العرقية والقومية والاتنية والدينية اللاارادوية، والمواطنية المتساوية الشكلية، والدمقراطية النسبية المبتذلة، اي محتوى حقيقي لها.
وفي هذه الحال فإن التحرر الحقيقي "الداخلي" للجماهير الشعبية في البلد "السيد"، من البؤس المادي والروحي الناتج عن الممارسة و"الثقافة!" المدمـّجتين للصنمية الرأسمالية وللعنصرية، يصبح مرتبطا عضويا بتحرر الامم والشعوب والاتنيات المستعمَـرة والمظلومة "في الخارج".
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميلاد السيد المسيح: المنعطف التاريخي نحو تشكيل الامة العربية
- كوريا الشمالية: العقدة العصيّة في المنشار الاميركي
- إشكاليات المسألة الاميركية امام محكمة التاريخ
- اوروبا تتجه نحو التمرد
- الازمة الرأسمالية العامة لاميركا والزلزال -الافيوني الالكتر ...
- الامبريالية والشعب الاميركيان
- التبدلات الديموغرافية ومضاعفاتها المرتقبة في اميركا
- الامبريالية والعنف
- الهيمنة العالمية لاميركا: بداية النهاية..
- التقسيم الامبريالي الرأسمالي لاوروبا
- تقرير معهد SIPRI يؤشر الى مرحلة تفكك الامبريالية
- بداية انحسار موجة العداء للشيوعية في المانيا
- بعد 20 سنة: الشيوعيون القدامى يطالبون بتجديد الدعوى حول احرا ...
- لبنان الوطني المقاوم حجر الاساس لنهضة عربية حقيقية
- الثلاثة الاقمار اللبنانيون الكبار في سماء الشرق
- إزالة المسيحية الشرقية: هدف اكبر للامبريالية الغربية
- -الحلقة الاضعف-
- قبل استخراج النفط والغاز: ضرورة تحرير المياه الاقليمية اللبن ...
- قرار مجلس الامن -الاميركي- ضد الشعب الايراني
- -الحرب السرية- القادمة لاميركا واسرائيل


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - جورج حداد - أميركا و-عقدة فيتنام-!