الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 00:08
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
أفرحني ما أورده ( عبد الرحمن اللهبي ) السعودي حول انتفاضة تونس وهبّتها وبلوغها شؤوا من الفذة والجراءة ، تعدت الكثير من الشعوب العربية والإسلامية في الجلد والصبر لبلوغ المرامي ولو تضحية بالأنفس والنفيس ، بعد أن تعودنا ومللنا ميل الشعوب الإسلامية إلى الركون والخنوع من باب ( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) أو إلى باب جديد صاغه جمال الدين الأفغاني ( كما يولى عليكم تكونون).
وما هالني وأزعجني وأترحني ، هو البداية العنصرية للمقال الذي استند في وقائعه إلى أحداث منتصف القرن الخامس الهجري والذي عنونه ب/ ( ياله من شعب .... ) الرابط :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=241637
ورد فيه تعبيران لا حس إسلامي فيهما البتة ، بجعله شعب تونس هلاليا دون إشارته للإسلام ( نسبة لقبائل بني هلال ) ، وجعل أبناء تونس كلهم أحفادهم دون غيرهم من خلق الله ، وذاك شطط قد نحسبه من فواجع الألم الأموي بفجاجته وقسوته ، أو أنه من إرهاصات المد الفكري العروبي البعثي العفلقي ، الذي فعّله محمد عمارة في كتابه التيار القومي الإسلامي . ومن سار دربه من الساسة ودعاة العنصرية ، التي ُتقبل لفائدة العرب ( لأنها من الإسلام ) في حين ترفض للغير وتحسب شعوبية منكرة ، لأن قومية الآخر لم ترد في القرآن باسم ( الأعراب ) الذين أنزلهم الله قدر منزلتهم الفعلية في تسع آيات محكمات .
*** بعض العرب بارعون في تلوين الأحداث لصالحهم دائما .
إن ما قرأته من تحجيم الآخرين على لسان أستاذنا (اللهبي ) ينم عن رغبات في طمس الحقائق ، فالهلالية في حقيقتها ما هي إلا طيف من أطياف المجتمع التونسي في خصوصه ، والمغارب في عمومه ،هذا المجتمع الناطق بلغة الضاد ، في حقيقته من دماء غير عربية ، بدعوى أن القبائل الهلالية وملحقاتها قد ذابت في النسيج البشري الأمازيغي بنفس الحدة التي ذاب فيها الأمازيغ في عرب المشرق ، فالمرافقون للهجرات نحو المشرق أيام الحروب الفاطمية ، أو في أحداث الحروب الصليبية التي هب إليها الأمازيغ نصرة للمسلمين ضد الزحف النصراني الصليبي ورغم ذلك لم نتجرأ يوما بالقول : أن المشارقة المسلمين أمازيغ ؟ فالإنتساب عندنا في شمال إفريقيا للأرض وليس للجنس ، ودولنا علمانية وطنية لا تُقم للجنس وزنا ، فقيمة المرء من قيمة ما يقدمه للمجتمع البشري الذي يعيش فيه ، من خير عميم بفكره وعلمه وعمله .
**حقيقة الغزو الهلالي بمنظور الآخر ...
فالهجرة الهلالية التي تعتزون بها ، وتُنسبوننا إليها كما (أ ُفهمت ) هي غزو مركب ، أتى إلينا بعد أربعة قرون من تمكن الإسلام و اللغة العربية بيننا معشر الأمازيغ ( أي في حدود 450 هجرية) ، والحضارة التي ترى بأنهم نقلوها إلينا هي حضارة ( السلب والنهب ، وقطع السبيل )، كيف لا وهم أنصار القرامطة في تعطيل الحج وسرقة الحجر الأسعد ، والدولة الفاطمية هي التي أرسلتهم للإنتقام من الصنهاجيين الأمازيغ المنشقين عنها . وهم الذين وصفهم ابن خلدون القريب من عهدهم ( بالجراد الذي لا يبقي شيئا ) والذين أدخلوا المغرب في دوامة القتل و الإقتتال والإنحطاط أسماها المؤرخون ( بالعصر المظلم ) من تاريخنا ، ولم يقدر على شقوتهم سوى الموحدين الذين هزموهم وبد دوهم ، وفرقوا جموعهم بواقعة (سطيف )، وساعدوا على توزيعهم على أقاليم دولتهم في المغرب الأقصى ، وأدرك السلطان الموحدي صاحب ملحمة الأرك ( أبا يعقوب المنصور ) خطرهم متأخرا وقال وهو يصارع الموت في قصره بين مريديه وحاشيته ، بأنه ندم على ثلاثة أمورفي حياته من بينها ( إدخال العرب الهلالية للمغرب الأقصى )، أما تغريبة بني هلال بأخبارها فهي عمل خيالي فني بعيد عن الحقيقة وهو من نسج الوضاع ومنمقي الشعر ، فهي صنو للميتولوجيا الهوميرية ، وهرطقات سيف بن ذي يزن ومثيلاتها ، والتي لا يمكن اعتبارها ( التغريبة) تاريخا موثوقا ،ولو أفردها الأبنودي جزءا من عنايته .
**انتفاضة تونس انتفاضة شعبية شارك فيها الجميع .
الشعب التونسي مازال متواصلا في انتفاضته لم تثنيه تنازلات بن علي الكاذبة ، ولا القنابل المسيلة للدموع ،ولا الرصاصات الطائشة والمصوبة ، ولا الميليشيات المندسة بين صفوفه ، وهمه موجه بثقة لإنهاء حكم الطاغية وزبانيته ... وهو في الطريق إلى تحقيق حلم ملايين المغاربة من سيوة إلى الأطلسي .
وهو ليس في حاجة إلى تحديد ملامحه الإثنية لأنه يدرك بأنه من سليل هذه البلاد المعروفة (بإفريقية ) أحفاد حنبعل ومسينيسا صاحب مقولة ( أفريقية لإفريقيين ) ويوغرطة ، و شيشنق ، و سبتيم سيفيروس وغيرهم من فطاحل هذه البلاد لاحقا . ولا ينثني ولن يرضح حتى للتهديدات وحالة الطواريء ، و لا لمنع التجمع لأكثر من ثلاثة ، فهو قد ثار وثورته تتحدد بإنزال بن علي من السلطة للمارسة اللعبة السياسية عند جدارة واستحقاق ، رغم ما يبدوا من ظهور بواد ر سرقة لنضالات هذا الشعب بعد هروب بن علي خارجا ، عبر مصوغ دستوري في مادته السادسة والخمسين (56) والتي تنص على أنه في حالة إن تعذر على رئيس الجمهورية القيام بمهامه بصفة وقتية أن يفوض بأمر سلطاته إلى الوزير الأول ) ، غير أن قراءة المادة بتأن يظهر أنها غير صالحة للتطبيق على ما وقع ، لأن رئيس الجمهورية معزول بإرادة شعبية ، وسلطاته انمحت بمجرد مغادرة البلاد التونسية ، فلا يمكن لمعزول أن يثبت وزيره الأول ، والظاهر أن المادة القانونية 56 ،وضعت لحالة شغور في حالات مرض الرئيس أو انتقاله في مهمة طويلة المدى ، وليس المقصود منها ثورة ضده، والأصلح للتطبيق هي المادة 57 التي تنص على أن استقالة ( هروب ) بن علي يتطلب اجتماعا للمجلس الدستوري فورا ، الذي يقر الشغور بالأغلبية ، ويتولى رئيس مجلس المستشارين ورئيس مجلس النواب مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لمدة لا تزيد عن 45 يوما ، وهو ما يُظهر أن لعبة خفية قد حيكت ضد نضالات الشعب التونسي الذي لم يقل بعد كلمته الأخيرة ضد بقايا النظام الفاسد ؟ فانتظروه في الأيام القادمة .
**ومن الكلام ... ما يستفز أحيانا .
الأمازيغ في شمال إفريقيا لم تكن الدعوة القومية سبيلا لنفوسهم ، فهم تداخلوا وتناغموا مع جميع الأقوام التي وصلت إليهم سلما وحربا ، بكثرتهم وقلتهم ، ببقائهم ومغادرتهم ، ففي مثل هذه الأفكار التي صاغها (اللهبي ) يكمن الضرر ، لأنه أفكار تبعث على الرد والإبانة عن النفس بذكر الحقائق كما وقعت لا كما يريدها أمثال صاحب المقال ، ولو لم تكن عنصرية العرب ، لما كانت هناك شعوبية العجم البيضان والسود السودان ، وأعجبني أحد المنتخبين السودانيين الذي قال بأن استقلال جنوب السودان عن السودان الأكبر سببه رغبة الأقلية العربية المسلمة ، تغليب منطقها الإثني والديني على الأغلبية الإفريقية السائدة ، وهو ما ولد مقارعة و معارضة استمرت لأزيد من خمسين عاما .
أو ليس ما يقوم به الموالي وأهل الذمة في البلاد المعروفة إصطلاحا ( بالوطن العربي ) من معارضة وإبانة عن نفسها وذاتيتها وتاريخها هي ا ستنساخ لما قام العرب أنفسهم ( بشريفهم الحسين ) بتوجيه من الأنجليز ولورانس العرب ضد الخلافة العثمانية ، إبان الحرب الكونية الأولى ، ومنه سقوط الخلافة بمعاونتهم ، أوليس ذاك الشبل من ذاك الأسد ؟ ، وهي تمهيدات لهزات أخرى قد تعرفها مصر مع أقباطها إن لم تُعدل الأمور سريعا وقريبا لجادة الصواب ، في إطار الدولة المدنية العادلة ، التي تنظر بمنظور واحد للجميع ، وإن شابه التنوع الديني واللساني والفكري .
** مسميات عنصرية مؤدلجة وهدامة .
القول بعروبة شمال افريقيا الشاملة بمدولها ، عنصرية مقيتة ما كان أن تلفظ أو تقال من لدن عليم بتاريخ المنطقة وخصوصياتها ، وإصرار البعض عن التسمية هي مبعث فتنة ، لأن القوميات الكامنة المحجورة بدأت تستفيق من وقعتها ، فهي أصبحت تدرك أصولها ،وتعرف تراثها وتاريخها المتميز ، وتعلم خطوات العروبة البعثية المؤدلجة التي أوصلتنا إلى طريق مسدود ، واللعب بأوراقها أصبح مكشوفا لا ينفع أمام الضربات المقلاعية لانتشار المعرفة بخفاياها المستورة ، وأمام تشعب وسائل التواصل بين الشعوب ، فقد غدا اقناع الفرد أمر صعبا ، وهو ما نشهده في هبّة الشباب وانتفاضتهم في تونس والجزائر ، هذا الشباب الذي يتمسك بوطنه ووطنيته أكثر من قوميته .
وعذرا لأخينا وأستاذنا (عبد الرحمن اللهبي) عن كل زلة في اللسان ، أو سوء فهم وتقدير لما قيل ، فما قلناه لا يعدو أن يكون من باب الرد والتذكير بحقائق الأمر المغيب، ولأن التذكر ينفع المؤمن ، وحري بك أخيرا أن تقول يا شعوب يعرب خذوا العبرة من بني مازيغ أفضل، من قولك خذوا العبرة من بني هلال ! .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟