أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - حول مستقبل العروبة















المزيد.....

حول مستقبل العروبة


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 3235 - 2011 / 1 / 3 - 09:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدو أنه بات علينا، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 أبريل/نيسان 2003 وتداعياته وبعد المآلات التي آلت إليها القضية الفلسطينة، أن نعترف لا بنهاية العروبة بل بنهاية موجة من موجاتها، ونبني عروبة جديدة تقوم على حقائق سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية بعيدة عن المزايدات. ذلك لأنّ التغيّرات العالمية الجديدة تتطلب قدراً كبيراً من العمق في المراجعة ونقد الذات وإعادة الصياغة الفكرية والسياسية للقضايا العربية، التي تمثل مسائل جوهرية عديدة تتداخل فيها مهمات التحديث الفكري والسياسي مع مهمات النهوض الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بتجسيد وحدة المصير العربي كمنطلق للنهوض الحضاري، وهو ما يفترض مهمات إنجاز أشكال تضامنية عربية عديدة، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يضمن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني، وعودة السيادة إلى الشعب العراقي الشقيق، وممارسة الديمقراطية كمنهج للتعامل السياسي على صعيد الدولة والمجتمع.
وفي الواقع، يصعب على المرء أن يحدد صورة المستقبل بدقة، ولكن يمكنه أن يحدد الشروط التي يجب توافرها من أجل التعاطي المجدي مع معطيات الحاضر. ولكن – قبل ذلك - علينا أن نواجه سؤالاً رئيسياً: هل نريد أن نعيش في هذا العصر، أم نبقى سادرين في عصور سابقة ؟
إننا نتطلع إلى الكشف عن الأبعاد النهضوية (العقلانية، التقدم، التنوير، الديمقراطية، العلمانية)، التي كانت تنطوي عليها حركة النهضة العربية الحديثة، والتي أُهدرت لاحقاً في مشروع الحركة القومية، واختُزلت إلى مستوى خطاب سياسوي محكوم باعتبارات ومصالح محلية ضيقة، لا بضرورة الوعي بإشكالية التأخر العربي التي قادت إلى الهزائم المتكررة.
إنّ العروبة هي عودة إلى الوعي بالذات، إنها الدعوة لا السلطة، إنها الهوية لا الحاكم. فقد أساء إلى العروبة بعض دعاتها، وألحقت بها الأذى أنظمة حملت شعاراتها، لكنّ الفكرة هي الحقيقة الباقية الوحيدة، هي قاعدة التلاقي، وإنكارها نقطة الافتراق بين شعوبنا. إنها رابطة تاريخية تضم وتجمع وتوحد غالبية المجموعة السكانية القاطنة في هذه البقعة من العالم، اعتماداً على اللغة والتاريخ والخصائص النفسية والمصالح المشتركة، وهي حركة تحرر وطني وتغيير حضاري، تهدف إلى توحيد الشعب والطاقات، وإلى تحرير الأرض والإنسان، وإلى بناء صيغة جديدة لعلاقات داخلية وخارجية تعتمد الحرية والمساواة والعدل، وتساهم في إقامة عالم أفضل.
خاصة بعد أن تحجرت الفكرة القومية وتحولت، بمرور الزمن، إلى أيديولوجيا استبدادية مغلقة ومفرغة من أي حس إنساني أو فلسفة عميقة. إذ أنّ النظم الاستبدادية العربية خرّبت المشروع الوطني قبل أن تجهض المشروع العربي، فقد تشكلت داخل الدولة المبنية – نظرياً – على النزعة القومية العربية, كل مقوّمات نظام منافٍ لمبادئ الوحدة الوطنية/القطرية. وإزاء ذلك، كان لا غرابة أن يقع الجمع في الأذهان بين المستبد من جهة وعشيرته أو طائفته من جهة أخرى, فتترعرعت - في صمت القمع - الضغائن الدفينة والأحقاد المرجأة.
وهكذا، بات الفكر القومي من خوف الذل في ذل، إذ تسرب زيف النفاق الثقافي إلى صلب الفكر القومي، فراحت المطابع تنتج أدباً قومياً يفلسف عبادة الشخصية، ويسبغ على القادة والزعماء " قداسة " الإلهام في توليد الفلسفات والنظريات.
وبعد أن انهار عالم كامل من الوقائع والأحلاف والمسبقات والمفاهيم والمبادئ والأوهام، لا بد من مراجعة فكرية نقدية للخطط والسياسات والمُثُل والعقائد والأفكار التي بلورت الإخفاق العربي وقادت إليه، مما يستدعي إبراز المشاكل والأزمات التي كانت الحركة العربية تخفيها أو تمر عليها مرور الكرام.
إذ لا يمكن التحدث عن مفهوم معاصر للعروبة إلا إذا اشترط عليه أن يشهد تحولاً كيفياً يمتلك من خلاله بعض السمات، ويحيط نفسه بمجموعة قرائن تجعل من العروبة مقولة مقبولة من جماهير العرب ونخبها، بما عليها أن تشكل في طياتها من مخزون يحوي قدراً من التحرر والديمقراطية والتنوع. فبين عروبة الخمسينيات من القرن العشرين وعروبة اليوم نصف قرن استُهلكت خلاله القيم الشمولية، وبرزت فيه الديمقراطية مفهوماً يستعاض به عن العصبوية الموحِّدة والمكوِّنة للدول والمجتمعات، وأظهرت التعددية قدرتها على أن تكون فعل انسجام ودافعاً محركاً للوحدة الوطنية تحت رعاية الدولة والمؤسسات، ولم يعد الصراع مع أعداء الأمة يشكل وحده دافعاً كافياً لإرادة التوحد، بل باتت شروط الوحدة أكثر تعقيداً.
فعلى العروبة اليوم أن تفعّل التثاقف الحضاري وأن تميّز بين القيم الغربية كجزء من القيم الإنسانية العامة وبين التدخل الغربي كمشروع سيطرة استعمارية على مصادر الثروة. وأن تكون مشروعاً تنموياً اقتصادياً واجتماعياً ومشروعاً علمياً تكنولوجياً، ومشروع حرية في مجالات الإعلام والثقافة والفكر، وعليها حماية واحتضان المجتمع المدني.
إنّ الإشكاليات السابقة تفرض علينا أن نعيد طرح قضايا العروبة، وخاصة الوحدة والتجزئة، على نحو جديد، منطلقين من أنّ مسألة إنجاز الدولة الوطنية الحديثة هي جوهر تلك القضايا. ومن هنا تبدو أهمية تجديد الخطاب النهضوي العربي على قاعدة: أنّ الدولة الوطنية/القطرية الديمقراطية تشكل أساس دولة الأمة الحديثة.
لقد أظهر الاحتلال الأمريكي للعراق معضلة بنيوية في العلاقات العربية – العربية، وفي موقع المنطقة العربية داخل النظام الدولي. هذه المعضلة جوهرها أننا نجمع بين مركزية موقعنا وهشاشة قدراتنا، مما يجعل منطقتنا عرضة للتأثيرات الخارجية المستمرة. فالتدخل الخارجي ما كان ليكون بهذه الوتيرة ولا بهذا العمق لو كانت منطقتنا هامشية، غير ذات أهمية. والتدخل الخارجي ما كان ليكون بهذه الوتيرة ولا بهذا العمق لو كانت لشعوبنا وحكوماتنا القدرة على درء التدخلات الخارجية.
إنّ العروبة بحاجة إلى صياغة سياسية جديدة معاصرة وواعية لواقع العرب كما لظروف العالم والتحولات الخطيرة التي غيّرته وستغيّره أكثر، لكنّ الخروج من العروبة أو عليها ليس حلاً أو ضماناً للنجاة. إنّ كل دولة حاولت الخروج عليها خسرت وحدتها الداخلية، بداية، قبل أن تخسر قيمتها العربية والدولية.
لقد اختلف الزمان، والعروبة تواجه اليوم تحديات هي الأخطر منذ انطلاق دعوتها كبشارة للوعي بالذات والانطلاق على طريق بناء الغد الموعود للشعوب العربية المقهورة بالاحتلال الأجنبي والقمع الداخلي والفقر والتأخر.
وهكذا، لسنا بحاجة لشعارات من أجل التعاطي المجدي مع التحديات الكبيرة المطروحة على أمتنا العربية، بل الارتقاء إلى مستوى التحديات، بما يخدم مصالح الأمة ويضمن حقوقها الأساسية في السيادة والحرية والاستقلال والتقدم. ولكي تتحول العروبة من مشروع تعاطف قومي، يعبّر كل طرف فيه عن إرادة توحده ووحدة همومه وانشغالاته مع الآخر، إلى مشروع عملي يؤمل منه أن يتحول إلى واقع متحقق في المستقبل، ليس على الأقطار العربية المختلفة إلا أن تصلح أوضاعها وتنمّي قدراتها المادية والبشرية، لكي تشكل كل منها أنموذجاً للآخر.
إنّ مشروع النهضة العربية كان ولا يزال في حاجة إلى فكر الأنوار والحداثة، وكذلك استيعاب التحولات والتغيّرات التي تطرأ على الساحتين العربية والدولية. مما يستوجب الاعتراف بالخصوصيات القطرية، في إطار التنوع ضمن إطار الرابطة العربية، مع إمكانية تحويل هذا التنوع إلى عنصر غنى للثوابت الضرورية لتطور الرابطة العربية. ومن أجل ذلك، تبدو الديمقراطية في رأس أولويات التجديد العربي، فالأمر يستدعي مقولات جديدة: المجتمع المدني، الديمقراطية، الدولة الحديثة، المواطنة. وتبدو أهمية ذلك إذا أدركنا أنّ العالم العربي المعاصر، بشكل عام، لا يملك لغة سياسية حديثة، منظمة وممأسسة، في بناه السياسية والثقافية، إذ بقي خارج تسلسل وتاريخ الأحداث، فالماضي مازال ملقى على هامش الحاضر، بل يهدد المستقبل.
إنّ انخراط العرب في العالم المعاصر يتطلب منهم البحث عن مضمون جديد لحركتهم التحررية، بما يؤهلهم لـ " التكيّف الإيجابي " مع معطيات هذا العالم، وبالتالي الانخراط في مقتضيات التحولات العميقة للعلاقات الدولية، بما يقلل من الخسائر التي عليهم أن يدفعوها نتيجة فواتهم التاريخي، لريثما تتوفر شروط عامة للتحرر في المستقبل. فالعرب ليسوا المبدأ والمركز والغاية والنهاية، هم أمة من جملة أمم وثقافات، لا يمكن أن ينعزلوا عن تأثيرات وتطورات العالم الذي يعيشون فيه.
ومن سياقات ما قدمته، يبدو أنه لا يجوز القفز عن واقع الدولة القطرية تحت أي عنوان، بما فيه الطموح المشروع إلى دولة عربية اتحادية. إنّ المشكلة الأهم المطروحة أمام الحركة العربية المعاصرة هي بناء الدولة الوطنية الحديثة، وما يتفرع عنها من أدوات مفاهيمية تنتمي إلى المجال التداولي المعاصر: الأمة، المجتمع المدني، المواطنة، الديمقراطية، حقوق الإنسان، التعاقد الاجتماعي، الشرعية الدستورية والقانونية، التنوير، العقلانية، العلمانية.
لعلنا بذلك نفتح من جديد باب التاريخ وندق أبواب المستقبل وننهض لإطلاق خطاب عربي عصري، عناوينه في توجهاته ومضامينه وفي تجديدنا له، يحتمل دائما التأويل والتعديل لصالح شعوبنا العربية. إنها إعادة قراءة واجبة، ليس فقط في تجديد هذا الخطاب وإنما في تجديد العقل العربي المدعو إلى خوض مغامرة المستقبل بأدوات جديدة وأفق مفتوح وحوار دائم على المصالح والأهداف والممكن والمستحيل.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحاجة العربية إلى الإصلاح السياسي
- الثقافة العربية وصدمة المستقبل .. لماذا تراجع العرب ؟
- وحش الفساد في العالم العربي
- كونية وشمولية حقوق الإنسان
- التحديات المغاربية في عالم متغيّر
- دروس الإسلام والحداثة في التجربة التركية
- تفكيك الرابطة العربية ومخاطره
- سبل الحل التوافقي الممكن في الصحراء الغربية
- عن تعثر الإصلاح في العالم العربي
- قراءة في منظومة المفكر السياسي السوري ياسين الحافظ
- أدوات التنشئة السياسية
- أي مستقبل للشراكة الاقتصادية العربية ؟
- هل يستجيب النظام الإقليمي العربي للتحديات ؟
- هنيئاً لموقعنا الأغر
- البعد الثقافي للمحنة العربية الراهنة
- عندما تقدم النخب الحاكمة مصالحها الشخصية على الحقوق الوطنية
- مقدمات في مسألة الدولة
- نهاية نظام وصاية العسكريتاريا على الحياة السياسية التركية
- في نقد الماركسية السائدة .. عبد الحسين شعبان يحطم مراياه
- حوار الثقافات أم صراع الحضارات ؟


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - حول مستقبل العروبة