أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبدالله تركماني - في نقد الماركسية السائدة .. عبد الحسين شعبان يحطم مراياه















المزيد.....

في نقد الماركسية السائدة .. عبد الحسين شعبان يحطم مراياه


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 3126 - 2010 / 9 / 16 - 09:57
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


بعد حوالي تسعين سنة على بداية الحركة الشيوعية في المشرق العربي تزداد التساؤلات حول ماضيها وآفاق مستقبلها: ما هي حصيلة هذه التجربة ؟ وما هو موقعها في سيرورة التغيّرات العميقة التي شهدتها المنطقة والعالم ؟ كيف نفسر قصور وعي أحزاب هذه الحركة ؟ هل يعود السبب إلى الولادة غير الطبيعية وتوجهها السياسي والفكري المنفصل عن الواقع العربي ؟ أم يعود السبب إلى تبعيتها للاتحاد السوفياتي والتماثل مع سياساته وتوجيهاته ؟ أم إلى بنيتها الداخلية وأشكال تنظيمها ؟ وما هي مكانة الماركسية في عالمنا المعاصر ؟
في حوارات أجراها خضير ميري وجمعها في كتاب " تحطيم المرايا، في الماركسية والاختلاف " ( صدرت الطبعة الأولى سنة 2009 بـ 247 صفحة عن " منشورات الاختلاف " في الجزائر و " الدار العربية للعلوم ناشرون " في بيروت )، قدّم الكاتب والمفكر والصديق الدكتور عبد الحسين شعبان حزمة كبيرة من الآراء حول مختلف القضايا الفكرية والسياسية التي تحاول أن تتعمق في محاولة الإجابة عن الأسئلة السابقة والقضايا العراقية والعربية والدولية، انطلاقا من تجربته في الحزب الشيوعي العراقي.
وفي رحلتي مع الكتاب وجدت من الصعوبة الفصل بين الفكر والموضوع، فالدكتور شعبان يتسلل إلى العقل والقلب معاً بعلمه وفكره وعمق تحليله. والكتاب عمل استثنائي من حيث جرأته ومن حيث زخم الأفكار التي ينطوي عليها، بما يعكس خصوبة التراكم المعرفي ومهارة التحليل.
تعريف أولي: هاجس الحرية، المشترك الإنساني، الحب الدائم
كان وما زال الدكتور شعبان مثيراً للجدل في تجربته السياسية والفكرية، وهو واحد من أهم ممثلي اليسار العربي المنفتح على قضايا العدل والسلام والتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، مع بقائه مخلصاً لنقديته الماركسية في مجال المنهج الوضعي النقدي، الذي كان يمارسه منذ عدة سنوات، وقد عاينت ذلك شخصياً منذ اللقاء الأول بيننا في عام 1989. ومما قاله في ذلك " أجريت النقد الذاتي على تجربتي الخاصة الفكرية منها والسياسية والتنظيمية، فبدأت بمراجعات بعض أطروحاتي وتدقيقها وتقليبها في ضوء المنهج الوضعي النقدي، وتوقفت عند الكثير من محطات تجربتي، لاسيما استمرار وجودي في الحزب الشيوعي دون قناعتي لفترة غير قصيرة .. ". ومن هنا نستطيع تفهم تحطيم مراياه القديمة التي لم تكن تعكس حقيقة رؤاه، ومحاولة إنشاء مرايا جديدة تعكس رؤاه الفكرية والسياسية والحقوقية " لقد كنت وما أزال في حالة قلق إنسانية مستمرة، ولا تستكين روحي لموقف متكامل سرمدي نهائي، إلا ووجدت ذلك ضرباً من الوهم أو الوعي الزائف، لذلك سرعان ما أبادر وأجتهد وقد أخطئ ولا أصيب، ولكن ما أن تتوفر لديَّ معلومات جديدة ومعطيات حديثة أراجع نفسي وأتخذ الموقف المناسب ".
لقد كان هاجس الحرية أهم انشغالات الدكتور شعبان " تظل الحرية هي الهاجس الأول لكل شيء، لاسيما للمثقف، وبدونها تغدو كل الأشياء باهتة .. للحرية أو غيابها أثره وانعكاساته على المثقف وفعله الثقافي ونشاطه الإبداعي ". وفي هذا السياق، قدّم خلاصة تجربته للمثقف العربي بثلاثة دروس: أولها، التمسك بالحرية كقيمة عليا وشرط لا غنى عنه وخيار لا عودة فيه، وضرورة لأي عمل إبداعي أو اجتهاد فكري أو عمل حقوقي. وثانيها، الانتماء إلى العقل الذي لا يمكن تعويضه بأي شيء آخر، وهو قبل كل أيديولوجية أو عقيدة أو قومية أو دين أو مذهب أو انتماء عشائري أو جهوي. وثالثها، الإيمان الكامل بأنّ الإنسان هو الأصل وهو مقياس كل شيء، وبالتالي لا يمكن لمثقف حقيقي أن يؤمن بالتمييز على أساس جنسي أو قومي أو ديني أو اجتماعي أو لغوي أو لأي اعتبار آخر. إنّ المثقف الحقيقي هو الذي يسعى للتآخي بين البشر على أساس المشترك الإنساني، مع إيمانه بالتعددية والتنوع والتواصل بين الثقافات والحضارات، إضافة إلى حقوق المرأة والأقليات.
وفي ذلك يقول " .. لا أشعر بعروبتي وبانتمائي إلى الإسلام الحضاري مع وجهتي الحداثية ولا بإنسانيتي ومواطنيتي، إن لم أقرّْ وأعترف علناً بحقوق الشعب الكردي وبخاصة حقه في تقرير المصير واختيار شكل العلاقة مع شقيقه الشعب العربي، وبحق الأقليات في التطور والانبعاث وتلبية حقوقهم الثقافية والإدارية وضمان ذلك دستورياً، مع مراعاة وتأكيد مصلحة العراق ووحدة شعبه ووطنه ككل واختيار طريقه الديمقراطي ".
وبصفته خبيراً قانونياً يرى الدكتور شعبان أنّ النظام الفيدرالي من الأنظمة المتطورة عالمياً، كما يرى أنّ الدولة المركزية واحتكار القرار السياسي والإداري لم يعودا ممكنين في ظل عالم يتجه نحو اللامركزية وتوسيع دائرة المشاركة واحترام الخصوصيات.
لقد أولى الدكتور شعبان التسامح اهتماماً كبيراً وأفرد له أكثر من كتاب وبحث ومحاضرة " حق الإنسان في الاختلاف والتمايز الطبيعي وتعدد الهويات الثقافية هو حق مشروع، ولا ينبغي أن نقدم تراتبية سياسية لصنع ودعم أي نوع من الاضطهاد العرقي أو الطبقي أو الإثني، أو غير ذلك، وهو ما يشكل جوهر فكرة التسامح وما ترنو إليه ".
وهكذا، فإنّ حديقة الحب لدى الدكتور عبد الحسين تتسع لأنواع الزهور والورود والرياحين، فالحب عنده هو الحالة المباركة الأبدية، لأنه ضد الروتين وضد الاستكانة وضد الرتابة، بدون نوره يحلُّ الظلام والزمهرير " أنا في حب دائم، لم أتوقف لحظة ولم تخلُ نفسي لحظة من حب كبير .. في الحب نبحث عن وطن يختفي خلف ثياب امرأة، نبحث عن ذواتنا الممزقة وأرواحنا المستنفرة، عن الثقة التي نمنحها لمن نحب ونرى فيها ما في داخلنا من دهشة وإثارة وملكوت سري وسحر متفجر ".
في معنى تحطيم المرايا
إنه الحوار مع الذات ومع التاريخ، هو استعادة ومراجعة لمنولوجات داخلية ونقدية ووقفات تأملية لفحص الأخطاء " كنت كثيراً ما أجد نفسي خارج المؤسسة أو أغنّي بإيقاع مختلف عنها، حتى وإن كنت في داخلها، لكنني لا أريد أن أحسب نفسي عليها لأنني أختلف معها كثيراً أو أشعر في أحيان كثيرة أنني لست منها .. أين (أناي) من هذا (الجمع) الحاشد، ولماذا عليَّ التماهي فيه لحد الذوبان ". وفي هذا السياق يقول " الماركسية التي وصلتنا كانت معلبة ضمن قوالب وأنساق تستبطن الاصطفافات الجاهزة حيث تذوب كيانية الفرد وخصوصيته في إطار الجماعة ... لذلك وضعت مسافة بيني وبين العمل الحزبي والسياسي، رغم عدم ابتعادي عنهما، لكني اخترت النقد المنهجي للظواهر ومنها الظاهرة الحزبية والسياسية ".
الدكتور شعبان تحدى تلك الاصطفافات " الإنسان الذي لا تغيّره التجارب ولا تترك الأحداث تأثيراتها عليه يصاب بالصدأ ويتآكل ". وفي المقابل، عمل على بناء مرايا جديدة تعكس حقيقة ماركسيته النقدية " الماركسية بحاجة ماسة إلى عمليات تحديث جدلية مستمرة .. كانت الماركسية نتاج عمل فكري متواصل ومتصل، لاسيما منهجها الجدلي، وكونها أداة للعمل، الأمر الذي أعطاها طابع الاستمرارية والكونية والتي يمكن الاسترشاد بها لتحليل الظواهر واكتشاف القوانين العامة والخاصة في كل مجتمع. ولعل ما يجعل الماركسية صالحة للعمل وغير قابلة للنضوب هو قدرتها الذاتية على التفاعل الجدلي مع العالم ".
المنهج النقدي
على ضوء تجربته في الحزب الشيوعي العراقي وما عايشه من تطورات صنّف الدكتور شعبان الماركسيين ضمن خمسة أصناف: أولها، " الماركسيون الطقوسيون "، الذين لا يفقهون شيئاً في الماركسية، وتقوم مهمتهم بالمشاركة في الاحتفالات وإحياء بعض المناسبات. وثانيهما، " الماركسيون المدرسيون "، الذين يحفظون عن ظهر قلب بعض عناوين حول الاشتراكية، مستقاة من المدرسة السوفياتية ويرددونها ببغائياً. وثالثها، " الماركسيون المسلكيون "، الذين هم جزء لا يتجزأ من الماكينة الحزبية والمنفذين لسياستها من دون أي نقاش. ورابعها، " الماركسيون الذرائعيون "، أصحاب الجمود العقائدي الذين يبررون كل خطوة يتخذها الحزب ويعتبرون أنّ النظرية الماركسية لا تخطئ، حتى ولو تناقضت النظرية مع الواقع. وخامسها، " الماركسيون العولميون "، الذين روّجوا للمشروع الأمريكي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتظروا منه الخلاص وخصوصاً في مواجهتهم للديكتاتوريات العربية، والذين هلل قسم كبير منهم للاحتلال الأمريكي للعراق.
ويخلص الدكتور شعبان إلى أنه من " الماركسيين النقديين المجتهدين "، الذين أضاعتهم بيروقراطية الأحزاب الشيوعية العربية " لا أعتقد أنّ مثقفاً مثل إلياس مرقص الذي سبقنا بعقود لم يكن ماركسياً، وأعتقد أنه قرأ الماركسية باعتبارها منهجاً حياً وقابلاً للنقد .. ولعله كان أكثر ماركسية من الماركسيين الرسميين الذين حملوا صولجان الماركسية ولبسوا قبعاتها، لكنهم ظلوا خارج صومعتها، وبعيدون عن روحها وجوهرها وملكوتها ".
إنّ ما يهمنا في الماركسية، حسب الدكتور شعبان، هو روحها المتوثبة والمؤمنة بأنّ الغاية أولاً وأخيراً هي الإنسان، وحقه في تقرير مصائره وأقداره. وهنا يحضر بجلاء دور المثقف العضوي الذي تحدث عنه غرامشي، وهو الأنموذج الذي يتمثله الدكتور شعبان في رحلته النضالية ومختلف أنشطته: إنساناً وكاتباً ومفكراً " إنّ الفكر الوضعي النقدي هو فكر تعايشي وتسامحي، إنه فكر يبحث عن نقيضه، بل ويضطر أحياناً إلى تربيته في داخله ".
فبالرغم من أنّ الماركسية جاءت قبل عصر التطور الكبير للعلوم الإنسانية، فإنه من الصعب الحديث عن علم إنساني لم تُخصّبه ماركسية ماركس. فقد أثّرت على الدراسات الاجتماعية من عدة نواحٍ، إذ قدمت توجهاً جديداً للبحث التاريخي نأى به عن وصف الأحداث معزولة عن بعضها وعن واقعها، وانتقلت بالمنهج إلى بحث مركب من عمليات اجتماعية واقتصادية متصلة ومترابطة، وبذلك كانت المقدمة للمدرسة البنيوية أو المنهج القائم على اختصاصات متعددة. كما أبرزت مفهوم البنية الطبقية للمجتمع، ولفتت الأنظار إلى أهمية دراسة تكوين الطبقات الاجتماعية في التاريخ.
ماركسية القرن الحادي والعشرين
إذا كانت ماركسية ماركس قد عممت معارف القرن التاسع عشر وسعت لاستنباط حلول ومعالجات للتنمية والتطور تنسجم معها، فذلك لأنها كانت في صراع بينها وبين ذاتها من جهة وبينها وبين حركة التطور التاريخي من جهة أخرى، وبهذا المعنى فهي قابلة لأن تنفتح على قضايا القرن الحادي والعشرين، بعد أن تتخلص من النواقص التي لم تولها الاهتمام اللازم " الماركسية بالنسبة لي نسق فكري ومنهج جدلي، لا يشكل فيه ماركس إلا حلقة من سلسلة حلقاتها المتصلة والمستمرة وبلا نهايات ".
وفي هذا السياق، أشار الدكتور شعبان إلى النقص تجاه فهم علم النفس الذي بات يحتل موقعاً مهماً في التحليل الاجتماعي والسياسي، كما قصّرت عن رؤية الدين والموقع الذي يحتله في حياة الشعوب، وقصّرت في فهم المسألة القومية في عالم الجنوب السائر في طريق النمو. لكنّ أكبر أخطاء الماركسية قد تكون في نظرتها إلى الدولة والتي بشّرت بزوالها مع تقدم المجتمع نحو الشيوعية، لكنّ التجارب أظهرت أنه تحت لافتة اضمحلال الدولة جرى بناء أضخم دولة بيروقراطية واستبدادية. لقد تجاهلت جوهر المسألة السياسية، أي مسألة الديمقراطية، مسألة العلاقة بين الدولة والأفراد والطبقات، أساس كل ديمقراطية نسبية، وضمانة تكوين سلطة معبّرة عن مصالح الأغلبية.
ولأنّ شعبان يتمنى أن نصل إلى ماركسية جديدة تنسجم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين، لاسيما ما بعد العولمة وفي ظل ثورة الاتصالات والمعلومات والانفجار العلمي والتقني، فإننا نعتقد معه أنّ الماركسية النقدية يمكن لها أن تتعاطى مع قضايا القرن الحادي والعشرين بفعالية إيجابية " لعل ما يجعل الفلسفة الماركسية صالحة للعمل وغير قابلة للنضوب هو قدراتها الذاتية على التفاعل الجدلي مع العالم .. إنها تأسيس في تاريخ الأفكار، ولعل معظم المعضلات الجديدة إنما تدخل أو تندرج في باب التفعيل والتشغيل المعرفي ". ونرى معه أيضاً " أنّ أممية جديدة في طورها إلى التأسيس بعيدة عن مفاهيم التابع والمتبوع وصيغ الإذعان و ( الرفيق الأكبر ) و ( الأصغر ) والتدخل بالشؤون الداخلية، بل أساسها الاستقلالية والاحترام المتبادل والتضامن الأممي والاجتهاد والتنوع في تطبيق الماركسية النقدية، غير الأرثوذكسية أو الماركسية المحنطة، والتي تحوّل بعضها إلى مجرد محفوظات أو شعارات ".
أهم إشكالات الدولة العراقية
بالرغم من " تآكل " الوطنية العراقية نتيجة صعود موجة الأحزاب والجماعات الطائفية فإنّ الدكتور شعبان بقي مهموماً بمستقبل الدولة العراقية، لذلك نجده يوصّف اختلالاتها البنيوية بثلاثية جوهرية: أولها، ضعف البنى وهشاشة التراكيب التي قامت عليها. وثانيها، عدم تلبية مطالب الشعب الكردي، حيث ظلت القضية الكردية دون حل، مما أدى إلى تبديد طاقات العراق في حرب داخلية " الأمر الذي دفع العراق بسببه الكثير، وعلى الأقل حروباً وأعمال عنف دون أن يحقق أحد شيئاً بالوسائل العسكرية، الأمر الذي يحتاج إلى حلول سياسية، سلمية، حقوقية، تخدم المشترك الإنساني والأهداف المشتركة ". وثالثها، تعاظم وازدياد المشكلة الطائفية، منذ صدور قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 وتجلياته.
كما تحدث عن ثلاثة تحديات استراتيجية في العراق الجديد: أولها، التحدي الدولي، خصوصاً بالقسمة الطائفية – الإثنية التي جاء بها بول بريمر في مجلس الحكم الانتقالي، وما رافقها من انفلات أمني وعنف مستمر واستشراء الطائفية واستفحال ظاهرة المليشيات، إضافة إلى تفشّي الفساد والرشوة والبطالة وغياب مرجعية الدولة وضعف الشعور بالمواطنة. وثانيها، التحدي الإقليمي، الذي يعيق تطور الوضع العراقي بشكل سليم، خصوصاً بحكم التأثير والامتداد والمصالح، والضغط على بعض القوى الداخلية لاستحقاقات مذهبية أو إثنية أو سياسية أو اقتصادية إقليمية، بما يؤدي إلى تعكير " الوحدة الوطنية " العراقية. وثالثها، التحدي الداخلي، بما هو استحقاق تاريخي لترسيخ قاعدة الحريات الفردية والعامة، وإعادة النظر بالقوانين والأنظمة السائدة لتخليصها من كل ما له علاقة بكبح حقوق الإنسان، وبالتالي الانتقال من الاستبداد والتسلط إلى الحرية والديمقراطية.
المسألة القومية
يعتقد الدكتور شعبان أنّ مخالفة المزاج العربي العام في المسألة القومية والموقف من الدين " باعتباره واحداً من أركان الاجتماع البشري "، وما رافقهما من ثغرات نظرية وسياسية وعملية، جعلت مهمة الحركة الشيوعية في العالم العربي صعبة " لقد تعاملت الأدبيات الماركسية مع المسألة القومية باستخفاف كبير، وكنّا غالباً ما نتندر على القومية و ( القومجية ) دون أن نميز الفارق بين العروبة، التي هي انتماء شعوري وفطري ووجداني، وبين القومية التي هي أيديولوجيا أو عقيدة ... لم يكن هناك ثمة وعي نقدي لليسار العربي وللماركسيين العرب بشأن الهوية العربية وطبيعة الصراع العربي – الإسرائيلي، فإضافة إلى الاتكالية والكسل الفكري وتنفيذ تعليمات المركز الأممي فقد كان هناك قصور في فهم طبيعة العلاقة من خلال رؤية مركبة ومتداخلة للوعي التاريخي العربي .. ولعل الموقف من القضية العربية، لاسيما موضوع الوحدة أو الاتحاد، ظل يمثل عنصر ضعف لدى الحركة الشيوعية بشكل عام .. إذ أنّ النظرة السائدة ظلت قاصرة وتعكس قراءة مغلوطة للمنهج الماركسي وفهماً مسطّحاً لأطروحاته ونصّيته في غير مكانها، خصوصاً وقد كان ماركس يتحدث عن القومية بمنظار أوروبي وليس بمنظار التحرر القومي ".
وعليه فقد رأى أنه كان على الماركسيين العرب تبنّي شعار الوحدة العربية والدعوة إلى تحقيقها بالأسلوب الديمقراطي، خصوصاً وأنها ستسهم في وحدة الطبقة العاملة العربية وكادحي البلدان العربية، الذين يمكن باتحادهم ودورهم بالنضال الوطني والقومي الإسهام على نحو أكبر بالنضال الاجتماعي والطبقي.
أما القضية الفلسطينية فقد رأى " أنّ الإنسان الفلسطيني هو ( الأنموذج الأممي ) للاضطهاد على المستوى الكوني، لاسيما وأنه اقتُلع من أرضه وصودر حقه الإنساني الأول في تقرير المصير جماعياً وفردياً، وذلك بإلغاء كيانيته في أكبر عملية سطو على التاريخ ". كما أعلن انحيازه إلى القضية الكردية باعتبارها " قضية شعب له الحق في تقرير مصيره "، ولكنه ليس مع القيادة الكردية في كل توجهاتها " هي مثلها مثل القيادات الأخرى، تخطئ وتصيب، وتتخذ سياسات بعضها صائبة والأخرى خاطئة، وبعضها يلبي مطامح الشعب الكردي والآخر قد لا يرتقي إلى ذلك ... وإذا كنتُ قد وقفت مع الشعب الكردي وارتبطت بعلاقات صداقة مع القيادات الكردية، إلاّ أنني وضعت مسافة بين الفرقاء المتصارعين وتعاملت مع ذلك بالنقد ".
وفي هذا السياق، اعتبر أنّ أي حل للقضية الكردية في العراق " ينبغي أن يلبي حقوق الشعبين ومصالح النضال المشترك، سواء كان اتحادياً طوعياً أو تكوين كيانية خاصة، لاسيما إذا كانت الظروف الداخلية الإقليمية والدولية تسمح بذلك وإلاّ ستتعرض الكيانية الكردية إلى الابتلاع ".
كما اعترف بأنّ طريق العلاقات العربية – الكردية محفوف بالكثير من العقبات والعراقيل، بل والمخاوف، عراقياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، ومن أهمها:
- محاولة عزل الكرد عن المحيط العربي وإضعاف ما هو مشترك وإيجابي في تاريخ العلاقات وتقديم ما هو خلافي وإشكالي.
- السعي لإظهار العروبة باعتبارها مسؤولة عما حدث للكرد، مقابل ذلك السعي لاتهام الكرد بالانفصالية والعداء للعرب والعروبة وتحميلهم مسؤولية ما حدث وما يحدث، خصوصاً بعد الاحتلال.
- تقديم ما هو طارئ ومؤقت وآني على ما هو استراتيجي وثابت وبعيد المدى، فلا يمكن استبدال العرب بشعب آخر كما لا يمكن استبدال الكرد بشعب آخر.
وخلص الدكتور شعبان إلى أنّ الفيدرالية الكردية هي واقع فعلي إداري وسياسي وقانوني، أما الحديث عن فيدراليات على أساس النسيج الطائفي أو المظلومية، فإنه سيكون أقرب إلى التبديد لا التحديد وإلى التشتيت لا التوحيد.
وأخيراً، إذا كان صحيحاً أنّ قراءة الدكتور شعبان للماركسية تندرج ضمن النقد الموضوعي والمراجعة المطلوبة، لكنه ظل يحاذر الدخول من الباب العريض في نقد الماركسية، إذ يبدو أنّ مناقشة أزمة الماركسية تكتسب أهميتها من خلال عدم الفصل بين المنهج والنظرية والتطبيق، بل برؤية العناصر الثلاثة معاً، بما يسمح بتعيين ما الذي يبقى من هذه النظرية صالحاً وضرورياً للتطور الاجتماعي والسياسي، ورؤية ما تقادمه الزمن وبات خارج التاريخ ؟



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار الثقافات أم صراع الحضارات ؟
- واقع العرب الراهن .. مصالحة تاريخية بين أطراف السياسة والمجت ...
- الأنظمة الاستبدادية .. العروبة ليست بخير
- الأمن القومي العربي يبدأ من علاقة الدولة بمواطنيها
- كلفة تعثر التنمية في العالم العربي
- فقر الثقافة السياسية العربية
- الدول العربية الفاشلة وشرعية الأمر الواقع
- حين تصبح المؤامرة مشجباً تعلق عليه الأزمات
- ضعف شرعية الحكومات العربية
- دور التعليم في تنمية الموارد البشرية العربية
- حالة المواطنة في العالم العربي .. سيادة الاستبداد وغياب القا ...
- تفاقم الاحتقان السياسي والاجتماعي في العالم العربي
- الحكومات العربية والرأي العام
- تضخم دور سلطة الدولة العربية وضعف دور المجتمع المدني
- تركيا والمشهد الإقليمي في الشرق الأوسط
- تدهور الحياة الثقافية العربية
- أهم معوّقات التقدم العربي
- الاقتصاد العربي .. الموارد استُنزفت والإرادة استُلبت
- افتقاد الأنموذج في العالم العربي
- العالم العربي من الفقر إلى استبداد الأنظمة


المزيد.....




- هل إسرائيل استخدمت أسلحة أمريكية في غزة بشكل ينتهك القانون ا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- استراتيجية الغربلة: طريقة من أربع خطوات لاكتشاف الأخبار الكا ...
- أمير الكويت يحل مجلس الأمة ويعلن وقف بعض مواد الدستور لمدة ...
- طالبة فلسطينية بجامعة مانشستر تقول إن السلطات البريطانية ألغ ...
- فيديو: مقتل شخصين بينهما مسعف في قصف إسرائيلي بطائرة مسيّرة ...
- بعد إحباط مؤامرة لاغتياله.. زيلينسكي يقيل رئيس حرسه الشخصي
- تحذيرات أممية من -كارثة إنسانية- في رفح .. وغموض بعد فشل الم ...
- مبابي يعلن بنفسه الرحيل عن سان جيرمان نهاية الموسم
- انتشال حافلة ركاب سقطت في نهر بسان بطرسبورغ في حادث مروع


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبدالله تركماني - في نقد الماركسية السائدة .. عبد الحسين شعبان يحطم مراياه