|
ماذا بعد تقرير الخارجية الأمريكية عن اضطهاد الشيعة في السعودية؟
علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 968 - 2004 / 9 / 26 - 09:02
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
في الأسابيع القليلة الماضية، وقبل أشهر أيضاً، قامت الحكومة السعودية بحملة إعلامية تلفزيونية جديدة موجّهة للشعب الأمريكي مُعلنةً وقوفها ضدّ الإرهاب وتعاونها مع الحكومة الأمريكية في الحرب عليه مستندةً على أدلة من تقارير أمريكية وخطابات لمسؤولين أمريكيين. هذه الحملة وحملات أخرى، ومعارض وإعلانات في الصحف الغربية كلّفت مئات الملايين من الدولارات، وزيادة إنتاج النفط لينخفض سعره إرضاءً للأمريكيين، والقواعد الأمريكية في السعودية خلال الخمسين عاماً الماضية، ومساعدة وتمويل المخابرات الأمريكية في الكثير من العمليات السرّية، كل ذلك باسم الصداقة والمصالح المشتركة. أمّا أن يبحث الشيعة عن مصالحهم في إطار الوطن مطالبين بالمساواة والعدالة والحرية، فهذا يعني أنهم خونة وعملاء. هذا لن يغيّر في الواقع شيئاً، وإذا ما أراد الشيعة نيل حقوقهم فعليهم أن يكونوا بالوعي المناسب متعاونين مع الجهات التي تدعم قضيتهم، وهذا يعني التوجه للقوى المؤثرة في العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، لا التقوقع في مكانهم والتزلّف للحكومة التي لا تزال تمارس أبشع أنواع التمييز الطائفي والاجتماعي والاقتصادي والديني ضد الشيعة. لا تستطيع الحكومة السعودية إنكار اضطهاد الشيعة، فانتقادها لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية وربطه سياسياً بالانتخابات القادمة في نوفمبر، خاصةً وأن التقرير لم يذكر أي تقدم في مجال الحريات الدينية، بل ذكر بوضوح غياب الحريات الدينية بشكل مطلق. لهذا قامت الحكومة السعودية، وحفاظاً على علاقتها بالحكومة الأمريكية "والمصالح المشتركة" بزج الشيعة في المعركة ليتّهموا الحكومة الأمريكية بالظلم والانتهازية وتحقيق مصالحها الداخلية على حساب الشعوب عن طريق التركيز على موضوع إسرائيل وأفغانستان والعراق. الهدف من هذه الحملة والتي انساق معها العديد من المثقّفين وبعض رجال الدين هي ذات شقّين، الأول هو توتير العلاقة بين الشيعة والولايات المتحدة الأمريكية، إن كان هناك علاقة أصلاً، للإيحاء بأن الشيعة ليسوا طرفاً "صديقاً" لأمريكا وأنهم لن يكونوا ذوي مصداقية في المستقبل ولا يمكن الاعتماد عليهم وبالتالي يتم تهميشهم وتهميش قضيتهم. الشق الآخر هو نتيجة لما سبق، وهو أن الحكومة السعودية هي أفضل صديق يُعتمد عليه وهذا يعني المراهنة على آل سعود لتحقيق المصالح الأمريكية في الوقت الراهن وفي المستقبل وإنهم صمّام أمان لتحقيق تلك المصالح. إذاً المطلوب من الشيعة هو الظهور كالأهبل، بدل أن يساعد نفسه لنيل حقوقه كاملةً، يقف في وجه الداعمين له والمتعاطفين مع قضيته، يعمل في اتجاه معاكس داعماً الحكومة التي تضطهده ليستمر استعباده وبالتالي يقطع على نفسه كل وسائل المساعدة والضغط الخارجيين. من وجهة نظر شخصية، وأقول شخصية، لأن ما سأكتبه هنا ربما يختلف الكثير من الشيعة حوله، وأنا هنا أتحدث عن نفسي فقط ومن رؤيتي الخاصة. المطلوب من الشيعة في هذه المرحلة بعد إدانة الحكومة السعودية في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بشأن الحريات الدينية هو أن يستثمروا هذا الوقت ويُبرِزوا مظلوميتهم على نطاق عالمي أوسع خاصةً وأن التمييز ضدّهم ثابت لا يمكن نكرانه وهو مستمر. من ضمن هذه النشاطات التواصل مع سفارات دول العالم وبالذات سفارات الدول الغربية، ودعوة السفراء والقناصل الأجنبية لحضور منتديات الحوار المحلية ومطالبتهم بإدانة الحكومة السعودية لإيقاف تلك الانتهاكات، وهذا واجب تحتّمه القوانين الدولية والإنسانية والمصالح المستقبلية أيضاً. على المستوى الشخصي، من الممكن عمل صداقات مع الجهات الإعلامية العالمية، حيث من المناسب التواصل مع الصحافة الأجنبية لإعطاء تصريحات ومقابلات صحفية، ودعوة الصحافة العالمية للقدوم للمناطق الشيعية وعمل تحقيقات صحفية من خلال الواقع الذي يعيشه الشيعة واستخدام الصحافة العالمية لنشر ما نتعرض لهم من اضطهاد وتمييز بغيض منافي لجميع المواثيق العالمية لحقوق الإنسان، ومنافي لمبادئ الإسلام العظيم. هذا العمل ضروري جداً لمواجهة الآلة الإعلامية الحكومية التي تدفع الملايين للأقلام المأجورة وعمل الدعايات الكاذبة في الخارج. كذلك يجب توثيق جميع الانتهاكات الحكومية ضد الشيعة ونشرها وترجمتها وإرسالها للمنظمات العالمية المهتمة بحقوق الإنسان والأمم المتحدة، والمطالبة بالضغط على الحكومة السعودية لتحقيق العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة بالذات، وممارسة الشعائر الدينية والإفراج عن المسجونين السياسيين من الشيعة الذين لازالوا يقبعون في السجون تحت التعذيب ولسنوات دون محاكمة. لا يجب أن نغفل عن تدوين كل الانتهاكات الحكومية ضد الشيعة والتي من ضمنها منع الألوف منهم من السفر ورفض عملهم في العديد من الشركات العاملة في مجال النفط في المناطق الشيعية والتمييز ضدّهم في الوظائف الحكومية واستبعادهم من المناصب العليا في الحكومة ومنعهم من العمل في السلك العسكري والدبلوماسي، وغيرها الكثير؛ وشبكة راصد هي من أفضل المواقع الذي يُعتمد عليها في توثيق الانتهاكات الحكومية، وهذا يتطلب تعاون الشيعة مع الشبكة لتوثيق معاناتهم دونما خوف. حتى مع القرار الجديد لمجلس الوزراء الذي يمنع الموظفين من الاعتراض على سياسة الدولة وتقديم معاريض أو جمع تواقيع أو تحدّث للصحافة الخارجية أو غيرها، ويهدد بالفصل من الوظيفة والمعاقبة الشديدة، وهو قرار "غبي" يزيد الأمور تعقيداً ويشحن الناس بالكراهية ضد الدولة، لا يجب أن يكون هذا عائقاً للشيعة من أن ينظموا حملة أخرى، كالحملة السابقة: شركاء في الوطن، وجمع أكبر عدد من التواقيع فيها مضمّنةً حقوق الشيعة ومطالبهم التي وافق عليها ولي العهد ولم يتحقق منها أي شيء، بل بانت الكثير من الانتهاكات التي تغاضت عنها الحكومة ولا تزال، وكأن الهدف من العريضة السابقة هو كسب الوقت للحكومة لأنها في أزمة مع التيار الإرهابي؛ ما أن تنقضي الأزمة، تعود الحكومة إلى ما كانت عليه لتستمر في اضطهادها للشيعة والذي لم يتوقف إلى الآن. هذه الحملة يجب أن تتوافق مع تحرّك إعلامي يتناسب مع حجم المعاناة، وأن يكون نصب أعيننا دائماً حقوقنا أولاً، وأننا جزء من هذه الأرض. يُفترض من توجهنا الإعلامي الخارجي بيان قدرتنا على استيعاب التغيرّات العالمية ورغبتنا في نشوء صداقة مع دول العالم مبنية على المصالح المشتركة، كما تفعل الحكومة السعودية الآن، ولكن بطريقتنا الخاصة، فنحن نؤمن بحرية التعبير وحرية ممارسة الشعائر الدينية للآخرين، ونؤمن بحقوق الإنسان وحقوق المرأة ونؤمن بمؤسسات المجتمع المدني. نحن نؤمن بمبدأ السلم العالمي ونرفض التطرف والإرهاب والتمييز العنصري والطائفي والعرقي والديني، ولأننا لازلنا نعاني من التمييز على مستوى الطائفي والاجتماعي والاقتصادي، فلن نرضى بممارسة التمييز ضد الآخرين، لذلك فنحن شريك يُعتمد عليه في المستقبل. إن حاجتنا للدعم الخارجي لقضايانا يجب أن يكون من البديهيات، ولا يجب أن ننظر إلى ما يقوله الآخرون عنّا واتهامهم لنا بالعمالة والخيانة، فمصلحة شعبنا هي ما نسعى إليه، الحفاظ على خيراتنا هو هدفنا، العيش بحرية في مجتمع مدني يؤمن بالديمقراطية، يؤمن بتداول السلطة والانتخابات، يؤمن بأن صناديق الاقتراع هي الفيصل في تحديد الحاكم، يؤمن بوجود فصل بين السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، يؤمن باستقلال القضاء، يؤمن بمبدأ المحاسبة وأن لا شخص فوق القانون، يؤمن بالحوار وبحرية التعبير وممارسة الشعائر الدينية هي مرتكزات أساسية لا يمكن التفريط فيها. إذا كانت هذه المطالب والأهداف عمالة وخيانة، فأهلاً بهذه العمالة والخيانة.
#علي_فردان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشيعة يرحّبون بتقرير الخارجية الأمريكية وإدانة الحكومة السع
...
-
الشيعة في السعودية يطالبون بحقوقهم كاملةً غير منقوصة
-
ملخّص تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية في ا
...
-
رد على شيخنا الصفّار حول تقرير وزارة الخارجية الأمريكية
-
الخصوصية السعودية: استبداد ودعوة صريحة للعنف
-
ثلاث سنوات على تفجيرات سبتمبر: مازال الإرهاب مستمراً
-
إلى المتميّزين من الشيعة في السعودية: موتوا كمداً
-
مشايخ الإرهاب والإرهابيون: سياسة فن الممكن
-
السلام على المذبوحين في العرق
-
لا تخذلوا الشعب العراقي ولا العراق
-
التسامح واحترام الآخر: لا يشمل المواطنون الشيعة
-
لنا الكوارث ولهم الخيرات
-
الحكومة والوطن والمواطن: رأيٌ آخر
-
أين مصلحة الوطن العليا؟
-
مهزلة القضاء السعودي: إذا بُليتم فاستتروا
-
قبول الطالبات الشيعيات في الكليات الصحية: الخطوة التالية الم
...
-
قناة الجزيرة: لماذا في بغداد وليس دارفور؟
-
القيد للمجرمين والحرية لأستاذنا الدميني
-
شهيد الواجب في الرياض، وقتيلٌ في بغداد !!
-
السنافي يسأل عن حقوق الإنسان وعاداتنا وخصوصية غرف النوم
المزيد.....
-
الشرطة الأسترالية تحقق في -هجوم إرهابي- استهدف كنيسا في ملبو
...
-
بشار الأسد وأسرته في روسيا.. ما حقيقة الصورة -المُسربة- للحظ
...
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الحرب في أوكرانيا ولبنان مصير سوريا؟
-
تحليل لـCNN: خطاب -النصر- للجولاني حمل رسائل إلى إيران وترام
...
-
دليل وراثي جديد على خطر الإصابة بالفصام
-
خوف أمريكي
-
مقتل 29 شخصا في قصف جوي على محطة وقود جنوب الخرطوم
-
ماذا قالت طالبان عن الإطاحة ببشار الأسد.. ورؤيتها لمستقبل سو
...
-
هل أمريكا مازالت تعتقد أن هيئة تحرير الشام لها علاقة بداعش؟.
...
-
سجناء سوريا.. الفرج يأتي ولو بعد حين
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|