|
قناة الجزيرة: لماذا في بغداد وليس دارفور؟
علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 920 - 2004 / 8 / 9 - 10:48
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
تفتخر قناة الجزيرة بأن لديها طاقم يزيد على 100 شخص في بغداد وحدها مع أجهزة بث حي والعديد من المراسلين منتشرين في العراق لتغطية ما يجري هناك حتى مع تعريض أرواحهم للخطر "لإيصال الحقائق" للعراقيين، لكنها لم تُرسل مراسلاً واحداً إلى دارفور، لينقل الحقائق إلى الشعب العربي. من تابع قناة الجزيرة عندما كانت أفغانستان يحكمها الملا عمر زعيم حركة طالبان الإرهابية يلاحظ كيف أنها القناة الوحيدة التي سُمِح لها بدخول البلاد، وكيف أن مراسلها يتحدث عن الملا عمر بقدسية وكأنه تابع له، حتى بان عوار تلك المحطة من هناك وقت تمجيد نظام التخلف والإرهاب. عندما بدأت القناة بثّها استبشر الكثير من الناس لحرفية القناة، حتى مع وجود نواقص، فالكمال لله، فالقناة لا تجرؤ على نشر أي نقد لسوريا ولا لحكومة قطر، وللحقيقة نقول بأن القناة أحدثت نقلة نوعية أول افتتاحها لبعدها الكبير عن التطرف الإعلامي وتوازنها في نقل الأخبار والأحداث العربية، ولنقاشها الصريح في مواضيع كثيرة تعتبر من المحرّمات لدى القنوات الحكومية الأخرى. لكن هذه القناة تغيّرت، فهي ليست القناة التي يُعوّل عليها لنقل الحقائق، وإن كنّا مع حرية الإعلام لكن قناة الجزيرة أصبحت صوتاً نشازاً ضد مصالح الشعب العراقي ساعيةً لخلق الفتنة. تفتخر الجزيرة بأنها كانت وسط الفلوجة معرضةً مراسليها للخطر لنقل الأحداث أولاً بأول. لقد قامت قناة الجزيرة بنقل كل جرائم البعثيين والقتلة على اعتبار أنهم من "المقاومة" وتحدثت عن القتلى من رجال الأمن العراقيين والمواطنين بصيغة "أشخاص" بينما تتحدث عن فلسطين المحتلة وقتلى الفلسطينيين على أنهم شهداء. قناة الجزيرة لم تخجل بأن تمجد هيئة علماء المسلمين، الوجه القبيح والمتحدث الرسمي لجماعة الزرقاوى من أتباع القتلة أعضاء القاعدة. هذه الهيئة بررت قتل العديد من العراقيين المخطوفين والتمثيل بجثثهم ولم تقم بإدانة أي عمل إرهابي، لكنها طالبت بالمعاملة الإنسانية والحفاظ على صحة وحياة القائد "الملهم صدام". لذلك قناة الجزيرة نددت بقرار إيقافها عن العمل في العراق لمدة شهر، وتقول أن الكثيرين من العراقيين أبدوا انزعاجهم، وكدليل تقول أن طالب في الجامعة قال: القرار جاء استجابة للضغوط الأمريكية على الحكومة العراقية". هذا هو الكثيرين في نظر قناة الجزيرة. طبعاً أول من استنكر وندد كما تقول قناة الجزيرة هم عصابة الزرقاوى الذين ما انفكوا على اتصال مع الإرهابيين والقتلة الذين اختطفوا وقتلوا وذبحوا وسحلوا الجثث، هم دعاة الفتنة في العراق، هيئة علماء المسلمين في العراق التي قالت بأنه "سيحرم العراقيين من الاطلاع على ما يجري في العراق". الطرف الآخر الذي أدان هو سيء الذكر عبدالباري عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربي. المعروف أن الكثير من الدول العربية أدانت قناة الجزيرة، منها الأردن والكويت والسعودية، فالقناة التي تتحدث عن منعها مؤقتاً في العراق لا تستطيع إرسال مبعوث واحد لها إلى السعودية، ولكن ذلك لم يمنع القناة من الصمت. في المقابل، تنقل الجزيرة، عن أطباء مصريين عادوا من دارفور قولهم بأنه لم يكن هناك مجاعة ولا اغتصاب ولا قتل. لماذا لم ترسل لنا قناة الجزيرة الباسلة التي خاض مراسلوها غمار معارك القتلة ونقلت صورهم يهتفون بروح القائد صدام، لماذا لم ترسل أحداً إلى هناك لنقل الصور المروعة التي تناقلتها وسائل الإعلام؟ الحال في دارفور هو تطهير عرقي منظم من عصابة الجنجويد العربية التي تدعمها الحكومة "الإسلامية السودانية" والتي لم تقم فقط بجمع الناس وحرقهم في بيوتهم، بل قامت باغتصاب النساء ووسمهم كنوع من الدلالة على أنهن اغتصبن، لإثارة الخوف والإرهاب وكنوع من زيادة الامتهان لكرامتهم، وتم تشريد أكثر من مليون مواطن سوداني. التقارير الإنسانية تنقل الكثير من المآسي وكيف أن عصابة الجنجويد تعمل تحت سلطة الحكومة السودانية ولا يمكن تمييز تلك العصابة من الجنود في معظم الأوقات. إن ما نقلته وكالات الإغاثة والتقارير الغربية تبين هول الفظائع والمجاعة والتشريد في دار فور، وإن ذلك أسوء كارثة إنسانية في العالم. الحكومة "الإسلامية السودانية" تقوم بقصف القرى بالطائرات لتدخلها عصابة الجنجويد لتكمل العمل البطولي "الإسلامي" مع القوات الحكومية وهو اغتصاب المدنيين وحرق القرى بأهلها. هذه هي تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان مثل هيومان رايتس واتش، والتي تؤكد أيضاً بأن الضحايا هم مسلمون، أليس هذا ما يدعو للحيرة! لكن للأسف، الدول العربية قامت بغض الطرف عما يحصل في السودان، كما غضّت الطرف مسبقاً عما حصل في العراق من إبادة جماعية للأكراد وتطهير عرقي لهم، ومن المقابر الجماعية للشيعة في الجنوب وكأن شيئاً لم يكن. الحكومات العربية تجتمع في القاهرة، وتتحدث الجامعة العربية عن العديد من الأمور وعلى رأسها الكذب بشأن ما يحدث في دارفور وتجنب التدخل الأجنبي. وكالعادة، قامت السودان باتهام إسرائيل وأنها لها ضلعاً فيما يحصل هناك، مثلما قال الأمير عبدالله بعد تفجيرات ينبع وسحل جثث الغربيين، قال بأن الصهيونية تقف خلف تلك الأحداث. لازالت الحكومات العربية وبآلياتها الإعلامية تكذب معتقدةً بأن الفرج يأتي لوحده دون عمل، وكما حصل التدخل في العراق، سيحصل في السودان، فالسودان أضعف من أن يرد أي نوع من التدخل الأجنبي. في الوقت الذي نصّبت هذه الحكومات نفسها للدفاع عن "الشعب العراقي" لأنه شعب عربي مسلم، تتعاون مع الحكومة السودانية للتغطية على الوضع المأساوي في دارفور والذي ضحاياه من المسلمين. التبرير الوحيد هو أن ما يحصل في العراق يمكن توجيه اللوم على الأمريكان المحتلّين وعلى الحكومة "العراقية المؤقتة العميلة"، لكن بماذا يمكن تبرير ما يحدث في السودان؟ اغتصاب، قتل، حرق، تطهير عرقي، والضحايا من السودانيين المواطنين المسلمين، لكن ليسوا من العرب. إن قناة الجزيرة وإن اختلفت مع الحكومات العربية في بعض التفاصيل، فهي في النهاية لا تختلف في الهدف الذي أُنشأت من أجله، وهو ما يجعلها أكثر من متميزة في نشر غسيل العراق وترك موضوع السودان لتنقل ما يحصل هناك من منظمات حكومية "عربية" لم يكن ولن يكون لها أي نوع من الاعتبار ولا المصداقية. لقد قالها العديد من المثقفين العراقيين والعرب، قالوا بأن قناة الجزيرة ليست فقط غير نزيهة في نقلها للأحداث في العراق، بل تنقل وتمجد الأطراف الإرهابية التي تقوم بعمليات الاختطاف والقتل والذبح، وتنشر أشرطتهم وكأنها أصبحت بين يومٍ وليلة الجناح السياسي للإرهابيين، ومع ذلك تتحدث القناة عن الحيادية والنـزاهة المهنية. لن يبكيك الشعب العراقي بل ستبكيك جموع البعثيين والإرهابيين الوهابيين الذين وجدوا صوتاً لهم في قناة الجزيرة. كناّ نتمنى أن يتبع إغلاق مكاتب قناة الجزيرة إغلاق مكاتب قناة العربية أيضاً حتى يتوجهوا بمكاتبهم ومراسليهم الأشاوس وأجهزتهم الحديثة إلى دارفور لينقلوا لنا من هناك "جنة السودان".
#علي_فردان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القيد للمجرمين والحرية لأستاذنا الدميني
-
شهيد الواجب في الرياض، وقتيلٌ في بغداد !!
-
السنافي يسأل عن حقوق الإنسان وعاداتنا وخصوصية غرف النوم
-
الإصلاح في السعودية: لا تتفاءلوا - - تُحبَطوا!!
-
نكافح الفقر أم التسوّل؟
-
الأقباط في مصر والشيعة في السعودية: تشابه في الاضطهاد
-
كيف لا يشعر الشيعة بالاضطهاد في وطنهم؟
-
من يضحي بحياته ليعيش آل سعود؟
-
المرأة في عصر الإسلام وفي عصر آل سعود
-
خذوني إلى أرض الأمل
-
انتهاكات حقوق الأجانب في السعودية: في انتظار فجرٍ جديد
-
تعالوا نفجّر ونقتل ونسحل الجثث الآدمية
-
الطائفية ضد الشيعة في السعودية: جريمة حكومية منظمة
-
ثلاث شمعات تضيء طريقنا المظلم
-
شعار الدولة السعودية: العفو عن الإرهابيين والتنكيل بالآخرين
-
الهروب في زمن الإرهاب
-
أعداء الإنسانية: قراءة في فكر الندوة العالمية للشباب الإسلام
...
-
انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية بوابة الإرهاب
-
الكاتبة السعودية وجيهة الحويدر: قضيتكِ قضيتنا
المزيد.....
-
-العثور على صدام حسين في سجن صيدنايا-.. كيف حدث تزييف الصورة
...
-
لأول مرة.. بلينكن يقر علنًا بإجراء أمريكا اتصالات -مباشرة- م
...
-
قصة أول قائدة طائرات مغربية التي قتلت برصاص في الرأس
-
تركيا تعيد فتح سفارتها في دمشق بعد سقوط الأسد
-
ألمانيا.. عشرات المتعاطفين مع الأكراد يعتلون سطح القنصلية ال
...
-
أحمد الشرع: الثورة السورية انتصرت وينبغي بناء سوريا لتصبح دو
...
-
أمين عام حزب الله: منعنا تل أبيب من القضاء على المقاومة ومن
...
-
قديروف يحدد خيارا وحيدا للجنود الأوكران للبقاء على قيد الحيا
...
-
مدفيديف: الغرب يحاول -بائسا- الحفاظ على هيمنته
-
سيناتور روسي: ماكرون على حافة الهاوية بعد تعيينه بايرو رئيسا
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|