علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 949 - 2004 / 9 / 7 - 10:10
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يقال عن السياسة فن الممكن، والإرهابيون أنفسهم يتبعون نفس المنطق. عندما فقدوا القدرة على القتال المباشر مع "أعدائهم"، عندما توصلوا إلى قناعة بأنهم فشلوا في تركيع "الغرب الكافر" بقتلهم الأبرياء في تفجيرات 11 سبتمبر 2001 م الإرهابية، عندما فشلوا في طرد "القوات المحتلة" في العراق، توجهّوا إلى الأبرياء بحجة دعمهم للأمريكان أو للحكومة العراقية "العميلة".
العمليات الإرهابية باسم الدين تزداد حدةً وإن قلّ عددها، يغذّيها بين فترة وأخرى فتاوى ومقالات لأصحاب الفكر الإرهابي بلبوس الدفاع عن الدين والأرض والمقدّسات والدفاع عن النفس. هذه المصطلحات ليست جديدة، ولكن استخدامها في هذه المواقع لها أهداف مشبوهة، وأعني قضية احتلال الأمريكان للعراق. يتحجج الإرهابيون وأتباعهم من الشيوخ مثل القرضاوي وبعض الكتّاب "الإسلاميون" مثل هويدي بأن كل أرض الإسلام واحدة والدفاع عنها ضد الاحتلال مشروع، وهذا لا جدال فيه. ولكن تناسى هؤلاء بأن الشعب العراقي وعلماءه أهلٌ للتصدي للاحتلال ولم يطلبوا مساعدتهم، فالشعب العراقي قام بثورة العشرين ضد الإنجليز ويستطيع أن يثور ضد الأمريكان وغيرهم، بل رفض العراقيون وعلمائهم أي نوع من الوصاية على الشعب العراقي والتدخل في شؤونه.
إن ربط مشايخ الإرهاب والتطرف ما يحدث في العراق بما يحدث في فلسطين في أحيان كثيرة هو خلط للأوراق بشكل واضح، ففلسطين أرض محتلة منذ أكثر من 50 عاماً، وشعبها تم تشريده وقتله وليس هناك نية لليهود أن يغادروا فلسطين وإسرائيل دولة معترف بها من قبل العالم أسره وأكثر الدول العربية والإسلامية أيضاً، فأول سفارة لها في العالم العربي في مصر التي ينتمي إليها الشيخ القرضاوي والأستاذ فهمي هويدي والكثير من أبواق الأنظمة الفاسدة من الكتّاب الحاقدين على الشعب العراقي التي تكتب في الصحف مثل صحيفة الشعب المصرية. وحتى في فلسطين المحتلة هناك لقاءات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية باستمرار والعمالة الفلسطينية بسبب الفقر هي من تبني المستوطنات على أرضها المسلوبة ورجال السلطة الفلسطينية الفاسدة هم من ببيع الإسمنت لإسرائيل لبناء المستوطنات والجدار الذي ينعتونه "بالعنصري" فهم شركاء في الجريمة.
أماّ في العراق فالأمم المتحدة أعلنت أن أمريكا قوة احتلال في العراق، وأمريكا نفسها تعترف بذلك، وإنها ستخرج طالما يستقر الوضع وتحدث انتخابات نزيهة تأتي بحكومة ديمقراطية. الشيء الآخر هو أن مشايخ التطرف والإرهاب والكثير من الكتّاب والمثقفين العرب الذين لا ضمير لهم لم يصمتوا فقط عن مآسي الشعب العراقي طوال الثلاثين عاماً الماضية تحت حكم صدّام، بل دعموا نظام صدّام، كما الحكومات العربية والإسلامية، فالطيور على أشكالها تقع. إن شيوخ التطرف لا يفتوا بقتل المدنيين والعسكريين الأمريكان في بلادهم، كما في مصر وقطر والسعودية والدول العربية الأخرى، لكن يفتوا بقتل الأمريكان في العراق. هذا ما أفتى به أخيراً الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ له ابنتان تدرسان في بريطانيا، ولهذا لم يُشرك المدنيين والعسكريين البريطانيين في فتواه، مع أن القوات الانجليزية والأمريكية اشتركتا في "غزو واحتلال" العراق.
الأهم من ذلك هو رأي الشعب العراقي الذي يتحدث باسمه هؤلاء الموتورين، الشعب العراقي لم يثور على قوات الاحتلال حين سقط صدّام، بل خرج فرحاً إلى الشوارع بعد قتل وسجن وتجويع دام طوال حكم نظام البعث. الشعب العراقي قالها حين صوّت أكثره بقبول الحكومة المؤقتة الجديدة وكذلك رفضه للاحتلال، لكن ليس إلى الدرجة التي يريد فيها خروجه قبل قيام حكومة منتخبة قوية تضمن عدم انجرار العراق إلى حرب أهلية ومجازر تهلك الحرث والنسل. والشعب العراقي هو أول من رفض العنف وقتل وخطف وذبح الأبرياء وتفجير البنية التحتية وأنابيب النفط التي يقوم بها الإرهابيين وأكثرهم من خارج العراق، وعلى رأسها السعودية. هؤلاء الإرهابيون لا يهمهم أن يموت الشعب العراقي وتحترق ثرواته، ويعاني الأمرّين، فمعدل الخسارة من كل عملية إرهابية لتفجير أنابيب نفط في العراق هي 147 مليون دولار. هؤلاء الإرهابيون لا يقومون بتفجير أنابيب النفط في بلادهم، ولا يقومون بتفجير محطات الكهرباء والماء والهاتف في بلادهم، ولا يقومون بزرع الألغام في الشوارع في بلادهم، لكنهم يرون ذلك واجباً في العراق، فأقصى ما يحدث هو المزيد من القتلى العراقيين وأكثرهم من الشيعة، وهذا يزيد من رغبتهم في المزيد من الدمار للعراق وأهله.
شيوخ الإرهاب لازالوا صامتين فلم يبكوا على الشعب السوداني الذي راح ضحية الحكومة "الإسلامية" في السودان فقُتل عشرات الآلاف منهم وتم تشريد أكثر من مليون مواطن مسلم وحرق المئات منهم واغتصاب المئات من نسائهم ويعيشون مجاعة وهي أكبر كارثة في العصر الحديث نشرتها جميع القنوات الغربية، إلاّ قنوات الحكومات العربية. تحدّثت عن هذه الجرائم جمعيات حقوق الإنسان في العالم ولم يتحدث عنها شيوخ الإرهاب لأن ذلك ليس من اختصاصهم. اغتصاب المسلمات المواطنات في السودان ووسمهم كالحيوانات كنوع الإذلال لا يبكيهم، لكن يبكيهم مقتل المواطن العراقي الذي لم يحركوا ساكناً من قبل للدفاع عنه حين تم استخدم نظام البعث القذر الأسلحة الكيماوية ضده فمات الآلاف في مشاهد مأساوية، كما ظهرت أيضاً على شكل مقابر جماعية ضمّت عشرات الآلاف منه. شيوخ الإرهاب لم يبكيهم خطف الأبرياء وذبحهم في العراق ولم يبكيهم مقتل المئات من أطفال المدارس في أوسيتيا، ولم يبكيهم موت المئات من المواطنين تحت التعذيب في مصر وسوريا والسعودية وغيرها. شيوخ الإرهاب لم يبكيهم وضع الإنسان العربي أو المسلم طالما كان الحاكم بأمر الله "مسلماً" يصلي الفرائض الخمس حتى لو قام بقتل الملايين من شعبه.
الإرهابيون لم ينجحوا في كسر "أمريكا الكافرة" في عقر دارها حين قتلوا الآلاف من الأبرياء في أكبر عملية إرهابية في التاريخ. لم ينجحوا في كسر أمريكا بقتل جنودها في العراق حيث كانوا على أمل أن تخرج أمريكا صاغرة، كما كانت أحلامهم حين قاموا بقتل وحرق وسحل الجثث الآدمية في الفلوجة. وقتها خُيّل لهم ولمشايخهم بأن الأمريكان سيخرجوا صاغرين مثلما خرجوا من الصومال، كما كتبوا على مواقعهم المتطرفة على الشبكة العنكبوتية، مثل موقع المتطرف الشيخ ناصر العمر. لم يفقدوا الأمل فتوجهوا إلى مبنى الأمم المتحدة وتفجير مراكز الشرطة العراقية والمؤسسات الحكومية، وأخيراً إلى أسهل الأهداف وهم المدنيين الأجانب بحجة أنهم يساهمون في نقل المواد الغذائية إلى الأمريكان ولولا ذلك لما استطاع الأمريكان البقاء في العراق، كما قال أحدهم "أبو تركي" في رسالة وصلتني رداً على المقالات الأخيرة التي كتبتها، مبرراً حز رؤوس الفقراء.
إن هذه المبررات الساذجة يقبلها البسطاء من الناس الذين يعوّل عليهم شيوخ التطرف في تنفيذ أهدافهم الشيطانية. أب لأحد الشباب وصله خبر "استشهاد" ابنه دفاعاً عن طالبان في أفغانستان، فذهب للشيخ الذي اعتقد أنه وقف خلف دفع ابنه للذهاب إلى مقبرة طالبان. قاله له الشيخ الإرهابي بأن ابنك ذهب شهيداً فلك أن تفرح، حينها قال الأب للشيخ بحرقة: إذاً لما لم ترسل ابنك ليكون شهيداً هناك، كان رد الشيخ بخبث: إنك لا تهدي من أحببت. فشيوخ التطرف لا يجازفوا بأرواحهم ولا بأرواح أبنائهم، ولا يخاطروا بمناصبهم والأموال التي يجمعونها ولا بالقصور التي يملكونها، بل يجازفوا بأرواح الآخرين من الشباب المتحمس ليكونوا وقود حرب معروف نتائجها، وهذا أيضاً سياسة "فن الممكن"، فهل من معتبر؟
#علي_فردان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟