أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيمون خوري - وددت ، لو أحببتك منذ الولادة .. لكان العمر أجمل .















المزيد.....

وددت ، لو أحببتك منذ الولادة .. لكان العمر أجمل .


سيمون خوري

الحوار المتمدن-العدد: 3230 - 2010 / 12 / 29 - 17:32
المحور: الادب والفن
    



ما بين الأمس والغد ، ودعت بحراً مضى . أنا ، اليوم ما بين يومين ، مويجات صغيرة ، حملت الأمس الفائت في جيب خاصرتها ، ككنغارو إسترالي مُهجر الى ناطحات سحاب في فضاءات بعيدة .
نوارس صغيرة تطلق صافراتها ، معلنة زمن الإبحار في عالم جديد ، في بحر جديد . فقد إرتدى القبطان بدلتة الأنيقة وقبعته البيضاء . ودخان أبيض ينطلق من غليونه . ونوتي صغير يجرجر أخر بقايا حبل سري ، يصله بذلك الميناء . لا مودعين يحتفلون بغرقك ، ولا مستقبلين يحزنون على عودتك من يومك الى أمسك . فالغد هو ذاك الطفل الجميل . هل لديك أطفال ..؟ لا أحد يومئ بيده ، فالريح ساكنة .
سيدي القبطان ، هل لديك أطفال ، بوصلة المستقبل ؟ في رحلتك نحو البلاد التي تبكي فيها العصافير ، على نوعية الهواء الذي تستنشقه بلادنا ؟! أم حلاً سحرياً لحالة الطوارئ التي أعدمت من قواميسها كل كلمات الحب والغزل بالإنسان والورد والبحر . وحنطت الزمن في تمثال زجاجي ، قيل أنه من عالم خارق للعادة لا يعرف معنى الزوال ، ولا كيف تطلع الشمس من الغرب أم من الشرق ..؟ ويقدس الحائط والخشب والحجر .
لا شئ سوى صدى موج البحر ، موجة تعانق موجة ، ونورسة تلهو مع نورساً .. ونسمة هواء ، تبث موجز نشرة أنباء القلب ... وأنت ماذا ؟
أنا .. ههنا ، مرة أخرى ، أسامر بحر قادم جديد ، أجثو على شاطئه . أرمم بزبده كل آلام السنين المهاجرة ، وأغارُ من تلك الطيور الراحلة نحو الشرق .
بحر أبيض ، بحر أسود ، بحر أحمر ، وأخيراً بحر أصفر ، يهدد كل بحار العالم ، بالتحول الى " تسونامي " أخر . الى محيط من الدم ؟. و" بوذا " ما زال ينتظر في مكانه ، دون ملائكة . غافياً في محراب جوف الصمت ، فمن يسمع دعاء " يونس " وهو كظيم ؟ . حجر صامت ، نص صامت ، شعب صامت . أما حان آوان الغناء ؟ وأنت ماذا ..؟ أي بحر لديك ؟!
****** ******
قلت لها ، غداً سأبدل لون السماء ، سأحتسي القمر دفعة واحدة ، ثم ألقي بكأسي الفارغ ، خلفي نحو الماضي .. كما في حانة موسكوفية قديمة ، أو خمارة كرتكية شعبية ، وربما أحلم بخمارة أبو حنا العتيقة ، وشريحة " بسطرما " رقيقة جداً ، كرقة ورقة سيجارة لف . تتوسط صحناً صغيراً . أحزن على وجودها .. أتركها على حالها ، ليس رأفة بأبو حنا ، بل شفقة عليها . فمن العار أن تعيش لحظة المعراج وحدك.. والناقوس يقرع كل يوم ، مؤذناً في الفراغ .
فقد حان موعد الإبحار ياصديقتي ؟
قالت : قبل الرحيل ، برهن على أنك نهرٌ جاري ؟ فالحياة نهر ..
الحياة نهر .. الحياة نهر ..؟
في بلادنا جفت كل الأنهر . وأنت ياصديقتي ، منذ ولادة الأرض ترفعين سارية الغناء على مركبك الأوذيسي ؟ .
قالت : لا يهزم الحرب إلا الحب والغناء ..؟ لايهزم السلطان ، إلا قصيدة وشاعر .
أنا .. ياصديقة ما تبقى من زمن في ساعتي الرملية ، معزوفة " روك " صاخبة قديمة !؟ هزمتها الموسيقى الألكترونية .. التي تراقص أشباحاً . لا تستغربي ..!
هذا إعتراف من رصيف ، في حضرة شارع كبير مزدحم بالموتى . موتى بالعرض ، موتى بالطول ، موتى وقوفاً ، موتى جلوساً ، موتى نصوصاً .. موتى هياكل وتماثيل لسلاطين من زجاج ، وأبار نفط و إسمنت وزفت . فلا نهرُ في بلادنا . الكل شعاره نسراً أو صقراً أو باشقاً أو سيفاً أو حذاءاً .
فلا أحداً شعاره ، وردة أو سنبلة قمح أو قصيدة.
بيد أني أملك برهاناً وحيداً على أني لا زلت " نهر جاري " ، وهو كوني أحبك ؟ .. فيا سبحان الألهة ، كيف إختزلت الحياة بك . فأنت سرُ الماء والهواء .
إنفرجت أسارير نخاعي ، فقد إكتشفت سر الحياة ، بيد أن أحداً لم يعر إكتشافي هذا إهتماماً .. أين يمكن أن تسجل براءة الإكتشاف ..؟
على صفحة خدها ، أم على ثغر البحر المبتسم ؟!
كل الأطفال ثغور تبتسم ، كل النساء ثغور تبتسم ،؟ ترى هل الحياة مؤنث أم مذكر ؟ .. إنها ثغر يبتسم . منذ اللحظة التي مارست فيها الأرض فعل الحب مع الشمس .
قالت الألهة : ليقم الإله ، فشنو بتهيئة الرحم ، والإله تواشتار بصياغة الصور ، والإله براياباني بالإسالة ، والإله ذا تار بإيداع البذرة فيك " .
وأنت يا صديقتي ، فقد رعتك هيرا ، وولدتك إيزيس ، وغذاك زيوس ، وحماك أمون . أنت مطر وعشتار الحياة . من قال أنك خلقت من ضلعي المفقود ، الذي حوله " خارس " الى عصا لمنجله في وجه أنكي ؟؟ ثم حاول إغتيال أدونيس ؟
أنت مطر وعشتار الحياة .
مع نهاية البحر الذي مضى قلت لها أحبك .. ومع بداية البحر القادم قلت لها أحبك ... وعند عناق النهر بالبحر أيضاً ، ثم ماذا ؟
وعند حلول ساعة البياض ، سأردد أربعة حروف مقدسة ، الحياة هي " الحب " ماء الحياة الدافق.
وددت لو أحببتك منذ الولادة .. لكانت الحياة أجمل ، لأختصرت ساعات طويلة من الإنتظار ، على رصيف محطة قطار بخاري عتيق ، برفقة قطة متسولة . كمهاجر إختصر كل حياته الماضية ، في حقيبة ظهر باحثاً عن موطئ قدم لحقيبتة ، صدأت بفعل الإنتظار والترحال . ثم تحول الى رصيف غريب ، لرصيف أخر . ثم حضرت أرصفة أخرى .. من مدن لا ملح فيها ولا بحر لها . مدن إحتلها قرصان زجاجي . وإختفت الحجارة من أزقتها القديمة ... وأنت ماذا ..؟
أرصفة تتزاحم فوق أرصفة أخرى .. حقائب ظهر ملقاة على الشواطئ ، وفي أماكن كانت يوماً بيوتاً صاخبة للحب . إختفى منها بخار القطار الأبيض ، وغابت صافراته الجميلة .. فقد إستبدل بقطار أسرع ، إلتهم القمر دفعة واحدة ، قبل أن أحتسي منه رائحته . قطار بلا دخان أبيض ، بل بسحابة سوداء .
هل لا زلت تنتظر دخان أبيض من متحف عتيق ؟
يا .. أيها الساكن فوق جمر السنين منذ فجر التاريخ ألم يحن موعد غناءك ؟
تنتظر ماذا ؟ ، فالمستقبل أمامك ، والماضي خلفك ، وأنت تنتظر أن يتحول النص يوماً الى شاهداً معك .. وربما الى حقيبة ظهر أخرى ، وسيرحل كما الراحلون . أبطال وأنبياء وسحرة ومشعوذين وأوسمة ونياشين وتماثيل لسلاطين من زجاج رخيص .
وستبقى الدهشة ، و " منيرفا " ترافق " بوماً " حمل الدهشة في أعماقه منذ لحظة ولادته .. ما هذا العالم المسكون بالصمت ؟!
فما أجمل هذا البحر القادم المدهش ، حين تنام رموشي على هضبة شفتيك . بيد أني أحب زمن خروج الأطفال من المدرسة ، وما يحدثونه من ضجيج صاخب وعفوي ، ففي تلك اللحظة يتحرر الأطفال من سلطة المعلم .
وددت لو أحببتك منذ لحظة الولادة ، لكان العمر أجمل .. وتعلمت معنى الغناء مبكراً
وأنت ماذا .. إنسان أم حجر ..؟! يا أيها المصلوب في مكانين ، الوطن والمهجر .
سيمون
أثينا / 25 / 12 / 2010



#سيمون_خوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حان موسم / شراء الفرح ..؟!
- نبحث عن - إله - / لا يعتبر العلمانية عدواً له ..؟!
- مات - الإله - عندما أصبح الإنسان وكيلاً عنه ، ونائبه الأرضي ...
- أي غد لأوربا ..وأزمة البحث عن الهوية والمستقبل ..؟
- هل يتحول الإتحاد الأوربي / الى نادٍ للكبار فقط ..؟
- لماذا صاح الديك / هلولويا ..هلولويا ؟
- في عيد - الملائكة - / حتى الشيطان رقص وشرب خمراً
- الناخب اليوناني يوجه / صفعة قوية لأحزابه ..؟!
- الدجاجة التي باضت بيضة مربعة ..؟!
- هروب أحد - الملائكة - / الى خمارة - تو كوتوكي -
- خربشات - مرغريتا - الصغيرة ..!
- هل - الإله - مؤلف كتب ..أم خالق الحياة ..أو قاتل للإيجار ..؟ ...
- موقع الحوار المتمدن / هذا الملاك الجميل ..
- من بحر عكا.. الى بحر أثينا ؟
- صراع - القات - والأيديولوجية / في اليمن - الديمقراطية - ؟!
- من يستيقظ أولاً ...يصبح بطلاً قومياً ..؟!
- سقوط أخر سلالة - الملكة بلقيس - / هيلاسيلاسي .. أسد أفريقيا
- إنه .. عصر الزهايمر الفكري ..؟!
- - كارلا بروني - ليست عاهرة / منظمات ترميم الصمت هي العاهرة ؟ ...
- تأملات ..قيثارة ..وبيانو .. وعود


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيمون خوري - وددت ، لو أحببتك منذ الولادة .. لكان العمر أجمل .