|
هرش قفا برلماني
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3202 - 2010 / 12 / 1 - 00:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هرش قفا برلماني يحدث أن تكون في ضيافة شخص ما ، جالسا معه في الصالون ، وبينما أنتما تتحدثان يقوم الشخص بهرش قفاه بإظفره دون أن ينصرف عن الحديث . وبالطبع لا يمكن لأحد أن يعتبر أن مصادفة هرش القفا في تلك اللحظة بالذات " حدث قومي ديمقراطي " يؤثر في حياة الملايين أو مستقبل البلاد ، لأن هرش القفا يظل مجرد هرش قفا ، كان من الممكن أن يتم في اللحظة التي وقع فيها ، أو ألا يتم ، أو أن يؤجل ، إلي آخره. والانتخابات البرلمانية التي جرت في مصر الأيام الماضية كانت أقرب ما تكون إلي هرش قفا برلماني يخص الحكومة ، فالقفا قفاها ، والبرلمان برلمانها ، ولسبب ما هرشته . ولا دخل لأحد في الشئون الشخصية . وكأنما كانت الحكومة خلال الانتخابات تقول للناس : " ومادخلكم أنتم ؟ ماذا تريدون ؟ لقد أعطيناكم الديمقراطية .. فاسكتوا إذن " ! . شعوري الشخصي ، وقد أكون مخطئا ، أن الناس لم يهتموا أصلا بما جرى ، لا بمرشحي الحكومة ، ولا بمرشحي المعارضة . فلا هؤلاء ولا أولئك كانوا على علاقة بمواقع الجماهير ومصانعها وغيطانها وموظفيها وفقرائها وطلابها وعمالها . لكن الحكومة – خلافا للمعارضة – على علاقة بأجهزة الأمن والإعلام والشرطة وكل أدوات النجاح . أما عني أنا فإنني لم أنتخب أحدا ، ولا عمري كله رأيت شكل البطاقة الانتخابية ولا حتى بالمصادفة . وفي مدينة نصر حيث أسكن ، هبط المرشحون كافة ببارشوت الدعاية لأنفسهم فجأة ، أين كانوا طوال السنوات التي سبقت الانتخابات ؟ لم يرهم أحد ، ولم تسمع بهم ولا حتى قطة من القطط الضالة . لكنهم جميعا هبطوا علينا فجأة كالمطر أو الرعد ، ليؤكدا لنا بسيارات وميكروفونات أن قلوبهم كانت دائما ومازالت على الشعب ، وأن دموعهم سالت وتسيل من حنانهم على الناس ، وأنهم لا ينامون الليالي من حب الجماهير ، وعلى الناس أن يصوتوا لهم من أجل مستقبل الأولاد ( يقصدون أولادهم هم ) . وكنا في جلسة مع مجموعة ودار الحديث بخمول ولا مبالاة عن الانتخابات إلي أن قال أحدهم " فلان الفلاني مرشح الحزب الوطني يبيع كيلو اللحم بسعر رخيص جدا عند أبواب سرادقه الانتخابي " . في هذه اللحظة فقط فنجل الجميع عيونهم يستوثقون ما إن كان الكلام صحيحا ؟ ثم سأل أحدهم عن مكان السرادق ! . لم تتحول العملية الانتخابية إلي حلبة صراع سياسي لتيارات وحشود تقف وراءها أفكار أو برامج مختلفة ، لسبب بسيط ، أن مشروع الحكومة وحزبها واضح من زمن بعيد ، وهو المشروع القومي للتناحة والبلادة ، وترك كل شيء على حاله ، مع نهب أكبر قدر ممكن . أما المعارضة التي انقسمت لفرق فكانت جميعها بدون أي برنامج ، ولم تستطع أن تتفق على مرشح واحد . أحزاب المعارضة التي كسبت عددا من المقاعد قالت " الانتخابات حلوة وكانت نزيهة " ، الذين خسروا قالوا " الانتخابات مزورة " ، أما الحكومة فلم تقل شيئا ، لأنها حكومة أعمال لا أقوال . المعارضة التي أحزنتها نتائج الانتخابات كان ينبغي أن تحزن من قبل ، لأنها لم تبلور برنامجا جديا على مدى ثلاثين عاما من وجودها، ولم تخلق مرشحا ذا شأن ، ولم يكن لها عمليا صلة بالناس ، وظلت علاقتها الأساسية بمقراتها ، وباستثارة غضب الناس دون حفزهم على التفكير ، وتأجيج الاحتجاج دون تأجيج الأفكار . يقولون في الفنون العسكرية إن ما يحسم نتيجة المعركة ليس القتال لكن التدريب الذي يسبق المعركة ، والحق أن المعارضة لم تقم بأية تدريبات فكرية أو سياسية استعدادا للانتخابات ، بل وشهدت السنوات الأخيرة طوفانا من الاحتجاجات المنظمة وسط كل الفئات دون أن تتمكن المعارضة من النفاذ إلي تلك البؤر المشتعلة لا ببرامج ولا بعلاقات . ويظل تركيز الناس على قضاياهم : الخبز واللحم والتعليم والعلاج والسكن وغير ذلك ، وتظل المعارضة بحاجة للرهان على تغيير موازين القوى بعلاقات قوية بالناس ، أما هرش القفا البرلماني المعروف نتيجته سلفا فإنه لم يحرك خيالا ولا إلهاما ، خاصة أن البرلمانات عبر التاريخ كانت شكلا يتحدد بموازين القوى الفعلية القائمة في الساحة الاجتماعية . هكذا كان الأمر منذ أن نشأ البرلمان عهد الحملة الفرنسية ، وفي حينه شرح الفرنسيون للمصريين عمل البرلمان بقولهم : لابد أن يكون هناك فريقان في البرلمان، فريق موالي للحكومة يجلس جهة اليمين ، وآخر معارض يجلس جهة اليسار . فما كان من جميع الأعيان والشيوخ إلا أن هرولوا وجلسوا في الناحية اليمنى . فقال لهم الفرنسيون : لاء .. لابد من جلوس البعض يسارا ، وإلا ما قام البرلمان ولا كانت الديمقراطية ! فجلس البعض في الناحية الأخرى على مضض متذمرين من سوء حظهم الذي جعلهم ” معارضة ” و في قلوبهم ” التأييد والموالاة ” . المغزى الحقيقي للانتخابات أنها كانت خطوة يرسخ النظام بها مواقعه تحضيرا للمشهد الرئاسي القادم . ومادام المطرب تامر حسني يكتب مقالاته في الأهرام باعتباره مفكرا وكاتبا ، فلا بأس إذن من أن نستعين برأي مفكر آخر في الانتخابات هو المطرب شعبان عبد الرحيم ” شعبولا ” الذي قال إنه لم ينتخب لأنه ليلة الانتخابات قرر : ” إذا صحيت بدري ح أروح أنتخب ، إذا ما صحتش يبقي خلاص ” . وأضاف ” شعبولا ” : ” وراحت على نومة ” ! [email protected]
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- غير محافظ - على القاهرة !
-
فتش في دمائك عن السلم الموسيقى
-
تاريخ فقاعة - قصة قصيرة
-
زهرة الخشخاش .. وزمن شعلان الفنان
-
تجربة ابراهيم عيسي
-
أشياء - يُعتقد - أنها أمريكية !
-
الثقافة والأزمة الطائفية
-
الفتنة الطائفية بمصر .. لحظة خطر
-
أبناء الخيار الاستراتيجي .. إلي المفاوضات
-
جمال الغيطاني وأصدقاء العمر
-
هنادي طه حسين تجدد موتها
-
- صعيدي - - قصة قصيرة
-
أمير زكي وقصصه الجميلة
-
بهاء طاهر والجامعة الأمريكية .. إلي متي ينهبون الأدباء ؟
-
وزير الثقافة ومؤتمر الثقافة
-
طائر المساء .. شوقي عقل
-
رحيل الروائي محمد عبد السلام العمري
-
نيفين الجمل .. قصائد ممنوعة
-
نصف ضوء .. عزة رشاد
-
فاروق عبد القادر .. وداعا لروح التحدي !
المزيد.....
-
وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا
...
-
مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
-
استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
-
عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
-
بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
-
الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
-
ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا
...
-
-بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات
...
-
الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
-
سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|