|
هل من مصلحة العلمانية محاربة الدين بشكل صارخ ؟
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3199 - 2010 / 11 / 28 - 14:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان نظرنا الى الدين و يحثناه على انه احدى فلسفات الحياة للفرد المؤمن باي شيء، خصوصا و عرفناه على انه حر في التفكير و السلوك و الاعتقاد ضمن اطر و حدود عدم الاعتداء على الاخر مهما كان مختلفا معه ، فاننا يمكن ان نطرح و نتعمق فيما يخص الدين و الفرد على حد سواء. ليس من العقلانية ان يحارب احد فكر و عقيدة و ما يؤمن به الاخر بالتعنت و التضاد من دون امتلاك المعلومات الضرورية على ما يؤمن به الاخر و دون الخوض علميا في تفسير و تحليل و شرح العقيدة و الفكر الذي يؤمن به المقابل، و لن يكون مصير الغوص في هذا الركن من الفلسفة الا فشلا، الا اذا كان بيان الراي و الموقف استنادا على الاركان و المقومات العلمية التي يجب ان يتسلح بها الباحث. و عكس ذلك سيؤدي اي بحث او بيان راي مخالف الى الاحتكاك السلبي و عندها تضيع الحقيقة على الطرفين. و هنا ستحدث ما يبعد الاطراف عن بعضها، و بين المتقاربين ايضا ممن ينظرون الى الدين كساحة و موضوع علمي مع من يعتبرونه شانا ايمانيا بحتا لا علاقة له بالبحث العلمي و ما يستوجب الغور فيه استنادا على الارضية الواقعية او الحياتية ، ناهيك عن التشاحن و التباعد و الخلاف الذي يحصل بين المؤمنبالدين دون مسند علمي و بين الباحث العلمي المجرد و المحايد في فلسفة الحياة. نحن نعتقد بانه لكل فعل رد فعل مضاد، فان توصلت ردود الافعال الى حد لتصبح القوة المؤثرة على الفعل الى حد نفيه و فنائه و الاضرار به في مرحلة ما فعندها لا يستوجب اتخاذ اي فعل يحتمل ذلك بشكل صريح و مباشر مهما تطلبت الاسباب و العوامل، بل من الواجب الخوض في عملية تجسيد ارضية مناسبة لبحث تلك الامور، و هذا ما سيجعل انخفاض مستوى تلك الردود و احتمالات التضاد و المحاربة و اردا والتي يمكن ان تبرز فيها النتائج التي هي الافضل و الاحسن من التعامل مع الدين بفعل مباشر، و يمكن تطبيق ذلك بدءا بالامور التي توائم اكثرية الشعب و من خلال الافراد ، وهذا ما يحتاج الى وسائل و جهود علمية عالية. الاصح في مجتمعاتنا ان يُبحث الدين كموضوع هام يمس الجميع و يجب الدقة و الاعتناء به كميدان لانتاج المعرفة و مادة دسمة للبحث و التحليل للعلوم الاجتماعية الانسانية و لتوضيح مكنونة و جوهر ما يمس الانسان ، و حينئذ يكون الفرد حرا في اعتناق ما يؤمن وفق مستواه الثقافي العلمي و ما اكتسب من العقليات من العائلة و المجتمع و المؤسسات المدنية، مستندا على مدى نظرته العميقة الى المثاليات و الماديات و ايهما الاصح عنده. اي البحث العلمي الدقيق للدين و تداعياته يبعد الكثيرين عن التشدد و خاصة لدى المهتمين بالامور العامة للمجتمع و من الجانبين المؤمنين و الملحدين، و تتم هذه البحوث عن طريق العلوم الاجتماعية الانسانية المترامية الاطراف و الاقسام. الحياة بما فيها ، تحمل من عوامل الجذب لتلك الافكار و الاعتقادات بما تؤثر بدورها على الفرد و المجتمع بشكل مستمر، فان الدين يجيب عن مجموعة من الاسئلة( و ليس جميعها) التي تنبع من الفكر الفلسفي للانسان و خاصة ما يرتبط بالروح و العاطفة و الانفعال و الهيجان النفسي و غير ذلك من الذي يمس الجانب المثالي، و يمكنه ان يريح النفس من الاحتكاكات المباشرة مع الضغوطات النفسية و الاجتماعية الناجمة عن مسيرة الحياة و ما تتضمنه المعيشة من التحديات، و هذا ما توضحه و تؤكده مراحل التاريخ البشرية منذ عبادة الاوثان و التفكير في الطواطم و ماكانت سائدة من تعددية الاله الى مرحلة التوحيد و الاله الواحد و ما وصلنا اليه اليوم من الاديان السماوية. و الايمان الديني هو المصدر الاساسي للبحث عن الوجود لدى الفرد البسيط المتواضع الفكر و العلم و المعرفة. و عند البعض الاخر يكون الدين هو معنى الحياة بما فيها و يجمع كل ماهو فيه من التركيب و التفكير و الفلسفة و العقلية في ايمانه و اعتقاداته و طقوسه ، و اي خلل او تاثير مفاجيء على ذلك الربط الذي يسنده سيشوه معيشته ، و عندئذ يقاوم بكل ما لديه حتى اخر الرمق او يفني نفسه بشكل ما سوى كان جسديا او روحيا و في اكثر الاحيان سيؤدي ذلك الى الجنون عند المتعمق ان لم يختار الانتحار. هذا عند الفرد ، و ينعكس ذلك بشكل عام على الجماعة و تكون لها ردود افعال واضحة في هذا الشان و يشابه الى حدما ما يجري للفرد . هذه الحالة تنطبق على الذين ينظرون الى الدين كمصدر للايمان فقط و لا يمكنهم الخروج منه و تعتمد حياتهم الروحية النفسية و بكل ما يملكون و يتصفون على الدين و ما يرتيط به من الابعاد و التداعيات، و هؤلاء لا يمكن الوقوف امامهم الا بطرق سلسة و ايجاد السبل لتوضيح الامور التي تخص الدين او الاشارة اليه من بعيد و من ثم التقارب حول محيطه الضيق و بوسائل بسيطة مرتبطة بحياتهم اليومية. اما العلوم الانسانية و الاجتماعية و من يخوض فيها فانها تعتمد في بعض جوانبها على الدين كمصدر للبحث و التحليل و التمحص و التدقيق و التفحص لشؤون المجتمع و تاريخ الشعوب، و عند الغور في العديد من المجالات التاريخية و الفلسفية التي يكون الدين الجانب المهم فيها، و يمكن تداول الموضوعات بشكل محايد و النظر الى جواهرها و تقبل الاراء و المواقف المخالفة لها ايضا و على العكس من غيرهم من الذي ينظر الى الدين بشكل و طريقة ايمانية مطلقة بحتة و يعتقد انه لا يمكن البحث فيه او المساس به. اي ان هناك اتجاهين في هذه الحال ، هناك طرف يعتبر الدين او الله بحد ذاته موضوع للايمان و السماع و الاتباع و التقديس و لا يمكن التفكير فيه بعقلانية لانه خارج نطاق عقلية الانسان كما يعتقد، و لا يحتمل الشرح و الخوض فيه ، اما الطرف الاخر و هو قريب من الاول ايضا بفارق انه يبحث كل شيء بعلمية و هو ليس بملحد و يعتبر الدين او الله و ما يرتبط به موضوع يقبل البحث و التساؤل و التحليل و الشرح و التعمق و التفسير و حتى الرفض ايضا عند بعض منهم، اي الطرفين مكملين لبعضهما و ليسا مضادين ، و لكن يبدا عمل الطرف الثاني عند حدود انتهاء فكر و عمل و عقلية الطرف الاول.فهناك ما تفرز من التشبث الاعمى و غير العلمي بالدين من السلبيات المؤثرة على المجتمع ، و في المقابل هناك افرازات مساوية لها ان لم تكن اكثر من تاثيراتها و تتشكل نتيجة المحاربة العشوائية الصارخة للدين و بالاخص في المجتمعات ذات المستوى الثقافي و الوعي العام المنخفض مقارنة مع الاخرين . من هذا المنطلق يمكن ان نقول ان العمل على انتاج المعرفة بالبحوث و الطرق العلمية البحتة هو الطريق المسالم لبيان الحقيقة للفرد و المجتمع في هذه الفلسفة المعقدة الغامضة بعيدا عن المهاترات و الاراء الصبيانية حول الرموز المقدسة من قبل من لا يمتلك من العلمانية و العلم و المعرفة بشيء يمكن ان يقدم و يثبت بالدليل القاطع رايه الصائب، و انما العمل و الجهد المضني المتواصل في هذا الاتجاه يمكن الوصول الى الاهداف المرجوة و ليس بالمحاربة و الرفض و المعاداة الشكلية و المواقف السطحية السافرة التي تخلق المعوقات امام تقدم العقل البشري بشكل عام و لا تزيد من المعرفة العامة للمجتمع بشيء يذكر. ان وضعنا الدين لدى الفرد في موقعه المعين، ستبدا الخطوة الاولى لمسيرة العلمانية التي تحوي في طياتها على عمليات متفاعلة مع بعضها من الاجتماعية و الانسانية و الفلسفية و السياسية و النفسية و التي تضع عملية التعايش على السكة رغم الاختلافات بين المكونات و الافراد، و تضع العلمانية و الديانة على المحك .هذه العملية العلمية الصحيحة هي الي تنتج المعرفة بعيدا عن الجمود و الديماغوجية و يرفع من مستوى الوعي العام. و عند التوصل الى التوافق او اختيار الصح بهدوء سوف تسهل تلك العملية من التنمية و التطور للمجتمع، و سوف يبدا بناء صرح المجتمع العلماني ، و بدايتها تكمن في الحوار الناضج و تقبل الاخر مهما كان اعتقاده الشخصي بعيدا عن معاداته وليس الوقوف في حدود الايمان المتوارث ايضا كماهو حال المجتمعات الشرقية دون البحث في المواضيع الفلسفية .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عوامل نجاح المالكي في مهامه الصعبة
-
التاثيرات المتبادلة بين العولمة و العلمانية
-
اين الثقافة الكوردستانية من القيم الانسانية البحتة
-
مرة اخرى حول الثراء الفاحش و الفقر المدقع المنتشر في منطقتنا
-
رفع العلم الكوردستاني في البصرة لعبة مكشوفة للجميع
-
مغزى انعقاد المؤتمر الدولي الكوردي السابع في مقر الاتحاد الا
...
-
السلطة الكوردستانية و التركيز على تطبيق الديموقراطية في المر
...
-
اية حكومة تناسب الوضع العراقي الحالي ؟
-
من ارتضى بمبادرة البارزاني بقناعة ذاتية؟
-
الاستقلالية في التعامل مع الاحداث تضمن النجاح للعملية السياس
...
-
مابين تلبية مبادرة السعودية و رفضها
-
كيف يتناول الاعلام العربي القضية الكوردية
-
الشعب العراقي يصوٌت ودول الجوار تشكل الحكومة !!
-
كوردستان و التعامل مع تداعيات العولمة
-
الحوار المتمدن منبر اليسار المعتدل
-
اعتدال اي قائد قد يضمن ادارته لهذه المرحلة في العراق بنجاح
-
الديموقراطية كانجع سبيل للتوجه نحو اللاعنف
-
موقف الاتجاهات من ارتكاب الجرائم ضد الحريات العامة في العراق
-
ماوراء موقف من يرفض اجراء الاحصاء العام للسكان في العراق
-
يسعى الاسلام السياسي لاعادة التاريخ في كوردستان
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تعلن استهداف مستعمرة كريات شمونة
...
-
-المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن مهاجمة هدف حيوي في شرق إ
...
-
قائد الثورة الإسلامية يستقبل الرئيس بزشكيان وهذا ما دار بينه
...
-
مصر.. قرار من النيابة العامة ضد صاحب فتوى -سرقة الغاز والميا
...
-
النيابة العامة المصرية تأمر بضبط صاحب فتوى إباحة سرقة المياه
...
-
مقتل 18 نازحا في غارة إسرائيلية على مبنى بزغرتا المسيحية شما
...
-
من يهود السفارديم.. دراسة جديدة تحسم جدل أصل المستكشف كريستو
...
-
” استقبلها الآن في ثواني “.. تحديث تردد قناة طيور الجنة الجد
...
-
الصحة اللبنانية: 9 قتلى بغارة إسرائيلية على بلدة ذات أغلبية
...
-
ماذا يجمع حكومة مودي الهندوسية بحركة طالبان الأفغانية؟
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|