امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 3198 - 2010 / 11 / 27 - 18:46
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إذا كانت مرحلة ماركس و إنجلس مرحلة تطوير المفهوم المادي للتاريخ بعد وضع أسس الدياليكتيك المادي ، فإن مرحلة لينين تعتبر مرحلة تطوير الدياليكتيك الماركسية على مستوى المعرفة و الدفاع عن المذهب الماركسي المادي ضد هجوم المثالية الذاتية و اللاعرفانية ، عبر دحضه للمذهب النقدي التجريبي الذي شوه مفهوم "الواقعية" بدعوى تطوير الماركسية ، و أعطى لينين لمفهوم "المادة" بعدا فلسفيا أدق و أشمل في قوله :
"المادة مقولة فلسفية للإشارة إلى الواقع الموضوعي". كتاب المادية و المذهب النقدي التجريبي.
و عكس ما يدعيه المناشفة الجدد اليوم عن النظرية الماركسية حول الإشتراكية فإن ماركس و إنجلس بصياغتهما أسس المذهب الماركسي عبر صياغة البيان الشيوعي اعتمادا على الدياليكتيك المادي، قد تجاوزا الطبيعة المثالية للمادية الكلاسيكية و ما واكبها من التأملية و صاغا أسس الصراع الطبقي باعتباره المحرك الأساسي للتاريخ. و اكتشف ماركس ديكتاتورية البروليتاريا كشكل طبيعي للدولة الإشتراكية التي عمقها بدراسته لثورة كومنة باريس ، و أضاف مزيدا من التدقيق لمفهوم الدولة الإشتراكية عبر نقده لبرنامج حزب العمال الإشتراكي الألماني في أطروحته "نقد برنامج غوتا" على ضوء مضمون "البيان الشيوعي " .
ففي مؤتمر غوتا الذي انعقد من 22 إلى 27 ماي 1875 تم توحيد حزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي برئاسة بيبل وليبكنخت واتحاد العمال الألمان العام برئاسة لاسال ، و اتخذ الحزب الموحد اسم حزب العمال الإشتراكي الألماني ، و انتقد ماركس لاسال في منظوره إلى :
ـ علاقة العمل بالمجتمع لكون العمل مصدر الثروة و الثقافة ، شريطة أن يكون عملا اجتماعيا حيث لا يوجد مجتمع دون عمل.
ـ علاقة العمل باحتكار الملاكين العقاريين للأرض في ألمانيا لكون احتكار الملكية العقارية أساس الإحتكار الرأسمالي.
ـ علاقة دخل العمل بالتوزيع العادل للثروات.
ـ التمايز بين العلاقات الإقتصادية و العلاقات الحقوقية حيث أن هذه الأخيرة تنبثق عن الأولى.
ـ علاقة الدولة بالمجتمع.
لقد عمل لاسال على مهاجمة الرأسماليين دون الملاكين العقاريين الذين اعتبرهم حلفاء ، حيث لم يدرك إمكانية تمركز الإنتاج في الفلاحة الذي يؤدي إلى الإحتكار باعتبار الأرض من بين وسائل الإنتاج الرأسمالية.
و أكد ماركس أن لاسال زور محتوى البيان الشيوعي في "برنامج غوتا" لكونه انضم إلى التحالف مع الإقطاعيين ضد البورجوازيين ، مشددا على بعض المصطلحات التي اقتبسها لاسال من عصبة السلام و الحرية البورجوازية ك"تآخي الشعوب العالمية" مقابل التآخي العالمي بين الطبقة العاملة في مختلف البلدان.
و انتقد ماركس مفهوم "قانون الأجور" عند لاسال إذ في الوقت الذي يلغي فيه الدور الثوري للطبقة العاملة يسعى إلى إيجاد دور للدولة في بناء المجتمع ، و ذلك بابتداع ما يسميه "المسألة الإجتماعية" عن طريق "مساعدة الدولة" تحت رقابة"الشعب الشغيل بواسطة حكم الشعب" .
و في تناوله للدولة ينتقد ماركس موقف حزب العمال الإشتراكي الألماني في قوله ب"الدولة الحرة" في ظل النظام الإقطاعي للإمبراطورية الألمانية ، حيث اعتبر لاسال أن الدولة لا تنبثق عن المجتمع بل هي مستقلة عنه كواقع له "الأسس الروحية و الأخلاقية و الحرة" ، و يتحدث عن "الدولة الحالية" و "المجتمع الحالي" في الوقت الذي ينسى فيه أن ما يسميه "المجتمع الحالي" هو مجتمع رأسمالي ، و"الدولة الحالية" في الإمبراطورية الألمانية ليست كما هي في سويسرا و إنجلترا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
واعتبر ماركس كل مطالب حزب العمال الإشتراكي الألماني عبارة عن ترداد لمفاهيم بورجوازية لحزب الشعب و عصبة السلام و الحرية .
لقد واجهت الماركسية منذ تأسيسها الرجعيين البورجوازيين و التحريفيين الإنتهازيين الماركسيين من البرودونيين و اللاساليين ، الذين يعملون على نشر أفكارهم الرجعية في أوساط البروليتاريا ، فخلال نصف قرن من ظهور الماركسية عمل ماركس و إنجلس على محاربة أعدائهما بدءا بالهيكليين باعتبار الهكلية عدوا أساسيا للماركسية ، مرورا بمجابهة البرودونيين بعد ثورة حزيران 1848 ، في طريقهما من النظرية إلى الممارسة العملية خاصة بعد تأسيس الأممية الأولى و طرد الباكونينيين منها ، و انتهاء بمواجهة دوهرينغ ليحرز المذهب الماركسي انتصارا ساحقا على المذاهب الأخرى التي تنافسه في الحركة العمالية كما قال لينين. و أصبحت التحريفية العدو اللدود للمذهب الماركسي ، فبعد أن فشلت البورجوازية في محاربته من الخارج حاولت نسفه من الداخل.
و كان للمهام الثورية للبروليتاريا لإنجاز الثورة الاشتراكية في تلك المرحلة دور كبير في اشتغال ماركس و إنجلس ببلورة مفهوم الحزب الثوري ، خاصة بعد التراجع الذي عرفته الأممية الأولى مما تطلب منهما تأسيس الأممية الثانية فكان نضالهما مزدوجا ، داخليا بمحاربة التحريفيين الانتهازيين عبر أطروحة ماركس "نقد برنامج غوتا" بعد انسحابهما من الأممية الأولى ، و خارجيا بمحاربة البورجوازية بالنقد المادي للرأسمالية كنظام تناحري مصيره الزوال و وضعا الأسس النظرية للثورة الاشتراكية.
و كانت مرحلة ماركس و إنجلس مرحلة أوج تطور الرأسمالية التنافسية/المزاحمة الحرة بعد سيطرة الرأسمال الصناعي على السوق التجارية العالمية ، لذلك فاستنتاجات الماركسية ملائمة للحركة الاجتماعية لتلك المرحلة التي أنتجت حركة معرفية ملائمة لعصر الرأسمالية التنافسية /المزاحمة الحرة. و ملاءمة الماركسية لعصر الرأسمالية التنافسية لا يعني أن استنتاجاتها الأساسية يمكن تجاوزها كما يدعي المناشفة الجدد اليوم ، خاصة على مستوى أسس الفلسفة المادية التي قطعت مع المثالية بوضع الأسس العلمية لمفهوم التاريخ و نقل الاستنتاجات العلمية من المستوى الطبيعي إلى المستويين الإٌقتصادي و الاجتماعي ، و هي أصعب مرحلة خاصة إذا اعتبرنا أوج تطور الرأسمالية بعد أقل من قرن من تحقيق انتصار الثورة البورجوازية ، و زامن هذه المرحلة التاريخية مع تطور العلوم الطبيعية بعد اكتشاف الآلة البخارية التي أحدثت تطورا هائلا في القوى المنتجة بفضل تطور العلوم الطبيعي خاصة الفيزياء ، الشيء الذي أحدث اضطرابا في الفكر اللاعرفاني الكانطي الذي سيطر على عقول أصحاب المذهب النقدي التجريبي.
لقد كرس ماركس و إنجلس حياتهما لدراسة تطور المجتمعات البشرية و اكتشفا القوانين التي تحكم هذا التطور من خلال إخراج دياليكتيك هيكل من الفكر إلى الواقع ، و أوضح ماركس أن الأساس الاقتصادي ذو أهمية قصوى في التحولات المعرفية ، لهذا يجب البحث عن مصادر الأفكار الجديدة في الصراع بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج القديمة و أكد لينين على أن :
ـ الأفكار التقدمية مصدرها القوى المنتجة الجديدة في صراعها مع علاقات الإنتاج القديمة.
ـ التناقض بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج البائدة في النظام الاقتصادي السائد هو مصدر النزاعات الاجتماعية و تنامي الصراع الطبقي و بالتالي مصدر الثورات الإجتماعية.
و كل التحولات الإقتصادية في مرحلة تاريخية معينة تلازمها تحولات معرفية تتلاءم و مستوى هذه التحولات الإقتصادية التي تلازمها تحولات القوى المنتجة ، التي تفرز الأفكار و النظريات التقدمية الجديدة نتيجة تحولات حياة المجتمع وفق الشروط المادية لهذه المرحلة التاريخية ، و هذه الأفكار و النظريات تؤثر بدورها على الحركة الإجتماعية.
ويقول لينين :
"لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية"، كتاب "ما العمل ؟".
و نرى أنه :
ـ في إنجلترا القرن 17: الثورة الصناعية أنتجت الأفكار الاقتصادية الجديدة و النظرية البورجوازية.
ـ في فرنسا القرن 18 : الأفكار البورجوازية أنجزت الثورة البورجوازية بقيادة الطبقة البورجوازية.
ـ في المانيا القرن 19 : الأفكار الماركسية أنجزت الثورة البورجوازية بقيادة البروليتاريا.
ـ في روسيا القرن 20 : الأفكار اللينينية أنجزت الثورة الاشتراكية بقيادة البروليتاريا.
و لمعرفة الجذور التاريخية للماركسية للينينية لا بد من دراسة الأساس الاقتصادي الذي أفرز الفكر الماركسي اللينيني كنظرية ثورية في عصر الرأسمالية الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، و لتحليل الجذور التاريخية للماركسية اللينينية لا بد من دراسة شروط الحياة المادية لتطور الأشكال الجديدة للوعي الاجتماعي و للأفكار و النظريات السياسية الثورية ، التي تمت بلورتها خلال البناء الإشتراكي الذي قاده ستالين و القوى المنتجة التي أفرزها النظام و الإقتصاد الإشتراكيين.
لقد اعتبر ماركس الدولة الأداة الطبقية التي تمارس بها الطبقة المسيطرة دكتاتوريتها و أكد على أن البروليتاريا لا بد لها من دولة دكتتاتورية بعد الثورة الإشتراكية لنشر الأفكار الإشتراكية و بلورتها في الواقع الموضوعي على اعتبار أن :
ـ مصادر الأفكار و النظريات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الحقوقية و الفلسفية و الفنية و غيرها توجد في شروط الحياة المادية للمجتمع / شروط الوجود الاجتماعي .
ـ تعتبر الأفكار و النظريات انعكاسا لشروط الحياة المادية للمجتمعات البشرية و هي تمارس بدورها تأثيرها على تطور شروط الحياة المادية للمجتمعات البشرية/الوجود الاجتماعي و القاعدة الاقتصادية للمجتمع .
و أكد على أن المحرك الأساسي للتاريخ هو الصراع الطبقي الذي يقوم على أساس الصراع بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج القديمة ، و الذي ينتج أفكارا و نظريات جديدة تقدمية على الرغم من بقاء بعض الأفكار القديمة و هي ليست أساسية في التغيير.
و الفكر الماركسي اللينيني الذي أفرزته شروط الحياة المادية للمجتمع في عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، يعتبر نظرية و تكتيك الثورة الاجتماعية الاشتراكية و أيديولوجية البروليتاريا في صراعها مع البورجوازية و يرتكز على معرفة :
ـ الدياليكتيك الماركسي/المادية الجدلية و المادية التاريخية.
ـ الاقتصاد السياسي لكل من ماركس و لينين.
ـ الاقتصاد الاشتراكي و النظام الاشتراكي لستالين.
و لمعرفة الفكر الماركسية اللينيني لا بد من دراسة شروط الحياة المادية التي أفرزته و خاصة شروط الحياة المادية للمجتمع في الإتحاد السوفييتي ، التي أفرزت أعمال لينين الفكرية و العملية قبل و بعد الثورة الاشتراكية و ما تلا ذلك من أعمال ستالين الفكرية و العملية.
و لمعرفة الجذور التاريخية للهجوم على الماركسية اللينينية اليوم لا بد من دراسة الشروط المادية التي أدت إلى انهيار النظام الاشتراكي بالإتحاد السوفييتي و خاصة في المرحلة الممتدة بين 1953 و 1990 ، و التي تم فيها الهجوم على ستالين من طرف خروتشوف و الزمرة البيروقراطية الحاكمة مستهدفين في هجومهم الماركسية اللينينية ، لضربها سياسيا و أيديولوجيا من أجل تدمير النظام الاشتراكي ذي البعد الاجتماعي و الرجوع إلى النظام الرأسمالي التناحري.
إن شروط الحياة المادية في تلك المرحلة تسير في اتجاه عرقلة القوى المنتجة الاشتراكية و بالتالي إنتاج أفكار و نظريات معادية للماركسية اللينينية ، حيث يعتبر الهجوم على ستالين هجوما على لينين من أجل هدم الإقتصاد الإشتراكي و بالتالي هدم النظام الإشتراكي ، و لا بد من الوقوف عند النظرية الماركسية اللينينية في شقها الإقتصادي من خلال مفهوم الرأسمال المالي لدى لينين في كتابه "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" ، الذي يعتبر الأساس النظري لشروط الحياة المادية التي أفرزت الفكر الماركسي اللينيني باعتباره النظرية الثورية لعصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية.
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟