أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - بوش وفنتازيا -نقاط حاسمة-















المزيد.....

بوش وفنتازيا -نقاط حاسمة-


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3195 - 2010 / 11 / 24 - 20:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قال لي أحد الأصدقاء عندما نشرت قبل أكثر من عام ونصف العام مقالة بعنوان “الإيهام بالغرق: أهي رومانسية جديدة؟” كيف لك يا رجل أن تتحدث عن الرومانسية الجميلة للماضي بكل ما له وما عليه حتى ولو من باب “السخرية” والمعنى المجازي؟ فما زلنا نحلم بها وإنْ كان من باب الحنين “النوستالجيا” ونحمل بعض بقاياها . قلت له لقد قصدت الشيء بضدّه، “والضد يُظهر حسنه الضد”، ثم تحدّثت عن المضمون، الذي تناولت فيه التعذيب المحرّم دولياً، لدرجة أنه أصبح آفة ليس في البلدان النامية والمتخلفة فحسب، بل هو ظاهرة مستفحلة ومستشرية فيها على نحو مريع .

وقد أثارت بعض التقارير الدولية المعتمدة، ولاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية الإجرامية، إلى امتداده إلى عدد من البلدان المتقدمة بما فيها الديمقراطيات الغربية التي تعكّزت على الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، باتخاذ إجراءات متشددة أدّت إلى احتجاجات واسعة لمنظمات المجتمع المدني التي اعتبرتها تجاوزاً على الحريات . وكانت بعض المنظمات الدولية ذات الصدقية والنزاهة، بما فيها منظمة العفو الدولية والمنظمة العربية لحقوق الإنسان وغيرها، قد أشارت بإصبع الاتهام منذ وقت مبكر إلى ممارسة التعذيب من جانب القوات الأمريكية في العراق، وكانت فضيحة سجن أبو غريب إحدى الفضائح الدولية التي اهتزّ لها الضمير الإنساني . وتكرر الحديث عن “السجن الأسود” في أفغانستان، وسجن غوانتانامو، والسجون السرية الطائرة في أوروبا، والسجون السرية العائمة، في عرض البحر .

وأخيراً جاء موقع “ويكيليكس” ليكشف بنحو 400 ألف وثيقة عن قيام قوات الاحتلال الأمريكي وبعض القوات الرسمية العراقية بانتهاكات سافرة وصارخة لحقوق الإنسان، الأمر الذي أثار موجة عارمة جديدة من الغضب . ثم صدر كتاب الرئيس جورج بوش “نقاط حاسمة” الذي فجّر قنبلة جديدة بشأن موضوع التعذيب، معيداً إلى الأذهان ما تردد من أوامر بالترخيص لممارسة التعذيب، تحت مبررات مختلفة . وإذا كان كتاب الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر “عام قضيتُه في العراق” الصادر عام 2006 قد أثار جدلاً واسعاً، ليس على الصعيد العراقي فحسب، بل إزاء استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط والعالم، فإن كتاب الرئيس بوش هو حدث بامتياز بكل المعايير، وسيبقى هذا الحدث ضاغطاً علينا لحين من الزمان، قراءة واستعادة ومقاربة ومقارنة وتدقيقاً ونقداً، ذلك أن كتاب “نقاط حاسمة” لا يتحدث عن الماضي (فترة ولايتين للرئيس بوش دامت ثماني سنوات) بقدر ما له علاقة بالمستقبل، وخصوصاً استراتيجية واشنطن من جهة، وموضوع التعذيب الذي نحن بصدده من جهة أخرى . ويبرّر بوش استخدام التعذيب وفقاً لتقنية “الإيهام بالغرق” Drawing Simulation Technology قائلاً: إنه تم استخدامها على 3 محتجزين فقط، وقد ساعدت في إحباط مؤامرات إرهابية لمهاجمة مطار هيثرو وحي كناري وارف في لندن، وبعثات دبلوماسية أمريكية، وعدد من الأهداف في الولايات المتحدة . كما يدافع عن استخدام التعذيب في غوانتانامو، وهو ما نفته الجهات الرسمية والإعلامية البريطانية ردّاً على نشر كتاب بوش .

وإذا كان جورج دبليو بوش يدافع عن فعله السياسي، لاسيما قراره بغزو العراق بعد أفغانستان، فإن اعترافه الصريح والواضح بأنه شنّ الحرب على العراق من جرّاء معلومات مضللة، وحصل ما حصل فيها من تدمير للدولة العراقية، وحلّ مؤسساتها لاسيّما الجيش والقوات المسلحة وقوى الأمن وغيرها، فضلاً عن اعترافه باستخدام أسلوب الإيهام بالغرق، إنما يرتب عليه مسؤوليات جساماً قانونية وسياسية وأخلاقية، لا يمكنه التنصّل منها .

وإذا عرفنا أن خلفه الرئيس باراك أوباما أمر بمنع استخدام التعذيب على طريقة الإيهام بالغرق، ووعد بإغلاق سجن غوانتانامو على الرغم من استمراره حتى الآن، فإن على الولايات المتحدة التحقيق مع الرئيس السابق جورج بوش وتقديمه إلى العدالة، خصوصاً اعترافه بشنّ الحرب وما آلت إليه من خسائر بشرية ومادية ومعنوية، ومن ثم اعترافه بارتكاب جريمة التعذيب، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم حسب الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب الصادرة في العام ،1984 والاعتراف، في القانون، هو سيّد الأدلة .

وعلى الرغم من تبرير بوش بأن مستشاره القانوني أبلغه بأن أسلوب الإيهام بالغرق “لا يندرج تحت طائلة اتفاقية مناهضة التعذيب”، فإن القانون بشكل عام لا يحمي المغفّل، ناهيكم من أن القانون الدولي الإنساني يستوجب تقديم أي متورط بممارسة التعذيب إلى العدالة، أياً كان موقعه، وحتى لو كان رئيساً سابقاً للولايات المتحدة، خصوصاً إذا ثبتت صحة اعترافه، الأمر الذي يتطلب التوثّق منه والتحقيق فيه لغرض تقديمه إلى القضاء الأمريكي، وفي حال عدم قيام الأخير بواجبه لأي سبب كان، فإن على القضاء الوطني ذي الولاية القضائية الدولية لأية دولة أن يمارس دوره لإجراء مثل هذا التحقيق في ظل غياب المحقق الأمريكي، أو عدم القيام بتأدية التزاماته الدولية، ناهيكم من إمكانية تحريك دعاوى ضده في إطار نظام محكمة روما لعام 1998 (المحكمة الجنائية الدولية) التي دخلت حيّز التنفيذ عام 2002 .

إن ممارسة التعذيب محرّم دولياً في زمن الحرب وزمن السلم، ويتطلّب من الدول أن تثبّت ذلك في قوانينها طبقاً لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام ،1977 وأن تنشر ثقافة القانون الدولي الإنساني التي تحرّم التعذيب وتحاسب من يمارسه، ضمن القواعد الإرشادية واللوائح الإنسانية التي عادة ما يتم تقديمها للقوات المسلحة، كدليل ومرشد للحروب والعلاقة مع الأسرى والمعتقلين والمحتجزين وغيرهم . وإذا كان الرئيس بوش قد اعترف بأن الإجراء كان قاسياً، إلاّ أنه برّر فعلته بأن خبراء الطب أكدوا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ال CIA أنه لا يسبب ضرراً دائماً، لكن ذلك ليس مبرراً لإعفائه من المسؤولية .

وكانت إدارة الرئيس أوباما بعد توليه سدّة الرئاسة قد صرحت بأنها ستتعامل بشكل قانوني مع نتائج التحقيقات الخاصة بالمسؤولين في إدارة الرئيس بوش الذين كانوا وراء سياسات الاستجواب التي اعتمدتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والجيش الأمريكي (البنتاغون) مع المعتقلين في العراق، وفي سجن غوانتانامو وأفغانستان وسجون أخرى . وجاء اعتراف الرئيس بوش صادماً، ليطلق موجة جديدة من المطالبات بملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان التي ألحقت ضرراً بليغاً بسمعة الولايات المتحدة .

إن الجرائم المرتكبة هي جرائم دولية يحاسب عليها القانون الدولي، حتى وإن تم إعطاء الضوء الأخضر بإذن من الرئيس نفسه لانتزاع اعترافات من المتهمين . طبقاً لاتفاقيات جنيف الأربع لعام ،1949 وخصوصاً الاتفاقية الرابعة بشأن السكان المدنيين، فضلاً عن اتفاقية مناهضة التعذيب، فإن المسؤولية لا تقع على عاتق الذين قاموا بالتنفيذ فحسب، بل على من أصدر الأوامر من كبار المسؤولين، وبذلك تقع المسؤولية على الرئيس بوش وعلى وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد ونائب الرئيس ديك تشيني وغيرهم من كبار المسؤولين .

إن جريمة التعذيب تتجسد في التعذيب المادي والمعنوي مثل التجويع والاعتقال التعسفي والمعاملة غير الإنسانية أو الحاطة بالكرامة، سواءً مباشرة أو للآخرين بهدف الحصول على معلومات أو التستر على مصائر المعتقلين أو الأسرى أو الحبس الانفرادي أو الاستخدام المفرط في القوة، وهي كلّها جرائم ضد الإنسانية، إضافة إلى أنها جرائم إبادة وجرائم حرب . أليس ذلك نوعاً من الفنتازيا على طريقة الرئيس جورج دبليو بوش؟

باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن والمواطنة: أية علاقة؟
- هل يحتاج الفقراء إلى «التمكين القانوني» ليتخلصوا من آفة الفق ...
- طاولة واحدة للتوافق الموعود
- المبادرة نداء حقيقي وضع العراقيين أمام مسؤولياتهم التاريخية ...
- «ويكيليكس» .. حقائق خلف القناع
- تسريبات ويكيليكس.. الوجه الآخر للمأساة العراقية
- التربية على المواطنة موضوع الفكر العربي المعاصر
- ماذا بعد تفريغ المنطقة من المسيحيين ؟!
- لا هوية موحدة دون احترام الهويات الفرعية
- الاستفتاء السوداني والمقاربة الكردية
- الجواهري - جدل الشعر والحياة
- هجرة المسيحيين .. افتراضات الصراع واشتراطات الهوية!
- المقال والمآل فيما كتبه جهاد الزين ومناقشتا صلاح بدر الدين و ...
- المسيحيون والمواطنة وناقوس الخطر
- حوار عربي صيني حول الماضي والحاضر والمستقبل
- “إسرائيل” دولة نووية هل يصبح الأمر الواقع واقعاً؟
- ازدواجية المعايير وانتقائية المقاييس وسياسة الهيمنة!
- هل الصين دولة نامية؟
- انسحاب أم إعادة انتشار؟
- المثقف والهاجس المفقود


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - بوش وفنتازيا -نقاط حاسمة-