عن الظلم فى مصر

اسلام احمد

الحوار المتمدن-العدد: 3162 - 2010 / 10 / 22 - 18:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

كنت اتجول مع صديق فى سيارته بعد الواحدة منتصف الليل واذا بنا نقبل على لجنة مرورية لافاجأ بمشهد نادرا ما يحدث اذ وجدت سائق تاكسى يتشاجر بالأيدى مع رجال المرور! , استنتجت انه تم سحب رخصه وربما توقيع غرامة مالية كبيرة عليه , وكباحث سياسي كان يصعب على رؤية مشهد نادر مثل هذا دون تسجيله عن قرب لذا فقد طلبت من صديقى التوقف جانبا ونزلت لأجد سائق التاكسى يحاول الوصول الى ضابط المرور لضربه والناس يحولون دون وصوله الى ضابط المرور بينما يقف الاخير بعيدا محاطا بعساكره لحمايته! , ولما يأس السائق من الوصول اليهم اخذ يسبهم بأقذع واشنع الالفاظ والشتائم! , لكن ما لفت نظرى فيما قاله السائق قوله : " يا ولاد ال............. , يعنى اسرق عشان اكل واؤكل عيالى عايزنى اسرق؟؟!"

واختلفت مع صديقى حول تقدير الموقف فبينما تعاطفت مع سائق التاكسى مع رفضى لما فعل بالطبع , تعاطف هو مع ضابط المرور ربما لأن اخاه ضابط شرطة.

ومن العجيب اننى فى اليوم التالى وبينما انا جالس مع خالى فى مكتبه _وهو مدير بنك _ نتحدث فى الشأن الخاص والعام اذا بسيدة تدخل علينا فى الستينات من عمرها ترتدى ثياب بسيطة تنم على انها تنتمى الى الطبقة الوسطى يبدو على وجهها الهلع! , جاءت لتتقدم بشكوى انها قد وقع عليها الظلم من جانب البنك حيث وضعت وديعة فى البنك منذ ما يزيد على عشر سنين ثم فوجئت بأن البنك قد خصم مئات الدولارات من حسابها دون علمها او اخطارها! , اخذت تصيح ثائرة بهياج شديد , فشرعت وخالى نطيب خاطرها بكلمتين كما وعدها خالى ببحث مشكلتها واعادة حقها اليها ولكنها مع ذلك لم تهدأ!

ولكى يهدئ خالى من روعها فقد حكى لها موقف تعرض هو نفسه فيه للظلم من قبل البنك , الى جانب موقف اخر تعرض فيه لظلم شديد داخل احد اقسام الشرطة حيث كان يسير فى الشارع فى شهر رمضان الماضي ثم فوجئ بأمين شرطة يضرب شاب ضعيف البنية بعنف فتدخل لانقاذه ولم يترك الامين حتى طلب له الشرطة , وحين ذهب ثلاثتهم الى قسم الشرطة طلب خالى من مأمور القسم ورئيس المباحث عمل محضر لأمين الشرطة حتى ينال عقابه , حاولا بكل السبل الممكنة اثناءه عن المحضر وانهاء الامر بصلح الا ان خالى رفض بشدة وهنا اخرج امين الشرطة الة حادة وقام بجرح نفسه داخل القسم امام اعين الجميع ثم اتهم خالى والشاب بضربه واصابته!! , فانفجر خالى من الضحك من وقع المفاجأة ثم اخذ يحذر امين الشرطة قائلا : حسنا سيتم محاكمتنا ويدخل كلانا السجن وفى السجن بامكانى وفى قدرتى ان اقتلك لكنى لن افعل وانما سادعو الله عليك تاركا له معاقبتك , عندئذ اذن المغرب فاخذ خالى كوب ماء واخبره ان دعوة الصائم مستجابة وانه سيدعو الله عليه وذكره بأن عقاب الله شديد , هنا بكى امين الشرطة واخذ يد خالى يقبلها متوسلا اليه ان يعفو عنه.

لم تهدأ السيدة الا حينما استمعت الى تلك المواقف التى تعرض فيها خالى للظلم ثم بعد ان هدأت اخذ الحديث بيننا مسلك اخر حيث تعرفنا عليها عن قرب ثم كانت دهشتنا عظيمة حين تبين انها مليارديرة وانها اخت مسئول هام وبارز بالحزب الوطنى الحاكم! اذ لم اتصور يوما ان الظلم قد يقع على الناس الواصلين! , وهنا بعد ان عرفت هويتها توجهت اليها بسؤال عما اذا كان اخوها سينزل انتخابات مجلس الشعب القادمة ام سيكتفى بموقعه فى الحزب؟؟ فاخبرتنى انه لن ينزل الانتخابات وانما هو الموكل به تنزيل القائمة الانتخابية فى دائرته , سألتها عن توقعاتها بشأن الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة؟؟ اجابت بأن البلد تسير نحو المجهول اذ لم تتضح الامور بعد فى ظل توقعات بشأن مقاطعة القوى السياسية بمصر الانتخابات ناهيك عن سيناريو الثورة الشاملة وربنا يستر! كما اخبرتنى ان الحياة فى مصر صارت مستحيلة وان كل املها ان يتخرج ابنها الوحيد من كلية الطب حتى تسفره الى خارج البلاد! , والسؤال الذى تراوح فى ذهنى انه اذا كانت الحياة فى مصر مستحيلة بالنسبة لهؤلاء الكبار فماذا عن المكدوحين والفقراء؟؟!

المواقف سالفة الذكر ذات دلالات لا يجب ان تمر علينا مرور الكرام دون استخلاص الدرس المستفاد وهو انه لم يسلم فى مصر احد من الظلم كما ان الغضب فى مصر قد امتد ليشمل الجميع بلا استثناء حتى علية القوم! اذ من العجيب ان الاشخاص الثلاثة اصحاب تلك المواقف يمثلون الطبقات المختلفة للمجتمع فالاول سائق تاكسى ينتمى الى الطبقة الدنيا والثانى مدير بنك ينتمى الى الطبقة الوسطى بينما الثالثة مليارديرة.

والمهم فى الموضوع ان الناس قد وصلوا لمرحلة من الغضب تصل الى الانفجار وهو ما يؤكد الزعم بتوقع حدوث سيناريو الثورة الشاملة (كنت قد توقعت فى مقال سباق بعنوان " نظام ايل للسقوط" بازدياد حالة السخط العام لدى الناس غير عابئة بالقبضة الامنية)

ما اثار فزعى حقا هو ما اذا كان لدى هذه السيدة معلومات عن طريق اخيها عما ينتظر مصر خلال السنوات المقبلة وماذا لو كان هو من نصحها بالهجرة خارج البلاد فرارا من خطر ما قادم؟!

#اسلام_احمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات