أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مها عبد الكريم - قبل التلاشي....















المزيد.....

قبل التلاشي....


مها عبد الكريم

الحوار المتمدن-العدد: 3154 - 2010 / 10 / 14 - 14:07
المحور: الادب والفن
    


صراع ..
استأذنتهم السيدة المسؤولة عن مقابلة المتوافدين، للخروج من الغرفة للحظات مصطحبة معها الى غرفة اخرى احدى المتقدمات للعمل وقد احاطتها باهتمام واضح، بينما بقيت هي بمكانها تتبع الخارجين بنظراتها الباردة، وبعد دقائق قليلة عادت السيدة وقبل ان تتقدم نحوها لتتحدث معها دخلت من باب الغرفة اخرى بوجه مألوف.. لم تنتظر اجتياز الباب لتبدأ سؤالها عن اعلان الوظائف الشاغرة الذي علقوه على الجدار القريب من المبنى..
قبل اكثر من عام، قالت لها سيدة عرفت كيف تتخلص من كل النظّارات الملونة لتنظر بعيون مفتوحة الى وجه الواقع القبيح:
-الهروب والاعتراض غير مجدٍ، الحياة هنا وفي كل مكان تذهبينه هي حلبة صراع مستمر.. توقعي المواجهه دئماً واستعدي لها..!!.
الى اين سيصل الصراع هنا ؟ نتدافع على كل شيء حتى عندما نريد ان نتكلم مع احدهم .. لكنها هذه المرة اكثر منها قبل سنة اصبحت تكره المواجهات وتتجنبها بعدم اكتراث واضح
انتظرت لفترة كافية بعدها اتجهت نحو صاحبة الوجه المألوف وبادرتها بسؤال: هل كنا معا في نفس الكلية ، اعتقد نعم وكلامك قبل قليل مع السيدة المسؤولة يؤكد ذلك لكني لا اتذكر اسمك...بعيون زائغة كمن يريد اللحاق بقطار مسرع ردت صاحبة الوجه المألوف دون ان تنظر اليها : نعم اعتقد ان وجهك مألوف ايضا واتذكره لكن لا اتذكر اسمك...
فكرت لثانية واحدة فقط ان تطرح عليها سؤالاً اخر ، اي سؤال كأن يكون عن اسمها لكنها في الثانية التالية تراجعت وعاد اليها عدم اكتراثها بعالم يتصارع فقط...
* * * * *
معطف من كوكب زحل ..!
دخل الغرفة مسرعاً بمعطفه الغريب، الرجال هنا لا يرتدون المعاطف فالشتاء لم يعد بارداً كالسابق .. كان على موعد مع مديرتها وهناك بعض الدقائق قبل ان يحل وقته. لم تلتق منذ زمن بعيد بشخص يحترم الوقت بهذا الشكل وفي كل الاحوال الوقت هنا لا قيمة له، هي نفسها تتأخر عن مواعيدها احيانا لاسباب مختلفة كازدحام الشوارع ..فكرت ان طبيعة الناس هنا وما تعودوه ستلاحقه وسيجد نفسه يوما ما ودون ان يشعر يقلدهم في كل شيء وسينسى الاهتمام بالوقت والمواعيد بعد ان ينسى سنوات حياته في الخارج وكل ما تعوده فيها.
ما ان استقر في مقعده حتى بادرها بالسؤال عما فعلته اثناء مراجعتها للدائرة التي يحتل هو موقع المدير العام فيها؟ ..آها وسيتعود عما قريب عدم الاكتراث بالناس او السؤال عن همومهم..!
لا شيء - اجابته وهي ترتب اوراق مكتبها بعدم اكتراث- لا احمل المواصفات المطلوبة في دائرتكم لقبول طلبي..
دائرتة لم تجرب العيش خارج العراق لذا هي لا تهتم بالوقت ولا بهموم الناس، لكنه لم يقتنع باجابتها وطلب ان يعرف تفاصيل ما حدث ليفهم وليثبت لها انهم انما يدافعون عن ضحايا الرأي..سجناء الرأي !.. تفحصت وجهه للحظات وفكرت بغرابة الابتسامة الهادئة المرسومة على وجهه، أهي ابتسامة المتأكد مما يقول ام الحالم المُبالغ ؟.. ثم قالت بتوتر:
لم يكن هناك من يهتم، الكل يكتب ويتنقل بين الغرف ولا مشاكل تحل وبعد جهد وجدتُ شخصا يستمع للمراجعين ويكتب فجلست انتظر دوري ليستمع لي، كانت هناك امرأة واحدة قبلي ومعها مجموعة من الرجال يستمعون ويؤيدون ما تقول ، سألها الموظف الذي يكتب كلامها بتأثر عن السبب فيما حصل لها فقالت: لاني زوجة سيد ....... فقط !.....ارجو انك لاحظت ان لا علاقة للرأي بالموضوع وبما تقومون به لذا حينما حان دوري لاتحدث لم يكتب ذلك الموظف شيئاً ...
قبل ان تنتهي الدقائق القليلة كانت ابتسامته الهادئة قد اختفت فالتقط حقيبته وخرج بنفس السرعة التي دخل بها ، في النهاية لم يكن هناك شيء يستحق الانتباه والتذكر اكثر من معطفه الغريب ...!
* * * * *
شجرة للانتظار...
لم يكن الانتظار في الخارج مملا ففي باحة الدائرة الخارجية حديقة مرتبة تقريبا فيها اشجار خضراء باسقة وشجيرات زينة وبعض الورود وفي احد اركانها شجرة سيسبان نثرت اوراقها على طول الممر المرصوف القريب من المدخل لذا وجدت بعض التسلية في السير جيئتا وذهابا فوق الاوراق اليابسة التي يصدر تكسرها تحت اقدامها صوتاً مميزاً ينشط الذاكرة ويقتل الوقت
فكرت في الكلام الذي ستقوله للسيد المدير وجهدت ان تنشط ذاكرتها لتذكر اسماء كل الموظفين الذين التقتهم وقت الحدث كدليل على صدق قصتها: المدير السابق كان اسمه الدكتور شاكر وسكرتيرته اسمها ... تبالغ في تذكر الماضي فتتذكر سكرتيرة اخرى كانت مسؤولة عن مقابلة المتقدمين للعمل، سألتها عن عملها السابق فاجابتها بانها لم تعمل من قبل فعادت السكرتيرة لتسألها عن السبب فقالت لها ببساطة: في زمن النظام السابق ..... قبل ان تكمل عباراتها كانت السكرتيرة تبتسم بسخرية واضحة اجبرتها ان تقطع عبارتها وتسكت فانتبهت السكرتيرة وقالت باسلوب يدل على السخرية: كلنا كنا مظلومين في زمن النظام السابق...!
انتهى الاجتماع بعد ساعات انتظار طويلة فاخذت دورها لمقابلة المدير وكانت تحاول استجماع شجاعتها وتذكر كل العبارات التي تجدها مهمة
انتهى المدير من قراءة الورقة التي قدمتها له واستمع لكل العبارات المهمة التي حضّرتها وفي النهاية قال: اصدقكِ... واخبرك ان اكثر من تسعين بالمائة ممن عادوا لوظائفهم لم يكونوا مضطهدين، لكنك تأخرت كثيراً ومن استطاع ان يستغل فترة الفوضى تلك سلب الفرصة من الاخر الصادق .. انصحكِ !.. انصحكِ حاولي ان نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة...
لم تستطع التمعن كثيرا في الحديقة الصغيرة المرتبة وهي تغادر المكان لكنها انتبهت ان شجرة السيسبان واصلت القاء اوراقها الصفراء على الممر المرصوف...

* * * * *
تعريف....
قضت فترة ما بعد الظهر وحتى حلول الظلام في التفكير والتأمل بصمت..فكرت كثيراً وتذكرت اكثر وتركت خيالها يسرح في عالم احلام اليقظة ..ما يشغل فكرها كانت "الواسطة" ...العبارة والفعل ، شيء سحري قادر على فعل الاعاجيب ولو كُتبت الف ليلة جديدة في بغداد الان لكان موقع " الواسطة " فيها بدل مصباح علاء الدين محقق الامنيات ....لكنها تكره تلك الكلمة فعلا، عن قناعة انها السبب الاول والاهم لهذا الخراب المستمر...
صديقتها الحاصلة على شهادة الماجستير في اللغة الانكليزية خسرت فرصتها للعمل في المكان الذي تحب لانها لم تكن تملك الواسطة وبدلها احتلته اخرى كانت تمتلك تلك العصى السحرية ..
ابنة رجل مهم حصلت على مقعد للدراسات العليا في جامعة مهمة لم تكن مؤهلة له دون ان تطبق عليها لائحة الشروط واجتياز الامتحان التنافسي مع باقي المتقدمين .. واخرى تصغرها بسنوات قليلة تركت الدراسة وتزوجت قبل ان تحصل على شهادة المرحلة المتوسطة حصلت على وظيفة في وزراة الخارجية بفضل الواسطة... قصص كثيرة تكرر كل يوم
فكرت في وضع تعريف واقعي لتلك الكلمة فكان ...الواسطة فعل خاطئ مرفوض يؤدي بالمستند اليه الى الاستمرار والنجاح !! .. من يرفض الاستناد الى "الواسطة" هنا اما ملاك لا يتأثر باختلافه عن الاخرين وبقائه وحيداً في ذيل القائمة او مجرد خيالي يعيش في عالم مثالي من الاوهام ..او انه اساساً لا يمتلكها !..
* * * * *

انسلاخ...
كانت ظهيرة ساخنة بحق، لكن ليس بقدر الافكار التي تغلي في رأسها.. وقفت على رصيف الشارع الطويل وراحت تنظر يمينا ويساراً في ضياع واضح بعد رجوعها من طريق آخر مسدود.. لم يكن واحداً من طرق المدينة المسدودة بالجدران والحواجز فطرقها منذ زمن بعيد تنتهي بمارد يجلس خلف مكتب ضخم منشغل بأوراقه ، بعد ان يدحجها بنظرة تشي بمقدار انسحاقها يسألها بلؤم واضح : اين كنت طوال السنوات الماضية ؟ لقد تأخرتِ كثيراً..كثيراً....، وهكذا ومهما ركضت اسرع تصل متأخرة الى ذات النهاية المسدودة.
تلفتت مرة اخرى تتابع بنظرها السيارات الهاربة من قيظ الظهيرة، كانت تحاول ايجاد اتجاه جديد او فكرة تنقذها من حرقة الخيبة ورغبة الاحتجاج بشدة لكن كيف ستحتج وعلى من؟ هل ستصرخ باعلى صوتها ؟ بوجه من !.لم يكن هناك عبارة او فعل يمكن ان يعبر عن رغبتها في ان تقول لهذا العالم انها سأمته حد القرف، وان استمرار البقاء تحول الى انتهاك صارخ لاختيارها مد الانسلاخ والتلاشي الذي صار يكتم وينهي كل رغباتها الاخرى ..فكرت لو ان بامكانها فقط ان تعبر عن كل هذا ولو باحتجاج مصاب بالخرس..
سارت قليلا بمحاذات الشارع الطويل لتخفيف حرارة الشمس الحارقة، فاثارت انتباهها لوحة كبيرة على احد جانبي الشارع تعرض اسم صالون لتجميل النساء، واصلت سيرها لكنها بعد لحظات عادت ادراجها باتجاهه ودخلت بسرعة دون تردد.
في الداخل كانت هناك سيدة تقوم باعمال الصالون واثنتان من الزبائن كلاهما تخضعان لعملية تغيير للون الشعر.. فكرت ان هذا نوع من انواع الانسلاخ لكنه لا يعبر كثيرا عما تريد..بعد مضي بعض الوقت جلست على الكرسي الخاص بالتجميل ونظرت الى وجهها مليا في المرآة المقابلة وعندما سألتها السيدة التي ستقوم بالعمل عما تريد ان تفعله بشعرها لم تستطع ان تجيبها بينما كانت تصد قليلا مد التلاشي الذي اخذ يزحف منذ زمن على جدوى الكلام واستمرار استخدامه مع عالم متخم بالضجيج.. نظرت الى السيدة التي تقف وراءها عبر المرآة ثم قالت بصوت هادئ : لا اريد البقاء ...كما انا .. ،ثم تلفتت حولها قليلا فسقط نظرها على صورة امرأة معلقة على الجدار القريب تشبه مغنية او ممثلة ما لكنها كانت صلعاء ... رفعت يدها واشارت نحو صاحبة الصورة وقالت: انظري، يبدو كصرخة .. هكذا اريده......



#مها_عبد_الكريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليك ... دجلتي ..!
- الفنان - محمد صبحي- ومسلسل - الحكومة العراقية القادمة-..!!
- ذاكرة الاخضلال والهشيم
- خواطر... انتخابية !
- -القاتل الخفي- مازال يفتك بسكان حي الانصار في النجف
- فلم -بابل- .. الاختلاف وهاجس الارهاب
- قناة الشرقية والاستمرار في تشويه صورة الفن العراقي
- هوامش من ذاكرة لا تحفظ الأسباب
- من هوامش ذاكرة لا تحفظ الأسباب
- ارتجال..
- اليوم السادس.. اليوم الحاسم
- أزمة الكهرباء الوطنية ومزنة الانتخابات ..!‏
- حتى رئة بغداد لم تسلم ....!!‏
- سجل الزوار ..-قصة قصيرة-
- احتجاج
- انتظريني..
- انتظريني ..
- وسط شعب تخلى عن وطنيته , مستقبل العراق على كتف متسول محتال و ...
- على ضفة الانتظار ..على حافة الانتحار !
- الحُجب


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مها عبد الكريم - قبل التلاشي....