أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين يونس - عبد الناصر .. وانا















المزيد.....

عبد الناصر .. وانا


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 3141 - 2010 / 10 / 1 - 17:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1) ذكريات عاطفية

لا أذكر تماما متى رأيته لأول مرة .. كان يدق على الباب فتفتح الشغالة ثم تنادى ضيوف.. أذهب الى حجرة " المسافرين " كما كان يحلو لأمى تسميتها وأفتح الباب الخارجى ليدخل غاضا بصره .. أفتح الشباك المتصدر للحجرة او أضئ الكهرباء وأنظر اليه مبتسما مرحبا ، كان يسألنى : " حسين موجود ". وكنت أرد :" أيوة يا أنكل.. اتفضل ".
أغادر الحجرة الى والدى لكى اخبره ان أنكل جمال ينتظره ، ثم أعود لحجرة المسافرين ارحب به حتى حضور والدى، فأجده يتأمل الصور المعلقة على الحائط للجدود وأفراد العائلة وبعض الرسومات المقلدة عن لوحات عالمية رومانسية كانت والدتى تهواها وتنسج حولها القصص ( بالطبع لم تكن صحيحة ) أسأله ماذا يريد أن يشرب ، وكان يرد باقتضاب : " قهوة سادة " . . فى بعض الأحيان كان يسألنى عن مدرستى أو عن الدروس التى اتعلمها ، وفى مرة سأل عن الصور المعلقة ، فلما حكيت له حواديت أمى ابتسم وهز رأيه استغرابا .
عندما يحضر والدى مرحبا أنسحب ، فى بعض الأحيان كان يحضر " أنكل " عبد الحكيم أو محمد المنشاوى أو محمد الصعيدى وبعدها يجلسون جميعا حول منضدة ، يوسع لها فى وسط الحجرة وكراسى مستعارة من داخل المنزل ، يلعبون الكونكان لساعات متاخرة ، لم اكن أشهد نهايتها عادة ، وأنما أرى تأثيرها فى صباح اليوم التالى ، على أمى وأبى .. فاذا كانت متوترة وهو صامت ، فمعنى ذلك انه قد خسر ، أما إذا كان يغنى وهو يحلق ذقنه فهذا دليل على مكسبه .

عندما امسك أبى الجريدة اليومية "الأخبار " وبدأ يصيح بتهليل ، كان يشير لصورتين ويسألنى من هؤلاء .. تعرفت بسرعة على " أنكل" عبد الحكيم ، فلقد كان يحضر أحيانا بزيه العسكرى ، وفشلت فى التعرف على الآخر، عندها ضحكت أمى وقالت : " جمال .. مش عارفه !! ".
لقد كان " أنكل " جمال عبد الناصر أحد الضباط الأحرار الذين قاموا بانقلاب 1952 .
فى مدرسة فاروق الأول الثانوية ، حضر بعض الضباط برئاسة اللواء محمد نجيب ، الذى ألقى خطبة ، عندما رأيت جمال بينهم .. جريت لأمسك بيده بين دهشة المدرسين والناظر ، وربت هو على رأسى قائلا : " إزى أبوك !! " .. ومن يومها أصبحت المتحدث الرسمى باسمه فى المدرسة والمتتبع لخطبه فى الجرائد والاذاعة ،أحفظها وأردد مقاطع منها ، واقلد طريقته فى الكلام خصوصا عندما يقول " أيها المواطنون " .
ثلاث مرات قفزت وقفزت الدموع من عينى لا أستطيع التحكم فيها وانا أستمع اليه .. عندما كان يصرخ ويقول : " إذا قتلونى فقد وضعت فيكم العزة ، فليقتلونى الآن فقد أنبت فى هذا الوطن الحرية والعزة والكرامة " بعد نجاته من محاولة محمود عبد اللطيف اغتياله فى المنشية عام 1954 ، وعندما أعلن تأميم الشركة العالمية لقناة السويس ، كنت حينها قد انهيت دراستى الثانوية واستعد لدخول كلية الهندسة ، وعندما خطب فى الجامع الأزهر معلنا مقاومة الشعب للعدوان الثلاثى ، وكنت قد أصبحت فعلا طالبا بكلية الهندسة ، كنت أتابع خطب جمال عبد الناصر وقراراته وأدافع عنها كما لو كانت قراراتى شخصيا حتى عندما أبدى والدى اعتراضه على تاميم القناة وتخوفه من قوة الانجليز والفرنسيين ، دافعت عن القرار بكل ما املك من منطق ، معلنا اننا سنضحى جميعا فى سبيل وقف العدوان اذا حدث .
كان أبى قد ابتعد عن رجال الانقلاب ، ولكنه كان يراسل ( من طرف واحد ) عبد الناصر ، يرسل له وجهات نظره التى كان بعضها معارضا لقراراته فلقد كان يعتبر نفسه صديقه ومع ذلك لم يلحق به أى أذى من هذه الهواية الغريبة .
عندما أصبحت فى السنة الثالثة وكان على أن أرسم وأجهز وأحبر لوحات مشروع نهاية العام ، كان هو يقرأ الميثاق الوطنى ..
كنت حريصا على أن أحصل على أعلى تقدير وفى نفس الوقت سماع حبيب الملايين ، لذلك فلقد أحضرت الراديو ووضعته بجوار اللوحة وكنت اتبادل التركيز على الرسم وسماع كلمات مثل .. الكفاية والعدل .. العمل حق العمل واجب العمل حياة .. تحالف قوى الشعب العامل .. الحرية الاجتماعية .. حتمية الحل الاشتراكى .
بعد ذلك عندما حفظت الميثاق ، كنت لا أمل ترديد " ان الحرية الاجتماعية طريقها الاشتراكية ، إن الحرية الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا بفرصة متكافئة أمام كل مواطن فى نصيب عادل من الثروة الوطنية .. إن ذلك لا يقتصر على مجرد إعادة توزيع الثروة الوطنية بين المواطنين ، وإنما هو يتطلب أولا وقبل كل شئ ، توسيع قاعدة هذه الثروة الوطنية ، بحيث تستطيع الوفاء بالحقوق الشرعية لجماهير الشعب العاملة ، إن ذلك معناه ان الاشتراكية بدعامتيها من الكفاية والعدل هى الطريق الى الحرية الاجتماعية " ، لقد كان نورا ونبراسا وأملا لطالب كلية الهندسة الذى كان على وشك الدخول لمجال العمل فى وطن " تتلاقى عليه جميع عناصر الانتاج ، على قواعد علمية وأنسانية ، تقدر على مد المجتمع بجميع الطاقات التى تمكنه من أن يصنع حياته من جديد وفق خطة مرسومة و مدروسة وشاملة " .. فكيف لا أستطيع ألا أحب عبد الناصر وكيف كان من الممكن أن أخيب أمله فلا أحصل على أعلى تقدير .. جندى من جنود معركة الانتاج .
عندما تخرجت من الكلية الحربية ضابطا مهندسا وسافرت الى اليمن ، بدأت علاقتى بعبد الناصر يصيبها الضعف ، فلم أكن مقتنعا أن أذهب الى اليمن أحاول مساعدة من يتربصون بنا ، سواء للحصول على أموالنا أو قتلنا ، لم أكن مقتنعا( رغم الرشاوى التى قدمها لرجال الجيش بالبدلات والمعافاة من الجمارك والسكوت على البضائع المستوردة التى يجلبونها معهم )أن هذا ثمنا كافيا لأن يتفكك الجيش ويعانى من التسيب فى التنظيم والتسليح ، لقد انهارت مبادئ الميثاق عن العدل والمساواة والحرية ، ولم تعد خطب عبد الناصر تبهرنى بنفس القدر الذى كانت عليه يوم أن كان يدافع عن حرية قناة السويس فى مواجهة العدوان الثلاثى .
عندما أسرت بعد حرب أظهرت أن نظام الثوار كان مبنى بالكارتون الذى طار مع أول هبة عاصفة ، وسهرت ليلا كاملا راقدا على وجهى لتجنب أن أصاب يالرصاص الذى يطلقه جنود الأعداء ، كان شعار ارفع رأسك يا أخى يدوى فى أذنى كانعكاس لرأسى المنخفضة مع آلاف الأسرى المجاورين ، وعرفت أن العلاقة العاطفية التى تربطنى بهذا الرجل " بهى الطلعة " , " ساحر الكلمة " , " باعث الثقة " و " صديق الفقراء والمستضعفين " قد تحتاج الى مراجعة .
عندما تغلب عقلى على عواطفى وبدأ يعدد أخطاء بهى الطلعة ، بدأت أشعر أنه كابوس تخلل كل خلايا عقلى وقلبي كان الفكاك منه شديد الصعوبة ، فلقد كان لعقلى حيله التى لا أنساها أبدا فى مواجهة الأخطاء ، " إنه لا يعلم " , " لقد خانه المحيطين " , " ماذا كان سيفعل أمام ضغط أمريكا " , " المجتمع بكامله يحتاج لتغيير " , " الديكتاتور العادل بديل الديموقراطية لشعب جاهل " , " هؤلاء الذين نكل بهم ما هم الا أعداء الثورة " .. وفى كل مرة كنت أكتشف حيل عقلى الباطن كان يحل محل سحر الحب( والأغانى التى تسبب الدموع فى العين) الرعب من المستقبل ، لم أعد أثق فى الزعيم ، ولم أعد احبه ، حتى بعد بيان 30 مارس ، لقد كان كلاما مثل باقى الكلام ومثل أغانى الغرام التى كنا نغنيها له .
عندما توفى الزعيم كان والدى يبكيه ممسكا منشفة ضخمة ليمسح بها دموعه المنهارة بدون توقف ، وكنت أشعر أن كابوسا قد انزاح ، وأنه قد آن الأوان لأن أمتلك مقدراتى وأعيش كفرد ناضج لا يخضع لسحر كاريزما الرئيس ، ولا أى رئيس .
للمرة الأخيرة طفرت الدموع من عينى عندما شاهدت جنازته ، لوحت للنعش قائلا الوداع ، سوف نفتقد صوتك وطلعتك وقوتك وقدرتك على التغيير ، ولكننا سننجو من شطحاتك التى حولتنا الى أمة .. . . يكفى هذا اليوم .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبل نقد الآخر
- تعليق علي مقالات السيد موريس رمسيس عن المصريين
- هل وزير الثقافة مثقف ؟
- فلنعترف أولا بتخلفنا 5/5
- فلنعترف أولا بتخلفنا 4/5
- فلنعترف أولا بتخلفنا 3/5
- فلنعترف أولا بتخلفنا 2/5
- فالنعترف أولا بتخلفنا 1/5
- يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 4 )
- يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 3 )
- يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 2 )
- يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر
- اشنقوا - جدو- أمام البوابة الرئيسية لنادى الزمالك
- حوار إنتظر نصف قرن ليتم
- هز القحوف فى مرثية لأبى شادوف
- مليون جنية لكل لاعب !! إنها قسمة ضيظى
- لا تصدقوا هذه الجماهير
- يا أهل مصر اهربوا منها
- أبناء الديانة الرابعة ...هذا قدركم
- أحلام القرن الحادي والعشرين وإشكالية التنوير


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين يونس - عبد الناصر .. وانا