حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 3140 - 2010 / 9 / 30 - 23:03
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
منطقتان في النفس ليس معروفًا ما إذا كانتا متجاورتين أو متقابلتين أو متداخلتين، ولكنهما موجودتان معًا على وجه اليقين: منطقة الضعف ومنطقة القوة. تنشط كل واحدة في ظروفها وفي أوقاتها، وتغفو الأخرى لوهلة أو تهمد حتى تحين ساعة فعلها.
الثقافة السائدة في المجتمعات عامة، كلها وبدون استثناء على ما يبدو، تمجد القوة وتنظر إلى الضعف بوصفه حالا سلبية، بوصفه أمرًا منبوذًا. القوي، وفق المعايير المتداولة، هو قرين الشجاعة والاقتحام والمبادرة، أما الضعيف فهو قرين التردد والسلبية وربما الجبن أيضًا.
والواقع أنه يجوز الحديث عن الأمم القوية والأمم الضعيفة وعن القوة والضعف في مجالات أخرى كثيرة بوصف الحال الأولى حالا إيجابية والأخرى حالا سلبية ما عدا في النفس البشرية.
ولكن السائد من العرف والقناعات جر هذا الفهم حتى إلى هذه المنطقة الحساسة، فباتت الناس تخجل من ذاك الذي ندعوه نقاط الضعف فيها وغالبًا ما تلجأ إلى مواراتها ومداراتها، لا بل والمبالغة في إظهار حال أخرى نقيضة لها، حال من “القوة” المفتعلة أو الزائفة.
ونادرًا ما يتم الالتفات إلى حقيقة أن حالات الضعف الإنساني إنما تنبع تحديدًا من تلك المناطق الأكثر رهافة وحساسية في داخل النفس، من المناطق التي تنم عن النبل الإنساني وعن الحساسية تجاه الأشخاص والأشقاء والظواهر، الحساسية بمعنى القدرة المتكافئة على الفرح وعلى الألم أو الحزن.
ليس بإمكان الإنسان أن يكون قويًا دائمًا، وإن كانت القوة مطلوبة، إن الضعف بمعناه المرهف يأتي تحديدًا في تلك اللحظات القصوى من تكثف المشاعر وتوهجها، تتويجًا لعاطفة صادقة وشعور مفعم بالحيوية وبالقدرة الفائضة في التعبير عن تلك العاطفة أو ذاك الشعور.
هنا تبدو القوة أقرب إلى القسوة والشدة وغلاظة السلوك، لا بل إلى العنف في صورته المضمرة الكامنة، وهي بالمناسبة الصورة التي تشكل بؤرة تولد مظاهر العنف في مجالات الحياة المختلفة بدءًا من التزاحم غير الشريف و “الفهلوة” والشطارة بمعناها السوقي المبتذل وانتهاء بالعنف في صوره الدامية التي تقلق مجتمعات بكاملها.
ثمة حاجة لرد الاعتبار إلى الضعف الإنساني، إلى النظر إليه كما هو في حقيقته حالة إنسانية تتصل بعمق التكوين النفسي للبشر، ومظهرًا من مظاهر تجلي نبل الإنسان وطيب سجاياه وقدرته على تحسس آلام نفسه وآلام الآخرين ومراعاة مشاعرهم واحترامها.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟