أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - قراءة في صنعة مسرحيات تشيكوف















المزيد.....


قراءة في صنعة مسرحيات تشيكوف


صباح هرمز الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 3138 - 2010 / 9 / 28 - 12:45
المحور: الادب والفن
    


قراءة في صنعة مسرحيات تشيكوف
الاربع الطويلة
الجزء الثالث: (الشقيقات الثلاث في شهقاتهن الاخيرة)

صباح هرمزالشاني

اذا كانت مسرحية (طائر البحر = النورس) قد مثلت قبل مسرحية (الخال فانيا) بثلاث سنوات، فأن مسرحية (الشقيقات الثلاث) التي نحن الان بصدد تناولها مثلت بعد (الخال فانيا) بـ سنتين، أي عام 1901، (واستقبلت بهتافات هستيرية في أول عرضها لها، وحدث هذيان حقيقي، عندما ظهر المؤلف على الخشبة في الفصل الرابع.)* 1
وهي من اكثر مسرحيات تشيكوف صعوبة في الاداء، كونها على حد زعم الممثلين الذين اجتمع بهم تشيكوف في اول قراءة لها (مجرد اشارات) لاوبل (ليست مسرحية)، و (فيما اذا كانت ملهاة أو مآساة؟!) (وغادر تشيكوف الاجتماع، غير قادر على احتمال المزيد، الا ان ستانسلافسكي استطاع ان يهدئه، ليستعيد شجاعته، مصححا، وهو معتزل في غرفة الفندق، الفصلين الاولين تصحيحا كاملا... ولم يحدث في الفصل الثالث غير لمسات، الا انه اعاد كتابة الفصل الرابع بعمق.)* 2
تدور حوادث هذه المسرحية ببلدة ريفية في منزل آل بروزوروف الجنرال العسكري الذي ترك بعد وفاته ثلاث بنات وولدا، (اولغا – ماشا – ايرينا، واندريه)، وكانت الشقيقات الثلاث بالاضافة الى شقيقهن قد ولدوا في موسكو، ويتلهفن العودة اليها، الا ان حلول فوج عسكري بهذه البلدة الذي راح بعض افراد من ضباطه يتردد الى منزلهن، بحكم العلاقة التي كانت تربطهم بوالدهن، أدى الى الحد من بعض الاوهام التي كن يعشن فيها، باتجاه عقد علاقات عاطفية مع اثنين منهم، بأستثناء اولغا الشقيقة الكبرى دائمة الكابة، اذ بالرغم من أن (ماشا) كانت متزوجة عن حب بـ (كوليغين) وهو معلم، الا انها تنجذب لـ(فرشنين)، و(أيرينا) اصغرهن الى (توزبناتش). ولكن شريطة أن يأخذها الى موسكو، بينما هي في الحقيقة لاتحبه، وهو يعرف هذا، وتحب شخصا آخر صورته مرسومة في خيالها. غير ان انتقال الفوج بعد فترة قصيرة الى حامية اخرى، ومقتل خطيب ايرينا في مبارزة مع (سوليني)، يؤديان الى أن يفقن الشقيقات الثلاث من اثر هاتين الصعقتين، بعد نشوة عاطفية وجيزة، لممارسة حياتهن كالسابق.
ان مسرحية (الشقيقات الثلاث) مثلما هي اكثر مسرحيات تشيكوف صعوبة في الاداء، هي كذلك اكثر مسرحياته غيابا للحدث، لا لأنها تفيض بالرموز والدلالات الموحية، وتزخر بالمفردات الدالة على التوتر النفسي كحالات الجو والطقس، والمؤثرات الصوتية، اكثر من مسرحيتي النورس والخال فانيا، وانما بالاضافة الى ذلك، اتباع اسلوب المونتاج السينمائي في تصاعد افعالها الدرامية، سعيا لسير الحدث بشكل بطيء وتدريجي، والكشف عن مكنوناته بقطع الانفس، ومراحل عدة، من خلال ايلاء اهمية متميزة الى الامور الاعتيادية اليومية والمألوفة في حياة الانسان، وتحويلها الى معاناة كبيرة، وبالتالي الى ماساة حقيقية، يجد المرء نفسه عاجزا عن حلها.

1- الرموز والدلالات الموحية:
لقد اشتغل المؤلف على عدد كبير منها، الا ان ما استطعت تشخيصه بلغ بحدود الثلاثين موزعا بنصيب خمسة للفصل الاول وسبعة للفصل الثاني، وستة للفصل الثالث واربعة عشرة للفصل الرابع.
وتأتي في مقدمة هذه الرموز، الوان الثياب التي ترتديها الشقيقات الثلاث، لتعبر عن شخصيتهن، (فأولغا) ترتدي الثوب الكحلي لمعلمة مدرسة ثانوية، اشارة الى تعلقها بمهنتها من جهة، ولما تتسم به من الكآبة لعنوستها من جهة اخرى، و (ماشا) التي ترتدي الثوب الاسود الى تمردها على زوجها وانجذابها الى المقدم (فرشنين)، و (ايرينا) الثوب الابيض، الى عفويتها واوهامها وحبها للحياة.
أما جملة (لاتبرز اية اوراق على اشجار البتولا) التي تأتي على لسان (اولغا) بالرغم من دفئ الطقس، فهي اشارة الى قبح القرية التي يعيشون فيها، وتؤكد على هذا المعنى، ورود كلمة (موسكو) في حديثها اللاحق:
عين والدنا قائد لواء منذ أحد عشر سنة، ثم غادر موسكو وصحبنا معه، اذكر تماما كيف كان كل شيء في موسكو مزهرا، في مثل هذا الوقت.
وتتردد كلمة (موسكو) على امتداد المسرحية وهي رمز لحلم الشقيقات الثلاث، كما في هذه الجملة لاولغا: شعرت برغبة شديدة في العودة الى المنزل في موسكو. وايرينا تقول: لو أمكننا أن نعود الى موسكو وماشا: انه لمن الغريب ان نجتمع مع رجل من المدينة بشكل غير متوقع (تقصد مدينة موسكو)
ويأتي قول (توزبناتش لـ سوليوني): لقد نسيت أن اخبرك بأن فرشنين آمرية سرية مدفعيتنا الجديد سيعرج عليك اليوم. (يجلس بجانب البيانو)، اشارة واضحة الى معنيين، المعنى الاول هو دخول شخص ثالث الى جانبهما بالانجذاب الى احدى الفتيات، والثاني بهدف معرفتهن المسبق بهذه الزيارة، ولعل سرور اولغا بسماعها هذا الخبر وطرح ايرينا بسؤالها حول سنه، اثبت دليل على ذلك. اولغا: انني مسرورة جدا لسماع ذلك.
ايرينا: هل هو كبير السن؟
من المعروف ان (ماشا) كانت تريد عدم حضور حفلة شقيقتها (ايرينا) لتغادر الى المنزل، ولكنها بعد ان عرفت بحضور (فرشنين) تخلع قبعتها وتقول: (سأبقى لتناول الغذاء). وهي اشارة واضحة بانها ستنجذب اليه.
أما إنتقالها الى كرسي آخر وهي تقول: توجد اضواء اكثر هنا، اذ بدون ان تلفظ هذه الجملة، معناها، ايماءة للقبول بحبه.
ماشا (تضحك بهدوء): حين تكلمني على هذا النحو، لا استطيع بطريقة ما أن امنع نفسي عن الضحك مع انني خائفة في الوقت نفسه. لا تقل ذلك مجددا ارجوك (بصوت مسموع جزئيا) حسنا.. لا.. استمر.. لا أمانع.. (تخفي وجهها بيديها) لا أمانع.. أحدهم قادم.. فلنتحدث عن شئ آخر .. ورد (فدوتيك) في حواره مع ايرينا: (لن تذهبي الى موسكو)، بعد ان تقول له (سنصل الى موسكو) ايماءة الى صواب رأي (فدوتيك)، حيث تنتهي المسرحية بعودة الشقيقات الثلاث لممارسة عملهن في القرية بدون ان يتغير شيئا في حياتهن.
ولعل انفجار (ماشا) بوجه (انفيسا) غضبا ليس بسبب انزعاجها من هذه المرأة العجوزة، وانما بسبب مغادر (فرشنين)للمنزل).
فرشنين: (بصوت منخفض) لقد تجرعت زوجتي السم مجددا، علي أن أذهب، سأرحل بدون ان يروني كل هذا كريه جدا (يقبل يدماشا) يا فتاتي العزيزة والطيبة واللطيفة.. سأخرج من هنا بهدوء.. (يخرج)
أنفيسا: الى اين يذهب وقد أحضرت له الان القليل من الشاي؟ يا له من رجل غريب الاطوار!
ماشا: (انفجرت غضبا) دعيني وشأني ! لم تستمرين في ازعاجي، لم لا تتركيني بسلام ... لقد سئمت منك ايتها العجوز الحمقاء!
وينسحب غضبها هذا على (ايرينا) و (تشبوتيكن) وهي تقول لايرينا: اذا كنت سيئة المزاج فلا تكلميني لا تلمسيني!
ولـ (تشبوتيكن) بعد أن يضحك: قد تكون في الستين من العمر، لكنك تنطق دائما ببعض التفاهات اللعينة، او ماشابه ذلك، تماما كالاطفال.
وقول (توز نباتش) لـ( سوليوني): انت دائما تشعرني بوجود خطب ما بيننا. أنت شخصية غريبة الاطوار، لاشك في ذلك، اشارة الى كونه غريما له في حب (ايرينا).
ومخاطبة (سوليوني) لـ (ايرينا) بقتل الشخص المنافس له في حبها، تأكيد لحواره السابق مع (توزنباتش) وجدية تنفيذ ما يقوله:سوليوني: لم أكلمك يوما عن حبي في السابق، أنه يجعلني أشعر كما لو أنني أعيش على كوكب مختلف (يحك جبينه) لاتكترثي لذلك، من الواضح انني لا استطيع إرغامك على حبي، غير أنني لا أنوي الحصول على منافسين ناجحين، لا أقسم لك بكل ما أقدسه بأنه أذا كان يوجد شخص آخر فسوف أقتله...
وفي الحوار الدائر بين توزنباتش وكوليغين وايرينا، حول احياء حفلة تعزف فيها ماشا، يقترحه توزنباتش، ويدعمه كوليغين بأن ماشا تعزف بشكل رائع، وترد عليهما ايرينا، بأنها نسيت العزف، ولم تعزف منذ ثلاث او اربع سنوات، ان هذا الرد ايماءة الى الخمول السائد في القرية التي يعيشون فيها، واشارة الى ان هذا العزف كانت ماشا قد تعلمته في موسكو، ولعل تأكيد توزنباتش على رأيه السابق وهو يقول: (لا أحد يفهم الموسيقى في هذه البلدة ولا حتى شخصا واحدا، وأؤكد لكم تماما بأن (ماشا) تعزف بشكل رائع يأتي هذا الرأي وبشكل مفصل واوضح على لسان اندريه في نهاية الفصل الرابع: ..... (لقد مضى على وجود هذه البلدة مئتا عام، ويعيش فيها مئة الف نسمة، وما من أحد فيها يختلف عن الاخرين! لم يسبق ان وجد عالم، أو فنان، او قديس في هذا المكان، ولم يسبق ان وجد رجل واحد بارز بشكل كاف ليجعلك تشعر بشغف بأنك تريد أن تنافسه، لا يفعل الناس هنا شيئا سوى الاكل والشراب والنوم.. ثم يموتون، ويأخذ آخرون أماكنهم فيأكلون ويشربون وينامون بدورهم... ولكي يدخلوا القليل من التنوع الى حياتهم، حتى يتجنبوا ان يصبحوا حمقى تماما من الملل، يطلقون العنان لأشاعاتهم المثيرة للاشمئزاز وللفودكا وللقمار، وللدعاوى القضائية...) وهو بالاضافة الى ذلك، توضيح لمسوغات الشقيقات الثلاث، في عدم بقائهن في البلدة ومغادرتها، وعيشهن في موسكو، والاستقرار فيها. ان الرموز التشيكوفيه الدالة على الفواجع كالموت مثلا، يمكن قراءتها بسهولة، ذلك ان المؤلف يمنحها مساحة اوسع، وهو يختار مفرداته بدقة، اذ تبدأ الضربة الاولى لهذه الدلالة، أي مقتل توزنباتش بالمبارزة مع سوليوني، من استيقاظ توزنباتش من نومه وهو يقول (لابدانني متعب)، مرورا وكأنه يحلم بـ (ايرينا): (انت شاحبة) وانتهاء.. (فلنذهب بعيدا ونعمل معا). وفي الحوار الثاني تبدأ من (وداعا انني ذاهب ، مرورا (توجد في عينيك دموع).. وانتهاء بالضربة الاخيرة: (اوه، لو أمكنني فقط أن أقدم لك حياتي!) وهذا ما يفعله تماما. والثعلبية التشيكوفيه واضحة في جملة ماشا، وهي تسأل زوجها عن سبب عدم ذهابه الى المنزل، وهي خلوها على راحتها مع فرشنين، ولعل عودة كوليغين من المنزل وبحثه عنها غاضبا وهو يقول: اين ماشا؟ اليست ماشا هنا؟ اشارة الى إرتيابه بها.
ويمتد شبح موت توزنباتش امام ايرينا الى المشاهد التالية، وينقلب الى حقيقة مؤكدة، لا لأنها تبكي بصوت مرتفع، وتطلب من الكل الخروج من غرفتها، بل لأن موته هذا، سيحرمها من مغادرة البلدة الى موسكو:
انني في الثالثة والعشرين من عمري، وقد كنت أعمل طوال هذا الوقت، واشعركما لو ان دماغي قد نضب. أعرف بأنني ازددت نحافة وبشاعة وعمرا، كما وانني لا اجد اي نوع من الرضى في أي شئ، والوقت يمر، واشعر كما لوانني ابتعد عن اي امل في حياة صادقة وجيدة، انني ابتعد اكثر فأكثر واغرق في نوع من اللج، اشعر بأليأس، ولا أعرف لم ما زلت حية، ولم لم اقتل نفسي...
وتتعاقب الدلالات الرامزة الى موت (توزنباتش) الواحدة تلو الاخرى:
فدوتيك: لاتقولي الى اللقاء (اي ان لا تقول ايرينا لـ توزنباتش) بل قولي وداعا، لن نلتقي مجددا!
روده: (يعانق توزنباتش: لايبدو أننا سنلتقي مجددا... وفي حوار ايرينا مع تشبوتيكن التي تبدو قلقة لليلة الماضية بشأن أمر ما، ويخبرها بمضايقة سوليوني لـ توزنباش الذي نفذ صبره وقال له كلاما اهانه، لتأخذ ايرينا في الحوار اللاحق، تحلم بزواجها من توزنباتش وانتقالها الى المباني الحجرية، وعملها في المدرسة، ثم فجأة تشرع بالبكاء من شدة الفرح وهي تقول: (سيأتي الحمال بعد قليل لنقل امتعتي).
ان هذا الحلم. بالاحرى، الهذيان، ماهو الا احد اساليب تشيكوف المراوغة لأعطاء عكس النتائج، عبر استنطاق الشخصية من الداخل، لنأيها عن تأثيرات الفعل الخارجي ذات الطبيعة الواقعية المفرطة، واقترابها من المشاعر والعواطف النبيلة والخلاقة، للتعبير عنها بصدق ودون تصنع او تكلف.
وتؤكد الحوارات الجارية بين ماشا وتشبوتيكن، بصدد المبارزة بين توزنباتش وسوليوني، مصداقية إرتياب ايرينا بمقتل خطيبها، وعدم انتقال امتعتها، بعكس ما كانت تحلم. اذ ان اشارة تشبوتيكن الى ان هذه هي المبارزة الثالثة لـ سوليوني، وعدم الرد عن تجربة توزنباتش بهذا الخصوص، تؤكد هذه النتيجة.
تشبوتيكن: يتصور سوليوني نفسه كـ لرمنتوف. هو في الواقع، يكتب قصائد، انما اذا تكلمنا بجدية فهذه مبارزته الثالثة.
ماشا: المبارزة الثالثة لمن؟
تشيوتيكن: لسوليوني
ماشا: وماذا عن البارون؟
تشبوتيكن: حسنا، وماذا عنه (وقفة قصيرة)
ماشا: كل افكاري مشوشة.. ولكن ما اقصد قوله هو انه لا يجب ان يسمح لهما بالقتال. قد يجرح البارون او حتى يقتله.
ويتكرر اسلوب تشيكوف المراوغ هذا في رد توزنباتش على سؤال ايرينا عن سبب شرود ذهنه، اذ يبدأ هو الاخر بالهذيان: ساصحبك بعيدا يوم غد، سوف نعمل، وسنكون اغنياء، ستتحقق احلامي مجددا، وانت ستكونين سعيدة...
وتتواصل هذه النبرة الموحية الى الموت على طريقة تشيكوف في الحوارات التالية، توزنباتش: فعلا بانني مبهج تماما، اشعر بأنني ارى الشجار التنوب والقيقب والبتولا لأول مرة في حياتي، يبدو بأنها كلها تنظر إلي بنظرة فضولية، وتنتظر شيئا، يالها من اشجار جميلة، وكم هو جميل حين تفكرين بها، على الحياة ان تتمتع باشجار كهذه! (تسمع صرخات (آو! هاي هو!)
علي ان اذهب، فلقد آن الاوان.. انظري الى تلك الشجرة انها جافة بالكامل غير أنها لا زالت تتمايل بفعل الريح مع باقي الاشجار وبالطريقة نفسها، يبدو لي بأنني اذا مت سيتبقى لي نصيب في الحياة بشكل ما أو بأخر وداعا يا عزيزتي (يقبل يديها) ان اوراقك تلك التي اعطيتني اياها موجودة على مكتبي تحت الروزنامة.

2- المفردات الدالة على التوتر النفسي.
لقد اشتغل المؤلف على سبع عشرة مفردة من المفردات الدالة على حالات الجو والطقس في الفصلين الاول والثاني، وعوض عنها بمفردات اخرى في الفصلين الثالث والرابع والتي سنأتي على ذكرها، بنصيب احدى عشرة مفردة للفصل الاول وست للفصل الثاني.
ففي بداية الفصل الاول فقط، تحديدا في الصفحتين الاولين، يشتغل على ست منها وهي:
1- اذكر بأن الطقس كان باردا
2- وبأن الثلج كان يتساقط
3- لقد كانت تمطر بغزارة
4- كانت تمطر
5- الطقس دافئ جدا اليوم
6- ياله من طقس جميل اليوم
7- اتعلم كم أتوق الى تناول شراب بارد في الطقس الحار.
8- لقد آن الاوان هناك سحابة رعدية هائلة تتقدم فوقنا
9- وهنالك عاصفة قوية قادمة لأنعاشنا
10- الطقس بارد هنا ويوجد الكثير من البعوض
11- الطقس رائع اليوم.
12- عصفت الريح في المدفأة هكذا تماما
13- انظري الى الخارج، انها تثلج.
14- يالها من ريح!
15- ماذا كان الفصل هو الصيف
16- أم الشتاء
17- أظن بانني ماكنت لاكترث للطقس لو كنت اعيش في موسكو.

3- المؤثرات الصوتية:
لقد اشتغل على خمسة وعشرين منها، موزعة بين (الصفير)، (العزف) (الدق على الارض) و (الغناء)، بنصيب مرتين للاول، وتسعة للثاني، وعشرة للثالث واربعة للرابع.
اذ جاء الصفير في الفصل الاول فقط ولمرتين وعلى التوالي من قبل ماشا والعزف مرتين ايضا والغناء مرة والدق على الارض مرة واحدة لكل منهما. اما في الفصل الثاني فأن الغناء والعزف يأتي مرة واحدة لكل منهما، والدق على الارض مرة واحدة لكل منهما، وفي الفصل الرابع مرة واحدة لكل من الغناء والعزف وضرب القدم على الارض. في الفصلين الثالث والرابع، وبشكل خاص الرابع، لم يشتغل المؤلف على المفردات الدالة على التوتر النفسي والمؤثرات الصوتية بحجم وكثافة الفصلين الاولين، لتركيزه على الرموز والدلالات الموحية، والاستعانة بمفردتين شعريتين، وهما في الحقيقة مفردة واحدة تحت تسميتين، وهما (تعيسة، ومتعبة) وذلك بهدف أن تخرج هاتان المفردتان الحدث من جموده بأتجاه بروزه على السطح، اذ جاءت في الفصل الثالث عشر مرات، والفصل الرابع اربع مرات:
1- اولغا: ... كم ان كل هذا مريع ! وكم انا متعبة.
2- اولغا: ... وزعيها كلها.. انني متعبة جدا.
3- اولغا: اجلسي لبرهة يا ناني.. انت متعبة.
4- ناتاشا: ماشا نائمة.. فهي متعبة تلك المسكينة
5- ناتاشا: انت متعبة ياعزيزتي المسكينة!
6- كوليغين: انني متعب جدا يا عزيزتي اوتشكا
7- توزنباتش: (يستيقظ من نومه) لابد انني متعب
8- ايرينا: انها متعبة دعها ترتاح لبرهة يا نيديا
9- ماشا: وانا مللت كثيرا مللت مللت
10- كوليغين: انت متعبة. استريحي هنا وحسب لبعض الوقت
11- ايرينا: اوه انني تعيسة جدا
12- ايرينا: اشعر بالياس
13- توزنباتش: اجل مملة للغاية ايضا
14- تشبوتيكن: انني متعب جدا.. انا مرهق كثيرا..

4- المونتاج:
اذا كانت عملية التقطيع في الفن السينمائي، هي آخر ما يقوم به المخرج من لمسات على شريطه فانها في المسرح لا تأتي الا ضمن سياق كتابة مجموعة العناصر التي تضمها العملية الفنية، ويعتبرها البعض الركيزة الاساس لنجاح الشريط السينمائي، بأعتبارها لا تقل أهمية عن العناصر السينمائية الاخرى، ان لم تكن اكثرها اهمية، ولهذا فأن القلة من المسرحيين يمنحون المونتاج في نصوصهم، الاهمية الممنوحة للفن السينمائي ما عدا بعض الاستثناءات، وتشيكوف هو واحد منهم، وفي الصدارة، مستخدما الوسائل التالية: انتقال الحوار من مجموعة الى مجموعة اخرى، قطع الحوار بجمل وعبارات ساخرة، دقة الجرس، الصفير، الدق على الارض، وقفة قصيرة، صمت، العزف، بالاضافة الى دخول وخروج الممثلين.
وتأتي في مقدمتها قطع (سوليوني) للحوار الدائر بين الشقيقات الثلاث حول مشاركة ماشا احتفال عيد قديسة ايرينا، وعدم ذهابها الى المنزل، بجمل وعبارات لا علاقة لها بفحوى النص، القصد منها تأخير ماشا من المغادرة، لحين وصول فرشنين، لأهمية هذا الجمع بينهما، حيث يؤدي الى انجذابهما للآخر، وتمرد ماشا على زوجها.
واذا كانت أهمية هذا القطع تكمن بتأخير ماشا للقائها بفرشنين، الا ان الاكثر اهمية منه، هو، ما قام به من تأثير في الشقيقات الثلاث عبر تحويل احزانهن الى افراح لا توصف، مضاعفا سعادتهن في الاحتفال بعيد قديسة ايرينا، ومانحا مساحة واسعة لهذا المشهد، بهدف ابراز توقهن لمغادرة البلدة والعيش في موسكو، ذلك ان فرشنين قد قدم منها ، اي ان هذا القطع، ماهو الا لحظة تحذير وتنبيه للمتلقي، لالتقاط لحظات كبيرة وذات اهمية:
- توزنباتش: لقد قدم (فرشنين) من موسكو.
- ايرينا: من موسكو؟ هل قدمت من موسكو؟
- فرشنين: اجل من موسكو. لقد كان والدك آمر سرية مدفعية هناك، وقد كنت ضابطا في اللواء نفسه (يكلم ماشا) يبدو أنني اذكر وجهك قليلا.
ماشا : لا اذكرك على الاطلاق.
ايرينا: اوليا، اوليا، (تنادي باتجاه قاعة الرقص) اوليا.. تعالي (تدخل اولغا..)
يبدو ان المقدم فرشنين قادم من موسكو
اولغا: هل انت قادم من موسكو؟
فرشنين: اجل لقد درست في موسكو...
ايرينا : وانت قادم من موسكو! حسنا، يالها من مفاجأة!
اولغا: سنعيش هناك.
ايرينا: نأمل ان نكون هناك مع حلول الخريف، انها مسقط رؤوسنا، فقد ولدنا هناك.. في شارع ستارايابا سمانايا.
ماشا: انه لمن الغريب ان نجتمع مع رجل من المدينة بشكل غير متوقع
ايرينا: احد عشر عاما، لم تبكين الان.. ستدفعيني الى البكاء ايضا.
ماشا: لست ابكي.. ما كان اسم الشارع الذي عشت فيه؟فرشنين: شارع ستاراياباسمانايا
اولغا: لقد عشنا هناك ايضا
وبعد هذا الحوار بثلاث صفحات، يأتي القطع ثانية على لسان سوليوني بمزحة صغيرة وهي (اعرف السبب) ولكن الشقيقات يتواصلون في حوارهم مع فرشنين: عرفت والدتكن
تشبوتيكن: كانت امرأة صالحة، فليبارك الله ذكراها!
ايرينا: دفنت في موسكو
اولغا: في دير نونو ديفتشيه
ماشا: لقد بدأت انسى كيف كانت تبدو، أظن بأن الناس سينسوننا بالطريقة نفسها، سوف يتم نسياننا.
والقطع الاخر يتم عن طريق قرع جرس الباب، في الحوار الذي تلقيه ناتاشا على ايرينا بشأن مشاركتها في غرفة اولغا لحصول (بوبك) وهو ابن ناتاشا على غرفتها، اذ تتقدم الخادمة وتهمس في اذن ناتاشا، بأن بروتو بوبوف يطلب منها ان تخرج معه في جولة، يقرع جرس الباب مجددا، وتقول ناتاشا للخادمة: (قولي بأنني سأنزل بعد لحظة) دون ان نعرف رد ايرينا على طلب ناتاشا، ونعرفه في الحوارات اللاحقة، فأن هذا القطع لم يأت ليبين عن حماقة ناتاشا بتجاوزها على شقيقتي زوجها، بأرغامهما التخلي عن احدى غرفتيهما لابنها فحسب، وانما ايضا لكشف خيانتها لزوجها، بالاضافة الى الجمل والعبارات المتشائمة التي تأتي على لسان الشخصيات لاحقا، وقبل نهاية الفصل الثاني بصفحتين:
كوليغين: هل رحلت ماشا ايضا؟ الى اين ذهبت، ولم ينتظر بروتو بوبوف خارجا في تريوكة؟ من ينتظر؟
(لاحظ ربط كوليغين، بين رحيل ماشا، وانتظار بروتوبوبوف القائم على الشك لزوجته من جهة وناتاشا من جهة اخرى).
ايرينا: ارجوك الا توجه إلي اسئلة، لقد سئمت.
اولغا:.... لقد تعبت تماما... ان رأسي يؤلمني.. آوه رأسي..
كوليغين: انني متعب، لا أظنني سأذهب، انني متعب، هل ذهبت زوجتي الى المنزل؟
ايرينا: لا أظن ذلك.
ايرينا: (وحدها).. لقد ذهبوا جميعا.. لم يبق احد.
ناتاشا: سأعود بعد نصف ساعة سأذهب في جولة صغيرة فقط.
ايريناوحدها، وبتوق شديد) موسكو! موسكو! موسكو!
ويأتي قطع كوليغين الحوار الدائر حول مضايقة سوليوني لـ توزنباتش الذي فقد صبره واهانه في بداية الفصل الرابع، تمهيدا لكل المشاهد التالية لطرحه بين فينة واخرى، ليوسع للشخصيات طرح يأسها على شكل شهقات، اي بشكل متقطع، وفي محطات ووقفات قصيرة وسريعة، كما في شهقة ايرينا التي تاتي مباشرة مع انتهاء حوار كوليغين الذي لا علاقة له بفحوى النص، وصرخة (هاي هو) المنطقلة من الناحية الخلفية للمسرح: يبدو أن كل شئ يفاجئني اليوم (وقفة صغيرة) لقد جهزت كل شئ ايضا، سوف ارسل امتعتي بعد الغذاء سنتزوج البارون وانا...الخ
وشهقة ماشا التي تؤكد على صحة ماذهبنا اليه في طرح يأسها بشكل متقطع وعلى دفعات صغيرة: حين تضطر لنيل سعادتك بشكل متقطع، وعلى دفعات صغيرة كما افعل، ومن ثم تخسرها، كما خسرتها تصبح قاسيا وغاضبا بشدة تدريجيا، (تشير الى صدرها) يغلي شئ ما في داخلي هنا... هو ذا اندريه اخونا العزيز.. لقد اختفت كل آمالنا الوضع شبيه بالوقت الذي يحمل فيه الالاف جرسا ضخما الى اعلى برج، يتطلب عددا لا يحصى من العمال والاموال، ومن ثم يسقط فجأة ويتحطم. يسقط فجأة بدون نظام او منطق...
اولغا: لن يبقى غدا ضابط وجندي واحد في البلدة.. سيكون كل ذلك مجرد ذكرى، وبالطبع ستبدأ حياة جديد لنا هنا (وقفة صغيرة) لا يحدث شيئا ابدا كما نرغب، لم اشا ان اكون مديرة ومع ذلك فأنا الان واحدة، وهذا يعني بأننا لن نعيش في موسكو...
المصادر:-
تشيخوف
تأليف: هنري ترويا
ترجمة: خليل خوري
مراجعة: الدكتور علي جواد الطاهر
الصادر عن وزارة الثقافة والاعلام العراقية.
دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد - 1987



#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (الخال فانيا...بين برودة الحدث...وغلبة النماذج) الرديئة على ...
- في بغديدا الخطيئة الاولى ...بين الامكانيات المحدودة ..وعدم ت ...
- النص المسرحي.. (الشبيه).. وتوظيف الرموز والدلالات
- الملجأ ......... بين التمرد والغموض
- شلومو الكردي... بين توظيف الاسطورة.. وعنصري...التوقع والربط
- ديوان.. كتاب الماء.. بالعربية
- (عمارة يعقوبيان ..بين الرواية ..والسينما)
- روايات عبدالستار ناصر بين توظيف السيرة الذاتية وتحفيز المفار ...
- اخر الملائكة - والميتا الواقعية السحرية
- عبور الغبار ... بين .. الاداء العفوي..وإدانة التعصب العنصري*
- سرقة جريئة ومكشوفة ل(المكان الخالي) ل.. بيتر بروك
- قراءة متأنية في المسرح الكردي بعد الانتفاضة... أزمته، نقوده، ...
- دور يوسف عبد المسيح ثروة في إثراء النقد في المسرح العراقي
- الم سهرا الافعال غير المبررة والتزاوج الفني المفتعل
- رواية قشور الباذنجان -بين بناء الشخصية - والنظام السابق والح ...
- رواية بابا سارتر.. بين وصف المكان.. والاسلوب الواقعي الساخر. ...
- من يخرج المسرح في عنكاوا من عنق الزجاجة..؟
- الاخراج.. في اغنية التم


المزيد.....




- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - قراءة في صنعة مسرحيات تشيكوف