أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - (عمارة يعقوبيان ..بين الرواية ..والسينما)















المزيد.....

(عمارة يعقوبيان ..بين الرواية ..والسينما)


صباح هرمز الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 3018 - 2010 / 5 / 29 - 00:49
المحور: الادب والفن
    


تتعرض رواية (عمارة يعقوبيان) لمؤلفها علاء اسواني، عبر اسلوبها الواقعي – السردي المشوب بالتهكم العابر والمبطن ( احيانا) وطرحها الجريء ... لكافة الطبقات والشرائح الاجتماعية الموجودة في مصر متخذة من عمارة يعقوبيان مكانا مصغراً لهذا التجمع. او كما يقول مؤلفها: (ان المكان هو بطل الرواية) ص17 ،بدءا بالطبقة البورجوازية الكبيرة المرتبطة باعلى مراكز السلطة متمثلة في شخصيتي (كمال الفولي) و(الحاج محمد العزام ) ومرورا بشخصيتي (زكي الدسوقي) و(حاتم رشيد) المتمثلتين للبرجوازية الصغيرة، وانتهاء بالطبقات والشرائح الاجتماعية الفقيرة المتمثلة في (طه الشاذلي) و(قتيبة) و(عبد ربه) و(ابسخرون) و(الملاك) بالاضافة الى رجال الدين.
وضمن سياق احداث الرواية وتطور بنيتها الدرامية تتوزع توجهات هذه الشخصيات في ثلاثة مسارات هي: الدين، الجنس و الحياة . واذا كانت الطبقات والشرائح الاجتماعية الفقيرة قد اختارت الطريق الاول والثالث، وهما الدين والحياة، فان الطبقتين البورجوازييتن الكبيرة والصغيرة قد اختارتا الطريق الثاني وهو الجنس، وهذا الاختيار بدوره يقوم على ثلاثة اعتبارات هي: الثراء، والعزوبة، والشواذ، متمثلا الثراء في شخصية (محمد العزام)، والعزوبية في شخصية (زكي الدسوقي) والشواذ في(حاتم رشيد)، وفي الطرف المقابل اي نقيضه، وهما الدين والحياة، يتجلى الاول في (طه الشاذلي) والثاني في (قتيبة).

لم يقسم المؤلف روايته الى فصول واجزاء كما هو متبع في الروايات التقليدية وحتى انه لم يلجا الى ترقيم الاحداث التي تبدأ بها وانما ارتأى ان يقسمها الى وحدات صغيرة لاتتعدى كل وحدة اربع او خمس صفحات ليبلغ مجموع وحداتها (73) وحدة موزعة اكثر الوحدات لـ زكي الدسوقي اذ ينال منها بحدود (19) وحدة ويليه طه الشاذلي وقتيبة اذ يتساويان بحصد (14) وحدة لكل منهما تقريبا ويحتل الثالث الحاج محمد العزام وسعاد جابر ثم تنخفض عدد هذه الوحدات الموزعة بين بقية الشخصيات كحاتم رشيد وعبد ربه وكمال الفولي وكريستين و دولت والملاك وابسخرون حتى تصل ٍالى ثلاث ووحدتين.
ان استخدام اسلوب الوحدات الذي التجا اليه المؤلف لايصال احداث الرواية وابعاد شخوصها الى المتلقي انما هو اقرب الى اسلوب اللقطة السينمائية ذلك انه في الوقت الذي يمنح فيه حرية الانتقال من حدث الى اخر يساعد على تصعيد التوتر الدرامي بفعل الايقاع البطئ للحدث الناجم عن هذا الانتقال والفراغ القائم بينهما كما حدث في الوحدتين الثانية والسادسة وبين الثامنة والسابعة عشرة اذ لايطلع المتلقي التواق للقاء رباب وزكي الدسوقي في الوحدتين الاولين على تفاصيله الا بعد مرور عشرين صفحة تقريبا تحديدا من الصفحة (40) الى (59).. وهكذا بهذه الجملة القصيرة يقطع اللقطة: (مدام رباب وصلت سيادة البك) لينتقل في الوحدة الثالثة الى الحديث عن كيفية بناء عمارة يعقوبيان وفي الرابعة عن طه الشاذلي والخامسة عن ابسخرون خادم زكي الدسوقي وفي الوحدتين الاخريينٍ اي بين الثامنة والسابعة عشرة يكاد أن ينسى المتلقي شخصية حاتم رشيد بعد اربعين صفحة من الحديث عن بقية الشخصيات من صفحة (71) الى (111) .
ولعل محوري : (الجنس- الشاذ) و(الجنس-الثروة) هما ادل نموذج على استقلال حدثهما وشخصياتهما عن بعضهما وعن المحاور الاخرى وبالتالي موازاتهما لبعض الاخر دون ان يربط او يشد اي خيط مشترك بينهما فمثلما المحور الاول قائم بحد ذاته يجمع بين شخصين يقومان بممارسة عملية اللواط وهما حاتم رشيد وعبد ربه كذلك فان المحور الثاني ينحو نفس المنحى، اذ ان صلة الحاج محمد العزام محصورة بين كمال الفولي وزوجته سعاد جابر فقط، وتكاد ان تنسحب هذه الاستقلالية الى طه الشاذلي ايضا، اذ عقب قطع العلاقة بينه وبين قتيبة تظل صلاته ضمن حدود التنظيم الديني الذي ينتمي اليه.
وان بدا محور علاقة زكي الدسوقي اوسع من علاقة المحاور الاخرى بحكم شخصيته الفلكلورية الودودة فان هذه العلاقة لم تتجاوز المتعة مع عشيقاته باستثناء كريستين التي كان مغرما بها في السابق وهي الان بمثابة اقرب الاصدقاء اليه بالاضافة الى السكن مع اخته دولت التي تطرده لاحقا لعلاقته الغرامية هذه وسرقة الراقصة رباب لخاتمها منه في مكتبه بالعمارة.
والمحور الوحيد الذي يتعدى هذا الاطار هو المحور المتمثل في شخصية قتيبة التي تتحول عقب القطيعة بينها وبين طه الى شبه مومس ، لتعيل اسرتها وذلك بعد موت والدها ونزولا تحت رغبة والدتها اذ تلتقي بطلال وملاك واخيرا بـ الدسوقي الذي يتزوجها.ا
والرواية في حوادثها وشخصياتها مشبعة بالرموز والدلالات الموحية العميقة والقابلة ٍللتاويل بسبب تعدد اصواتها وانفتاحها على النص، فإذا كانت شخصية زكي الدسوقي بعمرها الذي تجاوز الستين وتوقها للمغامرات النسائية ترمز الى حميمة الشعب المصري قبل ثورة عام 1952 وعزه وازدهاره، فإن شخصية الحاج محمد العزام بانتهازيتها وحبها للثروة والمال والصعود الى اعلى مراكز السلطة تعبر اصدق تعبير عن واقع النظام المصري الحالي، وشخصية طه الشاذلي وقتيبة عن الجيل التائه المتذبذب الضائع نتيجة السياسات الخاطئة للنظام وعدم اتباع مبدء العدل والمساواة بين ابناء الشعب الواحد، أما شخصيتا حاتم رشيد وعبد ربه فهما ابشع ماتركه الفكر البورجوازي الغربي من سوء في الاخلاق للشعب المصري.
ولللاستدلال على استقلالية هذه الشخوص فان نهاية كل حدث تتم داخل محوره وليس خارجه فمحور الجنس- الشاذ ينتهي بتخلي عبد ربه لـ حاتم رشيد وفي محور الجنس الثروة بالطلاق بين الحاج محمد العزام وزجته سعاد جابر وعدم تكرار اللقاء بينه وبين كمال الفولي بتحقيق مطامح الاول في الوصول الى قمة البرلمان وطه الشاذلي باستشهاده داخل التنطيم الديني والدسوقي بالتخلي عن شقيقته وعشيقاته والزواج بقتيبة.
والرواية بلغت حداً من الجراة بحيث انها تدخل في ادق تفاصيل حياة الشعب المصري لتعريته بكافة طبقاته الاجتماعية ويمكن اختصارها بالكلمات التالية التي تاتي على لسان قتيبة: (البلد دي مش بلدنا يا طه دي بلد اللي معه فلوس...) ص95.
ان شخوصها وحوادثها بقدر ماهي قابلة للتأويل والترميز فهي بنفس القدر تتسم بالغرائبية . ولعل قدرتها على الجمع بين هذين العنصرين جعلها من الروايات الممتعة قراءة اولا ومتميزة تقنيا ثانيا وذلك عبر تزاوج هذين العنصرين من جهة وبين تزاوج الواقع والخيال من جهة اخرى لتمنح شخصياتها صفات اقرب الى الاسطورية وتكسب حوادثها رؤى وكوابيس لاتحدث الا في الاحلام.
وهذه الغرائبية تتضح بالنموذج الجنسي وبانماطه الثلاثة الانفة الذكر ولكن اشدها يتجسد في النموذج الشاذ المتمثل في حاتم رشيد الصحفي ورئيس تحرير جريدة لوكير الصادرة باللغة الفرنسية وذلك لقضاء والدته كل اوقاتها كمترجمة في السفارة الفرنسية ووالده القانوني المعروف وعميد كلية الحقوق في الخمسينيات في القاء المحاضرات وكتابة البحوث تاركين طفلهما بصحبة الخدم:
( ومن بين الخدم الكثيرين احب حاتم الصغير ادريس السفرجي وتوطدت علاقتهما حتى صارا يقيضان معا ساعات طويلة كل يوم ، وعندما بدأ ادريس يقبل حاتم في وجهه ورقبته لم يشعر حاتم بنفور او خوف منه بل اثارته على نحو غامض حتى طلب منه ادريس ان يخلع ثيابه. كان حاتم حينئذ في التاسعة من عمره وشعر بالخجل والارتباك لكنه في النهاية اذعن لإلحاح صديقه الذي اثار جسده الأبيض الناعم لدرجة انه اثناء اللقاء كان يشهق من اللذة ويهمس بعبارات نوبية غير مفهومة وبرغم ادريس وعنفوانه فقد دخل الى جسم حاتم برفق وطلب اليه ان يخبره اذا احس بأدنى الم ...) ص114.

وبعد موت والد حاتم يغادر ادريس البيت وتنقطع اخباره بالمرة فيضطر وقد اصبح حاتم شابا واعتاد على هذه العملية ان يبحث عن بديل اخر لادريس فما كان منه الا ان يهتدي اليه في احدى الليالي المتاخرة :(اثناء تغير دورية الحراسة لجنود الشرطة التي يعرفها كل الشواذ في وسط البلد ويسعون خلالها الى التقاط عشاقهم من بين الجنود اذ يرى عبد ربه الذي يشبه ادريس كثيرا فيصطحبه معه في السيارة ويمنحه مالا ويظل يداعبه حتى تمكن من اغوائه.) ص 115-116.
اما النموذج الثاني لهذا النمط فيتمثل في جنس الثراء تحديدا في شخصية الحاج محمد العزام وذلك من خلال الانتهازية التي يتحلى بها وصعوده من صباغ الاحذية والعمل كفراش في المكاتب والحكم عليه لاتجاره في المخدرات الى عضو في مجلس النيابي المصري وذلك بعد التوسط لدى كمال الفولي ودفع مليون جنيه له لفوزه بهذا المنصب.

والنموذج الثالث هو زكي الدسوقي بتوقه للنساء وطريقة التعامل معهن والاهتمام بمظهره وعلاقته المرحة مع الناس ومشاكله مع اخته دولت واخيرا زواجه غير المتوقع والمفاجيء من بثينة التي تصغره كثيرا.

(يشكل بالنسبة لسكان الشارع شخصية فلكلورية محبوبة عندما يظهر عليهم ببدلته الكاملة صيف شتاء التي تخص باتساعها جسده الضئيل الضامر ومنديله المكوى بعناية المتدلي دائما من جيب السترة بنفس لون رابطة العنق وذلك السيجار والشهير ووجهه المتغضن العجوز ونظارته الطبية السميكة واسنانه الصناعية اللامعة وشعره المصبوغ بخصلاته القليلة المصففة من اليسار الى اقصى يمين الرأس بهدف تغطية الصلعة الفسيحة الجرداء باختصار يبدو زكي الدسوقي اسطوريا على نحو ما....) صــ31 .
قلما يستطيع الفلم السينمائي مجاراة الرواية الذي يستقي ثيمته منها او ان يتجاوزها سيما المتميزة منها والمعروفة في الادب العالمي كالحرب والسلام مثلا لتولستوي بنسختيها الروسية والامريكية سينمائيا لم يحالفهما الحظ بالوصول الى مستوى الرواية وهكذا بالنسبة لروايات دوستوفسكي كالجريمة والعقاب والاخوة كارامازوف والابله وغيرهما من الادباء العالميين والعرب المعروفين الذين قدمت اعمالهم على الشاشة الكبيرة.
الا ان مخرج (عمارة يعقوبيان) مروان حامد، حاول ان يتجاوز هذه القاعدة قاعدة عدم مجاراة السينما للرواية وذلك عن طريق الاستفادة من الوحدات الموظفة في الرواية باعتبارها مجموعة من اللقطات السينمائية الجاهزة لتصويرها بلغة العدسة وعدم الخروج عن ثيمة الرواية والالتزام بخطوطها الرئيسية الخمسة والاستعانة بقدرات الممثلين الكفوئين امثال عادل امام ، نور الشريف ، اسعاد يونس، يسرى، هند صبري، احمد بدير، احمد راتب، خالد الصاوي، ثامر عبد المنعم، عباس ابو الحسن، يوسف داود، واحمد السعدني.
وتتضح امانته بنقل احداث الرواية وبأدق تفاصيلها من اللقطات الاولى للفيلم بوصف العمارة عن طريق الرواي معززا اياه بلقطات منها ومركزا على سطحها كونه، كون سطح العمارة، كما جاء في الرواية قد تحول الى حي من الأحياء الشعبية الموجودة في مصر (من الأعلى الى الأسفل) موحيا الى فقر الحي، وهذا الأسلوب السينمائي يتكرر في اكثر من لقطة على امتداد الفيلم اذ يأتي في لقطة شجار دولت مع الدسوقي ايضا وهو ممتدد على السرير في حالة انهيار ويحلق ببلاهة باتجاه سقف الغرفة كما يستخدم نفس الاسلوب لكن ليعطي عكس المعنى وهو لقطة (من الاسفل الى الاعلى) اشارة الى الزهو والنصر كما في لقطة صعود عبد ربه درجات السلم بقوة ونشاط ولقطة اجتياز نفس درجات السلم من قبل رجال الشرطة للقبض على طه الشاذلي.
بعد هذا الاستهلال تطرح الشخصيات الرئيسية مباشرة داخل الحدث وبشكل متسلسل وتعاقبي ابتداء من زكي الدسوقي وهو في الملهى اغواءً لرباب ومرورا بـطه الشاذلي وهو ينظف العمارة وقتيبة وهي تشاهد التلفاز وانتهاء بـ محمد العزام استيقظ من نومه وقد وجد ملابسه الداخلية مبتلة.
ومن المشهد الخامس تبدا الشخصيات وصورة الاحداث تتبلور تدريجيا، تحديدا في اللقطة التي تجمع بين زكي الدسوقي واخته دولت في المرآة، وهي توبخه على سهراته وتأخره في العودة إلى المنزل ممتدا هذا المشهد الى لقطة اخرى في الشارع لـ الدسوقي وقد اعترض طريقه احد شباب الحي المتزوجين حديثا لتوجيهه الى الطرق السليمة لتجنب البرود الجنسي، متبعا المخرج في هذه اللقطة نفس منحى المؤلف الهادف الى إبراز شخصية الدسوقي الودودة، ويليه المشهد السادس في لقطة سريعه لحاتم رشيد وهو يقود سيارته ويعود الى الحاج محمد العزام ثانية وقتيبه مرة اخرى الى ان يظهر حاتم شيد في المشهد التاسع كرئيس تحرير للجريدة وهو يقود ويوجه مجموعة من الصحفيين، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بالحاح هو أنـّى للمتلقي أن يعرف بأن (حاتم شاذ) من مجرد مطالبة أحد الصحفيين بكتابة تحقيق صحفي عن الشواذ في مصر؟، ذلك ان قصد الرواية هو استفزاز حاتم من قبل الصحفي عبر هذا السؤال بينما المتلقي هنا يجهل حقيقة حاتم لذلك فان هذا المشهد لو كان قد جاء بعد لقاء حاتم بـ عبد ربه لحقق هدفه المنشود باستفزاز حاتم.
ليس في قاموس مخرج هذا الفيلم مشهد قصير او مشهد طويل، أذ كل أن المشاهد يوليها اهميتها ولكنه يولي لـ اللقطة اهمية اكبر، وذلك بتصوير الحدث من مختلف الجوانب واعطاء الحيز الأكبر لـ اللقطة العامة واللقطة القريبة وذلك لإضفاء الجمالية على الأولى وجذب انتباه المتلقي لأهمية الحدث في الثانية كما في لقطة طه الشاذلي وهو يتلقى وظيفة والده البواب كصفعة قوية من لجنة قبول كلية الشرطة، اذ يدخل وجهه في الكادر (لقطة قريبة) اشارة الى عدم قبوله ونظراته الزائغة في ملامح الضابط المشرف على تعذيبه في لقطة مواجهته دلالة على تشخيصه، ومعظم لقطات الحوارات الدائرة بين العزام والفولي، ولقطة خطوبة سعاد جابر لعزام ولقطة الدسوقي وهو ينادي خادمه ويسأله عن كيفية ارسال حقائبه من شقيقته دولت.
ومثلما لعبت الاضاءة دورا كبيرا في اضفاء الجمالية على اللقطة العامة كما في تصوير العمارة وشوارع المدينة ومعظم اللقطات المصورة في حانة كريستين كذلك فقد لعبت نفس الدور في الافصاح عن سايكولوجية الشخصية، ولعل لقطة اشتراك العزام وسعاد جابري في السرير أدل نموذج على ظهور الارهاق في وجه عزام وقرف العملية لـ سعاد وكذلك في لقطة الدسوقي وهو ينهض من نومه ويبحث عن محفظته وخاتم شقيقته دولت، ومعظم لقطات اللقاء الجنسي بين حاتم رشيد وعبد ربه لاسيما اللقاء الاخير بينهما الاقرب الى الاغتصاب وبالمقابل فقد لعبت الاغنية التي ادتها كريستين (يسرى) دورا كبيرا في امتصاص جزء لا باس به من السوداوية التي عمت احداث الفيلم وسادت شخصياته وبشكل خاص في حادثة طرد الدسوقي من قبل شقيقته دولت هانم وتعليم قتيبة الرقص على الحان هذه الاغنية ومن ثم خروجها الى الشارع بلحنها الحزين لتعبر عن حياة الناس وحياة الدسوقي وقتيبة وصعودها الى العمارة بتصوير لقطات سريعة وجميلة .
واذا كان المخرج قد التزم حرفيا بنقل معظم ما جاء في الرواية فأنه بالمقابل قد خرج عن هذا الالتزام في بعض الاستثناءات، كخروجه من عدم ايلاء زكي الدسوقي لسرقة محفظته وخاتم شقيقته دولت اية اهمية في الرواية، وايلاء هذه المسألة درجة كبيرة في الفلم بذهابه الى الملهى بحثا عن رباب حيث تعمل لاسترجاع الخاتم والمحفظة منها، وكذا الحال بالنسبة لمهاتفة كريستين لدولت اذ تكون دولت في الرواية قاسية مع كريستن بينما في الفلم تكون عكس ذلك .

لقد ادان المخرج الشخصيات السلبية بلغة السينما دون ان يستعين بالجمل الحوارية وذلك عبر استخدام الاضاءة تارة والمكياج تارة ثانية وكليهما في أن تارة ثالثة، بالإضافة الى المؤثرات الصوتية واعطاء الاولوية للقطات القريبة كما في لقطة قتيبة وهي خائفة قبل ان يأتيها طلال تحت السرداب في المحل، ثم وهي تنظف فستانها باكية، كما ان استحمام سعاد جابر دلالة واضحة على ازالة قذارة الحاج محمد العزام عن جسدها، بالإضافة الى لقطة اغتصاب عبد ربه لزوجته عندما تخبره بعدم ارتياحها لحاتم رشيد وهو يرتدي بنطلونه القصير وتسليط ضوء العدسة على وجه الطفل وهو يبكي، ولقطة تلميع العزام لحذاءه بطريقة حرفية تذكير لعمله كصباغ الأحذية وادانة لمركزه الحالي في الدولة كعضو في البرلمان.
وبنفس ما أعطى من اهمية لإدانة الشخصيات السلبية بنفس القدر أولى عناية للمواقف المشبعة بالمأساة كما في لقطة قذف الدسوقي بفردة حذاء من قبل دولت شقيقته، فهذا الموقف في الوقت الذي يشكل فيه موتا حقيقيا لدسوقي فإنه يمثل منتهى القسوة لدولت، وقراءة واضحة للمتلقي بفعلها أكثر من هذا لاحقا ولقطة لقاء طلال بقتيبة في المحل تحت السرداب وهي في حالة ثني ظهرها وطلال واقفاً خلفها فإن دلت هذه العملية على شيء فأنما تدل على حيوانيتها سواء من حيث السرعة التي تمت بها أو طريقة ممارستها البشعة، واللقطة الثالثة هي بكاء زوجة عبد ربه اثناء تلقيها موت طفلها، وجاء هذا الموت كصفعة قوية على وجه عبد ربه ليوقظه من غفوته في علاقته مع حاتم رشيد وجزاءا لموبقته.



#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روايات عبدالستار ناصر بين توظيف السيرة الذاتية وتحفيز المفار ...
- اخر الملائكة - والميتا الواقعية السحرية
- عبور الغبار ... بين .. الاداء العفوي..وإدانة التعصب العنصري*
- سرقة جريئة ومكشوفة ل(المكان الخالي) ل.. بيتر بروك
- قراءة متأنية في المسرح الكردي بعد الانتفاضة... أزمته، نقوده، ...
- دور يوسف عبد المسيح ثروة في إثراء النقد في المسرح العراقي
- الم سهرا الافعال غير المبررة والتزاوج الفني المفتعل
- رواية قشور الباذنجان -بين بناء الشخصية - والنظام السابق والح ...
- رواية بابا سارتر.. بين وصف المكان.. والاسلوب الواقعي الساخر. ...
- من يخرج المسرح في عنكاوا من عنق الزجاجة..؟
- الاخراج.. في اغنية التم


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - (عمارة يعقوبيان ..بين الرواية ..والسينما)