أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - الاخراج.. في اغنية التم















المزيد.....

الاخراج.. في اغنية التم


صباح هرمز الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 2899 - 2010 / 1 / 26 - 19:06
المحور: الادب والفن
    


مثلما الاداء في (اغنية التم)= طوَرانى ضايكا، مغامرة ومجازفة كبيرتين، فأن إخراجها كذلك، لسبب واضح وبسيط جدا، وهو أن هذه المونودراما من اكثر فودفيلات ومسرحيات تشيكوف إثارة للجدل، لما تتمتع به من حظوة على خشبة المسرح الكردي. فهذه هي المرة الثالثة التي أشاهدها في مدينة اربيل، بالأضافة الى العرض الفريد والممتع الذي شاهدته لأداء كامران رؤوف في منتصف الثمانينات بالسليمانية.
ما من نصوص تشيكوف القصيرة، بما فيها مسرحيتي الدب والخطوبة، تضاهي وتصل عذوبة المنولوجات الداخلية لـ (فاسيلي) بطل المسرحية التي نحن الان بصدد تناولها، لأنبعاثها من رجل طاعن في السن، وبشكل شهقات ودفقات قوية، أقرب ما تكون الى الحشرجة الاخيرة منها الى الاستغاثة، أو أي شيء آخر. لذا فمثل هذه الحوارات بحاجة الى معالجة اخراجية، أو أسلوب اخراجي يرتقي الى مستواها، وبدون هذا التوازن بين كفتي هاتين المعادلتين، والأتساق بين عمليتي الاداء والاخراج، يفقد العمل الفني أهم عناصره الجمالية، وتختل قدرته على تفجير وتثوير مفرداته وعناصره وبالتالي مبررات تقديمه.
والعرض الذي قام بأخراجه الفنان حسيب قره داغي، وترجمة الاديب المعروف محمود زامدار (أغنية التم) يعتوره هذا الخلل، وذلك لتعويله على الامكانات الادائية التي يتحلى بها ممثله الفنان (نوزاد رمضان)، ظنا منه بأن هذه الامكانات متفردة، وبمعزل عن مؤثرات العرض المعروفة الاخرى كالموسيقى والاضاءة والازياء والديكور والسينوكرافيا. ستسعفه وتحقق له النجاح.
يكشف ديكور العرض المتكون من مكتبة والى جانبها مدفئة نفطية في اليمين، وقناني زجاجية موزعة في وسط وبين جانبي المسرح، وشماعة الملابس والى جانبها مقعد في اليسار، بالاضافة الى طاولة صغيرة في الوسط، يكشف من البداية هوية بطل المسرحية، الى أنه واحد من المثقفين الصعاليك، وهو بهذا أوقعه المخرج في شرك اشكال الارتياب في شخصيته، كونها شخصية (فاسيلي) الممثل وانما هي شخصية اخرى من داخل الوسط الثقافي، الكردي، تكاد أن تكون شخصية أدبية معروفة، عبر تكديس وبعثرة القناني الزجاجية على أرضية المسرح، وتطهير نفسها بمادة الكحول التي تحتوي هذه القناني، كأشارة واضحة الى عربدتها، وإنغماسها في الادمان، وضياعها في العبثية، مما أدى لأن تخرج هذه الشخصية من النموذج العام الذي رسمه لها تشيكوف الى النموذج الخاص الذي جسده بها مخرج هذا العرض.
والاشكال الثاني الذي جاء نتيجة استخدام هذا الديكور، لافرق، أو أي ديكور آخر، هو عدم التفات المخرج الى قطع الاكسسوارات الموظفة في العرض السابق (لأن هذه المسرحية تبدأ. وقد أنتهى فاسيلي من أداء دوره في مسرحية أخرى)، بما يوحي، الى انه قام، إما بألغاء قطع اكسسوارات العرض السابق) أو أنه احتفظ بها. ولعل هذا التداخل بين اشكال التوظيفين، للعرض السابق، وهذا العرض، يولد إنطباعا مزدوجا لدى المتلقي يفضي الى عدم قناعته باستخدام نفس القطع لعرضين مختلفين، وتعذر الممثل الاستعانة بقطع غيرها، بعد الانتهاء من أداء دوره مباشرة. وما دام الامر كذلك، فأن المخرج قد لعب لعبته المسرحية بتغيير قطع الاكسسوارات، الا ان لعبته هذه لم تتسم بالحذاقة والفطنة، فعدت غير منطقية، وتعوزها مسوغ الاقناع.
ان استخدام قطع الاكسسوارات في مسرح المونودراما، أو الممثل الواحد، يعيق حركة الممثل، ويحد إبراز قدرته على إنشاء الفضاء المسرحي، لاسيما اذا ما أسيء استعمالها، ووظفت بدون مبرر، ذلك أن الهدف الاساس من هذا المسرح هو تفجير امكانات الممثل. لذلك فأن استخدام كل قطعة فيه ينبغي أن تخضع لدراسة دقيقة، وترسم بعناية بالغة. وبرأيي أن مثل هذا المسرح ليس بحاجة الى ديكور بقدر ما هو بحاجة الى مفردات مبتكرة تباغت المتلقي، وتفاجئه في لحظات ذروة الأداء، لتكوين تشكيلات جمالية فنية، وتركيب صور رمزية ذات دلالات موحية وعميقة.
ولعل سوء استخدام المخرج لهذه القطع، وعدم توظيفها من قبل الممثل، كالمكتبة والمدفأة، والمقعد، والشماعة، الا في حدود ضيقة جدا، أدى الى أن تنحصر حركته في بقعة معينة، تحديدا حول الطاولة الصغيرة، أي في وسط المسرح وعمقه، وظلت مقدمة المسرح وجانبيه سائبة، بينما معظم مشاهد مسرح من هذا النمط تتطلب، لقوة حواراتها، وكثافة لغتها. أن تتجسد في مقدمته.
واذا كان المخرج بهذا القدر، قد أعاق حركة الممثل، من خلال قطع الاكسسوارات الانفة الذكر، فأنه بنفس القدر، بل واكثر، عبر استخدام القناني الزجاجية المتكدسة والمبعثرة على ارضية المسرح قد زاد من منعه على الحركة بحرية، لابراز مروزته الجسمانية.
وتذكرني استخدام هذه المفردة بعرضين آخرين قدما في اربيل، الاول عندما جيء بقطع من الحديد المستعملة لالعاب الاطفال في الحدائق العامة، وجعل منها ديكورا لعرضه، والثاني بقلابة رمل.
ونفس الشيء ينطبق على استخدامه للازياء، كالمعطف، ولفاحة العنق، والقبعة، اذ قيدت الاولى والثانية حركته، واخفت الثالثة إنفعالات وجهه.
ان المخرج عندما يستعين بمفردة من المفردات الفنية لتوظيفها من قبل ممثله، عليه أن يسعى انتقاء ما يسمح له بتطويع هذه المفردات. فالقناني الزجاجية والملابس السميكة، من الصعب على الممثل أن يتعامل معها بحرية، بل بالعكس أن مثل هذه المفردات تزيد من جهده، وتعجل من عملية ارهاقه، كما ان القناني الزجاجية تعرضه للمخاطر، اللهم اذا أراد أن يصدر من هذه القناني أصواتا موسيقية معينة، وقد سعى الى ذلك، الا أنه لم يفلح.
ليس في (الفولدر) ثمة اشارة الى ان النص قد اعد، وعلى الرغم من ذلك، ان الموسيقى المستخدمة من بداية العرض الى نهايته، وبين كل مشهد من المشاهد، كانت توحي الى تكريده، بالعزف على لحن كردي حزين، وأغنية كردية معروفة، أن انتقاء هذا اللون من الموسيقى غير المنسجم مع المناخات الروسية من جهة، وفكرة النص من جهة ثانية، وربط المشاهد من جهة ثالثة، خلق التناقض بين المناخات الروسية والكردية، وعدم الوضوح في فهم النص، والتفكيك بين المشاهد والثلاثة مجتمعة الى ايقاع يسير على وتيرة واحدة وبشكل ميت.
وأعتقد أن سر نجاح عرض كامران رؤوف لهذا النص، ينبع من عدم المساس به واستخدام الموسيقى العالمية، طبعا بالاضافة الى امكاناته الادائية المتميزة، وتكوين الصور الجمالية، فقد استطاع عبر هذا الاختيار للموسيقى، والاحتفاظ بروح نص تشيكوف، تصوير الاجواء الروسية، وايصال فكرة النص، ومد جسر من التفاهم بين المشاهد.
وبقدر ما أنا هنا لست بصدد التحرش برؤية المخرج الذي اساسا افتقر الى رؤية معينة وواضحة، ففكرة النص هي التي تفرض نفسها، على أن افضل اختيار للموسيقى لمسرحية (أغنية التم) هي سمفونية (بحيرة البجع) لتشايكوفسكي، لأن التم والبجع مفردتان مترادفتان لطائر واحد، متمثلا هذا الطائر بشخصية فاسيلي، الذي يغني مرة واحدة في حياته ويموت. وها هو فاسيلي ينشد اغنيته الاخيرة، طارحا همومه ومعاناته، بعد أداء دوره في مسرحية ما، وقد تركه الجمهور وحيدا، ليعيد أمجاده يوم كان شابا يؤدي ادوار عطيل وهاملت والملك لير ورائعة بوشكين (بوريس غودونوف)، والفتاة التي احبها وتركته لانها عرفت بأنه يمتهن التمثيل، يعاني من الوحدة وسط قاعة مظلمة وفي هذه الهوة الضيقة يطلق اغنية الاخيرة، ويطرح همومه ومعاناته لاول وآخر مرة في حياته ويموت.
وبمناسبة وجود فاسيلي في بداية العرض في قاعة مظلمة، ذكرتني بأستخدامه للشمعة، وهو يخرج من وراء الكواليس باتجاه خشبة المسرح. ولو أخذنا هذا الاستخدام للشمعة من الناحية العملية للواقع، لنجده غير منطقي، ذلك لانه يطرح هذا السؤال:
• أما كان إستخدام عود الثقاب مثلا، أكثر إقناعا ومنطقيا من استخدام الشمعة في مكان كهذا، بأعتبار إحتمال إقتناء الشخص لعلبة الكبريت، بينما من الصعب توقع إقتنائه للشمعة؟
قد يكون اعتراضي على هذا الاستخدام للشمعة في حدود ضيقة، ولكن عندما تستمر بالضياء الى نهاية العرض، تحديدا بعد موت فاسيلي، فضمن هذا الاطار يتسع حدود اعتراضي، لانها لم توظف إرتباطا بفكرة النص، وابعاد شخصية البطل، بقدر ما وظفت لانارة خشبة المسرح فقط.
ولو عمد الى اقترانها بالصراع الذي يغلي تدريجيا داخل البطل، مع خفوت ضوءها التدريجي، وتصاعد منولوجاته، الى أن تذوي بموته، لكان قد أحسن توظيف هذه المفردة، عبر ترميزها لحياة فاسيلي، هذه الحياة التي بدأت بالعز والعنفوان، وانتهت بالمعاناة والخيبة والفشل الذريع، شأنها شأن ضوء الشمعة الذي يذوي تدريجيا الى ان يأتي الى نهايته.
ومسوغ تشبثي بتوظيف عود الثقاب، يتأتى كونه اكثر قابلية للاشتعال والانطفاء، خاصة اذا ما جاء في بداية العرض، سيضرب ضربته الاولى، معبرا عن نهاية البطل، كرمز له مدلولاته ومعانيه العميقة، عدا ما يتسم به مثل هذا التوظيف، قدرا اكبر من الجمالية، قياسا بتوظيف الشمعة.
باختصار... لقد اثبت الفنان نوزاد رمضان في هذا العرض، انه مثلما يجيد اداء الادوار الكوميدية، يقوم بأداء الادوار الترجيدية بنفس المستوى، الا ان المخرج لم يستطع استنطاق طاقاته للاسف...



#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - الاخراج.. في اغنية التم