أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الشريفي - حرق قبل الموت..














المزيد.....

حرق قبل الموت..


كريم الشريفي

الحوار المتمدن-العدد: 3137 - 2010 / 9 / 27 - 23:15
المحور: الادب والفن
    



أراد أن يبدأ ليؤرخ رحلة شارفت على النهاية ظناً منه ، ورحلة بدأت من جديد بكل مضامينها وأشكالها.. ليفاضل بين عالمين وجغرافيتين وتأريخين بل أراد مقارنة ثقافتين ثقافة خوف هرب منها، وثقافة حرية عاد إليها .كانت لديه ثقافة الخوف تشبه جداراً عازلا لمئات الامكنة التي جرى فيها البطش والظلم والتنكيل.....رأى صور الملق والمداهنة في الأمكنة جميعها. كانت تلك الصور دافعاً للأنطلاق من القيود التي أدمت معصميه ، يريد المغامرة الى عوالم غير مألوفة .. تقدم خطوات وتراجع أقل للخلف بعد أن شاهد النكوص الذي يترصده . قرّر العودة لكن الى أين؟؟ تخيل العودة الى وطنه وهو مكسور الروح،خائب الأمل،متعب الجسد، أصبحت العزلة نهباً له ، تراجع بعد أن تذكر هزائم الأماكن الظلماء يوم كان مقيداً فيها يرّدد مع نفسه رغم الهواجس الكثيرة التي لاحصر لها – عظمة الأنسان تتجلى بوضوح في انقاذ من بقى عرضةً للنهش والأنسحاق تحت وطأة الألم وثقل البؤس- بعد زمن طويل اختلفت الأشياء وهي من طبيعة تطورتها الكامنة .. عاد وحيداً يجتر معه احلام وذكريات وحكايات مثلما غادر وحيداً يوم كان عالي الهمة لايعرف المستحيل حتى لو كلفه ذلك حياته. عبر الحدود بالعودة وجد باب السماء مفتوحة ، شمّة رائحة الأرض ، انها أرضه رغم جفافها وامتداد هذا الجفاف أمام عينيه نهباً للعيون، تأمل لون الأرض الضارب للون البُنّي الذي يشبه دماء الضحايا عندما يبست على بلاطات الأماكن المظلمة.استغرق السكون والعربة تسير على ايقاع الأسلفت وكأنها غافيه في وحشة المدى .تحسس بيده اليمنى صديغيه وجبهته ،علقت رطوبة من العرق النازف على وجهه العاري الذي وجده املساً ساكناً مثل حبات الرمل . لكن سكونه حيّ .. تفحص الوجوه بجواره شاحبةً، مُعذبة، تشكو من ظلام الليالي لايعرفها أحدٌ إلا سواه.وجوه شكلها مُغم ، مُفجع ، مُقرف..لا أحد منها يستطيع التحدث، بل لا أحد يريد التحدث .. تجاوزت العربة منتصف الطريق ، فجأةُ بادر أحد الأشباح .. أين تذهب سأله ؟ .. الى الأهل تمتمها برطانة تختلف للأيحاء! أهااا.. أنت مهاجر ؟ لا أنا منبوذ! تصاعدت روائح نتنة تشبه الزرنيخ والبارود ، وروائح مرض الطاعون.. البيوت الترابية بدأت تلوح والسواتر الممتدة حول محيط القرى في تزايد .. تثاقل محرك العربة .. اومأ احدهم من مسافة أمتار .. قف! أوقفنا الحرس الغريب .. بطاقتك ؟ جيد .. أنت ؟ أنا ليس عندي بطاقة فقدتها يوم هربت .. الى أين هربت؟ الى الجبال !عليك بحمل البطاقة معك في المرات القادمة! نعم مشهد البؤس لايحتمل ، والخذلان لاينمحي عن الوجوه وكأن الأرض وما عليها تعرضت للسبيّ تواً . تبتلع العربة الأسفلت ابتلاعاً ، الأرض خراب ، الشجر يابس ، والبشر بائس ... سأل سائق العربة .. متى أصاب الزلال هذه المنطقة .. ؟ لم نسمع بنشرة الأخبار أن زلزال ضرب هذا البلد ؟ لا الذي تراه هو امر طبيعي ! ترجل من العربة ليستأجر آخرى تقله الى أهله .. أخذت العربة الجديدة طريقها وسط الشارع تتعثر بمطبات لاحصر لها والرائحة الفاسدة أكثر نفاذاً .. يقترب من حدود الأهل وربما العشيرة التي لايعرف عن اصلها شيئ سوى اهله وأجداده ..وكانوا حطباً ... متخاصمين بسبب البؤس والجوع .شارف على مدينته .. لاتختلف المناظر عن التي رآها عند دخوله البلد . لمح عن بعد.. بعض المستقبلين صور بعضهم باقية شاحبة بالذاكرة رغم السنين الطوال من فراقهم لكن ميّز البعض منهم بسب عاهات منذ الطفولة عندهم . أحدهم مشلول من الطفولة يتكئ على عربة خربة من اقاربائه لم يتعرف عليه لولا حركته الفجائية لانه لايستطيع الوقوف لأكثر من لحظات.. وجارٌ له كان يمتهن كتابة التقارير للأيقاع بالأخرين ، وثالث جندي خرج بأعجوبة من الموت اثناء الحرب ، وآخر بيده بندقية أطلق النار منها أحتفاءاً بعودة المنفي. تبعه موكب المستقبلين الى أن وصل البيت ..لم يعثر على أي ذكرى ، بل رائحة لذكرى ، مشهد ، صورة، كتاب، رسالة أو حتى قطعة ملابس ذات يوم اشتراها أو لمسها أو ارتداها .. كل الذي وجده اشباح ممسوخة كانت ذات يوم تحمل هيئات لبشر تنتمي لهذا المكان. بدأت الصور ، الأشياء والأشخاص تتجمع لتشكل مشهداً في التاريخ .. تأمل المشهد.. الحياة تتبدل طبقاً لمسسبباتها وضروراتها لتحدث كماُ من التغيير والتبّدل... لكن هنا حدث تغيير هائل ولم تتبدل الأشياء إلا أكوام الركام والخراب ازدادت لتتطاير مع المجهول الى ساحل آخر ،أو جغرافيا آخرى لتصبح حطام يحرقه التاريخ. تفحص الوجوه وكأنها تهالكت منذ ولادتها لتتحول الى هياكل مزقها الرعب.. قدرة عجيبة على تحويل الذل الى كرامة ، والهزيمة الى نصر ، والجوع الى شبع .. هذا الذي جلبته لهم الحياة منذ الولادة الأولى.. حديثهم عن الأشباح وموتى عائدين من القبور، وتخيلات الشرور وسمومها انهم في غيبوبة .. انهم استمرأو الهزيمة ، وامتهنو التوسل ،لكنهم يكابرون بالحديث عن الرفعة والعفة والكرامة ، والعّلو، والسّمو وهم بائسين .. انها قيمهم المشوهة . أدرك من اعماقه أن هؤلاء سيتحولون له الى جلادة ثانيةُ .. عاد الى منفاه وهذه المرة قد يطول به الى ان يطبق وصيته بالحرق قبل الموت !



#كريم_الشريفي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل المنظومة الثقافية العراقية وسبب عجزها!
- واقع منظمات المجتمع المدني في العراق..
- الفقراء أحق من المدراء يارئيس الوزراء!
- إبداع الأمم يُقاس بعدد منتّجي المعرفة لديها!
- المومياء عدنان ال(ﭘﺎرﮀﻪ ﭽ ...
- الشعب العراقي يطالب المالكي بتعويضات عن إصراره على الترشيح!
- التيار الصدري سيُفشل ترشيح المالكي لرئاسة الحكومة المقبلة!
- تظاهرة الكهرباء ..دروس وعبر !
- حلبّجة... وشماً غائراً في ضمائرنا..
- الفضائح المسكوت عنها..!
- الإنتخابات الماراثونية للبرلمان العراقي 2/2
- إقبال الناخبين يدعو للأعجاب الشديد..!
- الإنتخابات الماراثونية للبرلمان العراقي 1/2
- (المكتوب مقروء من عنوانه ) إتحاد الشعب نموذجاً!
- الأنتخابات الفضائحية
- أيهما سينتحر أولاً .. الهاشمي أم المالكي؟
- لا...لكاتم الصوت !
- الخَيلُ أَعلمُ بِفُرسانِها!
- تأجيل الإنتخابات المقبلة سيخلق فراغا دستوريا في العراق 2/2!
- تأجيل الإنتخابات المقبلة سيخلق فراغا دستوريا في العراق 1/2!


المزيد.....




- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الشريفي - حرق قبل الموت..