أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - مع شاعرة في عمان-5-















المزيد.....

مع شاعرة في عمان-5-


جميل السلحوت
روائي

(Jamil Salhut)


الحوار المتمدن-العدد: 3133 - 2010 / 9 / 23 - 09:42
المحور: الادب والفن
    


مع شاعرة في عمان-5-
فندق الشيراتون في عمان، حديث وضخم، مدخله باتجاه الغرب، بناؤه على شكل هلال، جاست في بهو الفندق قرب المدخل الرئيس، أشعلت سيجارة في انتظار زميلتي الشاعرة التي لم تحضر بعد، لم تخلف الموعد لكنني وصلت قبل موعد اللقاء بنصف ساعة، راقبت رواد الفندق من النساء بحثا عن امرأة وصفت نفسها بأنها امرأة بشعة، تدخل الفندق امرأة سمراء، في منتصف الأربعينات من عمرها ممتلئة الجسم أنيقة،:
غراء فرعاء مصقول عوارضها***تمشي كما يمشي الوجي الوحل
هكذا وصف الأعشي "هريرة" فهل هذه المرأة هي زميلتي الشاعرة؟ وان كانت هي فلماذا وصفت نفسها بـ"بالبشعة"؟ أم هي الثقة الزائدة بالنفس؟ نظراتها تجوب بهو الفندق المصمم على شكل مدرج، وقفت أمام نادل تريد سؤاله، رفعت لها يدي على أمل أن تكون هي، فلم تكمل جملتها مع النادل، واتجهت صوبي، قبل أن تمد يدها مصافحة، قالت والبسمة تعلو محياها:أستاذ جميل؟ فقلت لها نعم أنا جميل، اقترحت أن نجلس في المقطع الثاني من بهو الفندق، فوافقتها، رحبت بي بأدب جمّ...وسط ضحكاتها التي تنطلق كخرير جدول صغير تنساب مياهه من على صخرة صلدة، فرددت عليها بحياء بأنها ضللتني عندما وصفت نفسها لي بأنها أمرأة بشعة، فكل النساء جميلات، فهل هي الثقة الزائدة بالنفس أم ماذا؟ لكنها أكدت من جديد أنها بشعة، مع انها امرأة جميلة ولافتة، وأنوثتها تنضح بكبرياء، ما علينا ان كانت جميلة أم لا، فهذا شأنها وليس شأني، فأنا أقابل المرأة الشاعرة، وليس المرأة الفاتنة، وهي امرأة متزوجة وأمّ لأربعة، ترددت في الحديث معها، فأنا رجل حييّ خصوصا عندما أكون في حضرة امرأة أيّ امرأة، فما بالكم اذا كنت أمام شاعرة وجها لوجه، في اليوم السابق أخبرتني على الهاتف انها هي أيضا امرأة لا تجيد الكلام عندما تواجه الرجال، فهي لا تنطلق في الحديث كما تفعل على الهاتف، لكنها انطلقت في الحديث سائلة عن الأهل في القدس، وعن القدس ومقدساتها، ودخلنا في حديث عمّن بنى المسجد الأقصى؟ كونه مسجد اسلامي خالص، وأن اسرائيل غير مؤهلة لحكم القدس الشرقية، لأن اليهود لا يعترفون بالديانتين السماويتين الأخريين-الاسلام والمسيحية- وفي القدس أقدس مقدسات المسلمين والمسيحيين، وزميلتي تنحدر من أصول أعجمية مسلمة، جدها الأكبر انحاز الى جانب الشريف حسين بن علي، في خروجه على العثمانيين،فقاطعتها مازحا: اذا جدّك ساهم في هدم دولة الخلافة؟ فقالت ضاحكة:نعم جدّي ساهم في هدم دولة الخلافة، واستقر الحال بأسرتنا في مرج ابن عامر، الى أن حلت نكبة الشعب الفلسطيني الكبرى في العام 1948 ولجأت في الأردن، وشاعرتنا متزوجة من فلسطيني لاجئ في الأردن أيضا، وهي تعتبر نفسها عربية مستعربة، بل وفلسطينية مشردة، مع اعتزازها بأصولها الأعجمية، وزميلتي الشاعرة مثقفة بشكل لافت، فقد تحدثنا في السياسة، وفي الأدب، وفي علم الاجتماع، وعن الأوضاع الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في فلسطين والأردن، وعن أمنيتها بزيارة فلسطين وتحديدا القدس، وهي امرأة شاعرة تجيد الحديث كما تجيد الاصغاء، وتضفي على الجلسة جوّا مرحا، فهي تعرف كيف تكسر حاجز الصمت، وتشعرك بأنها تعرفك من زمن بعيد، والمرأة بدأت الكتابة بعد سن الأربعين، ولغتها بليغة انسيابية جميلة، لا تصنّع فيها، تكتب قصيدة النثر بايقاع وموسيقى واضحين، وتسعى لكتابة القصيدة الموزونة، فالمرأة ذوّاقة للفنون، وتهوى الشعر، وفي تقديري أنها كانت ستبدع لو لجأت أيضا لكتابة القصة والخاطرة، أهديتها عددا من الكتب لي ولكتاب من فلسطين،
فانطلق نور الفرح من عينيها...احتسينا القهوة وافترقنا على أمل اللقاء في اليوم التالي.

جولة في عمان-6-
صباح الثلاثاء14ايلول 2010 وفي الحادية عشرة صباحا، جاءتني زميلتي الشاعرة بسيارتها، والتقطتني من امام قاعة البنفسج القريبة من بيت أخي، لتأخذني في جولة في ربوع عمان، عمان التي تكبر وتتسع بصورة متسارعة، وتكثر سياراتها وشوارعها، والجسور والأنفاق، ومررنا بجسر معلق بين جبلين، لم أشاهد مثيلا له من قبل بالرغم من أنني زرت أكثر من دولة عربية وأوروبية،وأمريكا، عمان رأيتها مدينتين، واحدة قديمة down town وأخرى جديدة، لم أستطع معرفة أين تبدأ عمان؟ وأين تنتهي؟ قالت رفيقتي ودليلتي السياحية-على فكرة ابتسمت في داخلي عندما روادتني نفسي بأنني سائح، فقد ارتبطت بذهني السياحة الأحنبية في بلادي، وغابت عني السياحة الداخلية، فهي سياحة أيضا، ويبدو أن تناقضي جاء من كوني أعتبر الأردن الشقيق بلدي تماما مثلما هي فلسطين، وحسمت الأمر بأنني اعتبرت جولتي هذه سياحة داخلية، في مدينة عربية لها مكانة في القلب- قالت أنها ستدور بي في أحياء عمان الفقيرة وأحيائها الغنية، سرنا بين جبلين مكتظين بالأبنية القديمة، فقالت: على يسارك مخيم الحسين، وفجأة استأذنت لوضع ملابس لدى خياط ،محله الذي يخيط به على يميننا، وعلى رصيف الشارع مباشرة، ويبدو أن مقطع ذلك الشارع مخصص لخياطي الملابس، كما تدل اللافتات على أبواب المحلات...لم تجد الخياط ،وما هي إلا بضع دقائق، فاذا بنا في حيّ راق الى درجة الترف، قالت لي أنت في عبدون أحد أرقى مناطق عمان، فاكتشفت أن رفيقتي لم تقدني الى أطراف مخيم الحسين للتنزه والسياحة، ولمشاهدة الأحياء الفقيرة، بل لقضاء عملها لدى الخياط، وهذا ما لم أصارحها به، فقد كانت شديدة الحرص على تقديم عمان لي بأبهى صورها وجمالها، فشاعرتنا شديدة الانتماء لبلدها، فخورة بنسبها الأعجمي، وبانتمائها للأردن، وفلسطين، فزوجها من أصول فلسطينية، وابن شيخ قبيلة بدوية من بدو النقب، وهكذا فقد جمعتني وزوجها أصولنا البدوية، لم نلتق وإياه فظروف عمله وارتباطاتي بمواعيد خاصة حالت دون ذلك، لكننا تحدثنا هاتفيا، فها نحن ثلاثة، حسناء تنحدر من أصول تركية، ومن أضنة الجميلة تحديدا، وفلسطيني في أرض اللجوء والشتات، وآخر مقيم على تراب وطنه، ويعض بالنواجذ على تراب القدس، وها هي عمان ملتقانا، في عبدون فيلات فاخرة، تحيط بها حدائق ورود وأسوار، وفيه شوارع واسعة ونظيفة، وسيارات فارهة، وأناس أنيقون في مظهرهم، ونساء جميلات أيضا، ويبدو أننا كنا في الحيّ الدبلوماسي، حيث السفارات التي ترتفع على سواري أبنيتها أعلام بلادها.
توقفت بنا أمام بناية، وعرضت علينا أن نحتسي القهوة، فوافقتها، لكن اللافتة باللغة الانجايزية تشير الى أن المقهى للسيدات، وما لبثت دليلتي السياحية بأن أخبرتني أنه مقهى للعائلات، كنا في منتصف النهار، ولا أحد في المقهى غيرنا، فتحدثنا بأمور شتى، كان الأدب والأدباء محورها، وبدا لي أنني أمام امرأة مطلعة ومثقفة، لكنها متناقضة حتى مع ذاتها، فهي متحررة ومحافظة، علمانية ومتدينة، ضد الحجاب والنقاب وترتدي العباءة وتغطي الرأس في المناسبات العامة، أرستوقراطية وانسانة عادية، مقبلة على الحياة وهاربة منها، واضحة وغامضة، تردد كثيرا بأنه لا يبقى للانسان ما يفعله بعد سن الأربعين، ومؤمنة بأن سن الأربعين هو سن النضوج، فخورة بما مضى من حياتها، ونادمة لأنها وزوجها لم يوفرا شيئا لأبنائهما، علما أن ابنها البكر أنهى تعليمه الجامعي، ويعمل في الامارات العربية، وتزوج وطلق، وهي متعاطفة مع طليقته، وابنها الثاني سيكمل تعليمه الجامعي هذا الفصل، أما ابنتها الكبرى فهي في السنة الجامعية الثانية، والابنة الثالثة في المرحلة الثانوية، تحلم بأن يكون لها بيت تملكه، للتخلص من الايجار الذي يكلفهما آلاف الدنانير سنويا، ويشكل عبئا على ميزانية الأسرة، قلت لها: أنت انسانة متناقضة كبقية أبناء هذه الأمة، وصدق فينا مظفر النواب بقوله" ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده" فضحكت قهقهة.
رنّ هاتفها النقال، فردت بسخط وغضب، كانت المحادثة من ابنتها الطالبة الجامعية، والتي أخبرتها بأن القسط الجامعي ارتفع هذا العام، فهي تدرس في برنامج التعليم الموازي، الذي يدفع فيه الطالب ضعف القسط ،من وين بدنا نجيب يا ربِّ؟
غادرنا المقهى وهموم قسط ابنتها الجامعي يرتسم تكشيرة على وجهها، فأعادتني الى بيت أخي وقد ازدادت جمالا رغم حزنها...وافترقنا على أمل لقاء لم نحدده.
يتبع
23-ايلول2010-09-23
مدونة الكاتب جميل السلحوتjamilsalhut.com



#جميل_السلحوت (هاشتاغ)       Jamil_Salhut#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نور في عمان
- -قالت لنا القدس في ندوة اليوم السابع
- في الطريق الى عمان
- أهلا بعيد الفطر
- في موت عبد الحيّ حياة للآخرين
- هل سنحتفل بالعيد في مقر الصليب الأحمر
- صحافة مُسَخّرة
- اسقاط الحقوق الفلسطينية مسبقا شرط لنجاح المفاوضات
- بالوع العنصرية ينضح
- نتنياهو ملك العالم
- احراق الأقصى ذكرى وعدم عبرة
- أخلاقيات الجيش المحتل
- زيارة الأقصى والطريق الى جهنم
- مأمن الله في رحاب الله
- ندوة اليوم السابع المقدسية في عام ونصف بالأرقام
- سيرة الأمكنة تقولها لنا القدس
- رواية شرفة الهذيان في ندوة اليوم السابع
- اذهب انت وربك وقاتلا
- هدم البيوت العربية سياسة اسرائيلية متأصلة
- احياء ذكرى غسان كنفاني في ندوة اليوم السابع


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - مع شاعرة في عمان-5-