أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد قانصو - يوميات جميل ..














المزيد.....

يوميات جميل ..


محمد قانصو

الحوار المتمدن-العدد: 3131 - 2010 / 9 / 21 - 09:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جميل رجلٌ يختلف حوله عارفوه, فبين يراه البعض رجلاً عصامياً مستمسكاً بالقيم النبيلة والمثل الجميلة ومدافعا شرساً عن النظم الاجتماعية, يراه البعض الأخر خيالياً ومثالياً إلى حدِّ الخرافة, كأنما قذفت به السماء من كوكب بعيد لتلقي به على سطح الأرض.
ذات صباح التقيته, جمعتنا وحدة الطريق ورحنا نتبادل أطراف الحديث في شؤون تلامس واقع الحياة وهموم المواطن والوطن .
رأيت في جميل خطيباً بارعاً يجيد سبك العبارات ورصَّ المعاني، ويتقن استخدام الاستعارات والمجازات ليخرجها بقالبٍ دراميٍّ يستبطن الحزن المغلف بالكوميديا اللاذعة, ولا يبتعد عن التشويق والإثارة الجاذبة .
يستذكر جميلٌ اليومَ الذي قصد فيه إحدى الدوائر الحكومية لإنجاز معاملة عالقة في الأدراج أشهر عدة, كانت الدائرة مكتظة بالمراجعين, ولا خيار لديه سوى الالتحاق بصفٍّ طويلٍ يكاد يتدلّى من الطابق الخامس, كان الجوّ حارّاً جداً والعرق يتصبّب من الواقفين المتذمرين, وبين الفينة والأخرى تسمع همساً اعتراضياً وتعليقات ساخرة ممزوجة بتعابير البؤس الشعبي المزمن. يتداخل المشهد المألوف فجأةً بلقطة خارجة على النص حين يدخل رجلٌ مختلفٌ متجمّلٌ ببذلة رسمية وربطة عنق حمراء, وشعر مصفّف وعينين تختبئان خلف نظارة سوداء تتكسّر فوقها النظرات المذهولة من عيون المتعبين في الصفِّ الطويل! .
يقترب صاحب الهيبة وإذ بالباب العالي يفتح سريعا, ويهرع الموظف المتمترس خلف الزجاج المثقوب لإنجاز المطلوب, وسرعان ما يحتجب المتأنّق عن الأعين تخفّفاً من عناء المصعد في مكتب رئيس الدائرة .
تنتهي المعاملة المستعجلة ويتحرّك الصّف مجدداً بالبطء المعهود, وما إن يقترب دور جميل حتى يطلق الموظف الضنين بالنظام صفّارة انتهاء الدوام الرسمي تعبّداً بالثانية ظهرا. يغادر صاحبنا الدائرة خائباً ساخطاً, ويركب سيارته المتحاملة على أوجاعها متجهاً إلى بيته, يعبر نهاية الشارع ليباغته السعد مرة أخرى, ويفاجئه رتل من السيارات الحبلى برؤوس متسمّرة تستطلع الفرج القريب, يسترجع جميلٌ ويحاول أن يهضم غيظه بشربة ماءٍ ساخنة تقطعها أصوات أبواق قادمة من بعيد, إلتفت خلفه وإذ بسيارة فخمة تلوح منها أكفٌّ تشير للواقفين بفتح الطريق, ويتناثر رجال الأمن في كل جانب يتوعّدون من لم يفسح للقادم الكبير !..
يتابع جميل سرد المواقف الساخطة بلسان تعبٍ وقلبٍ موجع, وأصغي إليه بأذن متحسّسة وروح شريكة, تستفزني كلماته فأجذب طرف الحديث لأفرغ ما بدلوي الطافح حنقاً على سياسات التمييز الطبقي الحاكمة في مجتمعنا, وأسترجع ما تعلّمناه على مقاعد الدراسة أن الناس أمام القانون سواء, وكيف سواء ؟؟
الناس أمام القانون يتمايزون بألقابهم, بملابسهم, بربطات العنق والأحذية اللامعة, بسيارتهم الفخمة وقصورهم المشيدة, القانون يضعف أمام الأقوياء ويتصلَب حزماً وخشونةً في وجوه الضعفاء, القانون نصٌ لا يقبل التأويل أو التعطيل, والاجتهاد كفر وضلال, ولكن حين تصطدم مصالح الأكابر بقداسة القانون فالضرورات تبيح المحظورات !..
الضريبة حق للدولة على المواطن موافقون, ولكن هل نحن أمام الضرائب سواء ؟
العدل أساس الملك موافقون, ولكن هل نحن أمام القضاء سواء ؟
حين نتساوى في الحق وفي الواجب ولا تميزنا الألقاب والأرقام نتساوى في المسؤولية ..
حين نحترم إنسانية الإنسان ونؤمن بأن الخلق شركاء ترتفع أعمدة الوطن القوي المعافى !..



#محمد_قانصو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قِفَا نبني .. ولا نبكي !..
- حكومة أمونة
- سكينة ..
- أيها الحزن الصديق!..
- المحبس !..قراءة تأملية في الزواج المبكر
- أحلام ..
- لا طبقية في الإسلام
- كُسفت شمس الفكر .. يا سيدي الإنسان !!.
- العدل أساس الحكم !..
- الموسيقى في قراءة علمية إسلامية
- أنسنة الجنس في التصور الإسلامي
- أحلامهم الفقيرة !..
- عذراً يا أمِّي .. من قَدرٍ أُميٍّ ..
- الخرس الزوجي
- الخصوصية بين الإحترام والإقتحام ..
- إنتخب وعيك
- هل المهر حبرٌ على ورق ؟!..
- قراءة في مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري ..
- التخطيط الأسري في المجتمع الإسلامي
- مسرحية العريفي


المزيد.....




- كاميرا ترصد لحظة سقوط حطام صاروخ مشتعل في قطر
- هل كانت ضربة أمريكا على فوردو بإيران ضرورة أمنية أم مقامرة س ...
- الحرس الثوري يعلن استهداف قاعدة العديد الأمريكية في قطر والد ...
- رئيسة البرلمان الأوروبي عالقة في الشرق الأوسط بعد إغلاق الإم ...
- ترامب عن الرد الإيراني: -هجوم ضعيف-.. وحان الآن وقت السلام! ...
- من الإمارات إلى الأردن .. القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط ...
- دراسة: الصيام المتناوب يتفوق على الحميات التقليدية
- الرئيس الفلسطيني يعين وزير خارجية جديدا
- أوروبا عالقة بين الرفض الضمني والقلق المعلن من التصعيد في إي ...
- دول خليجية تعيد فتح أجوائها بعد إغلاقها لساعات


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد قانصو - يوميات جميل ..