أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحاج صالح - قانون -يانتا- الاسكندنافي














المزيد.....

قانون -يانتا- الاسكندنافي


محمد الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3126 - 2010 / 9 / 16 - 23:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قانون "يانتا" الاسكندنافي
عادت ابنتي من المدرسة باكيةً وأغلقتْ عليها غرفتها. نظرنا في وجوه بعضنا البعض، واشتعلت في رؤوسنا الأفكار. فنحن مهاجرون جدد، وللهجرة ضريبة ثقيلة. بعد إلحاح ووقوف بالباب فتحت لنا، ولمّا سألناه عن الأمر؛ تناولت حقيبتها وأخرجت بحركاتٍ عصبية كتاباً مدرسياً، ثم أشارت على صفحة فيه. وبين دموعها وشهقاتها كانتْ تقول:
ـ لازم نرجع إلى يلدنا "الرقة"... اليوم اليوم.
شرعنا جميعاً بالقراءة
قانون "يانتا"
• لاتعتقد أنك شيء
• لا تفكر أنك مساوٍ لنا بشيء
• لا تفكر أنك أذكى أو أشطر منّا
• لا تتصور إنك أحسن منّا
• لا تتصور إنك تعرف أكثر منّا
• لا تتصور إنك أكبر بشيء منّا
• لا تتصور إنك تليق بشيء أكثر منّا
• لا تتصور إنك تقدر على أن تضحك علينا
• لا تفكر أن أحداً منّا يهتمّ بك
• لا تتصور أبداً أن لديك شيئاً نتعلمه منك
صدمةٌ. ووجوم. نقرأ وننظر إلى بعضنا البعض ونتساعد في فهم الجمل. صدمة... لأننا نعلم مما قرأنا عن البلدان الاسكندنافية قبل أن نأتي، ومما تعلمناه هنا بأن الناس في هذه البلاد يعبدون القانون. القانون عندهم الأعزّ والأقوى والأجدر بالاتّباع مقارنةً بأي شيء آخر. وهاهو مكتوبٌ هنا كلمة "قانون" بحروف كبيرة. أما النص تحت كلمة قانون، فهو نص عدائيّ يُشعر كل واحد منّا أنه المقصود تحديداً. فهو يعتمد على ضمير المخاطَب كفردٍ "أنت"، وضمير الجمع "نحن" المخاطِبين. هذه الـ"نحن" المُرعِبة وتلك الـ"أنت" المَرعُوبة لها صدى في نفوس المهاجرين، وأي صدى! تلقائياً اشتغلت الآلة النفسية. هاهم النرويجيون جَمْعاً يخاطبوننا ويشيرون إلينا واحداً واحداً بإصبع مُهدّدة عبر هذا القانون. ابقَ خارجاً أيها الأجنبي الذي لا يساوي شيئاً! صورةٌ مشهديّة مخيفة. صورةٌ تجعل الواحد يحسّ بالانسحاق وبأنّه صغير وتافه وعاجز ومُحتقر.
لكن مهلاً... لِمَ لا نقرأ ما يتعلّق بهذا القانون. شرع أفراد العائلة بالبحث في الانترنيت والقواميس. أما أنا فقلبْتُ صفحةَ الكتاب المدرسيّ وبدأت أقرأ.
شيئاً فشيئاً، كلمة من هنا وكلمة من هناك اتضحت الصورة. فهذا القانون ليس قانوناً. هو نتاج عقل الكاتب الروائي الدانمركي "آكسل ساندموسا" Aksel Sandmose. وهذ القانون "النصّ" جاء في روايته "اللاجئ الذي يقطع إثره" En flyktning krysser sitt spor والمنشورة في عام 1933. هذا القانون هو أفكار سكان بلدة "يانتا" المُفترضة من قبل الكاتب والواقعة في السويد. تتلخّص فكرة الرواية في أنّ الجمع الذي هو "نحن" سكّان بلدة "يانتا" لا نقبل أحداً غريباً بيننا، ولدينا من الوسائل ما يجعله مُستلباً مَنبوذاً ومحتقراً. والكتاب المدرسيّ النرويجي يتناول هذا "القانون!" من زاوية إدانته وليس تمجيده.
آنها هدأنا بعد توتّر. خمدت النار في صدورنا ورحنا نتبادل الابتسامات كما لو أننا ندين تصوّرنا الأوّلي الذي شدهنا وأرعبنا. لكن ثمة جمرة بقيتْ تَنِسّ. ومع مرور السنين اكتشفنا أننا لم نكن مخطئين تمام الخطأ، وأن الجمرة التي ظلت تعسّ في نفوسنا هي الحدسُ الغامض الذي أنذرنا باكراً.
صحيحٌ أن قانون "يانتا" ليس بقانونٍ صادر عن سلطة تشريعية، وإنما هو "قانون" صدر عن أعماق نفسيّة ووجدانية لكاتب. لكن صحيح أيضاً أن كثراً هم الذين يؤمنون ويتبنّون ويمارسون هذا "القانون" هنا. كثيرون يحفظونه ويعملون به بسريّة وصمت مثيرين للغضب والخوف بآن. قانون "يانتا" أقوى "قانون" غير معترف به رسمياً في اسكندنافيا لأن من يتّبعونه وإن لم يكونو أكثرية عددية، فإنهم دود الخل الذي ينخر في هذه البلاد الجميلة والمتقدّمة. إنه تلك الروح المُتغطرسة والمتعجرفة لما يزيد ربّما عن الثلاثين بالمائة من السكان.

محمد الحاج صالح



#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب الله والقوة ال
- -ما ملكت أيمانكم- وجامعات إسرائيل
- من اغتال الحريري إسرائيل أم حزب الله؟
- تلك الابتسامة
- قناة العالم: انقلاب الصورة والفتنة المبتغاة
- الطليعة المقاتلة وابن لادن وخدمة العمر
- جنبلاط نجاة أم وفاة سياسي
- -أحسنت- مكافأة الخامئني لضيوفه اراديكاليين
- عن التخلف والظلم السياسي في الجزيرة السورية
- نجاد ليس صانع سجاد ولا من يحزنون
- الحادي عشر من سبتمبر نتاج للثورة الإسلامية في إيران أيضا
- وديعٌ ليل الرقة الصافي
- إهانة العرب
- أيهما أكثر فائدة الانحياز للكتّاب أم للرقابة؟
- النسخة الاسلامية المتشددة في شوارع اوسلو
- عربيٌ في الجليد
- مسلمو الغرب يُهدَّدون باللغة الثأرية لإعلامهم
- كفوا أذاكم عن مسلمي أوربا
- إعلان دمشق والطبقة المدينية الوسطى
- سيذهب نداء الشيخ القرضاوي هباء


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحاج صالح - قانون -يانتا- الاسكندنافي