|
رافقوني إلى القاع .. فذلك أجدى لمعايشة الحقيقه .
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3109 - 2010 / 8 / 29 - 23:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من يشاء أن يلتقط أنفاسه من الاسهام في الحوار بين الكبار ، فعليه أن يزورني في ترهاتي هذه ، والتي أتيت بها من القاع .. ومن يجد نفسه وقد اعيته تلافيف زبد البحث في مصطلحات السياسة والدين ، ولم يبلغ بعد مبتغاه في معرفة موقع قدميه ، وسط لجة هذا البحر المتلاطم من الحوارات اللامنتهيه في غمار الفقه الفلسفي بشتى انواعه ، عليه أن يرافقني في متاهات العالم السفلي ، عالم الضحايا الحقيقيين من الناس ، علني وإياه أن نحضى بفرصة الاقتراب من الحقيقة .
من هناك .. من قاع ما يسمى بالحياة ، تمكنت من التقاط صور جعلتني أدخل في حوار مع ذاتي ، باحثا عن أسباب لمظاهر إختلفت معطياتها عن الكثير من المسلمات التي زقوها زقا في أذهاننا ، ولا زالوا يمخرون في عباب بحورها ، دون ان يمنحوننا فرصة نستعيد من خلالها الانفاس .. حيث هذا الركام الضخم من التفسيرات والحوارات ، وشد الرحال في سفر طويل من البحث في بطون الكتب ، كي يثبتوا لنا بان هناك لا زالت ارض يسمونها وطن ، وأن هناك تجمع يسمى أمه ، وأن هناك لفيف من الناس يسمونهم أقارب في التجنس .
واليكم ما التقطته لكم .. ولكم ان لا تحاوروني في ما جلبته لكم من صيد ، بل اطلب منكم ، إفهامي سر ما يحدث ، مما يدل على ان أمتنا هي ليست بخير ، وأن ما يسمى بضمير هذه الامه ، قد تدمر وبشكل لا يوحي بانه سيعود الى سابق عهده ، مهما بالغنا في استجداء سبل ذلك ، عبر حوارات الكبار منا ، وعلى كل المستويات .
في عاصمة الرشيد ، بغداد العراق .. هناك منطقة تسمى ( زيونه ) .. وهو حي من الاحياء المعروفة في المدينة ، وكبقية احياء بغداد ، هاجمها الفقراء والعاطلين عن العمل ، وخاصة النساء الارامل ، فاحاطوها بوسائل البيع العشوائيه ، وافتراش الارصفة ، واستغلال كل ما يتيح عرض السلع البسيطة بهدف كسب الرزق الحلال .. وبدل ان تجد لهم الحكومة حلا يغنيهم عن التعرض للهيب حرارة الصيف ، وبرودة الشتاء ، تحالفت ضدهم ولمحاربتهم اجهزة البلدية والشرطة المحلية ، وكافة قوى الامن الداخلي ، لتطاردهم ليل نهار ، بحجة التجاوز على المال العام ، والاستخفاف بقرارات الدوله ..
وفي لحظة يبدو بأن الحظ قد استيقظ من نومه الابدي في بلاد الرافدين ، مرت قافلة من قوات الاحتلال الامريكي الغاشم ، على تلك المنطقه ، مما جعل أولئك المتجاوزين ، يتحركون بشكل غير منظم خوفا من العقاب ، الامر الذي أثار الريبة في نفوس جنود الاحتلال ، فاحاطو بالبعض منهم للتثبت من حالتهم .. وعندما علموا بحقيقة واقعهم ، وانهم مجرد ( حرافيش ) مساكين .. لا علاقة لهم بالسياسة ولا يقفون موقف الضد من أحد في العلالي ، قرروا مساعدتهم ، فاقترحوا عليهم المساهمة بمبلغ يتيح لهم بناء محلات نظاميه لعرض سلعهم .. وبحثوا معهم عن قطعة ارض مناسبه لتخصيصها كسوق شعبي ، يحمل مواصفات السوق العصرية المريحه .
كانت الفترة قصيرة جدا ، تلك التي تطلبها بناء ذلك السوق ، فظهرت محلات تجارية ، مرصوفة وبشكل منتظم ، تتقدمها ساحة لوقوف السيارات .. كل ذلك والحكومة الوطنية لا تعلم ، ولم تصرف من ميزانيتها على ذلك المشروع دينار واحد .
وبعد ان بدأ الفقراء المساكين ، من شباب عاطلين وأرامل معوزات ، بالعمل في السوق ، برزت الدولة الوطنية المهيبه ، ممثلة باحدى الموظفات العاملات بدائرة بلدية ( الغدير ) ، وهي الدائرة المسؤوله عن ذلك القطاع من المدينه ، لتنذر اصحاب المحلات ، بأن السوق قد تم اعلانه للمزايده العلنيه ، وان تلك المزايده قد رست على ( فلان ) .. وان عليهم دفع بدلات الايجار له وبشكل ثابت .. و( فلان ) هذا لم يتأخر عن الحضور محاطا بالحراسات الامنيه ، ليهدد الحرافيش المساكين بالترحيل عن محلاتهم ، ان لم يدفع كل واحد منهم مبلغ تسعة ملايين دينار عراقي عن كل محل ، اضافة الى مبلغ آخر كبدل ايجارثابت عن كل شهر . .. جرى الحرافيش بين اروقة دائرة البلدية المسماة باسم خطبة الغدير لنبي المسلمين ، فلم يحصلوا الا على ملامح الاحتقار ، ومد الالسن ، والمزيد من الوعيد والانذارات .. حاول البعض منهم ان يحتمي بقوات الاحتلال الغاشمه ، لتنصفهم مرة اخرى وتحميهم من حكومتهم الوطنية ، فلم يفلحوا ، لأن السيادة العراقية في موضوع كهذا لا تبيح لأحد مهما كان ، بالتدخل في قراراتها .
لم تتدخل القوات المحتلة كحالتها في المرة الاولى ، عندما منحت اولئك المعوزين ، فرصة الحصول على مستقر ثابت لرزقهم اليومي ، وكان ذلك عملا بمبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للبلاد .. وهو نفس المبدأ الذي ابعدها عن التدخل بشكل مباشر، للتحقيق في آخر جريمة نكراء ، تتعلق بسرقة شاحنات تحمل تبرعات للاطفال العراقيين من حكومة الاحتلال ، هي عبارة عن اجهزة كمبيوتر مدرسيه ، حين قام أحد المسؤولين الكبار في الحكومة العراقيه ( هكذا وصفته وكالات الانباء ) ، ببيع هذه الصفقة مرة واحده ، وبدم شديد البروده ..
ترى .. ما هو تفسير أن تبادر قوات الاحتلال ، بما تحمله من سمات غاشمة ، الى تقديم العون لمجموعة من العاطلين عن العمل ، لانشاء سوق عصري يوفر لهم سبل معيشتهم بامان ، في حين يسارع اولياء الأمر من ابناء البلد ، الى الاستحواذ على هكذا مشروع بعد انجازه مباشرة ، بهدف المتاجرة به ، وبيعه جهارا نهارا ، وبدون ادنى احساس بالرحمه ؟ .. حينما نستعرض قائمة حوادث الجرائم الاقتصادية المتعلقة بسرقة المال االعام ، والتجاوز على ميزانيات تنفيذ مشاريع البنى التحتية في البلاد ، لا نجد ما يشير الى مساهمة المحتل في إحداث ضرر بعينه في هذا المضمار، وبذات القدر الذي حققته عمليات هروب واسعة للعديد من الوزراء العراقيين ، وحتى صغار المسؤولين ممن افرغوا الخزائن العامة .. ولا يشخص أمامنا غير تلك التجاوزات المتكررة للاستيلاء ليس على التخصيصات المحلية لتنفيذ المشاريع التنموية المتنوعه ، بل التصدي لما يقدم للعراق من مساعدات دولية ممنوحة للشعب العراقي كي يتخطى محنته ، ليصار الى ترحيلها للحسابات الخاصة ، داخل وخارج الحدود .. فما هو تفسير ذلك ؟ ، وما هي الخانة الملائمة لكي نضعه فيها ، حتى يتفق مع لفظ بعينه من الفاظ فلسفاتنا الرائجة هذه الايام ، والمغطاة من خلال حوارات معنية بالسياسة والاقتصاد ومعهما علم الاجتماع ، حوارات بدأت ولم تنتهي ولن تنتهي على ما يبدو ، في زمن يتيح لشعبنا المنكوب أن يجد ضالته ، ويحصل على الحدود الدنيا من مسالك حياته الآمنه ؟ .. الوطنية لم تكن على المحك ، في العراق لوحده ، فلقد كانت عهرا خالصا حينما قامت حكومة هاييتي الوطنية ايضا ، بنهب مساعدات العالم المقدمة لشعبها المنكوب بفعل الزلازل ، تاركة شعبها يموت تحت الانقاض ، وكانت على المحك ولم تزل ، في اغلب الدول الافريقية ، ضمن أقذر عمليات سطو تقوم بها الحكومات المحلية ، عبر سفاراتها في الخارج واجهزتها الرسمية في الداخل ، لسرقة الاموال المقدمة من دول العالم المتمدن ، والمخصصة للنهوض بحياة شعوبها ، وإنقاذها من براثن الآيدز والامراض المزمنة الاخرى .
وفي نهاية عملية الغوص في مكامن قاع حياتنا ، يبقى التساؤل مشرعا ولم تنتهي فاعليته لحد الان .. ما مدى صحة الاعتقاد ، بان الحكومات التي لا تريد ان ترعوي وتعود الى رشدها وتقوم بخدمة شعوبها ، يجب ان تخضع لوصاية من قبل العالم المتحضر ، وان عليها الخضوع المباشر لتلك الوصايه ، حتى ولو بالقوة ، ولحين تمتعها بالقدرة الذاتية على تحمل مسؤولياتها الرسمية والشعبية ، بما يؤمن لبلدانها عناصر التقدم والبناء التنموي المطلوب ؟ .. أليس وجها من وجوه العدالة ، أن تعمد قوى بعينها ، وعن طريق الغزو المسلح سواء بالعصي او الذره .. لازاحة اولئك ( الوطنيين ) ممن يرتعون وبلا انصاف لقضم قوت شعوبهم ، ويسعون الى إفقارها واحياء سبل تخلفها وباصرار لا ينقطع ؟ .. أليس من المجدي بحكم المنطق ، أن يصار الى دفع أتاوة الى مستعمر متمدن ، مقابل ان يقوم بمنح شعب ذلك البلد فرصة الاستمرار بالبناء وتهيئة عناصر التنمية ؟ ..
خشيتي كبيرة بأن تكون تلك الافكار ، مثار زعل الكبار ، ممن لا زالوا يتحاورون ويحاورون ، للبحث في ماهية ان يكون المرء ليبراليا او اشتراكيا ، أم انه يجب ان يكون على دين السلف الصالح من اجدادنا العظام . . غير أنني على يقين تام ، بأنها ، تلك الافكار ، سوف لن تغضب اولئك الحرافيش الفقراء ، ممن يموتون في كل لحظة تحت خطوط الفقر والحرمان ، في بلدان يلحس وطنيوها قصاعها بشراهة الكلاب الجائعه .. ولا يتورعون عن فعل اية رذيلة وهم يحتمون تحت عباءة السيادة الوطنيه ، وشعار عدم التدخل بالشؤون الداخليه .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار في بلادنا ، وتخلفه عن ريادة الحركة الشعبيه .
-
رمضان .. شهر الفقراء
-
حينما تؤمن أمة ، بأن سكينا تنطق !! .
-
مصير كادت أن تقرره حبة تمر
-
إحكام العقل ، وما ينتظرنا في رمضان .
-
للرجل ذكرى ، مازالت موقدة في ذاكرة العراق .
-
لماذا نحن ( خارج منظومة العصر ) ؟؟
-
تحريف المناهج التربوية في العراق ، لمصلحة من ؟ ..
-
يوم في دار العداله
-
أللهم لا شماته ....
-
رغم ما يقال .. سيبقى النظام الاشتراكي هو الافضل .
-
وجهة نظر من واقع الحال
-
من قاع الحياة
-
خطاب مفتوح لمؤسسة الحوار المتمدن
-
لماذا يلاحقنا إخواننا في الكويت ، بديونهم في هذا الزمن الصعب
...
-
ألقطة سيسيليا ...
-
المرأة في بلادنا .. بين التمييز والتميز .
-
من هو المسؤول عن مأساة ( منتهى ) ؟؟ .
-
أنا والمجانين
-
واحد من مشاريع التمرد ، إسمه ستار أكاديمي
المزيد.....
-
إدانات دولية وتحذيرات بعد الهجوم الإيراني على قاعدة العديد ا
...
-
إيران: ضرباتنا ضد إسرائيل -استمرت حتى اللحظة الأخيرة-
-
هجوم صاروخي إيراني جديد على إسرائيل
-
البيت الأبيض: ترامب منفتح على الحوار لكن الإيرانيين قد يسقطو
...
-
ترامب يعلن نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران
-
كشف كواليس التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران
...
-
مسؤول إيراني يؤكد موافقة طهران على وقف الحرب مع إسرائيل
-
ترامب يتوقع استمرار وقف القتال بين إسرائيل وإيران -للأبد-
-
فيديو: انفجارات قوية تهز العاصمة الإيرانية طهران
-
وزير خارجية إيران: لا اتفاق على وقف إطلاق النار -حتى الآن-
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|