أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد المصباحي - اليتم قراءة في ديوان أشياء أخرى للمصطفى غزلاني















المزيد.....

اليتم قراءة في ديوان أشياء أخرى للمصطفى غزلاني


حميد المصباحي

الحوار المتمدن-العدد: 3068 - 2010 / 7 / 19 - 20:06
المحور: الادب والفن
    



ديوان "أشياء أخرى" الصادر عام 2003، للشاعر المصطفى غزلاني، باعتبار ما، هو قصيدتان مطولتان، الأولى بعنوان "مهاجر اليتم" والثانية "أشياء أخرى"، ولكل قصيدة عناوين فرعية أو أرقام مؤثثة لفضائها الخاص. وفي هذا المقال، اخترت أن أركز على "مهاجر اليتم" لا لشيء إلا استجابة لنازع اللذة الذي أحدث في انفعالا خاصا وبالتالي استجبت. مهاجر اليتم، إذن، هجرات، انتقالات عبر صور ومحطات جميعها تعكس الشعور المرير باليتم. يتم تتعدد أشكاله وأبعاده، لكنه ما فتئ يعود بنا إلى يتمه الخاص كذات شاعرة. جاءت المهاجر متتالية وكأنما يريد أن يفشي لنا تاريخية مضمرة ما، هكذا:
1 -هبات
2 -هجرة الإسبات
3 -مهجر الإنصات
4 -مهجر الإسرار
5 -هجرة مقام اليتم
6 -سقوط المضمار
---------------------------------
*1-هبــاب:
تشرق الشمس وتغيب تتحول الطبيعة وتنتقل من الضياء إلى الظلام، لكنها لا تمحو ولا تنمحي معها آثار مظالم الناس، وذلك من خلال موقعين متباينين: السادة والفقراء، يختلفون في كل شيء، في الأحلام والأمنيات وفي الأحزان الكبيرة منها والصغيرة: تفيض الأمهات برحيق المودة تنز العوانس كيبس الخوابي والجدات يدرن الرحي على كركرات كاذبة توهم الصبية برغيف الصباح.. ص: 10/11 الفقراء، إذن يعملون أكثر، يأكلون أقل لكنهم يكذبون إذ يحلمون أكثر من الآخرين. لذلك يعدون ما يكسبون، ولأن ما يكسبون قليل يخطئون العدد فيضاعفونه تمنيا: عد الرعاة ألف قطيع وقطيع والعوانس عددن أجمل حجال وأماني كثيرة والجدات ألف رغيف ورغيف. لكن ماذا يفعل السادة؟ بمداري أهملتها أيام الحصاد يتهجدون صلوات الزرع والضرع فقط لئلا يأتي نهار الجوع. ص: 12
إنهم يعيشون أمنيات الفقراء.

*2- هجرة الإسبات:
الإسبات : النوم. إسبات: تنويم. لكن الإسبات، أيضا، تسوق يوم السبت. فهل هي هجرة إلى ضجيج الباعة والدواب أم هي هجرة إلى الصمت حيث مضجع النائم. لكن الهذيان، وهو كلام من قعر ما، هو الحقيقة الخفية التي تفضح الأمنيات الدفينة، كتلك التي باح بها الفقراء وأخفاها السادة؟ هنا، ينتقل الشاعر من الجماعي إلى الفردي، عبر صيغة إيقاعية مختلفة وصورة مصغرة لذلك الكلي الذي في لحظة "هباب" ولتلك اللحظة الأولية للقصيدة، يقول في الصفحة 16 عند كل صباح تتلكأ قدماه عن المشي تتعثر، لم يدرك أنها أشلاء حلمه الأكبر كانت ترفض الموت... ... قرر وأدها فاستبقته إلى الطريق بأهبة السفر. إنه استيقاظ من حلم كالنوم، من سبات الأحلام الكبيرة التي تزعج دون أن تتحقق، إنها هجرة مختلفة، ليست من مكان إلى آخر، بل إنها فقط هجرة من الأحلام وإلى أخرى لا تأتي إلا مشنوقة ومخنوقة. فأي صورة يمكن تتقدم عبرها هذه الأحلام؟ "الوطن، سيدة عارية النحر نهد على بحر وآخر على آخر علق الحضر بالنهدين واستكشف البدو الباقي. إن رفضت سخط الحاكم وإن رضيت سخط المحكوم لهذا، كلما تغنت بالحب مات العشاق." ص: 18 هكذا، جاء الحلم كابوسا، فالوطن ليس إلا جسدا مشاعا، امرأة مطوقة بالسخط إما من حاكم أو من محكوم، وكلما اشتقات إلى الغناء بالحب كان قدر العشاق الموت. إنه حلم تتجاذبه الرغبات والمصالح المتناقضة، وفي كل الاختيارات نهاية مأساوية، وأقساها موت العشاق كلما ناشدت القليل من الحب، يا لمأساوية المصير.

*3-مهجر الإنصـات:
انتقال الشاعر من صيغة الحكي الجماعي إلى صيغة الحكي الفردي المخاطب والمتكلم الصريح -أنا- تصنف شعوريا بالانفعال العاطفي. لكنها هنا نسق واع بانتقاليته غير المفروضة، إذ هي اختيار للشاعر في تنويع الإيقاع وتصاعده المنتقاة بعناية، حتى على مستوى الكلمات الموظفة، يقول: بيني والخنجر طعنة بيني والألم غدر بيني والحكمة حاكم. ص: 26 خنجر -غدر -حاكم، كلها كلمات موحية باغتيال الحلم، كما الأنهار تجرف الأمنيات. فهناك في الوجود الإنساني مقصلة للقتل وكنيسة للاعتراف ومسجد للغفران والتطهير، كل هذه مؤسسات أسسها البشر وهي امتداد وترميز لله، للنهر وللبحر، البحر يمحو كل شيء إثم العاهر صلاة الطاهر أما الأرض فتسع كل شيء الكلام الثقيل البطش الثقيل. ص: 27 الأرض، إذن، قول وفعل، سلاطة وتسلط، وكل ما دفنه البشر من غرائز معتقدا أنه بذلك يتخلص من قانون الغاب، ليس إلا وهما، حلم هو الآخر، على عفونته، تعيشه الجماعة راضية به لا لشيء إلا لأنها غير قادرة على العيش بدونه، إنها تعيش على أنقاض حلمها -وهمها- المنجرف.

*4-مهجر الإسـرار:
هو التصريح بالعشق للمتحول لا للثابت، إنه عشق للسلطة التي تضعف الأقوياء لا محالة، إنه تمجيد للعمر المتحول ضرورة، للموت الذي ينصف الرعاة الفقراء والجدات والعوانس الجائعات. وهكذا يحتفي الشاعر: أعشق العمر إذ يسمح للموت أعشق الموت إذ يتسع وإذ تأتي اللحظة احتفاء بالموت، إلا أنه يمجد الحياة ولولا ذلك لما عشق العمر.

*5-هجرة لمقام اليتـم:
إنها هجرة لمقام اليتم، إصرار على الحلم. لا ليس الوطن مجرد حلم أو أرض ممتدة، إنه أيضا أشياء صغيرة، نافذة/باب/أريكة/عتبات/قبلات.. كل ما تسمح به الذاكرة من أشياء وأفعال، حتى الغياب ينتمي للوطن، فالضلال، الوحدة، العزلة، التيه... كل هذا غير ممكن بدون وطن: لم يجد أحدا يروج الظل تنأى الفكرة لا تعود يعود الظل ص :37 هذا هو الوطن، محدد لكل شيء حتى الغياب. إنه الإمكانية الوحيدة لكل موجود، لذلك كان مرادفا للحلم والمرأة، إذ لا يمكننا الحياة بدونهما أو حتى التوقف عن السعي لتحققهما.

*6-سقوط المضمـار:
أينبغي السقوط؟ حدة السؤال واحتدامه. رفض الموت يؤدي لموت آخر، كثيرة هي الأسئلة العالقة أبدا، لا جواب يطفئ حرقتها، كتلك التي استشعرها الشاعر وأفصح عنها عبر لغة يتجاذبها الرفض والقبول الغاضب. أجل، فالأمر المنتظر ليس إلا السقوط في نهاية المطاف: .. حملني شاهدة بعنوان غير تام والصمت فج بظلين متقاطعين ليسا يهديان إلى السير ليسا يرشدان إلى الطريق. ص: 43 إنها الوحدة في المتاهة؛ تتشابه البدايات وحكايات الأمجاد الكاذبة التي ما فتئت تحول الهزائم إلى انتصارات، هروب من حاضر موبوء إلى لا يقل مباءة، لكأن هذه الحضارة جاءت لتقبر أبناءها: نحن سلالة حفاري القبور نقتات من معاولنا وسخاء الألم... ص: 46 وأمام السديم، يرتد الشاعر إلى لغته يناشدها ألا تكون فاضحة لم لا ينبغي البوح به، لتترك التاريخ كما أراد له المؤرخون أن يكون، لتدع الوطن كما أراد له الحكام أن يكون ويصير: تجمل أيها القول الفاضح تواريخنا كأعمارنا من مَسقط إلى مُسقط. ص: 46 فيتردد السؤال من جديد وينبغث الحلم بجماله ولو كاذبا أو غير ممكن، فينحني الشاعر صارخا: لك السقوط أيها السقوط. ص: 47

خلاصـة:
إن القيم الجمالية في العمل الفني تتغير، وإن كانت حركيتها ذات إيقاع متفاوت التجارب، باختلاف الثقافات ومدى عمقها وأيضا حسب اختلاف المجتمعات والحضارات. أما القول الشعري فأكثر انفلاتا وصعبوة لضبط متغيراته الجمالية، نظرا لارتباطه الوثيق باللغة كابتكار ذاتي?جماعي منفتح على جميع الاحتمالات التعبيرية نافرا من كل التصنيفات الجاهزة التي تنشغل بربطه بالعصر قسرا وبالتاريخ حبسا. فما هي القيم الجمالية أو على الأقل مؤشراتها في ديوان "أشياء أخرى" للشاعر المصطفى غزلاني؟ في الديوان حس سردي لا ينبغي إغفاله -العودة إلى منطلق قصيدة النثر- والذي يبني الصورة ويؤثث فنيتها. كما فيه حس حكائي لا يشعر القارئ بأي إقحام أو افتعال يجعل الجملة تقود إلى الأخرى، مما يمكنه من التحكم في مشيئة أفق الانتظار لدى المتلقي والذي غالبا ما يكون مآله التدمير والإلغاء تماشيا مع حال الحال.



#حميد_المصباحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهروب من الجسد والهروب إلى الجسد
- دولة التنوير ودولة التهويل
- الدولة والحزبية
- العلمانية في العالم العربي
- السلطة بين التقليد والحداثة
- سلطة الملكيات
- الديمقراطية ثقافة أم تقنية
- العلمانية والدين والسياسة


المزيد.....




- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد المصباحي - اليتم قراءة في ديوان أشياء أخرى للمصطفى غزلاني