|
رحيل الروائي محمد عبد السلام العمري
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3065 - 2010 / 7 / 16 - 02:29
المحور:
الادب والفن
رحيل محمد عبد السلام العمري صاحب رواية " اهبطوا مصر "
د. أحمد الخميسي
توفي الروائي المصري محمد عبد السلام العمري مساء الأربعاء 14 يوليو 2010 عن عمر يناهز السادسة والستين ، صدرت أولى مجموعاته القصصية بعنوان " إلحاح " عام 1987 ، وتبعتها مجموعات أخرى منها " بستان الأزبكية " و " النصب التذكاري " ، كما نشر الراحل عدة روايات منها " النخيل الملكي " و " الجميلات " . ولكن روايته " اهبطوا مصر " كانت قد استوقفتني عند صدورها عام 1999 ، وكتبت عنها في حينه بعد أن لفتت نظري إليها بقوة لأنها قصة تفاصيل الواقع اليومي عندما تكون أشد قسوة وتخويفا من أية شطحات خيالية ، وعندما تصبح الحياة كابوسا تتطاير في طبقات ظلمته رؤوس البشر ، وخفق قلب المحبين ، ولا يبقي سوى صور العبيد في بطن السفن وقد طوق الحديد أعناقهم ، والصحاري الشاسعة . إنها مدينة " جارثيا " وهو اسم لمدن عربية كثيرة ، يزوم في صهدها أشخاص مثل خضر وأماني ، وأحياء مغلقة يحرسها أغاوات لا يدخلها غير النساء ، وجميلات يتنكرن في ملابس الرجال لكي يقدن السيارات ليلا ، ورجال محكوم عليهم بأن ينهشوا كبد وقلب رجل ميت ، ومهندس يسعى بكل الطرق لمواجهة الجحيم ثم محاولة الهروب من هذا الجحيم بكل ما يحفها من مخاطر . وأكثر ما يؤلم في هذا الكابوس إدراك القارئ أنه واقع حقيقي ، وليس كابوسا ليفيق منه المرء . وفي مدينة " جارثيا " يضع الروائي القدير محمد عبد السلام العمري في طريقك شخصية خضر المصري المهاجر الذي جالس السادة ليأكل معهم من طبق واحد : " فأشار له الشريف بإصبعه دون أن يتكلم ، فانسحب منحنيا إلى طبق آخر " ، وزوجته أماني التي تجمع المال بجمالها مؤيدة بشعار زوجها " المرأة الجميلة نصف المعركة " . ويحول محمد العمري مدينة " جارثيا " المتخيلة إلي بوتقة لعذاب المغتربين من المصريين والسودانيين والهنود والأريتريين واليمنيين والباكستانيين ، تجمعهم كلهم " رائحة المال " وآمال صغيرة في مسكن أو علاج أو إعالة أسرة . غرباء عن بعضهم البعض جمعهم اغترابهم عما حولهم ، منهم عم حامد السوداني العجوز الذي يكرر لنفسه أسماء بناته لكي لا ينساهن ، ومنهم من يحوك المؤامرات القذرة ضد الآخرين ليفوز بمواقعهم ويصعد على حطامهم . على الجانب الآخر ستلتقي في " جارثيا " بشخصية " أبو الخير " صاحب الملايين الذي يهبط من سيارته حافيا أحيانا محاطا بكل مظاهر الإجلال ، وشخصية " الشريف " و " أبناؤه ، نساؤه ، بناته وعبيده ، جواريه وخصيانه " . ولا تشي رواية " اهبطوا مصر " بلوم السادة وحدهم ، فالعبيد أيضا مسئولون عما آلت إليه أحوالهم . ويرسم العمري جانبا آخر من أحوال المصريين المغتربين التي وصفها فتحي إمبابي في مراعي القتل ، وبهاء طاهر في رائعته حب في المنفي . يستكمل العمري على كمان خاص عزف ذلك النشيد الوحشي لجيش الاغتراب . ويعتمد العمري على السرد أساسا ، ولا يأبه كثيرا بالصور قدر اهتمامه بتعاقب الأحداث في مجراها السردي سيلا من الذكريات والمشاهد التي تتساقط على الذاكرة في حيوية لا تنقطع ، أو : " تشتتا في المشاعر والاحساسات يشكل طريقا مميزا في الكتابة " على حد قول الروائي الفنان علاء الديب. ويعتمد العمري خلال ذلك على قدرة في اختزان التفاصيل وطرحها من جديد . يقول العمري في روايته عن أحدى بطلاته إنها : " تحمل في جسدها قوة هادئة ، عذبة ، موزعة بانتظام " ولعل ذلك هو أدق وصف للانطباع العام الذي تخلفه رواية " اهبطوا مصر " بما تنبض به سطورها من قوة هادئة عذبة موزعة بانتظام وصادرة عن قلب دقيق يري العالم بوضوح ويرى بوضوح أيضا كيف ينبغي للعالم أن يكف عن القسوة والدناءة والقبح . يرحل الكاتب والمبدع ، يموت نصفه فقط ، وتظل روحه في نصف آخر باق هو أعماله الأدبية . رحم الله محمد عبد السلام العمري بقدر ما أعطى ووهب .
*** أحمد الخميسي . كاتب مصري [email protected]
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نيفين الجمل .. قصائد ممنوعة
-
نصف ضوء .. عزة رشاد
-
فاروق عبد القادر .. وداعا لروح التحدي !
-
المتهم - خالد - .. والقضاة عابرون
-
ماالخطر الذي تمثله الكمانجة على دولة إسرائيل ؟
-
غزة تبحر إلي العالم
-
الاستقواء بالخارج في السياسة والأدب
-
سلطان كازاخستاني .. الزعيم الأبدي
-
- واجب - قصة قصيرة
-
عن ذلك النور
-
بلدنا - قصة قصيرة
-
الطبيعة لا تجد من تراسله !
-
مقدمة في الفولكلور القبطي - ثقافة الوحدة الوطنية
-
اعتراف جوركي .. الباحث عن الإيمان
-
سيد درويش .. عبقري الشعب طريد الدولة
-
خرج المنطق من حياتنا .. من يجده يتصل بنا
-
من وراء سحابة
-
لماذا لا يقرأ المصريون ؟
-
لماذا يعشق المثقفون هذه - الديمقراطية - ؟
-
زهور للمرأة العراقية
المزيد.....
-
-فنان العرب- يظهر في عيد ميلاده.. -روتانا- تحتفل به وآمال م
...
-
فنانة لبنانية ترقص وتغني على المسرح في أشهر متقدمة من الحمل
...
-
“فرحة للعيال كلها في العيد!” أقوى أفلام الكرتون على تردد قنا
...
-
موسيقيون جزائريون يشاركون في مهرجان الجاز بالأورال الروسية
-
الشاعر إبراهيم داوود: أطفال غزة سيكونون إما مقاومين أو أدباء
...
-
شاهد بالفيديو.. كيف يقلب غزو للحشرات رحلة سياحية إلى فيلم رع
...
-
بالفيديو.. غزو للحشرات يقلب رحلة سياحية إلى فيلم رعب
-
توقعات ليلى عبد اللطيف “كارثة طبيعية ستحدث” .. “أنفصال مؤكد
...
-
قلب بغداد النابض.. العراق يجدد منطقة تاريخية بالعاصمة تعود ل
...
-
أبرزهم أصالة وأنغام والمهندس.. فنانون يستعدون لطرح ألبومات ج
...
المزيد.....
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
المزيد.....
|