أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد سلوم - حول مصير مسيحيي العراق والشرق الاوسط















المزيد.....

حول مصير مسيحيي العراق والشرق الاوسط


سعد سلوم

الحوار المتمدن-العدد: 3062 - 2010 / 7 / 13 - 21:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تاريخنا نحملهُ
في أكياسنا،
أيامنا طوفان
يا مركب جدّنا النائي
أوتانا بشتم
يا سفينة سيّدنا نوح
أهذه سماؤنا السابعة
أم إنّهُ ليس سوى القاع؟
سركون بولص "الهجرة من آشور إلى بلدان الأشياء الأخيرة"


تتغير هوية الشرق الأوسط وتتحول إلى هوية أحادية، فاقدة امتيازات التنوع والتعدد التي كانت تشكل رأسمالها الحضاري، بوصفها منطقة الديانات الإبراهيمية الثلاث، وخزان القيم الرمزية لعالمنا المعاصر.
إذ تشهد سنوات الجمر غياب المكون المسيحي عن خريطة منطقة الكتاب المقدس، ففي العراق مهد جغرافيا وتاريخ وانثربولوجيا وروحانية الكتاب المقدس، وموطن أقدم جماعة مسيحية في العالم يتحول المسيحيون إلى طائفة منقرضة في دائرة عنف وكراهية شملت الجميع، وتحمل الإحصائيات دلالات مرعبة: إذ لم يتبق من مسيحيي تركيا الذين كانوا يعدون بالملايين بداية القرن العشرين إلا بضعة آلاف، وفي سوريا وصلت نسبتهم إلى اقل من عشرة بالمائة بعد أن كانوا ثلث عدد السكان في مطلع القرن الماضي، وفي لبنان بعد إن كانوا أغلبية في ثلاثينيات القرن الماضي أصبحوا الآن اقل من ثلاثين بالمائة من السكان. وفي مصر، ولأول مرة منذ الخمسينيات، يغادر الأقباط أرضهم بأعداد كبيرة، وفي فلسطين تضاءلت نسبتهم بعد أن كانوا أكثر من عدد المسلمين هناك، إن الأرض التي ولد عليها المسيح هي اليوم ابعد من أن تكون أرضا للسلام، وفشل تجربة الدولة الوطنية في الشرق الأوسط ترك مشهد ضياع وتشرد كوني، ومن ثم إفلاس حضاري، فكل مسيحي يحزم أمتعته، يترك رسالة خطيرة عن ضمور الحجم الديموغرافي لمسيحيي المشرق، وهذا نذير بزوالهم الوشيك، وتحول مجتمعات الشرق الأوسط الحيوية، إلى صخور صماء بلون واحد.
مر هذا الفشل الحضاري بمحطات مريرة قبل أن يصبح واقعا قبيحا كالحا، فمنذ الإبادة الجماعية للأرمن 1914- 1918، على يد الأتراك العثمانيين، التي راح ضحيتها نحو المليون إنسان، شرع المسيحيون ينزحون إلى الدول المجاورة، ويتركون أديرتهم وكنائسهم وقراهم، وفي أثناء الحكم الملكي في العراق، أرست سياسة الانتقام التي واجهها الأشوريون بسبب تعاونهم مع البريطانيين أبان الحرب العالمية الأولى تقاليد العنف التي توجت فيما بعد بأول انقلاب عسكري في العالم العربي (انقلاب بكر صدقي 1936). ودفع عدم الاستقرار السياسي منذ العام 1958 ومجيء العسكريين بعربة الانقلابات، إلى هجرات متتالية نحو ملاذات الاستقرار في الغرب، وكان تدمير كثير من قرى المسيحيين، وقصف كنائسهم، ونسف أديرتهم دافعاً للنزوح أو الهرب أو الهجرة وسط حرب الحكومة المركزية مع الأكراد.
غير أن عنف الجماعات الإسلامية المسلحة ضدهم في العراق بعد 2003 اتخذ طابعا مقيتا مع ما يحمله هذا العنف من ثقافة الإقصاء الذمية، التي جعلت المسيحي مواطنا من الدرجة العاشرة، مطلقة هجرة عكسية إلى مناطق سكنهم الأصلية في سهل الموصل، وهجرة عريضة إلى بلدان المنافي التي أصبحت أوطانا بديلة، إنها هجرة اللاعودة للغالبية العظمى منهم.
لقد أدخل الآباء الدومينيكان أول مطبعة إلى الموصل بين سنتي 1856 - 1857، وكان أول كتبها عن قواعد اللغة العربية «خلاصة في أصول النحو» للخوري يوسف داوود، وطبع فيها أول كتاب مقدس باللغة العربية. وكان دور المسيحيين في الصحافة رياديا، فقد أصدروا في مدينة الموصل سنة 1902 أول مجلة في العراق، باسم «إكليل الورود» كما أصدرت بولينا حسون مجلة «ليلى» وهي أول مجلة نسويّة في العراق في العام 1927، وتشهد عليهم الأيام أنهم كانوا حراس اللغة العربية ومن أهم أعلامها، ويكفي أن نعترف أنهم كانوا رواد النهضة العربية الحديثة التي ارتبطت بجهودهم الثقافية والفكرية، وظلوا جزءاً حيويا من الطبقة الوسطى بدورهم الريادي في الفنون والآداب والموسيقى، فكيف كان يمكن تخيل تاريخنا المعاصر بدونهم، وهل ستصبح إبداعاتهم وريادتهم محض ذكريات؟
كف يمكن تخيل الشرق الأوسط بدون مسيحيين، وهل سيختفي المسيحي المشرقي، ذلك الذي وصفه الأب يوسف حبي بقوله " انه من عرف أن يكون كنيسة حيَة، هي شجرة نور وخميرة وملح في قلب بلاد ما بين النهرين وديار المشرق من أقصاها إلى أقصاها". وهل أصبح غريبا أن تتجاور الكنيسة مع الجامع، وان تتعايش العمامة مع الرداء الكهنوتي؟.
هل سيحول عدم الاستقرار وثقافة الإقصاء مسيحيي العراق إلى طائفة منقرضة؟، هل سيسيرون على الطريق التي سار عليها من قبل، يهود العراق، فطوي جزء من ذاكرة العراق، واختفى إلى الأبد مع اختفاء الجيل الأول للتهجير؟ هل إن ما يحدث اليوم لمسيحيي العراق والشرق الاوسط سيكون أوضح شاهد تاريخي على بداية تلاشي الوجود المسيحي في العراق، و اختفاء أقدم جماعة مسيحية في الشرق الأوسط؟.
وما يثير الذعر حقا أن جميع من قابلتهم في الخارج من المسيحيين المهاجرين قسرا أو طوعا مجمعون على عدم العودة، فالهجرة ليست خيارا مؤقتا أو مرحليا بالنسبة إليهم، بل أصبحت قرارا نهائيا لا رجعة فيه، حتى لو تحسنت الأوضاع الأمنية، الأمر الذي يعكس شعورهم بضياع الوطن وتلاشيه، أو أنهم على الأقل أصبحوا غرباء في بلد يعدون سكانه الأصليين.
إن ثقافة الإقصاء الأصولية تعتمد ذاكرة انتقائية وقراءة متحيزة واستعلائية للتاريخ والنص المؤسس للجماعة، وهي تتناسى انه لا يمكن لعظمة الإسلام أن تكون كاملة بدون المسيحيين، فلقد ساعد العلماء السريان على دخول الحضارة العربية الإسلامية في العراق "العهد الذهبي" الذي أصبحت فيه بغداد عاصمة عالمية، وكانت ترجماتهم التراث اليوناني إلى اللغة العربية، الجسر الذي نقل العلوم القديمة إلى حضارة العصور الوسطى، ومن ثم لا يمكن تخيل دور العرب على المسرح العالمي من دون تلك الجهود الثمينة. المسيحيون حراس مدنيتنا القديمة وجذور شجرتنا الممتدة إلى رمال الحضارات الأولى.
إن جميع المصريين قبطيون (قبطي الاسم الذي كان يطلقه اليونانيون على المصري)، كما منح المسيحيون السريان سوريا اسمها التاريخي (سوريا مشتقة من السريان أو العكس)، وتبقى للعراقيين جذور مسيحية تصلهم بشعوب الحضارات التي بنت ارض بلاد ما بين النهرين، ومن حق كل عراقي مسلم أن يفخر بجذوره المسيحية.
ويكفي التذكير بأن المملكة الوحيدة المستقلة في العراق قبل الإسلام كانت مسيحية. فقد كوّن المناذرة وهم سلالة عربية حكمت العراق قبل الإسلام، مملكة قوية هي امتداد للمالك العراقية التي سبقتها مثل مملكة ميسان ومملكة الحضر، وقد امتد سلطان مملكة المناذرة من العراق ومشارف الشام شمالاً حتى عمان جنوباً متضمنة البحرين وهجر وساحل الخليج العربي، واستمرت مملكتهم في الحيرة من (268-633م)، وفي أواخر العهد العباسي كانت تتعالى دقات أجراس 56 كنيسة في مدينة السلام المزهوة بـ 43000 مسيحي بغدادي معظمهم من الكلدان.
تُحدِثُ القراءة الانتقائية للتاريخ قطيعة مع الهوية العراقية ذات الامتداد التاريخي، وهي بعناصرها المتعددة المتنوعة تساعد على تخيل الأمة، وبخلافها يعمل انقطاع الذاكرة عن جذورها انفصاما ثقافيا عن مكونات هويتنا المركبة من عناصر ومكونات متعددة، كان التعايش بينها رمزا لسيادة حضارة التسامح التي شهدتها العصور الوسطى الإسلامية.
وتعمل إلى جانب ثقافة "الإقصاء الأصولية" ثقافة "الإقصاء السياسية" من خلال قراءة مبتسرة وسطحية للواقع، فمصطلح الأقلية قبيح في السياق العراقي حين يقرأ التاريخ انتقائيا، فلا يعامل الأقلية بحساب الإبداع والمساهمة في بناء حضارة البلاد وتشكيل هويته على مر العصور.
وحين يوظف سياسيا للتقليل من شأن مكون أصيل، على أساس معيار عددي محض، ينشأ نتيجة لذلك تقابل قوى بين الأغلبية والأقلية، يرسخ هيمنة الأغلبية على أساس كمي أعمى، ويضع الأقلية في وضع دفاعي عن حقوقها الثقافية والاقتصادية والسياسية، في مقابل استرخاء وضع "دكتاتورية الأغلبية".
إن وضع الهوية الدفاعية ينتج تطرفا معاكسا وتمسكا بهوية ضدية، ما دامت الأقلية آنذاك تعيش ثقافة الغيتوات المعزولة، وتفر مكانيا إلى ملاذات جغرافية آمنة، و تفر ثقافيا إلى جذور هوية أخرى في ظل تلاشي الهوية الجمعية، إن عرافا تزعزع تماسكه الاجتماعي، ولم يعد الإحساس بهوية جامعة يقوده إلى بر الأمان سيظل مهددا بالتصدع والانقسام، ما لم يتم استعادة سؤال الهوية وإنتاجه على مستوى المواطنة.



#سعد_سلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امبراطورية أوباما الناعمة
- فتوى القرضاوي أو خطاب أوباما
- سيناريوهان لقراءة ثورة 14 تموز
- بناء الدولة المدنية في العراق - صورة عن الواقع والتحديات
- هل ستغير المذكرات الالكترونية وجه العالم؟
- تجربة المجالس البلدية في العراق
- سؤال التعايش وامكانيات المصالحة
- في تحطيم الجدار
- التحكم بالحدث من تدمير برجي نيويورك الى تدمير قبتي سامراء
- المالكي ومعادلة الاستقرار السياسي : الامن هو التنمية-الفساد ...
- عراق الدولة... حلم ام اسطورة؟
- تسونامي عراقي لكل يوم
- حكومة سرية لشعب علني:اسئلة قديمة على طاولة حكومة جديدة
- عبد شاكر وقضية الحوار المتمدن
- حين تسقط التاء عن الثورة
- من نحن؟الهوية الضائعة بين العراق التاريخي والعراق الاميركي
- عام مسارات
- من يسرق النار هذه المرة؟
- هل من غاندي أو مانديلا عراقي؟ الانتخابات وعملية البحث عن رمز ...
- حرية الصحافة والاعلام في الدستور العراقي


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد سلوم - حول مصير مسيحيي العراق والشرق الاوسط