أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - اختفاء جيفارا/فصل من رواية/1















المزيد.....

اختفاء جيفارا/فصل من رواية/1


عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 3061 - 2010 / 7 / 12 - 14:53
المحور: الادب والفن
    


استيقظ صباحا معتل المزاج،الصداع يفتك به،كأن ورشة للبناء في رأسه.نظر الى المراة،أخافه ما رأى:هالتين من السواد تحيطان بعينيه،تمتدان حتى منتصف وجنتيه،التجاعيد تملأ جبينه،حول عينيه،زوايا الأنف....متى ظهرت كل هذه الخطوط؟ليلة البارحة لم تكن موجودة،والأن تنتشر كأخاديد تحفر وجهه،أهكذا يغدر به الزمان فجأة؟حاول أن يواسي نفسه بالقول:"اذا كانت أثار الزمان قد أخافتني لهذا الحد، فما هي ردة فعل نساء جيلي عندما يكتشفن اثار السنين على وجوههن؟"،لكن سرعان ما تعكر مزاجه من جديد حين لاحظ الشيب قد غزى سالفيه ممتدا للأعلى،جمد أمام المراة مجددا، انتبه لشيىء غريب أعلى رأسه،بقعة صغيرة جرداء خالية من الشعر،أصابه الهلع،صلع في هذه السن المبكرة ! لكنه كان عند الحلاق منذ اسبوع ولم يقل له شيئا،لعن الله هذا الحلاق الثرثار لقد شاخ وانحسر بصره ولم يعد يميز ما بين رأس الزبون ورأس الفجل،لا بد أن يستبدله ويجد حلاقا جديدا أكثر شبابا وانتباها لزبائنه،ازداد اعتلال مزاجه،توجه الى المطبخ ليعد قهوة الصباح لعلها تهدىء أعصابه المتوترة،لكن الأمر لم يجر كما شاء،الفوضى تعم المكان،صحون تتكدس فوق بعضها،تلتصق بها بقايا طعام متعفنة،انية الطعام فوق الموقد مسودة من كثافة "الشحار" المتراكم عليها،الموقد لم يعد يظهر لونه الأصلي،دهون ملتصقة به ،صلصة متيبسة،تفل شاي،بقايا طعام متيبسة ومحترقة.الطاولة مكتظة بالأوساخ،قشور البصل مختلطة مع قشور الموز التي اسودت وتيبست،الى جانبها قطع من البطاطس المقلية واخرى تنتظر طهوها حتى علاها العفن والدود،ملاعق وشوك وسكاكين صدئة متسخة منثورة في كل مكان،قهوة متيبسة على الأرض،لا بد أنها انسكبت منه منذ وقت طويل ونسي كعادته ان ينظف مكانها،بحث عن دلة القهوة ،لم يجد اليها سبيلا،حتى فناجين القهوة لم يكن حالها بأحسن،معظمها مهشم والبقية الباقية مليئة بالشحم والأوساخ،لقد بدا المنظر كأن زلزالا ضرب المكان،تذكر أنه لم ينظف المنزل منذ أشهر،رغم أن منزله ليس الا غرفة واحدة ومطبخا وحماما،وفي اخر طابق في العمارة،الطابق السادس،استأجره منذ أن قدم الى دمشق للدراسة في الجامعة،وبقي فيه طوال هذه السنين دون أن يجدده أو حتى يحسنه بالدهان أو القيام بالتصليحات الضرورية،كان يعتقد أنه لن يمكث في هذا المنزل سوى سنوات دراسته فقط لكن هذه السنوات امتدت وأصبحت العمر كله.رجع للغرفة،نظر اليها جيدا،شعر بالاشمئزاز والقرف من نفسه ومن المنزل،سرير حديدي صدىء،فرشة قديمة،ملاءات ومخدات مسودة ورائحتها مقززة،طاولة خشبية أكل الدهر عليها وشرب،ليس فوقها الا منفضدة سجائر حديدية صدئة وأمامها كرسي خشبي مخلع الأرجل،شبابيك متسخة لا يسترها سوى صحف مصفرة الصقت عليها دون ذوق أو ترتيب،جدران تقشر طلائها وتشققت،لمبة عارية ملتصقة بالسقف بسلك كهربائي التفت حوله خيوط عنكبوت وذباب ميت،الباب استحال لونه الى الأصفرالصدء. تنهد بأسى ،لقد أمضى في المنزل كل هذه الأعوام دون أن يدرك مدى البؤس الذي الت اليه الأمور،فهولا يعيش في منزل محترم،لعل" مكبا للنفايات" أحسن وصف له.لقد أمضى جل حياته دون صديقة او حبيبة،جميع من كان يتواعد معهم كانوا يهربون بجلدهم بعد أول زيارة لهذا الجحر الكريه،عليه أن يعيد حساباته من جديد ويجد امرأة تساكنه،لكن من تلك التي ترتضيه مع هذه التجاعيد والشيب و"الأنكى" من هذا كله، تلك البقعة في أعلى رأسه،لم تكن تنقصه سوى هذه الصلعة اللعينة.
قرر مكرها الاستغناء عن شرب القهوة والاكتفاء بتدخين سيجارة الصباح حين يتصفح الجريدة، اليوم سيبدل طريقة تصفحه،فهو منذ وقت طويل لم يقرء الصفحة الاولى أو صفحات السياسة،حدق في العناوين مشمئزا "مبربرا" مع نفسه"ما زالوا يتقاتلون،لعنهم الله،متى يكفون عن هذا الجنون والقتل المجاني؟"،ازداد اشمئزازه،"هل كانوا وحوشا هكذا منذ البدء؟".أمسك الصحيفة مجددا لكنه فتح ليقرأ صفحته المفضلة،"الحوادث"،لفت انتباهه عنوانا كبيرا في صدر الصفحة:"مجرم خطير فار من العدالة"،مرفق بصورة المجرم، في البدء لم يلتفت الى الصورة،ما كان مكتوبا لم يتجاوز بضعة كلمات:"السلطات تبحث عن مجرم خطير متهم بجرائم عدة،من تتوفر لديه أية معلومات حول مكان اختبائه ،أو عن نشاطه ،عليه المبادرة الى ابلاغ السلطات المختصة"، لكنه حين حدق في الصورة جيدا،أحس أنه يعرف صاحبها لكنه لم يستطع تذكر أين ومتى رأه،اللعنة،دون قهوة الصباح لا يقدر على تذكر شيىء،لعله بات خرفا،،وبات مقتنعا أن ذاكرته مثقوبة كالمصفاة.خرج من المنزل حانقا متوجها الى أقرب مقهى ليعيد صفاء ذهنه، أحس ببعض الارتياح حينما جلس على كرسيه في المقهى،خاصة عندما حياه النادل بالقول:"نورت القهوة يا استاذ،والله كانت مظلمة من غيرك"،انتفخت أوادجه بعض الشىء ،جلس كالديك المنفوش ،"أخيرا أعطى البخشيش مفعوله"،هكذا خاطب نفسه حين طلب القهوة،انه زبون "مياوم" في هذا المقهى منذ أن كان طالبا في الجامعة،لقد توسع حجمه مع مر السنين ليصبح كافتيريا للعشاق في قسم منه ومقهى للنارجيلة في الجزء القديم،تغير صاحب المقهى وعماله وحتى زبائنه أكثر من مرة الا هو فقد كان الحاضر الأبدي هذا المكان.
قبل أن ينتهي من احتساء القهوة أحس بازدحام مفاجىء أمام المقهى ،نظر خارجا أبصر جنازة تمر أمامه،عربة اسعاف قديمة حولت الى عربة لنقل الموتي،بضعة أكاليل من الورد الذابل وضعت دون ترتيب على مقدمة العربة التي ثبت على سقفها ميكرفون صدء ينقل عبره أيات من الذكر الحكيم يتلوها شيخ بدين حشر في المقعد الأمامي الى جانب السائق،كان العرق يتصبب من جبين الشيخ،فنحن في شهر اب اللهاب وهو يرتدي كامل بزته الرسمية،القفطان والسروال والعباءة السوداء والعمة الحمراء ،كأنه ارتدى كل ملابسه المنشورة على الحبل لهذه المناسبة الجليلة،السائق يجفف عرقه بمنديل اسود من الوسخ ولا يخف ضيقه وتبرمه من سلوك هذا الشارع الضيق والمزدحم،صوت الشيخ يخرج عبر الميكروفون ممزوجا بزعيق زمور الانذار.خلف العربة تابوتا يحمله عشرة رجال،التابوت لف بقماش من القطيفة السوداء المهترئة أطرافها من كثرة الاستعمال،وضع عليه نسخة من المصحف الشريف،خلفه يسير المشيعون،لا يدري لم بحلق في وجوههم،معظمهم فعل بهم الحر والتعب فعلهما ،كانوا مبللين بالعرق،مغبرين يرتدون ثيابا رثة ولا يظهر عليهم رغد العيش،كأنهم عتالين أو عمالا أو باعة متجولين،منصتين الى التلاوة الاحينما يصدر صوت من بينهم "تكبير،تكبير"،حينها يردد البعض بصوت وهن"لا اله الا الله...محمد رسول الله "،أو حين يقطع المقرىء قرائته مخاطبا المارة وسكان الحي"انتقل الى رحمة الله تعالى المغفور له الشاب غازي غزوان الغزاوي،سامحوه يا اخوان،سامحوه يا أهل الجيرة يرحمنا ويرحمكم الله،الفاتحة على روح المرحوم"،انتبه الى أن جميع زبائن المقهى وقفوا رافعين أيديهم الى السماء قارئين سورة الفاتحة ثم دعوا للميت بالرحمة والمغفرة،وقف عندئذ وفعل كما فعلوا،لكنه اعتبر الأمر فألا سيئا،صباحا معكرا كالقطران وجنازة على الريق، منظر التابوت المجلل بالسواد أرعبه،لقد تخيل نفسه ممدا داخله بدلا من الميت،حتى أنه شاهد جثته تبتسم وتلوح له،تذكر فجأة أين رأى المجرم الفار.



#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابريق الزيت/قصة التعجيز الابدي/قصة اللي ما عنده قصة على رأي ...
- اعتراف
- القط ذو الشاربين/ اقصوصة قصيرة جدا
- رثاء متأخر
- كوابيس
- مدينة
- صديقتي المومس/قصة قصيرة
- اعترافات سرير احمق/اقصوصة قصيرة
- حروف التاريخ
- دعاء الاستسقاء
- قصة ليلى والذئب كما يرويها الحكواتي الاسرائيلي
- مبارزة
- المعروف/حكاية من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه ما حكتها
- انا هو ذاك
- الوجه الفيسبوكي الثاني : الزنبقة السوداء/الحلقة الاولي/قصة ق ...
- محمد بيرت...محمد بيرت....محمد ما بيرت/حكاية أطفال منحكايا ست ...
- انتهي الوقت
- عزرائيل يعفو عني مجددا
- الشاطر حسن/حكاية اطفال/من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه ما حك ...
- لن الاحق ظلك.


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - اختفاء جيفارا/فصل من رواية/1