أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - 2 – إعادة تعريف الإسلام بعلوم الأديان















المزيد.....



2 – إعادة تعريف الإسلام بعلوم الأديان


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 3969 - 2013 / 1 / 11 - 10:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نسخة اخيرة مصححة

إصلاح الإسلام: بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان
حديث مع العفيف الأخضر

2 ـ إعادة تعريف الإسلام بعلوم الأديان

 هل نجح تدريس علوم الأديان، في الديانات الأخرى، في تخليصها من الجمود والعنف الدينيين اللذين تعتبرهما مرضين من أمراض الإسلام المعاصر؟
 إلى حد كبير. كل دين تقريباً،خاصة توحيدي، مسكون بالتعصب، الذي هو الإبن الشرعي للنرجسية الدينية، التي يبثها في شعارات هُذاء العظمة . مثل نحن شعب الله المختار، ونحن خير أمة أخرجت للناس، أي نحن الفرقة الناجية. في التسعينات تعرفت على فرقة مسيحية من 120 شخصا، ينتشرون في ستة بلدان، تسمي نفسها مملكة النور، وتسمي باقي سكان المعمورة مملكة الظلام ، التي تقول عنها أنها ستلقى مصير صودوم، مدينة لوط، قريبا . لأن نهاية العالم اقتربت. وبالمناسبة هذيان نهاية العالم هو نواة الهذيان الديني، وهو عرض من أعراض الفصام . الديانات، التي أعيد تعريفها بعلوم الأديان، دَجّنت إلى حد كبير الميل إلى النرجسية الدينية والتعصب، بما هو رهاب المختلف، أي هستيريا الخوف من الآخر. إعادة تعريف الإسلام بهذه العلوم قد يعطينا نتائج مشابهة. يتنافس اليوم أقصى اليمين الإسلامي السياسي والنُخب، شبه الحديثة الحاكمة، على حيازة مشروعية الذاكرة الجمعية الإسلامية. المنافسة في الواقع محسومة لصالح أقصى اليمين الإسلامي . لأن الخطاب الديني، الذي تحشو به مدرسة اللامعقول الديني الذاكرة الجَمْعية السلفية ، التي شعارها لا تصدِّقوا "إلاّ قال الله وقال الرسول"، أي حاربوا العقل والعلم بكلّ ما أوتيتم من قوة، يحمل الحَبّ إلى طاحونة الإسلام السياسي الذي هو اليوم أقصى يمين الإسلام.
بدلا من خوض هذه المنافسة البائسة على امتلاك ذاكرة جمعية متقادمة، كان على النخب الحاكمة، لو كانت تعرف كيف تصنع قرارها، تبنّي مشروع إعادة تأسيس هذه الذاكرة الجمعية، بتدريسها بعلوم الأديان في مدرسة المعقول الديني. استطاعت الجمهورية الفرنسية الثالثة تجاوز الصراع الطائفي بين، الكاثوليك والبروتستانت، بتدريس تاريخ ما قبل المسيحية لخلق هويّة جماعية يتعرف فيها جميع الفرنسيين على أنفسهم،تتعالى على الهوية الدينية،دون أن تنفيها، لكل من الكاثوليك والبروتستانت :القومية واللغة الفرنسية. بإمكان الدول العربية والإسلامية أن تستفيد من هذه التجربة، لتكوين هوية جماعية مشتركة أقوى من الهويات الدينية. وذلك بتدريس جميع مراحل تاريخها، بدلا من الإقتصار على آخر مراحلة، التي هي المرحلة، الإسلامية، جاعلة منها أَلِف تاريخها وياءه. بإمكان مصر مثلا أن تدرّس الفترة الفرعونية والفترة القبطية... إلخ، إلى أن تصل إلى الفترة الإسلامية. في تونس يبدأ التاريخ من اللحظة القرطاجنيّة المُؤسِّسة مرورا بالفترة الرومانية، التي أثّرت في الإسلام التونسي ثم المغاربي؛ فقد أخذ فقهاء المالكية بعض أحكام القانون الروماني الذي أصبح عند السكان عرفا وعادة. وأخيرا الحقبة الإسلامية التي كانت أكثر اللحظات الثلاث تأثيرا واستمرارية. وتونس جديرة بالإستلهام، ويليق بالنخب الإصلاحية في أرض الإسلام استلهام تجربتها الاصلاحية الطويلة والثرية والناجحة،خاصة في تحرير المرأة من رق الأحوال الشخصية الشرعية.

ماهي علوم الأديان القادرة على اصلاح الإسلام ؟
علوم الأديان المطلوب تدريسها هي تاريخ الأديان المقارن، والسوسيولوجيا الدينية، والأنثروبولوجيا الدينية، وعلم نفس الأديان،والانجويستيك[=اللسانيات]، والفيلولوجيا (علم اللغة) والهرمينوطيقا (علم التأويل)... وأُضيفُ إليها علما آخر، لم يكن في الأصل من علوم الأديان ولكنّه غدا اليوم منها، أعني به علوم الأعصاب. كما أضيف الفلسفة، التي ليست علما الا أنها ينبوع الفكر النقدي الضروري للمقاربة التاريخية – النقدية للظاهرة الدينية، ولتحصين عقول الأجيال الجديدة ضد التعصب الديني؛لكن هناك علوم قد لا يمكن تدريسها كعلوم أديان؛لكنها أساسية لتفكيك الأساطير البابلية، التي ترجمها الأحبار خاصة في سفر التكوين، ومنه انتقلت إلى القرآن.هذه العلوم هي نظرية التطور، التي تفكك أسطورة خلق آدم وحواء من صلصال، بالرواية العلمية لميلاد الحياة، منذ 3,7 مليار سنة، من البكتيريا وحيدة الخلية في المحيط البدائي، والفلك الفيزيائي الذي يفكك أسطورة الكوسموليوجيا الدينية:خلق العالم في 7 أيام في سفر التكوين،وفي اليوم 7 استراح؛ وفي 6 أيام في آية وفي 8 أيام في أخرى في القرآن! وعلم الأركيولوجيا الذي عرّى الرواية الأسطورية التوراتية بخصوص تاريخ إسرائيل الديني:مثلاً داود شخصية شبه تاريخية؛أما سليمان فشخصية أسطورية ابتدعها الخيال الشعبي العبري.
الإسلام ليس دينا فقط، بل هو أيضا مشروع سياسي – عسكري، قوامه الجهاد إلى قيام الساعة من أجل هدفين: إدخال البشرية فيه وقتل آخر يهودي، كما يقول حديث لا شك موضوع رواه البخاري. إصلاحه يتطلب تدريسه ودراسته بعلوم الأديان، لنزع القداسة عن السياسي والعسكري فيه، تسهيلا لفصلهما عن الدين ، المقدس الوحيد ، وإلا كان الإصلاح مجرد لمسات تجميلية غير مجدية.

 بماذا تردّ على من يقول أن تدريس الدين بعلوم الأديان ينزع القداسة من الدين نفسه، عندما يجعل نصوصه موضوعا للبحث مثل أي نص أدبي أو أسطوري ؟ وهذا من شأنه تكوين مسلمين لا مبالين بالدين، كما في أوروبا وبقية البلدان التي يُدرَس فيها الدين بعلوم الأديان؟
 عدم تدريس الإسلام بعلوم الأديان، كما تُدرس به الأديان الأخرى في العالم، يعني أن نَدَعَ الناس في جهلهم يعمهون ليبقوا متديّنين. هذا خيار تجهيلي، أن يكون عندنا شعب من الجهلة المتديّنين، بدلا من شعب من المتعلّمين والعلماء والمواطنين اللامبالين بالطقوس الدينية. قال ميخائيل نعيمة سنة 1951 : "الدّين الذي يخشى من الشيوعية، الشيوعية خير منه". وبدوري أقول: الدّين الذي يخشى العلم،العلم خير منه. بعيدا عن السجال لننظر للواقع. دراسة الدين بعلوم الأديان وتدريسها في المدارس والجامعات بدأت في أوروبا منذ قرون. فماذا كانت النتيجة؟ أغلبية من المؤمنين الوَديعين والمتسامحين، مع الآخر والدين الآخر. 25 في المائة من اللامبالين، منهم 6 في المائة فقط من الملحدين المُقتَنعين. أما في الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث كل شيء دين ، في المسجد، والمدرسة، والجامعة، والإعلام ،والشارع والبيت منذ الثورة، فماذا كانت النتيجة؟ 30 عاما من الهذيان الديني، أعطت 30 في المائة من الملحدين. لماذا؟ لأنّ الإكثار من الدين يقتل الدين. الإفراط في الدعاية الدينية،كالإفراط في الدعاية السياسية،لا يوقظ تعاطف المتلقى،أي الجمهور،بل بالأحرى عداءه.الجمهور لا يتعاطف إلا مع من يوجد في موقع الضحية،لا مع من هو في موقع الجلاد: مثل حكام أقصى اليمين الإسلامي.
من دون هذه المقاربة العلمية، لن ننتقل من المقاربة التقريظية إلى المقاربة النقدية، ولا من التكفير إلى التفكير وإعادة التفكير فيما يطرحه علينا الدين والحياة من إشكالات. الخوف من ضياع الإيمان هو، في حد ذاته، عَرَض لشكّ الخائفين المكبوت في صحة إيمانهم. القرار التربوي الشجاع والذكي لا يبنى على المخاوف اللامعقولة، بل على المصلحة العامة المعرّفة تعريفا دقيقا والتي تجعل من الإصلاح الديني فريضة عقلانية.

 لكن بماذا تجيب القائلين بعدم إمكانية تطبيق علوم نشأت في بيئة غربيّة يهودية-مسيحية على النصوص الإسلامية، ألا يكون ذلك تعسّفا بحق هذه العلوم وبحق الإسلام نفسه؟
 ذلك ممكن تماما. هذه العلوم، كجميع العلوم، أنتجها العقل البشري الكوني. كما أن علوم الطبيعة صالحة لكلّ مكان، فكذلك علوم الأديان، التي يَدْرس بها الهندوس الهندوسيّة والبوذيون البوذية. فلماذا لا يُدرس ولا يُدرَّس بها الإسلام ، المنحدر من تلاقح ثقافي عميق مع الديانتين اليهودية والمسيحية؟. معظم قصص الأنبياء في القرآن مأخوذة من العهد القديم. سورة يوسف مثلا تلخيص مركّز لقصة يوسف في العهد القديم، وبالمثل في القرآن – تحت اسم الزبر والزابور - نجد آيات مقتبسة من نشيد الأنشاد، الذي بعض آياته مترجمة حرفيّا من آيات "النشيد الأعظم" للفرعون أخناتون ، الذي يؤكّد بعض الدارسين، خاصة كتاب "أسرار سفر الخروج" (الصادر سنة 2000 بالفرنسية وتُرجم في أكثر من 40 بلدا إلاّ مصر المعنيّة به أوّلا.)، أنّه إبراهيم التوراتي. يثرب أسّسها الفراعنة، في الألف الثانية قبل الميلاد، لحراسة طريق استيراد الأحجار الكريمة من ظُفار. فلماذا لا يكون إبراهيم المصري هو الذي وضع أسُس الكعبة أيضا؟ يفترض، مؤلِّفا الكتاب أيضا أن يوسف التوراتي هو رئيس الكهنة الأب "آي"،الذي قاد الإنقلاب على التوحيد ونبيه اخناتون للعودة إلى وثنية آمون، ـ وآمين التوراتية والقرآنية مشتقة من آمون كما يعلمنا تاريخ الأديان المقارن ـ ؛ و الذي سيصبح فيما بعد فرعون، وأن موسى التوراتي هو رمسيس الثالث،الذي اصطحب، آلافاً من كهنة اخناتون الموحدين، إلى حدود فلسطين، التي كانت آنذاك محمية مصرية،لأن الكهنة في مصر لا يُقتلون فكان لابد من ابعادهم إلى فلسطين.ربما كانت هذه هي القصة التاريخية لـ"الخروج" التخييلي التوراتي!،عموما للأساطير خلفية تاريخية. ترجمة هذا الكتاب، ووضعه على الأنترنت،كفيل بإيثارة نقاش علمي خصب، كم نحن في أشد الحاجة اليه،للخروج من النقاشات الزائفة وسجن المسكوت عنه الديني، الذي هو بمساحة خارطة أرض الإسلام.
أُلحّ إلحاحا خاصّا على ضرورة تدريس تاريخ الأديان المقارن، ابتداء من الإعدادي إلى العالي، طبعًا بمناهج يُعدّها الأخصّائيون فيه، تكون ملائمة لكل مرحلة من مراحل التعليم. تاريخ الأديان المقارن قائم على مسلّمة قائلة: لا يمكن فهم عقائدَ وشعائر ورموز وأساطير الأديان الحيّة، مثل اليهودية والمسيحية والإسلام ،إلاّ بمقارنتها بعقائد وشعائر ورموز وأساطير الأديان الميّتة التي تطوّرت منها، وخاصة الديانتين البابليّة والمصرية. تاريخ الأديان المقارن، بتنزيله الظاهرة الدينية في التاريخ، يجعلها قابلة للفهم تاريخيّا وعلميّا، أي بلا أسرار ولا ألغاز يقف أمامها العقل البشري عاجزا عن السؤال والفهم. لا شيء كتاريخ الأديان المقارن وعلوم الاديان لتحرير المؤمنين من الرق النفسي لتراث الأسلاف، الذي جعل من كثير من فقهائنا موميات تراثية متحركة.
تقريباً،كل أمة لها أصول خرافية،جديرة بالإحترام بما هي أساطير ورموز مؤسسة لا ُتقرأ قراءة حرفية. أما القبائل البدائية فهي الوحيدة التي تقرأ أساطيرها المؤسسة حرفياً.وهكذا تصبح ملكاً لتراثها،بدلاً من أن يكون تراثها ملكاً لها:تدرسه،تحلله وتنقده لتجعل علاقتها به شفافة.في المقابل،الأمم الحية تجعل دائماً مسافة بينها وبين أساطيرها المؤسسة؛رومولوس،مؤسس روما وأول ملك أسطوري لها. لكن لا يوجد في روما المعاصرة من يعتبر أسطورته حقيقة تاريخية؛في 1973،سألت بايع الصحف الفرنسية في باليرمو كان اسمه رومولوس:هل سميّك هو مؤسس روما حقاً؟أجاب،لا هو أسطورة؛ في 2007 كنت،مع عبد المجيد الشرفي وهنرييت عبود،وجورج طرابيشي، وصادق جلال العظم، وعزيز العظمة، ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون،،في زيارة لضريح أخ بولس الرسول.سألت المرشدة السياحية،وكانت مسيحية مؤمنة،هل هذا فعلاً ضريحه؟قالت لا،شهداء المسيحية كانوا يُدفنون في مقابر جماعية او يتركون للوحوش.
قطاع واسع من المؤمنين اليهود والمسيحيين لا يصدق المعجزات، التي نسبتها رغبات وتخييلات المؤمنين القدامى لأنبياء ديانتيهما؛بل ولا يصدقون المعجزة بما هي انتهاك لقوانين الطبيعة الصارمة. نبي الإسلام لم تكن له،باعترافه هو نفسه في القرآن،معجزة واحدة سوى القرآن،ومع ذلك نسب له خيال كتاب السيرة والمحدثين معجزات انبياء إسرائيل.وغالبية المؤمنين تصدق ذلك إلى اليوم. لماذا؟أسأل عن الجهل والتعليم والإعلام الدينيين التجهيليين!.
هل بإمكان العقل أن يفكك كل الألغاز الدينية بعلوم الأديان؟
 لماذا لا ؟ وربما لا . وفي الحالين يجب إعطاؤه الحق في السؤال، السؤال محرّم في الإسلام التقليدي. استطاعت علوم الأديان، حتى الآن، تفكيك معظم رموز وأساطير العهد القديم. ومازالت الإكتشافات الأركيولوجية تقدم لها باستمرار المزيد، كما انجزت ذلك الأركيولوجيا في إسرائيل وفلسطين وسيناء خلال الأربعين عاما الماضية.
تمكين العقل البشري من فهم الظاهرة الدينية تاريخياً يجعلها نسبيّة. لأن كل ما هو تاريخي نسبي، يتطوّر ويتكيّف مع متطلّبات الحياة في كل حقبة وكل بلد. اكتشاف أمريكا كان المنطلق الحقيقي للإصلاح الديني في أوروبا. ذلك أن وجود عقائد وشعائر دينية عند سكّانها الأصليين، الذين لم تبلغهم الدعوة لا اليهودية ولا المسيحية، شكّل صدمة صِحيّة للوعي المسيحي، فاكتشف، ما تسمّيه الفينومينولوجيا وحدة الظاهرة الدينية، التي تتجلّى في الإعتقاد في وجود عالم الغيب، عالم متعالٍ ومقدّس ومسكون بالأرواح والآلهة. بالرغم من اختلاف المظاهر التاريخية التي تجلّت فيها هذه الوحدة الجوهريّة للظاهرة الدينية...
عندما يتعلم التلميذ أو الطالب أن الرموز الدينية واحدة، في الأديان الوثنية والتوحيدية؛ وأنّها انتقلت من الديانتين الوثنيّتين ، البابلية والمصرية ، إلى الأديان التوحيدية، فإنه يتعلم التسامح الديني وضرورة حوار الأديان، وينمو فيه الفضول المعرفي وحب البحث ولذة الاكتشاف. الأساطير البابلية انتقلت عن طريق إقامة اليهود في بابل، خلال السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد، بترجمتهم للأساطير البابلية، في سفر التكوين، عن أصل الكون الذي خلقه سبعة آلهة في سبعة أيّام . من هنا أسطورة قداسة الرقم 7 في الديانة البابلية ثم في التوحيدية:سبع سماوات وسبع أرَضين؛ كما أن أسطورة "الزوجين الأوّلين، آدم وحوّاء"، انتقلت إلى سفر التكوين من الأساطير السوميريّة، التي كانت تُسمّي آدم "أَدَبَا" أي الرجل المخلوق من صلصال، وآدم العبرية تعني "أديم الأرض" كما في العربية أيضا... علما بأنّ حزيقال، مترجم هذه الأساطير، تُخبرنا التوراة أنّه كان يأكل برازه، وهذا عَرَض من أعراض الفصام؛ أيضا أسطورة طوفان نوح اقتبسها سفر التكوين من ملحمة جيلغامش التي تقول مثلا : "يا أتو بشتيم (الذي تُرجم إلى نوح) إبني سفينة واحمِل فيها إثنين من كل ذي حياة،" لمواصلة تناسل الأحياء بعد الطوفان؛ وكذلك مدينة لوط، هي أيضاً أسطورة بابلية. بالمثل تبنّت اليهودية كثيرا من أساطير الديانة المصرية ومنها انتقلت إلى المسيحية والإسلام.
وهكذا، يعلم تاريخ الأديان المقارن أجيالنا الطالعة بأن الظاهرة الدينية تطوّرت، بتطور المعارف البشرية، من الإحيائية بما هي أول ديانة وثنية، إلى الأسطورة فإلى الدين.وأن الرغبة في الخلود،باختراع حياة أخرى بعد الموت ،منذ بدأ الإنسان في العصر الحجري وربما أبعد، يدفن موتاه،تحضيراً لهم للعيش في عالم آخر.وهكذا،فالدفاع ضد قلق الموت،طمعاً في الخلود،كان وراء اختراع الخلود،كما يعمنا ذلك علم نفس الأعماق.
بإمكان مدرسة المعقول الديني المنشودة، تنوير الأجيال الطالعة بحقيقة ان هذه الرغبة يمكن أن يلبّيها اليوم العلم تدريجيا، بجعل العلاقة بين الإنسان، وظواهر الطبيعة، والمجتمع، والنفس البشرية أكثر فأكثر شفّافة. أما الرغبة في الخلود، فيمكن تلبيتها عقلانيا بالتقدم الطبي بالقضاء شيئا فشيئا على الألم والمرض والموت المبكر وتأخير الشيخوخة. الإنسان مبرمج جينيّا ليعيش 120 عاما. لكنه نادرا ما يصل إلى هذه السن بسبب عقابه لذاته بنمط حياته السيئ. بإمكان الطب اليوم أن يجعل مَن ولدوا في هذا القرن يعمّرون مائة عام وبصحّة جيّدة. كما أن إشباع غرائز الحياة بالقضاء على الحرمان، الذي فرضته تقاليد ميّتة ومميتة، يُلطّف الرغبة الهاذية في الخلود. بإمكان التحليل النفسي اليوم مساعد الإنسان، الذي يتوهّم نفسه خالدا على قبول فكرة موته بضمير مطمئنّ. وهكذا يمكن التخلص التدريجي من قلق الموت، محرّك الرغبة في الخلود .ويمكن إذن تقليص مساحة الهذيان الديني. عندئذ لن يرى المؤمن في موته اغتيالا، كما كان يعتقد لوفيناس، بل نهاية ضرورية لترك المكان لمن ولدوا بعده، لتواصل ملحمة الحياة مسارها. شخصيا فكرة خلودي لا تفرحني بل تثير قشعريرتي. في وضع بائس، أو في أرذل العمر عندما تفقد الحياة معناها، يكون الموت أو الإنتحار خلاصا.
سأقدم هنا عينات عن الأهمية الإستثنائية لتدريس تاريخ الأديان المقارن،الذي يجعل الظاهرة الدينية شفافة،عبر تفكيكها و الإضاءات، التي يلقيها على تطور الدين،ورموزه،وشعائره،وعقائده عبر صيرورته التاريخية منذ العصر الحجري الحديث.اليكم هذه الأمثلة من كتاب مرسيا إياد:"تاريخ المعتقدات والأفكار الدينية"،[علمت الآن وأنا أملي هذه الصفحة أن هذا الكتاب الضروري مترجم إلى العربية، وفضلاً عن ذلك، منشور على الشبكة العنكبوتية وكنت قد شجعت على ترجمته، فشكراً لمترجمه عبد الهادي عباس وناشره على الشبكة]:"الاعتقاد السحري،الذي مازال شائعاً في أرض الإسلام، القائل بأن الله غضب على اليهود فمسخهم قروداً وخنازير:"وجعل منهم القردة والخنازير"(المائدة 60)، هو خرافة منحدرة من"عصر الصيادين البدائيين، الذين كانوا يعتقدون بأن الإنسان يمكن أن يتحول إلى حيوان والعكس صحيح"المصدر المذكور صفحة 18 بالفرنسية"؛المسلمون يدفنون الميت جاعلين رأسه متجهاً إلى الشرق،كما كان يفعل البدائيون منذ ليل التاريخ:"من أجل ربط الميت بمجرى الشمس أملاً في ولادة ثانية بعد الموت أي في البعث."(صفحة 22)؛القبائل البدائية في أمريكا تكفن موتاها في"أكفان بيض"(نفس الصفحة)،رمز الطهارة كما يفعل المسلمون اليوم؛منذ أكثر من 20 ألف عام، قدس البدائي المكان:"الرسوم توجد بعيداً بما فيه الكفاية عن مدخل الغار.استنتج الباحثون من ذلك أن الغار نوع من الأماكن المقدسة(...). في العصر الحجري الحديث، عرف الشرق الأوسط الأماكن المقدسة"؛الفصل بين الجنسين،الذي جعل منه أقصى اليمين الإسلامي قضية شرعية غير قابلة للتفاوض،هو تقليد همجي يعود إلى العصر الحجري. فقد عثرت الحفريات:"على قرية في مالطة واستراليا كانت ديارها مقسمة إلى نصفين، الأيمن للرجال به أدوات خاصة بهم ،والأيسر مخصص للنساء به تماثيل صغيرة لهن"(صفحة 31)،منذ أكثر من 4 ألاف عام اعتبر البابليون أن قصور ملوكهم مشيدة في مركز الأرض.وكذلك كان البدائيون يعتبرون: "مركز العالم هو المكان المخصص للشعائر والصلوات"(صفحة 54).المغزى:ليست مكة وحدها هي المبنية،تخييلاً طبعاً،في مركز الأرض، وفي رواية في مركز الكون؛أسطورة السلف الصالح والجنة راجت منذ العصر الحجري المتوسط:"فكرة السلف الأسطوري وعبادة الأسلاف سيطرت منذ العصر الحجري المتوسط الأوربي. فمن المرجح أن هذا الاعتقاد الديني تفسره ذكرى الحقبة الجليدية عندما كان الأسلاف الأباعد يعيشون في:"جنة الصيادين"(صفحة 43).
سأقدم أيضا مثلاً آخر عن خصوبة دراسة وتدريس الدين بتاريخ الأديان المقارن:كشف الأستاذ بالكوليج دي فرنس،توماس رومير، في كتابيه:"موسى الذي عرفه يهوا وجهاً لوجه"و"موسى ذو القرنين"،بأن موسى،مؤسس اليهودية،الذي جاء ذكره في القرآن 106 مرة،شخصية رمزية.كتب رومير:"قصة ميلاد موسى تشبه عن قرب قصة ميلاد الملك الأسطوري الآشوري،سارجون.الإثنان لا يعرفان أبيهما؛أمهاتهما أخفتهما أول الأمر ثم ألقتهما في نهر.الإثنان وضعا في صندوق طُلي بالقار.كلاهما عثر عليهما وتبناهما فاعلا خير.هذا التبني شرعن ملكية سارجون وأدخل موسى إلى بلاط فرعون(...) قصة سارجون كتبت على أكثر تقدير في القرن 8 ق.م.تاريخ موسى الأول لا يمكن إذن أن يكون متقدماً عن هذه الحقبة.كتبة مملكة يهودا بنوا صورة موسى على صورة المؤسس الأسطوري للأسرة الآشورية.للمطالبة بتفوق الإله الذي يخدمه موسى.في ختام القصة نجح يهواه وموسى في قهر مصر،وهو ما لم ينجح فيه الآشوريون رغم المحاولات المتكررة(...)".
كما استلهم الأحبار أسطورة جيلغامش في سفر التكوين، واستلهموا المعاهدات التي عقدوها مع الآشوريين في سفر التثنية، معوضين شرط انتقام الملك الآشوري منهم، إذا أخلّوا بشرط الطاعة له، بانتقام يهواه منهم إذا أخلوا باحترام وصاياه في سفر التثنية،استلهموا أيضاً أسطورة سارجون لينسبوها لموسى بما هو أسطورتهم المؤسسة؛كما يؤكد ذلك أستاذ الأديان المقارنة في الكوليج دو فرانس،توما رومير،في كتابيه:"موسى ذو القرنين"،و"موسى الذي تعرّف عليه الله وجهاً لوجه".[دار جاليمار،باريس 2002].
حقائق تاريخ الأديان هذه، تساعد التلاميذ والطلبة على فهم تكوّن الظاهرة الدينية تاريخيّا . وبذلك تقطع الطريق على اليقين الديني الأعمى، الذي هو الأب الشرعي للنرجسية الدينية والعنف الديني. وهذا يساعد على التّديّن المعتدل والإيمان المستنير، الذي هو جسر لحوار الأديان والثقافات. قلّما لا يعترف من درس تاريخ الأديان المقارن بجميع الأديان على قدم المساواة، لأنّ بُنيتها واحدة وأصلها واحد. فقد تطورت عن بعضها بعضا عن طريق التلاقح الثقافي.القاعدة الذهبية للسلام مع النفس هي:اعرف نفسك واعترف بها،كما يوصينا بذلك علم نفس الأعماق؛والقاعدة الذهبية للسلام مع الآخر هي:اعرفه واعترف به كما هو،كما يوصينا بذلك تاريخ الأديان المقارن،التي يتوقف عليها السلام العالمي. ولا شيء كتاريخ الأديان المقارن لتحقيق هذه المهمة.
السوسيولوجيا الدينية تعلّم الأجيال الجديدة أن الدين ظاهرة اجتماعية، وككل ظاهرة اجتماعية، هو موضوع للبحث والتحليل؛ العلميين. وأن التطور الإجتماعي هو الذي يفرض على الدين التكيّف معه وليس العكس. أي أن المستجدّات التاريخية تعدّل أو تنسخ أحكام النصوص الدينية. وعندما يرفض الفاعلون الإجتماعيون تكييفه مع المستجدّات التاريخية، فإنهم بذلك يُحوّلون الدين إلى جمود ديني،يعيق التطور التاريخي للجماعة المؤمنة. وهذا ما حدث للإسلام منذ أكثر من 9 قرون. كما تُعلّم المؤمن أن يلعب دوْرين، دور المؤمن ودور الباحث. من حقه كمؤمن عندما يصلّي أن يتماهى مع النص، وعليه كباحث أن لا يتماهى مع النص بل أن يقف منه موقف الحياد العلمي، حتى يجعل البحث الموضوعي فيه ممكنا. وهو ما نجده مثلا عند الفيلسوف الفرنسي المؤمن بول ريكور، أو عند الفلكيين الفيزيائيين المؤمنين،الذين يعترفون بأن إيمانهم لا تدعمه حقائق العلم،بل هو مجرد قناعة ذاتية ورهان. سألت بيولوجيست فرنسي مرّة، كيف وفَّقتَ بين علمك وإيمانك؟ أجاب : عندما أدخل الكنيسة، أترك علمي في غرفة الملابس، وعندما أدخل المختبر، أترك إيماني في غرفة الملابس. وهذا هو نموذج المسلم المؤمن الذي يمكن أن تنتجه دراسة الإسلام بعلوم الأديان. في اليهودية والمسيحية، يوجد تمييز بين دين الإيمان، كمجال خاص لممارسة الشعائر ، وبين دين التاريخ ،كمجال عام للسؤال والبحث العلمي. يمكن بالإصلاح الديني أن نصل إلى هذا التمييز في الإسلام أيضا. وهي محطة ضرورية لعقلنة الإسلام، وتبعا لذلك لإشاعة العقلانية في المجتمعات الإسلامية الغارقة في الهذيان، حتى بات بإمكاننا التأكيد بأننا أمة تهذي.النواة المركزية للهذيان الديني الفُصامي هو هذيان نهاية العالم. في استطلاع لمسلمي افريقيا جنوب الصحراء قال 52%من المسلمين المستطلعين أن الخلافة ستقام بعد فترة قصيرة وخلال حياتهم!:كان القديس بولس،يعتقد أن المسيح سيعود في حياته،وكان نبي الإسلام، يعتقد بأن الساعة ستقوم في حياته ولذلك لم يوصي[للتذكير،لم أجزم بلم لأن الأبجدية العربية فقيرة في الصوتيات والجزم بلم يزيدها فقراً على فقر]بمن يخلفه!لقد جاء،كأسلافه أنبياء إسرائيل،:"لينذر عشيرته الأقربين"باقتراب نهاية العالم: "اقتربت الساعة "،[1،القمر]،:"وما يدريك لعل الساعة تكون قريبة"[63،الأحزاب]"،ويحذر نبي الإسلام مشركي قريش من أن:"الساعة ستأتيهم بغتة"[55،الحج].
التحذير من"نهاية العالم"هو النواة المركزية لهذيان "نهاية العالم"الديني الُفصامي،كما يؤكد الطب النفسي؛وهذيان نهاية العالم ملازم لجميع الأنبياء القدماء والمعاصرين،مثل أنبياء ساحل العاج في السنوات 1960.

 ما سبب هذا الهذيان اليوم؟
 ربما كان السبب الأول هو صدمة الحداثة، التي عجزت الشخصية النفسية الجمعية الإسلامية عن امتصاصها.الصدمة العنيفة تجعل المصدوم ينقلب من العُصاب إلى الذّهان. المحلل النفساني فتحي بن سلامة، يرد هذا الهذيان الجماعي إلى ما اسماه د.عبد الصبور شاهين"التناقض بين القرآن والعلم". هذا الهذيان مرشح للتفاقم. في هذا الشهر استطاع باحث أمريكي صنع الحياة مخبريا. أي صنع بكتيريا حية حاملة لآلاف الجينات، تتوالد وحدها انطلاقا من مواد كيميائية. صانعها الوحيد هو الكمبيوتر. وهكذا غدا صنع كائنات حية نباتية وحيوانية مطروحا على جدول الاعمال... إذا كان الاستنساخ قد أدخل فقهاءنا وجمهورهم في البارانويا الجماعية، فكيف سيفعل بهم صنع الحياة مخبريا؟.
من هنا،ضرورة الفصل بين الدين والعلم.الحقيقة الدينية ذاتية،لا تفرض نفسها إلا على المؤمن بها، لذلك فهي خاصة به.أما الحقيقة العلمية،فهي موضوعية تفرض نفسها على كل ذي عقل سليم، وتسندها المعطيات الموضوعية وتشهد على صحتها التجربة العلمية.

 ما العمل ؟
 تحليل نفسي جماعي يتكفل به اصلاح ديني شجاع: يفصل بين القرآن والعلم. وهذا ما اقترحه الشيخ، متولي الشعراوي، في كتابه "معجزة القرآن" قائلا :"ان الذين يقولون أن القرآن لم يأتي ككتاب علم صادقون.ذلك أنه كتاب أتى ليعلمني الأحكام ولم يأتي ليعلمني الجغرافيا أو الكيمياء أو الطبيعة". هذه الكلمات جديرة بأن تكتب بماء الذهب، ويدرسها أبناؤنا منذ الابتدائي.
السوسيولوجيا الدينية، تعلّم التلامذة والطلبة كيف يحلّلون التعاليم والنصوص الدينية في علاقتها بسلوك المتديّنين، ومدى تأثيرها فيهم إيجابا أو سلبا، وما هي الحاجات الفعلية أو التخييلية التي تلبيها لهم، وكيفية توظّيف الفاعلين الإجتماعيين للدين، ولأيّة أهداف وفي أي مكان وزمان. مثل هذا الفهم،للنصوص في سياقاتها التاريخية،يساعد على تطوير السلوك الديني وتوجيهه للمجال الخاص ، أي العائلة والجمعية والمسجد، ليبقى المجال العام مفتوحا لممارسة القيم المشتركة بين المواطنين جميعا على اختلاف طوائفهم وأديانهم. القيم المشتركة هي قيم حقوق الإنسان الكونية، التي أنتجها العقل البشري للعقل البشري؛
وتعلمهم أنّ النص الديني لا ينطق بنفسه، بل ينطق به الفاعلون الاجتماعيون، مدفوعين بمصالحهم المادّية والسياسية أو أيضاً بهذياناتهم،فبين الدين والهذيان علاقة وثيقة،كما رأينا في هذيان نهاية العالم عند الأنبياء.وهكذا نجد الآية الواحدة، أو الحديث الواحد، فسّرتهما كل فرقة بما يتناسب مع معتقداتها السياسية أو الدينية؛كما تعلّمهم أن الدين،أي المتدينين، محافظ يرفض التجديد.وهذا ما جعله في صراع دائم مع التجديد الديني، والفكري، والعلمي، والأدبي والفنّي، حسبنا تَذكُّر حديث "كل جديد بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"؛ كما تعلمهم أن العلمانية هي المخرج الوحيد الممكن من هذا المأزق:بجعل الدين لله والوطن للجميع كما قال سعد زغلول،حتى لا يسقطوا في حروب طائفية ودينية مدمرة.
الأنثروبولوجيا الدينية تعلم تلامذتنا وطلبتنا أن النصوص الدينية هي بنت المناخ الثقافي الذي ظهرت فيه.فهي إذن نسبية، وتتغيّر بتغير أسلوب حياة الناس وعقلياتهم، فتغدو متقادمة أي تجاوزها الزمن. وهكذا تصبح النصوص،خاصة المتعلقة بالمعاملات والشريعة والعلم والتاريخ...إلخ، موضوعاً للدراسة العلمية ليس إلا. وهذا ينطبق على الفقه الإسلامي،الذي غدت أحواله الشخصية وعقوباته الشرعية فضيحة، بل وجريمة في عصر ثقافة حقوق الإنسان، التي صانت كرامة الإنسان، وفرضت حُرمة جسده، واعترفت له بقائمة من الحقوق غير المسبوقة في تاريخ البشرية، كحرية الإعتقاد أي تغيير الدين، وحرية الضمير أي عدم الأخذ بأي دين، وحرية التعبير والتفكير بعيدا عن كل رقابة دينية أو دنيوية. مثلا كيف تُطبّق إيران أو السعودية أو السودان عقوبة الرجم، والحال أن البلدان المتحضّرة نسخت حتى عقوبة السجن في الزنا بما فيها حكومة تركيا الإسلامية؟.
أليست فضيحة، وجريمة في وقت واحد، رفض المحكمة الشرعية العليا في السعودية، سنة 2008 فسخ زواج كهل (58 عاما) مع طفلة في الثامنة، بحجّة أن النبيّ تزوّج عائشة في التاسعة؟ وأمّ الفضائح والجرائم، في حق حقوق الإنسان، هي بقاء السعودية وباقي الدول العربية ، باستثناء تونس والمغرب ، حتى الآن من دون قانون أحوال شخصيّة حديث يمنع زواج – اغتصاب الأطفال، وتعدّد الزوجات، والطلاق الإنفرادي، والتفاوت في الشهادة والإرث؛كما يمنع الإرث بالتعصيب محاكاة لتونس ، الرائدة في رفع المظالم عن المرأة.

 كيف ألغى الحبيب بورقيبة الإرث بالتعصيب؟
 كان ذلك، إن صدقتني الذاكرة سنة 1967 ،عندما توفي أب تاركا كوارث إبنة واحدة. بحثت المحكمة أسابيع عن قريب لإعطائه نصف التركة . وأخيرا عثرت عن قريب بعيد له ،لم يلتقي به قط ولم يسمع حتى بموته ، فأعطته نصف التركة. أعلم وزير العدل بورقيبة بالواقعة، فأصدر قانونا يلغي الإرث بالتعصيب،جاعلاً البنت ترث كل التركة. إذا كان الإسلام اليوم معزولا، وفي صدام مع العالم، ومع قطاع متزايد باستمرار من المسلمين أنفسهم، فذلك لأنه مازال لم يكيف نفسه باغجيورنامانتو مع حقائق العالم الذي يعيش فيه.
المظالم الشرعية التي سلّطها الفقهاء، المعادون للمرأة، على المرأة منذ قرون، لم يعد لها اليوم أي مبرر أنثروبولوجي في العالم الذي نعيش فيه: عالم ثقافة حقوق الإنسان التي اكتسبت في الوعي الجمعي للبشرية، وفي وعي قطاع متزايد من المسلمين، شرعية وقداسة الدين.
أمراض الإسلام اليوم كثيرة،منها عداء المرأة،وغير المسلم،والفن، والبحث العلمي. مثلاً التعصب الوهابي في السعودية دمر معظم الآثار الإسلامية،ومازال يحظر التنقيب الأركيولوجي في مكة والمدينة المحظورتين، على الباحثين الأجانب، لغايات علمية يتطلبها كشف الآثار الباقية من تاريخ ما قبل الإسلام وما بعد الإسلام،ومازال هذا التعصب عائقاً أمام وضع حد لتدمير الآثار الإسلامية منذ 1933، وآخرها مطالبة شيوخ الوهابية، في 2005 ،بتحويل بيت خديجة إلى مرحاض عمومي... فهذه الآثار جزء من ذاكرة البشرية وتقدم للعلم والتاريخ خدمات ثمينة. اهمالها وبالأحرى اتلافها جريمة في حق هذه الذاكرة، وفي حق العلم وفي حق تاريخ الإسلام الذي، مازال التنقيب الأثري لم يقدم اليه اسهامه الضروري لغربلة الروايات الشفوية، التي تختلط فيها الحقيقة بنصف الحقيقة وبعكس الحقيقة متحدية الباحثين بأن يميزوا بينها.



#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبرّرات إصلاح الإسلام - إصلاح الإسلام : 1- دراسته وتدريسه بع ...
- اليمن اليوم هو العالم العربي غدا
- لماذا إصلاح الإسلام؟
- علي عبد الله صالح : الفدرالية هي صدرية نجاة اليمن
- إيران 30 عاما من الثورة: 30% من الملحدين!
- خطاب الرئيس أوباما: أعدكم بالسلام
- العلمانية ضمانة المواطنة الكاملة
- مسألة الأقليات في أرض الإسلام: العلمانية ضمانة المواطنة الكا ...
- نظرة وداع على أحداث عام 2006‏‏‏
- هل ستنقلب حماس على نفسها؟
- نداء إلى أغنيائنا
- الحكم بالرجم حتى الموت
- كيف نصالح الإسلام مع العالم؟
- الحداثة التونسية في عيدها الخمسين
- هل ستعدم الجزائر الإعدام؟
- على هامش رسالتي إلى أوردغان: الحل العادل للمسألة الكردية؟
- فدا يسوع البشرية و فدا الحريري لبنان
- رسالة مفتوحة إلى أوردغان: كن وسيط السلام الفلسطيني الإسرائيل ...
- تضامنا مع سعيد الكحل
- عمرو موسى يستأسد على العراق


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - 2 – إعادة تعريف الإسلام بعلوم الأديان