أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - دروس من ثورة تموز















المزيد.....



دروس من ثورة تموز


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 929 - 2004 / 8 / 18 - 13:33
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


دروس من ثورة تموز
في مقالي الاخير "وأد ثورة تموز" وعدت قرائي الاعزاء ان احاول كتابة شيء عن الاستفادة من بحث ثورة تموز في تحليل وضع العراق الحالي وها أنا احاول ان ابر بوعدي.
ان وأد الثورة لا يعني ان الثورة لم تتحقق ولا ان الثورة لم تكن تلك الثورة المجيدة التي ايدها الشعب العراقي منذ دقيقة سماعه البيان الاول للثورة. فالثورة كانت ثورة حقيقية ناجحة فاقت في نتائجها كلما كانت الاحزاب السياسية بما فيها الحزب الشيوعي العراقي تحلم به. وهب الشعب العراقي كله لتأييدها لا نتيجة لنداء حزب معين ولا بتوجيه من قوة سياسية معينة، بل هب لانه شعر بعظم هذه الثورة التي تأمل ان تنقذه من حياة العذاب التي عاشها تحت حكم الحكومات الموالية للاستعمار التي حكمت العراق منذ تأسيس دولته. ولم يكن الشيوعيون اعضاء وحتى القيادات اقل من ابناء الشعب العراقي تفاجأ وانبهارا بالثورة ولم يكن خروجهم الى الشارع يختلف عن خروج كل الشعب العراقي تأييدا للثورة.
والثورة حققت للبرجوازية العراقية كل ما كانت تصبو اليه ويهمها تحقيقه في ثورتها. فهي حققت اولا وقبل كل شيء تحول السلطة من ايدي الطبقة الاقطاعية الكومبرادورية الموالية للاستعمار البريطاني الى سلطة برجوازية. واكثر من ذلك حققت لها سلطة برجوازية مطلقة بدون مشاركة من اية طبقة اخرى في البلاد. قضت الثورة على الحكم الملكي واقامت حكما جمهوريا بدلا منه. قضت الثورة على الاتحاد الهاشمي وحلف بغداد ومعاهدة ١٩٣٠ وامرت بجلاء الجيوش الاجنبية التي كانت تحتل الحبانية من البلاد. فالثورة حققت للبرجوازية كلما كانت تصبو اليه.
وبالطبع ان البرجوازية العراقية وهي اوعى لمصالحها من الطبقة العاملة والفلاحين تقاعست عن تحقيق المهمات التقليدية للثورة البرجوازية التي من شأنها ان تخدم العمال والفلاحين كالقضاء الجذري على الاقطاع مثلا.
ولكن الشعب العراقي لم يتألف من البرجوازية وحدها بل كانت هناك طبقة عاملة ومراتب الفلاحين وسائر الكادحين لهم مصلحة في قيام الثورة البرجوازية وتحقيقها ونجاحها. بل ان مصلحة هذه الطبقة وهذه المراتب اكثر اهمية من مصلحة البرجوازية ذاتها في نجاح الثورة البرجوازية. والثورة حققت لهذه الطبقة وهذه المراتب اهدافها الاولية. فالثورة حققت لهم الانتقال من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكية وهذا اهم ما يمكن تحقيقه بالنسبة للطبقة العاملة وحلفائها الفلاحين وسائر الكادحين. فقد تحول نظام الحكم في العراق من نظام حكم شبه اقطاعي الى نظام حكم برجوازي. هذا هو السر في هبة الشعب العراقي كله تأييدا للثورة. فقد شعر الشعب العراقي بأن الثورة حققت له هذا الانجاز العظيم. وكان على الطبقة العاملة والفلاحين وسائر الكادحين ان يستغلوا هذا الانجاز العظيم للسير بالثورة الى امام والتقدم خطوة فخطوة الى تحقيق ما يمكن للثورة البرجوازية ان تحققه للعمال والفلاحين ايضا كما حققته للبرجوازية. ولكن الشعوب لا تستطيع تحقيق ذلك بدون قيادة واعية حكيمة توجهها في النضال من اجل تحقيق ما يمكن تحقيقه لها ضمن الحكم البرجوازي الجديد. وهنا يأتي مفهوم وأد الثورة. فوأد الثورة هو موقف سياسي من الثورة، موقف عاجز عن ادراك اهمية الثورة، موقف اعمته المنجزات البرجوازية للثورة عن رؤية ما يمكن ان تنجزه الثورة للعمال والفلاحين. فالقيادة التي كان من المفروض ان تدرك مصالح العمال والفلاحين في الثورة البرجوازية وتوجيه النضال من اجل تحقيقها لم تدرك عظمة هذه الثورة ولا ما حققته بالنسبة للعمال والفلاحين. ان وأد الثورة لم يعن الاستهانة بعظمة هذه الثورة. وبقي الشعب العراقي طوال ستة واربعين عاما بدون قيادة تدرك حقيقة ما انجزته الثورة بالنسبة للعمال والفلاحين. والشعب العراقي ما زال محروما من مثل هذه القيادة حتى اليوم وهو بأشد الحاجة اليوم الى قيادة تدرك حقيقة ثورة تموز وتقود العمال والفلاحين في سبيل الاستفادة مما حققته ثورة تموز والسير قدما في تحقيق ما كان يجب تحقيقه منذ ثورة تموز. ولكن وضع العراق اليوم يختلف اختلافا جوهريا عن وضعه بعد ثورة تموز وحتى بعد الانقلابات العسكرية التي جاءت بأكثر انظمة الحكم رجعية في تاريخ العراق، حكم صدام حسين. ان الشعب العراقي يعاني اليوم استعمارا مباشرا اشد شراسة ألف مرة من شراسة الاستعمار البريطاني الذي احتل العراق في الحرب العالمية الاولى.
واول سؤال يتبادر الى الذهن في وضع العراق اليوم هو هل عاد وضع العراق الى ما قبل ثورة تموز، الى نظام حكم شبه اقطاعي او اقطاعي في ظل الاستعمار الاميركي البريطاني الجديد؟ الجواب هو كلا والف كلا. فالشعب العراقي تحول في ثورة تموز الى نظام برجوازي بدون رجعة. والتاريخ لم يعرف دولة تحققت ونجحت فيها الثورة البرجوازية فعادت بعد ذلك الى الاقطاع مرة ثانية. فحتى الثورة البريطانية، ثورة كرومويل، التي تساومت فيها البرجوازية البريطانية مع الاقطاع لم تعد الى الحكم الاقطاعي بل اصبحت دولة برجوازية متساومة مع الاقطاع، ولم تعد المرحلة السياسية التي تجابه الشعب البريطاني الى تحقيق الثورة البرجوازية بل بقيت المرحلة هي مرحلة الثورة الاشتراكية رغم كل التقلبات والتغيرات التي جابهت الشعب البريطاني منذ ثورة كرومويل الى يومنا هذا. فحيثما تحققت الثورة البرجوازية ارتفعت مرحلة الثورة من ثورة برجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكية. وهذا يصح على العراق اليوم .
اهم ما يميز الثورة البرجوازية، ثورة تموز في العراق، هو ان الطبقة البرجوازية اصبحت طبقة حاكمة بصرف النظر عن معادانها للاستعمار العالمي او موالاتها له. فالطبقة البرجوازية الحاكمة اصبحت القوة التي يجابهها الشعب العراقي في نضاله من اجل تحرره من الاستغلال ونضاله ضد الاستعمار. وكان على الشعب العراقي في هذا النضال ان يجابه الشرطة العراقية والسجون العراقية والمحاكم العراقية وجميع اجهزة القمع العراقية بدون ان يتصادم مباشرة مع القوى الاستعمارية حتى في ظل حكومة صدام التي جاءت بها الامبريالية الاميركية.
ومن اهم نتائج ثورة تموز هو ان مفهوم البرجوازية الوطنية لم يعد له معنى في العراق. فليست بعد ثورة تموز طبقة يمكن تسميتها برجوازية وطنية. فالبرجوازية بكامل مراتبها اصبحت عدو الثورة الرئيسي واصبح واجب الثورة الاطاحة بالبرجوازية العراقية بكامل مراتبها. وبينما كانت هناك طبقة برجوازية قبل ثورة تموز لها مصلحة في تحقيق الثورة لم تعد في العراق بعد ثورة تموز اية فئة برجوازية لها مصلحة في قيام الثورة القادمة. لذلك لم يعد بعد ثورة تموز اي معنى لعقد جبهة مع اية فئة من فئات البرجوازية من اجل تحقيق ثورة هدفها الاطاحة بالنظام البرجوازي. وهذا ما لم يدركه اي حزب سياسي عراقي حتى اليوم. وجهل هذه الحقيقة ادى الى مفهوم عقد الجبهات سواء مع البرجوازية "الوطنية" في عهد عبد الكريم قاسم، ام مع البرجوازية الحاكمة في عهد صدام حسين، ام مع كافة الاحزاب التي تسمى احزاب المعارضة في عهد شعار الجبهة العريضة. ويصح هذا على وضع العراق المستعمر اليوم بالضبط كما كان يصح منذ ثورة تموز حتى الغزو الاميركي البريطاني للعراق وتحويله الى مستعمرة مباشرة. وفي ظل العراق المستعمر اليوم ايضا لا معنى لمفهوم البرجوازية الوطنية. فالبرجوازية العراقية اليوم هي الطبقة الموالية للاستعمار الاميركي البريطاني كما نشاهده كل يوم. والبرجوازية العراقية لذلك هي اليوم عدو اساسي للشعب العراقي لانها بحكم كون العراق دولة برجوازية اصبحت هي العميلة الكبرى للاستعمار الاميركي البريطاني.
هل يوجد برجوازيون اليوم في العراق يعادون الاستعمار ويحالفون الشعب العراقي في نضاله من اجل التحرر منه؟ لا شك ان بعض البرجوازيين الذين لهم ضمائر ولهم شعور معاد للاستعمار الاميركي البريطاني الذي يحكم العراق اليوم يحالفون الشعب العراقي في نضاله ضد الاستعمار من اجل التحرر. ولكن نضال البرجوازي ضد الاستعمار وضد الطبقة الحاكمة الموالية له قبل ثورة تموز يختلف عنه بعد ثورة تموز. فالبرجوازي قبل ثورة تموز كان يناضل بصفته برجوازي، بصفته جزء من الطبقة البرجوازية الوطنية، يناضل لمصلحة الطبقة البرجوازية ومن اجل تحقيق الثورة البرجوازية. اما البرجوازي الذي ينضم الى الشعب العراقي اليوم، بعد ثورة تموز، في مقاومة الاستعمار وعملائه فانه لا يناضل بصفته برجوازي ولا كجزء من طبقة برجوازية ولا لمصلحة البرجوازية ولا من اجل تحقيق الثورة البرجوازية. انه حين يشارك الشعب العراقي في نضاله ضد الاستعمار واعوانه يتخلى عن مصلحته كبرجوازي، يتخلى عن كونه جزء من الطبقة البرجوازية، يتخلى عن مصالح الطبقة البرجوازية وينضم الى النضال ضد الاستعمار وضد الطبقة البرجوازية الحامية والموالية للاستعمار. مثل هذا البرجوازي فخر للشعب العراقي. ويصدق هذا على المراتب العليا من البتي برجوازية التي تميل بحكم عملها وطريقة عيشها الى ان تكون اداة بيد البرجوازية. فمن ينضم الى الشعب في نضاله المشرف ضد الاستعمار واعوانه البرجوازيين يتخلى في الواقع عن مصلحته الانية المباشرة ليتبنى مصلحته البعيدة المدى، مصلحته مع مصير الشعب العراقي.
العراق اليوم يمر في السنة الثانية من سني احتلاله وتدميره واستعباده من قبل الجيوش الاميركية الغازية ومرتزقتها من جيوش الدول الاخرى ومن مرتزقتها المحليين. لقد احتلت هذه الجيوش العراق بحرب ظالمة دمرت فيها كل ما استطاعت تدميره من مؤسسات وعمارات الدولة القديمة بحجة تحرير العراق من حكم صدام. لقد جاءت هذه الجيوش لكي تحتل العراق الى الابد، لكي تستغل ثرواته وتستغل شعبه وتخلق المشاريع التي تدر ارباحا خيالية للشركات الامبريالية الاميركية عن طريق ما تسميه باعادة اعمار ما قام الجيش الاميركي بتخريبه عن سبق اصرار وترصد. وفي حالة توفير هذه الارباح الخيالية للشركات الاميركية ليس من المهم من يدفع الاثمان، اهو الشعب العراقي ام هو الشعب الاميركي. فالادارة الاميركية الامبريالية ليست احرص على الشعب الاميركي منها على الشعب العراقي او شعوب المستعمرات الاخرى. فهي ضد شعبها وضد شعوب العالم اجمع ولا يهمها سوى ضمان الارباح الطائلة لشركاتها الامبريالية.
يبدو ان هذه الجيوش الامبريالية كالحرباء تتلون بلون البيئة التي تعيش فيها. في البداية كانت هذه الجيوش جيش تحرير الى درجة ان مرتزقتها العراقيين اعتبروا يوم احتلالها لبغداد عيدا وطنيا يجب الاحتفال به كل سنة. ولكن الشعب العراقي لم يستجب لهؤلاء المرتزقة ولم يعامل القوات المحتلة سوى كقوات محتلة يجب التخلص منها. فغيرت هذه الجيوش سحنتها او غيرها مرتزقتها العراقيون الى قوات التحالف، ولكن الشعب العراقي لم يستجب لهذه التسمية ايضا ولم يعتبرها سوى قوات استعمار واستعباد يجب التخلص منها. واستمرت تسميتها بقوات التحالف طالما استمر وجود مجلس بريمر باسم مجلس الحكم واضطرار القوات الاميركية تحت ضغط المقاومة ان تجد وسيلة اكثر ملاءمة تتخذ فيها المرتزقة العراقية شكلا جديدا فعينت حكومة جديدة واستخدمت الاخضر الابراهيمي اداة لفرض نوعية هذه الحكومة واطلقت عليها دولة كاملة السيادة لها رئيس جمهورية يتزيا بملابس المشايخ العرب، ورئيس وزراء يفاخر بانه عميل للاستخبارات الاميركية والبريطانية وغيرها. وفور تعيين رئيس الدولة اعلن هذا الرئيس انتهاء الاحتلال واعلن ان جيوش الاحتلال او قوات التحالف اصبحت منذ لحظة تعيينه قوات متعددة الجنسيات دعاها هو لاحتلال العراق من هيئة الامم المتحدة وبين ان من كانوا يقاومون هذه الجيوش على انها جيوش احتلال لم يعد لهم ما يناضلون من اجله بعد انتهاء الاحتلال وتحول جيش الاحتلال الى قوى متعددة الجنسيات. واعلن انه سيستخدم كل الوسائل للقضاء على كل مقاومة لهذه القوى غير المحتلة باعتبارها حركات ارهابية. وهو رئيس معاد للارهاب طبعا بالضبط كما يعادي اسياده الارهاب. ولا ندري اي لون ستتخذه حرباء الجيوش الاميركية في المستقبل بعد فشل اللعبة الاخيرة.
تبلغ جيوش الاحتلال الاميركية البريطانية ومرتزقتها من ٣٥ دولة حوالى ١٦٠ الف بكامل معداتها من طائرات ودبابات ومصفحات واحدث مبتكرات اسلحة الدمار الشامل اضافة الى اساطيلها وحاملات طائراتها وجيوشها المحتلة لكامل دول الخليج والمستعدة للتدخل كلما دعت الحاجة اليه. وهذه الجيوش تحتل اليوم كل شبر من ارض العراق. وبالاضافة الى ذلك تقوم ببناء القواعد العسكرية الضخمة في انحاء عديدة من العراق. ولكن هذه الجيوش غير كافية واثبتت انها غير قادرة على السيطرة على الشعب العراقي وعلى اخضاعه لعبوديتها. لذا كانت بحاجة الى مرتزقة لهم صبغة عراقية. فجندت مرتزقة متطوعين اسمتهم الجيش العراقي والشرطة العراقية والحرس الوطني العراقي الخ.. وهدف جيوش الاحتلال هو ان تضع هذه القوات المرتزقة والدولة المرتزقة حاجزا بين الشعب العراقي وجيوش الاحتلال. وبدأت هذه العملية اولا بنشر هذه القوات المرتزقة لكي ترافق قوات الاحتلال في حرب الابادة الجماعية التي تمارسها ضد كل انواع المقاومة. فاننا نرى اليوم قوات الاحتلال ترافقها الشرطة العراقية والجيش العراقي في حرب الابادة التي تشنها بطائراتها وقنابلها العنقودية ودباباتها في النجف وفي مدن عراقية اخرى عديدة بحجة القضاء على المليشيات المسلحة المتمثلة اليوم بقوات الصدر. والاتجاه هو ان تصبح القوات المرتزقة العراقية قوات رئيسية ترافقها جيوش الاحتلال في محاربة الشعب العراقي ثم في المدى البعيد جعل القوات المرتزقة العراقية هي القوى الرئيسية التي تحارب الشعب العراقي وقوات المعارضة لكي تبقى جيوش الاحتلال امنة في قواعدها لاستخدامها منطلقا لمحاربة دول الشرق الاوسط الاخرى وفرض الشرق الاوسط الكبير الذي تريده الولايات المتحدة في سياق مخططها للسيطرة على العالم قاطبة.
ان الشعب العراقي يعرفه حتى اعداؤه شعبا ابيا لا يقبل الخنوع لاحتلال اجنبي. وتاريخه الطويل اكبر برهان على ذلك. لذا كان من الطبيعي والضروري ان تنشأ مقاومة للاحتلال الاميركي البريطاني. وقد ظهرت هذه المقاومة منذ اليوم الاول للاحتلال وما زالت تتعاظم لتشمل اوساطا واسعة من الشعب العراقي الابي. واصطدمت المقاومة في بدايتها بجيوش الاحتلال مباشرة اذ لم توجد انذاك قوات عراقية المظهر تساند قوات الاحتلال في حرب ابادتها للشعب العراقي وتشكل درعا حاميا لهذه الجيوش من غضب الشعب العراقي. ولكن حركات المقاومة هذه اتخذت مع الاسف صورا متفرقة فئوية واتخذ القسم الاغلب منها طابعا دينيا كما نراه في جيش المهدي وعشرات المنظمات التي تطلق على نفسها اسماء دينية مختلفة. وما دامت حركات المقاومة متفرقة وعفوية وذات قيادات مختلفة فانها قد تزعج جيوش الاحتلال ومرتزقتهم ولكنها لا تؤدي الى نتائج حاسمة في النضال ضد المحتلين وفي طردهم من العراق وتحرير العراق من ارجاسهم.
وسرعان ما بدأت حتى احزاب تتشدق بالماركسية والشيوعية بانتقاد هذه المقاومة التي اتخذت طابعا دينيا. ولا شك ان لانتقادهم جانب ايجابي لان الحركات الاسلامية لو انتصرت فانها تقود الشعب العراقي الى حكم ظلامي تحت ستار حكم القرآن كما حدث في ايران او افغانستان او السعودية وغيرها. ولكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو لماذا لم تقم هذه الاحزاب الشيوعية او الاحزاب الثورية بانشاء مقاومة غير دينية ثورية تقود الشعب العراقي في النضال المنظم ضد جيوش الاحتلال؟ ولماذا انضم بعض قادة هذه الاحزاب الى مرتزقة الجيش الاميركي والبريطاني بدل مقاومتها؟ ترى هل مقاومة الاحتلال عمل تخجل منه هذه الاحزاب؟ ألم يكن من الاجدر بهذه الاحزاب التي تدعي الماركسية ان توجه الشعب العراقي في مقاومة المحتلين واجتذاب هذه العناصر المخدوعة بالفئات الدينية المختلفة التي تمارس المقاومة باساليبها الخاطئة؟
اضافة الى المقاومة الحقيقية لجيوش الاحتلال ولمرتزقتها توجد اعمال مشبوهة تضر بسمعة المقاومة وتشوهها. واغلب الظن ان هذه الاعمال تدبر من قبل المحتلين انفسهم لانها تخدمهم في اضفاء صفة التخريب والارهاب على المقاومة عموما. وليس خافيا على احد ان السي اي اي والموساد يعملان بكل حرية في العراق وتاريخهم مليء بالمؤامرات وتدبير الانقلابات والتخريبات ضد جميع الحركات الثورية والوطنية في ارجاء العالم.
ان الامور تسير حتما في اتجاه تقوية دولة بيادق الشطرنج وتوسيع مؤسساتها من جيش وشرطة ومحاكم وسجون وقوانين وغيرها لكي تصبح القوة الرئيسية التي يجابهها الشعب العراقي كما كانت الظروف في العهد الملكي والعهد الجمهوري. فحين كان الشعب العراقي يخوض نضاله ضد الاستعمار البريطاني لم يكن يصطدم بالجيش البريطاني بل بالجيش العراقي وبالشرطة العراقية والسجون العراقية والمحاكم العراقية. ففي وثبة كانون مثلا التي انتفض الشعب العراقي بها ضد معاهدة بورتسموث البريطانية لم يطلق الجيش البريطاني طلقة واحدة عليه وانما كانت الشرطة العراقية والجيش العراقي هو الذي نصب الرشاشات على المنائر لحصد المتظاهرين من الشعب. وهذا هو الوضع الذي تسير الامور باتجاهه في العراق اليوم. ان اصواتا حتى من اناس شرفاء ليسوا عملاء للاميركيين او البريطانيين تشجب قتل الشرطة العراقية او الجيش العراقي او الحرس الوطني العراقي. فماذا يفعل المقاوم للجيوش المحتلة اذا كانت الشرطة العراقية هي التي تهاجمه وتطلق النار عليه؟ وهل المقاومة هي المذنبة ام حكومة البيادق العراقية التي توجه اسلحتها ضد هذه المقاومة التي تقاوم المحتلين؟ وهل هناك خيار لدى المقاومين اذا كانت الشرطة العراقية وكان الجيش العراقي هو الذي يحمي جيوش الاحتلال؟ سمعنا في مؤتمر صحفي ان الوزير وجه اوامر حاسمة للمارينز بعدم تدنيس المواقع المقدسة بل ان يتركوا تدنيسها للقوات المسلحة العراقية وحدها. حقا انها لسخرية القدر. هل يستطيع بيدق الشطرنج ان يوجه اوامر حاسمة للاعبه؟ هل يستطيع الوزير ان يوجه اوامر الى من نصبوه وزيرا؟
هذه امور يستطيع كل انسان بسيط غير متحيز ان يراها ويدركها من سير الحياة في عراق اليوم. فما دخل ثورة تموز وكيف يمكن للانسان ان يستفيد من تجربتها ويستخلص الدروس منها؟
ان اية منظمة او اي حزب يريد ان يستفيد من درس ثورة تموز عليه قبل كل شيء ان يعيد الى ثورة تموز حياتها. وحياة ثورة تموز كما رأينا هي الصفة التي جعلتها ثورة رغم انها جاءت بشكل انقلاب عسكري. حياة تموز هي الاعتراف بانها كانت ثورة برجوازية نقلت الشعب العراقي من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكية، هذه الحقيقة التي لم يدركها او لم يصرح بها اي حزب حتى اليوم. على مثل هذا الحزب او هذه المنظمة ان تعلن بأن ثورة تموز كانت ثورة برجوازية وان الشعب العراقي منذ صباح ١٤ تموز ١٩٥٨ اصبح وما زال حتى اليوم يمر في مرحلة الثورة الاشتراكية.
ان وجود الشعب العراقي في مرحلة الثورة الاشتراكية لا يعني ضرورة القيام بالثورة حاليا. فالثورة الاشتراكية يجب ان تنضج ويجري الاعداد لها طويلا وبصورة دقيقة لكي تكون ثورة ناجحة. واذا اخذنا بنظر الاعتبار عدم امكان اية قيادة للثورة الاشتراكية ان تجريها بشكل انقلاب عسكري بل الصورة الوحيدة للثورة هي ان يهب الشعب العراقي بعماله وفقراء فلاحيه وجزء من المراتب المتوسطة بقيادة حكيمة تحسب حساب كل خطوة تقوم بها نرى ان الثورة الاشتراكية في العراق بعيدة جدا الى درجة ان اغلبية الشعب وحتى اغلبية الاحزاب التي تسمي نفسها شيوعية وماركسية تعتبر الثورة الاشتراكية حلما لا اساس له من الصحة.
فما الفائدة اذن من اعادة الحياة الى ثورة تموز واعتبار الشعب العراقي يمر في مرحلة الثورة الاشتراكية اذا كان تحقيق الثورة الاشتراكية حاليا او في المستقبل القريب وحتى في المستقبل البعيد بعيد الاحتمال؟ ان الاعتراف بأن الشعب العراقي يمر اليوم في مرحلة الثورة الاشتراكية يعني ان اي حزب او اية منظمة تريد قيادة الشعب العراقي في نضاله اليومي الحالي يجب ان تأخذ ذلك في الحسبان عند وضع السياسات التكتيكية اليومية للنضال. يعني ان الحزب يجب ان يضع خططه التكتيكية وفقا لما تتطلبه مرحلة الثورة الاشتراكية وليس وفقا لما تتطلبه مرحلة الثورة البرجوازية. وهذا هو الفرق بين ان يكون الشعب يمر في مرحلة الثورة البرجوازية او يمر في مرحلة الثورة الاشتراكية.
اهم ما تحتمه هذه المرحلة هو اعادة النظر في الاصطفاف الطبقي الذي طرأ نتيجة لثورة تموز البرجوازية. واهم ظاهرة تغيرت في الاصطفاف الطبقي نتيجة ثورة تموز هي ان الطبقة البرجوازية اصبحت طبقة حاكمة. وهذا يعني ان الطبقة البرجوازية اصبحت العدو الذي ينبغي الاطاحة به في الثورة الاشتراكية. ويعني ان الطبقة البرجوازية اصبحت الطبقة التي لا تضمن استغلال الطبقة العاملة والكادحين لنفسها فقط بل هي الطبقة التي تحمي مصالح بقايا الطبقة الحاكمة القديمة، بقايا الاقطاع، وتحمي المصالح الامبريالية المتبقية او المتجددة القائمة في العراق. كان هذا صحيحا منذ ثورة تموز وما زال صحيحا حتى يومنا هذا. ان الاستعمار المباشر الذي طرأ نتيجة لغزو العراق واحتلاله جعل النضال اليومي المباشر ضد الاستعمار، ضد جيوش الاحتلال مباشرة بصورة مؤقتة فقط الى ان تنشأ دولة عميلة ذات صبغة عراقية وجيش عراقي وشرطة عراقية وسجون عراقية ومحاكم عراقية واذ ذاك يعود الوضع الى ما كان عليه فالبرجوازية الحاكمة هي القوة التي يصطدم معها من يريد النضال ضد الاستعمار رغم بقاء الجيوش المحتلة جيوشا محتلة للعراق من شماله الى جنوبه. ويجد اي مناضل ضد الاستعمار نفسه مضطرا الى النضال ضد السلطات التي تسمى عراقية وهي ليست سوى درع حام للاستعمار. فالبرجوازية كطبقة اصبحت عدو الشعب الرئيسي الذي يجب الاطاحة به من اجل الانتقال من المجتمع الراسمالي الى المجتمع الاشتراكي. والعملاء الذين نصبتهم جيوش الاحتلال لحكم العراق من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة والوزارات وقيادة الجيش المرتزقة وقيادة الشرطة المرتزقة كلهم من اشذ العناصر البرجوازية العراقية ولاء للاستعمار.
وهذا يعني ان هذه المرحلة لا تقبل اي ائتلاف او تحالف او جبهة مع البرجوازية كطبقة. وكل التآلفات والتحالفات والجبهات التي تحققت منذ ثورة تموز حتى اليوم كانت برهانا على انها ليست من مصلحة الطبقة العاملة العراقية او الشعب العراقي. فالتأييد المطلق لحكومة عبد الكريم قاسم ورفع اسم الزعيم الاوحد والاوحد ثم الاوحد الى السماء ورؤية صورته في القمر وحتى دور الشيوعيين في احباط انقلاب الشواف ثم الجبهة التي عقدت مع البرجوازية الحاكمة في الجبهة القومية التقدمية والجبهات التي تلت ذلك مع المنظمات البرجوازية الكردية في حرب الانصار وفي شعار الجبهة العريضة او الشاملة بصرف النظر عن الطبيعة الطبقية والدينية وغيرها كانت مخالفة للشروط التي تفرضها التحالفات الحقيقية في مرحلة الثورة الاشتراكية ولذلك كانت تحالفات معادية في الواقع لمصالح الطبقة العاملة العراقية والشعب العراقي بصرف النظر عن الصفات البراقة التي اعطيت لها.
من دروس ثورة تموز ضرورة تحديد الاصطفاف الطبقي الجديد الناجم عن الثورة. فعبارة شعب عراقي اختلفت بعد تموز عنها قبلها. فبعد تموز اختفى مفهوم البرجوازية الوطنية كجزء مكون للاصطفاف الطبقي للشعب العراقي لان هذه الطبقة اصبحت العدو الاساسي للشعب العراقي في مرحلة الثورة الاشتراكية. واختلف موقع الفلاحين والمراتب الوسطى ايضا بعد تموز. فبينما كان الفلاحون بمختلف مراتبهم جزءا من الشعب العراقي قابلا للانضمام الى الثورة البرجوازية اصبحت الفئة العليا منه، البرجوازية الريفية وهي جزء لا يتجزأ من الطبقة البرجوازية، في حكم الطبقة البرجوازية الحاكمة لذلك لم تعد جزءا من الشعب العراقي ولم يعد بالامكان التحالف معها كطبقة في الصراع الطبقي في هذه المرحلة. وموضع متوسطي الفلاحين كذلك تغير بعد تموز عما كان قبله. فالفلاح المتوسط كان يريد الارض ويعادي الاقطاع ولكنه ليس معاديا للملكية الخاصة في الارض ولا تخلص من نفوذ البرجوازية الريفية. لذلك فان موقف متوسطي الفلاحين من التحالف مع الطبقة العاملة في مرحلة الثورة الاشتراكية ذو طبيعة متذبذبة تتغير بتغير الظروف السياسية التي تمر بها البلاد. والامر يختلف بالنسبة لفقراء الفلاحين والعمال الزراعيين. فهذه المرتبة من الفلاحين حليف دائم للطبقة العاملة طوال هذه المرحلة. وموقف المراتب المتوسطة في المدينة ايضا موقف متذبذب تجاه التحالف مع الطبقة العاملة في هذه المرحلة.
فما هو واجب المنظمة التي تريد فعلا قيادة البروليتاريا والشعب العراقي في ظروف العراق الحالية؟ ان الصراع الاساسي في ظروف العراق الحالية هو النضال ضد الاستعمار المباشر وضد ادواته العراقية المظهر والاكثر امبريالية من الامبريالية في الواقع. وفي هذا الصراع يجب ان تعلن مثل هذه المنظمة صراحة ان واجبها الاساسي في الظرف الراهن هو جمع شمل الشعب العراقي وقيادته في النضال ضد الاستعمار المباشر وغير المباشر على حد سواء. والقوة الاساسية في هذا الصراع هي الطبقة العاملة وفقراء الريف. ولكن هذه الظروف ذاتها تجعل الاغلبية من المراتب المتوسطة وخصوصا الفئات الدنيا منها من الناحية الاقتصادية حليفا للطبقة العاملة في هذا الصراع لان الانسان العراقي لا يستطيع التهادن مع الاستعمار ولابد ان يدفعه شعوره الوطني الى النضال ضده والاستعداد للتضحية في سبيل ذلك. ولا شك ان بين البرجوازيين اناس لهم شعورهم الوطني ويشعرون بوطأة الاستعمار على الشعب العراقي وقد يضحون بمصالحهم البرجوازية من اجل مصالح الشعب في التحرر من الاستعمار. ومثل هؤلاء البرجوازيين فخر للشعب العراقي.
لم تظهر لحد اليوم منظمة لها الخواص اللازمة لقيادة الشعب العراقي في هذه المرحلة الحرجة من حياته النضالية التي نشأت بعد احتلاله واستعماره بهذه الصورة الفظيعة. وهذا يعني ان نشوء مثل هذه المنظمة ليس ضروريا فحسب بل ان نشوءها يجري في حومة النضال ضد الاستعمار المباشر وغير المباشر ومقاومته. والمقاومة قد تتخذ اشكالا عديدة ليس النضال المسلح سوى احد اشكالها. ولكن اهم صفة من صفات هذا النضال وهذه المقاومة هو التنظيم. فتنظيم قوى المقاومة ورص صفوفها وتوجيهها توجيها صحيحا ووضع الخطط لاحكام كل حركة فيها وجعلها مقاومة تخضع لقيادة واحدة هو الضمان الاكبر لنجاحها وللتقليل من تضحياتها. فالعدو منظم ومدجج بالسلاح ويمتلك كل وسائل الاغراء والاعلام وشراء الضمائر والخداع والتضليل. ولا يمكن التغلب على مثل هذا العدو الا بالتنظيم الدقيق ووحدة الصف وتوجيه المقاومة تحت قيادة واحدة حكيمة في تخطيطها وتوجيهها لهذا النضال الطويل المشرف.
ليس الشعب العراقي بخيلا في تقديم اغلى التضحيات في سبيل تحرره وازالة عبودية الامبريالية واعوانها من على كاهله. فقد هب الشعب العراقي في النضال ضد الاستعمار الانجلو اميركي منذ اليوم الاول. ولكن هذا النضال اتخذ شكلا عفويا اصبحت كل جماعة فيه تشن نضالها بطريقتها او حسبما تمليه عليها مصالحها. ولا شك ان القيادات الدينية المتعددة والمتشعبة كان لها دور اساسي في توجيه هذه المقاومة حتى الان. ولكن ما يحتاجه الشعب العراقي اليوم هو منظمة واعية ذات ثقافة ماركسية حقيقية قادرة على دراسة اتجاه الحركة في كل لحظة من لحظات النضال وقادرة على تجميع هؤلاء المناضلين الاشداء وتوجيههم في حركة واحدة منظمة اعلى اشكال التنظيم. وفي العراق اليوم كومة من المنظمات التي تسمي نفسها شيوعية وماركسية وثورية ووطنية وليس فيها منظمة واحدة حقيقية تستطيع تجميع المناضلين الحقيقيين المستعدين للتضحية والذين ليست لهم مصلحة سوى تنظيم وقيادة الشعب العراقي في عملية مقاومة الاستعمار واعوانه. الشعب العراقي بحاجة ماسة الى مثل هذه المنظمة وعلى المناضلين الذين يشعرون بواجبهم الوطني الحقيقي ان يتجمعوا في منظمة كهذه تستطيع قيادة النضال في سبيل تحرر العراق من الاستعمار المباشر وغير المباشر.
ثمة عناصر تطلق على نفسها اسم الشيوعية والماركسية والوطنية ومعاداة الاستعمار ولكنها لا تشعر في الواقع بالمهمة الملقاة على المناضلين الحقيقيين في هذه المرحلة القاسية من مراحل النضال العراقي. فمثلا حين جرى الهجوم على الكنائس المسيحية في الاسبوع الماضي ثارت ثورة جميع الناس الوطنيين ضد هذا العمل الاجرامي. وكان هذا الغضب طبيعيا. وكان له رد فعل شديد من قبل كل انسان عراقي شريف. وواضح ان مثل هذا العمل لا يمكن ان يجري من قبل اشخاص عراقيين يحرصون على مصالح الشعب العراقي. ولم تخدم هذه الهجومات على الكنائس سوى الاستعمار الاميركي. وكانت كل الاصابع تشير الى تدبير مثل هذه الاعمال من قبل عناصر معادية للشعب العراقي والى السي آي أي والموساد وعملائهم. ولكن الغضب لدى العديد من الشرفاء تحول الى غضب على المقاومة كلها وكأن المقاومة لا تشمل سوى مثل هؤلاء الناس المعادين للشعب العراقي. فثارت هذه العناصر ضد المقاومة ككل. وعلى سبيل المثال اذكر مقالا صدر من عنصر وطني معروف في الحوار المتمدن اكثر فيه من عبارات "تبا"، تبا للزرقاوي، تبا لابن لادن، تبا وتبا وتبا ولكنه لم يسعفنا بتبا واحدة ضد الاستعمار الاميركي وضد المارينز الذين يشنون حرب ابادة ضد الشعب العراقي بحجة اصطياد الزرقاوي واعوانه، وضد العلاوي الذي "يأمر" المارينز بشن حرب ابادة ضد سكان النجف والفلوجة والناصرية والبصرة والعمارة والكوت وبغداد وسامراء وغيرها. ولم نسمع تبا حتى لمعذبي الاف المعتقلين في السجون الاميركية رغم ان الواقع اثبت براءة هؤلاء المعتقلين الذين اطلق سراح الالاف منهم بدون محاكمة. ولم نسمع حتى تبا للموساد الذي يعترف الجميع بانه يمارس نشاطه بكل حرية في العراق ولا تبا للمحققين الاسرائلييين الذي استدعاهم الامبرياليون للتحقيق مع المعتقلين في السجون الامبريالية. لا اشك في وطنية هذا الكاتب ولكني اورد ذلك كمثال على الاتجاه المعادي لكل انواع المقاومة وكأن المقاومة بحد ذاتها عمل مشين ومعاد للشعب العراقي وليست نضالا ضروريا من اجل تحريره وانعتاقه من الاستعمار المباشر وغير المباشر.
ان تشكيل منظمة تدرك مستلزمات النضال والمقاومة في ظروف العراق الانية ضرورة ملحة ينبغي ان يدركها كل انسان مؤمن بضرورة تحرر العراق من الاستعمار المباشر وغير المباشر. وقد تدعو الظروف الحالية الى ضرورة ان تكون مثل هذه المنظمة في منتهى ظروف السرية. فالعدو مالك لكل وسائل القمع وقادر على ادخال اسوأ انواع العملاء الى صفوفها. ان العمل السري في مثل هذه الحالة ضروري لصيانة كيان مثل هذه المنظمة ولجعلها قادرة على جمع الجماهير الغاضبة على الاستعمار وقيادتها في المقاومة بكل اشكالها السلمية والمسلحة. فالى تشكيل مثل هذه المنظمة تدعو مصالح الشعب العراقي كل انسان شريف معاد للاستعمار ومناضل في سبيل تحريره من عبوديته وظلمه.
نرى ان اية مقاومة حقيقية لابد ان تصطدم مع ما سمي الشرطة العراقية والجيش العراقي والحرس الوطني العراقي. ونعلم ان هذه القوى العراقية ليست سوى مرتزقة مهمتها حماية جيوش الاحتلال من غضب الشعب العراقي. وهذه القوى العراقية المظهر تهاجم في مقدمة جيوش الاحتلال في حرب الابادة التي تجري ضد الشعب العراقي المقاوم للاحتلال. ولكننا مع ذلك يجب الا ننسى ان العديد من هؤلاء هم اشخاص عراقيون فقراء رأوا في هذه المهنة مصدرا لكسب العيش لهم ولعوائلهم. وعلى المنظمة الانفة الذكر التي تقود نضال المقاومة ضد الاحتلال ان تأخذ هذا بنظر الاعتبار. ففي الوقت الذي يجب ان تدافع عن نفسها ضد هذه القوى التي تهاجمها برفقة جيوش الاحتلال او بدونها عليها ان تبذل جهدا في اقناع مثل هؤلاء الاشخاص بخطأ وجودهم في مثل هذه القوى وبان مكانهم هو الى جانب الشعب في مقاومته للاحتلال. ان مثل هذا الجهد من شأنه ان يجر قسما من هؤلاء المرتزقة الى صفوف المقاومة او يدفعهم على الاقل الى الامتناع عن اطلاق النار على اخوانهم العراقيين لمصلحة جيوش الاحتلال.
عند كتابة هذه السطور يجتمع ما سمي بالمؤتمر الوطني او المؤتمر التأسيسي العراقي. وهذا المؤتمر شأنه شأن كل المؤسسات التي انشأها الاستعمار مؤسسة جديدة مهمتها اضفاء الشرعية على حكومة ليست لها اية صفة من صفات الشرعية ومواصلة الدفاع عن قوى الاحتلال وتنظيم انتخابات تضمن للمستعمرين حكومة لا تقل عمالة عن الحكومة القائمة. ومن المفروض ان المؤتمر الوطني يقوم بحماية الشعب العراقي وضمان حقوقه. ولكن المؤتمر الوطني جاء مقلوبا. فبينما تقوم المؤتمرات او البرلمانات بتعيين الحكومات قامت الحكومة المعينة من قبل الاستعمار بتعيين اعضاء المؤتمر. وبدلا من ان يقوم المؤتمر الوطني بحماية الشعب العراقي وضعت الحكومة العراقية الشعب العراقي كله سجينا في بيته بمنعه عن التجول بحجة حماية المؤتمر الوطني والمؤتمرين. وفي جلسة المؤتمر الاولى تبين انه حتى مثل هذا المؤتمر الذي قامت جيوش الاحتلال باختياره بكل دقة لم يوافق على حرب الابادة التي تشنها جيوش الاحتلال على شعب النجف بأمر من الحكومة العميلة واضطر عدد كبير من اعضائه الى مغادرة الجلسة احتجاجا على حرب الابادة القائمة في النجف وطالب اعضاء المؤتمر بشدة وقف حرب الابادة الجارية في النجف.
حسقيل قوجمان
١٥ آب ٢٠٠٤



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وأد ثورة تموز
- من وحي كتاب فهد (حلقة اخيرة) شخصية فهد
- من وحي كتاب فهد (الحلقة السادسة عشرة) سياسة فهد الاقتصادية
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة عشرة) الاممية الشيوعية
- استشهاد وحيد منصور
- وجاء الفرج
- كيف يصبح الانسان ماركسيا
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الرابعة عشرة) مزورو التاريخ
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة عشرة) التطور العقلاني في الص ...
- النقابات العمالية، مصادر قوتها واسباب ضعفها
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية عشرة) سياسة لينين الاقتصادية ...
- ِتحية اجلال واكرام للفيلق السادس
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الحادية عشرة) اخيانة عظمى ام تصفيات ...
- من وحي كتاب فهد (الحلقة العاشرة) الانتقاد، اغراضه وفوائده
- الاحتفال الاول بعيدنا الوطني الجديد
- من وحي كتاب فهد (الحلقة التاسعة) فهد الستاليني
- مرحلة الثورة الاشتراكية وموعد اعلانها
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثامنة) الجبهة الوطنية والنضال ضد ا ...
- من وحي كتاب فهد (الحلقة السابعة) العقيدة الجامدة
- من وحي كتاب فهد (الحلقة السادسة) الستالينية


المزيد.....




- هدده بأنه سيفعل بأخته ما فعل به لإسكاته.. رجل يتهم قسيسًا با ...
- مصر تفتتح أكبر مراكز بيانات -مؤمنة- في تاريخها تحتوي على كل ...
- يوتيوبر أمريكي ينجو من الموت بأعجوبة (فيديو)
- السعودية.. جدار غباري يجتاح وادي الدواسر وزوبعة ضخمة تظهر ش ...
- بوريل: لسنا مستعدين للموت من أجل دونباس
- السيسي للمصريين: علموا أولادكم البرمجة بدلا من كليات الآداب ...
- محمد صلاح.. يلمح إلى -خطورة- الأسباب وراء المشاجرة الحادة بي ...
- الزي الوطني السعودي.. الحكومة توجه موظفي الحكومة بارتدائه اع ...
- الشرطة الليبية.. ردود فعل واسعة بعد تدافع رجال أمن خلف شاحنة ...
- حمزة يوسف أول رئيس وزراء مسلم لاسكتلندا يستقيل قبل تصويت مقر ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - دروس من ثورة تموز