جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 2998 - 2010 / 5 / 7 - 15:05
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
وأخيرا تم ما كان متوقعا وائتلف الائتلاف مع الائتلاف, وأجزم إنني ورغم التنظير في مقالات ثلاث لفكرة اللقاء والتحالف بين العراقية ودولة القانون إلا إنني كنت مؤمنا إن إمكانات تحقيق الفكرة صعبة جدا, ليس لأنها لا تمتلك مقومات التنفيذ, ولكن لأنها ممنوعة من قبل قوى ذات تأثير كبير على الوضع السياسي العراقي, وهي قوى بعضها إقليمي يرى مصلحته في استمرار الحياة السياسية الطائفية, وبعضها دولي يهمه استمرار المعادلات السياسية على حالها ولكن مع بعض التعديل, وبعضها ذاتي ينطلق من ثقافة لم تنضج بعد باتجاه الخروج من عقلية ومعطيات المرحلة الطائفية السابقة كاملا, وبين هذا وذاك هناك مصالح شخصية في بلد المليارات المفقودة وهناك أيضا أوراق مخفية قد تستعمل عند الاضطرار فيكون لها وقع السيوف على الأعناق.
____**______________________
ولقد حاولت أن أشارك آخرين في تأسيس ثقافة سياسية مرحلية تقول إن تحالف العراقية ودولة القانون بات مطلوبا بفعل إرادة ناخبية خولت الطرفين لتأسيس تجمع وطني يباشر عمليا الخروج من مأزق الدولة الطائفية وصولا إلى دولة البرنامج الوطني, والتي هي الشرط الأساسي لإعادة تأسيس الدولة العراقية على أسس وطنية رصينة, وفي توجهي بهذا المنحى كنت وضعت يدي على عوامل أساسية منها:
إن المالكي الذي تقاسم الفوز بالأغلبية مع العراقية كان قد خاض معركته الانتخابية تلك على محورين, الأول هو الذي أكد على أن لا سبيل لحل أزمة الدولة ما لم يجري الخروج من برنامج المحاصصة إلى برنامج الأغلبية السياسية, أما المحور الثاني فهو الذي ينسجم وينطلق من العنوان الذي وضعه لتحالفه وهو بناء دولة القانون. وكان المالكي قد وصل إلى برنامجه ذاك من خلال تجربته في الحكم, ولم يحصل عليها من خلال قراءة نظرية أو إن أحدا أوحى له به.
وهل صعبا علينا أن ندرك إن هاتين الفقرتين الرئيستين لبرنامج المالكي جاءتا نتيجة لحالة صدام وافتراق مع التحالف الذي جاء به إلى الوزارة قبل أربعة سنوات أو ذاك الذي عاد للتحالف معه مرة أخرى.
***
شعار الائتلاف نفسه, أي دولة القانون كان قد أشتقه المالكي من واقع معركته مع التيار الصدري وخاصة تلك التي جرت في مدينتي الثورة والبصرة. معنى ذلك أن لا سبيل هناك للتحالف بين الائتلافين إلا إذا جرى تراجع المالكي عن إسم وشعار تآلفه, وقد يدعم هذا التفسير.. إن المبادرة بعد الانتخابات لم تعد أبدا في يد المالكي وإن إدارة المعركة السياسية باتت بيد قوى كان المالكي قد بنى زعامته الجماهيرية على أساس الافتراق عنها. لا بل إن المالكي كان أوضح في أكثر من تصريح عن تراجعه عن أبرز شعارات حملته الانتخابية حينما أعلن إنه اكتشف إن الوقت ما زال مبكرا على شعارات تتناول مسألة الخروج من دولة المحاصصة إلى دولة البرنامج السياسي, وكأنه بدأ بذلك التصريح درب العودة إلى أحضان التحالف الذي كان قد إفترق عنه من خلال معارك دم وليس من خلال تنابز فم.
___****________________________________
إن اغلبية الأصوات التي ربحها المالكي كانت من ناخبين أيدوا توجهاته الأساسية التي أسست لها تجربته في الحكم. إن المالكي كان حصل من خلال تلك الأصوات على تفويض جماهيري عبر عن رغبة حقيقة للشيعة الوطنين لتجاوز مأزق العراق الطائفي وهذا التفويض مشابه لذلك الذي حصل عليه علاوي من الوطنيين السنة, كما يمكن القول إن الرجلين كانا قد عملا على بناء ما أسميته بحالة (الدلتا العراقية) والتي من المفترض أن يتم على أرضها بالضبط بناء العراق الجديد, وإنهما باتا ملزمين ببناء ثقافة لقاء وائتلاف مشترك تنسجم والرغبة الحقيقية التي عبرت عنها إرادة الناخب العراقي.
___*****________________________________
ولكي يكون هناك اقتراب أكثر من هذه النقطة الهامة أذكر على سبيل المثال إن ائتلاف المالكي كان قد حصل على الأغلبية المطلقة من أصوات أهل البصرة لنجاح رئيسه في إعادة الأمن إلى شوارعها بعد إنتصاره على الميلشيات وفي المقدمة منها الميلشيا الصدرية ذاتها. وسوف يؤكد لنا الكم الكبير للأصوات التي حصل عليها المالكي في بغداد على حقيقة: إن الشعبية التي كسبها المالكي كانت على حساب حلفائه السابقين الذين عاد للتحالف معهم وليس على حساب أي فصيل آخر, ونفهم إن المالكي كان قد خاض معركته الانتخابية أصلا في مواجهة التحالف (الوطني) الذي عاد إليه وليس في مواجهة (العراقية), وإن التأييد الشيعي الذي حصل عليه هو تصويت على ابتعاده عن ذلك التحالف وليس تخويلا له للعودة إليه.
إن التخويل المباشر للزعيم أو الحزب لعقد التحالفات المطلوبة ورسم خطط الحراك السياسي هو إحد الحقوق التي تقرها العملية الديمقراطية ولكن على شرط أن لا تجري الاستدارة على المبادئ الأساسية التي حصل من خلالها على ذلك التخويل, فإن يقال إن من حق المالكي بعد الانتخابات أن يحدد اتجاه تحالفاته بما يساعد على تشكيل الوزارة مثلا لا يعطيه الحق للتراجع عن أساسيات برنامجه الانتخابي التي كانت بالأصل قد دارت حول المحورين المذكورين, وإلا لفسر ذلك بالتراجع والتخلي عن إرادة الناخب نفسها.
لقد تمت الدعوة إلى تحالف العراقية مع دولة القانون من خلال رؤية المشتركات الوطنية بين الفصلين السياسين اللذين حازا على أغلبية الأصوات, إضافة إلى تقدير إن الأصوات التي حصل عليها ائتلاف دولة القانون كانت على حساب تحالفاته (المذهبية ) السابقة وهي بهذا الاتجاه تفويض للمالكي للتعاون مع أي فصيل آخر يشاركه هذه الرؤيا الوطنية.
وإن ذلك لا يستهين أبدا بمواقع الفصائل الأخرى ولا يبخس حقوقها أو ينال من وطنيتها وإنما هو دعوة لترتيب التحالفات المتناغمة مع إرادة الأغلبية العراقية التي كانت قد منحت دولة القانون والعراقية تخويلا لإعادة تأسيس الدولة العراقية على أسس وطنية, وإن الرجوع عن إرادة الناخب بهذه الصيغة قد يجري تفسيره بوجود ضغط داخلي وإقليمي إيراني لم يكن المالكي وصحبه مستعدين أو قادرين على مواجهته.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟