أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - لماذا سقط صدام حسين















المزيد.....

لماذا سقط صدام حسين


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 2947 - 2010 / 3 / 17 - 22:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مما لا شك فيه إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد أنتجت أو أنها دفعت إلى ألسطح أفكارا واستراتيجيات جديدة. لقد حلت المنظمة محل الدولة في مرحلة الصراع الجديدة, وبينما كان بالإمكان تشخيص العدو بوضوح ممثلا بدولة أو نظام, فان العدو الجديد صار عصيا على الرؤيا, وفي مواقع عدة كان هذا العدو قد افلح في الوصول إلى عقر الدار.
لقد أفلح الوهابيون التكفيريون في تعقيد الصراع إلى الدرجة التي لم تعد هناك قدره على تحديد من هو العدو وأين تبدأ خطوط ألنار وأين تنتهي. وبدأت عملية التعرف على الخصوم تزداد تعقيدا مما خلق الحاجة إلى إستراتيجيات جديدة لخوض الصراع وإعادة ترتيب الخصوم وتنويع أساليب المواجهة وحتى إلى تشذيب أو تعديل أو تغيير الأفكار. إن أربعة عشر من تسعة عشر إرهابيا كانوا من السعودية التي كانت اقرب حلفاء أميركا, وبدأ تشابك ألأوراق وتداخل الخنادق يزيد من قتامة الصورة ويجعل تعريف الخصم أكثر صعوبة. وفجأة تكتشف أميركا بفعل هذا التداخل إن مناطق مصالحها الإستراتجية الحيوية لم تعد بأمان فالسلطات الحاكمة في منطقة الخليج ذات الثروات النفطية ألإستراتيجية والتي كانت الحليف المحسوم قد تتوزع بين صديق وعدو, وفي أفضل الأحوال قد تخضع إلى ضغوطات من قوة وهابية إرهابية متداخلة ومنتشرة وقريبة من مواقع التأثير والقرار, وسيصير من الصعوبة التعرف على هوية الكثيرين .. من معك ومن ضدك.
ولم تكن أميركا ذاتها بمنأى عن تأسيس هذه الصورة المعقدة, فلقد أوجبت مرحلة الحرب الباردة وطبيعة المواجهات مع الإتحاد السوفيتي إلى الاعتماد على قوى الإسلام السياسي, وكانت أدبيات ألصراع ضد الإتحاد السوفيتي متخمة بأفكار تصديع البطون الإسلامية الرخوة للسوفيت وتوظيف الإسلام لهذا الغرض. ولقد أدت هذه الإستراتجيات بالتالي إلى إنتاج أعداء قادمين من رحم المرحلة وكان الفكر الوهابي التكفيري جاهزا لآخذ زمام المبادرة وفتح ألنار على حليف الأمس.
وفي الحادي عشر من أيلول طعنت أمريكا أهلها بالسيف الذي حاربت به السوفيت.
وسط هذا التطور المعقد أتخذ قرار احتلال العراق, وليس صعبا الاعتقاد بالتالي على أن اتخاذ هذا القرار قد جاء بمعزل عن هذه التطورات. صحيح أن صدام حسين كان قد شكل تهديدا للمصالح الحقيقية لأميركا في عموم لمنطقة العربية وفي منطقة الخليج بشكل خاص, غير أن خطره الحقيقي كان قد انتهى تاريخيا بهزيمته في الكويت, وحولته تنازلاته السياسية بعد ذلك إلى ذكرى زعيم.
ورغم تواصل معاركه السياسية الصوتية فلقد كان صدام يعلم إن قدراته على المواجهة قد تم تصفيرها كما كان من الصعوبة جدا إعادة بناؤها أو حتى ترميمها.

نعم .. لقد تعارضت سياسة صدام الداخلية ضد شعبه مع أبسط قوانين الأرض والسماء, غير أن ما من إمبراطورية في ألتاريخ تتخذ قرارا بغزو أرضي دولة أخرى لهذا السبب. فلو كان الدافع لاحتلال العراق هو لمجرد إزاحة حاكم ظالم لما أعلنت أميركا نيتها على البقاء لأكثر من فترة محدودة.
ولم يكن الحديث عن إزاحة صدام لأنه كان قد شكل عبئا حقيقيا على الأمن القومي الأميركي إلا من باب المزاح. والحقيقة إن أية إمبراطورية في العالم كان في صالحها حقا أن يكون لها عدو مثل صدام.
مقابل خطاب بطولي مهزوز, خاض صدام معاركه ليقدم عمليا خدمات كبيرة لصالح أميركا ذاتها. لقد تصدى للمد الخميني الإيراني وأوقف أخطاره على العراق ومنطقة الخليج. وليس من الحق أن يقال إن صدام كان قد شن حربه ضد إيران بأوامر من أو بتنسيق مع أمريكا, وإنما كان قد أقدم عليها بعد قراءة خاطئة لإمكانات أن تقف أمريكا معه إلى النهاية ضد آيات الله, من حساب تناقضها معهم بطريق شيخ القبيلة, فالموقف بين أمريكا وصدام من إيران حينها كان تخادميا ولم يكن تشاركيا. ولم تكن أميركا في وضع مريح آنذاك لكي تتخذ أي إجراء عسكري على الرغم من وجود أكثر من أربعمائة رهينة أمريكية في السفارة لأميركية في طهران, ورغم إن ذلك كان يشكل ذريعة أخلاقية وقانونية لأي هجوم على إيران إلا أن عقدة الهزيمة الأمريكية في فيتنام كانت تؤثر بحدة على إمكانات اتخاذ قرار على هذا المستوى.
وفي عام 1990 يهرع صدام مرة أخرى لان يرتكب أكبر جريمة بحق بلده ويُجْهِز من خلال ذلك على مصير الدولة العراقية وشعبها, ولسوف يروي التاريخ قصة غزو الكويت كواحدة من أبرز المواقع التي تبوب الغباء السياسي وجهالة التفكير وغياب الضمير وانعدام الشعور بالمسؤولية من خلال خوض مقامرة لا يقوم بها سوى غبي مجنون.
لقد استطاعت أميركا بعد غزوه للكويت أن تمتلك الذرائع الأخلاقية والقانونية لوجود مباشر في منطقة الخليج, ودون المزيد من الإسهاب يمكن رؤية وتلمس حقيقة أن السياسة الصدامية وعبر كل مراحلها كانت قد قدمت خدمات جليلة لأمريكا ولإسرائيل.
وسأتفق على أن صدام لم يكن عميلا, لكن ذلك لن يغير من طبيعة وحجم الأضرار التي تسبب بها للعراق بشكل خاص وللمنطقة بشكل عام, ولربما لو كان صدام عميلا لكان أفضل للعراق منه وطنيا وثوريا على تلك الشاكلة.
إن دول الهيمنة على امتداد التاريخ بحاجة إلى أعداء مثلما هي بحاجه إلى أصدقاء, وفي أماكن عدة وأوقات محددة فإن حاجتها إلى أعداء قد تتقدم على حاجتها إلى أصدقاء, وفي ذلك الوقت حينما تهاوى عدو أمريكا المركزي المتمثل بالاتحاد السوفيتي فان حاجة أمريكا إلى وجود عدو بديل كانت ماسة جدا. هكذا تقدم صدام حسين بنفسه اختيارا لكي يسد ذلك الفراغ الإستراتيجي في لحظه بدى فيها أن الحاجة إلى عدو قد تقدمت على الحاجة إلى صديق.
والذي يمكن أن استنتجه من هذا السياق..؟ ..
إن صدام وعلى مستوى النتائج المادية المتحققة كان قد أفلح في أن يلعب دور العدو المُحَبّذ لأمريكا,
وإنه بعد مهزلة أم المعارك لم تعد لدية قدرة أن يكون من ذلك النوع من الأعداء.
وبما إن مرحلة المواجهة بين الدولة القومية ( العراق ) والدولة الدينية ( إيران ) قد أدت إلى استهلاكهما معا من خلال معركة تم السيطرة عليها تحت شعار لا غالب ولا مغلوب, وبما إن صدام بعد هزيمته المنكرة في الكويت قد أصبح حكاية عجائز, ورواية من الماضي, فإن بقاءه بات يتعارض مع قوانين السياسة ومع مواصفات السياسيين الذين ينتهون بانتهاء الدور ويسقطون بسقوط الخطاب السياسي.
ومشكلة صدام مع نفسه إنه طار أعلى مما يجب وظل طائرا أطول مما يجب, وحينما حاول العودة إلى المطار الذي انطلق منه لم يجد مدرجا واسعا يهبط عليه فظل معلقا بين السماء والأرض في طائرة كان وقودها قد قارب على النفاذ.
ولقد حاول " شوارتزكوف " بعقلية العسكري أن يسقط تلك الطائرة, لكن بوش الأب أمر بعقلية السياسي تزويد صدام الطائر بالوقود لحتى يحين موسم القطاف, فلم تكن هناك ضمانة حينها لدخول أمريكي في العمق العراقي بدون خسائر مكلفة, كما لم يكن قد جرى إعداد الساحة العراقية بشكل يسهل السيطرة عليها.
وكان قد ظلت في صدام بعضا من كاريزما يجب إنهائها,
كما كانت هناك ثمة أوراق يجب أن يوقعها بيده الكريمة حتى يثبت أنه أبا المكارم بحق.
وبغيابه حينها.. كان ممكنا أن يتحول العراق من دولة يجري التعامل معها بالعقوبات إلى دولة يجري التعامل معها بالمعونات.
وكأن قدر العراق, أن يصير صدام.. مصدر ضرر إن حط, ومصدر ضرر إن طار.
ومع الفشل فإن الرجال نوعان, الأول يفشل في أن ينجح.. وهم الكثرة, والثاني ينجح في أن يفشل.. وهم القلة.
ولقد كان صدام من النوع الثاني.. ناجح في الفشل, وبطل في الهزيمة, ومتفوق في السقوط.
لكن مشكلة العراق كانت قد تفاقمت حينما تحول من ( بلد برئيس إلى بلد لرئيس ).
لذلك لم يكن مقدرا لصدام أن يسقط لوحده وإنما بات على العراق أن يسقط معه ليظل في القعر حتى إشعار آخر.
وحينما وصل " شوارتزكوف " إلى واشنطن أخبروه إن القرار السياسي قد اجل القرار العسكري, لكنه لم يلغيه, لذلك تأجل الغزو حتى إشعار آخر, أي حتى يكون رأس البلد قد أينع وحان قطافه, وتكون هناك ضمانات أن لا تكون لأية دولة أخرى حصة فيه, وبعد أن ينتهي التنسيق مع رجالات المعارضة لضمان صيغة تجعل للاحتلال نكهة عراقية.
وحينما قسم بوش العالم بعد الحادي عشر من أيلول إلى قسمين.. من ليس معنا فهو ضدنا... فإن صدام لم يكن قادرا على الاختيار, لقد فقد تماما قدرة على ذلك, فلا هو بالعدو ولا هو بالصديق.
وفي المناطق الإستراتيجية الساخنة, وخاصة في عالم ما بعد الحادي عشر من آذار لم يعد بوسع أمريكا أن تتعامل مع زعيم بلا لون ولا طعم ولا رائحة.
والسياسة نفسها لا يمكن أن تقبل بزعيم من هذا الطراز.

وما زالت هناك في الحكاية.. حكاية



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس بإمكان الديمقراطية وحدها أن تخلق المعجزة
- هل بإمكان الديمقراطية وحدها أن تخلق المعجزة
- عن الديمقراطيتين .. الأمريكية والعراقية
- كما في السياسة كذلك في الطبيعة ... الديمقراطية وأحزاب رد الف ...
- وما زال العراق تحت التكوين
- إني أرى عزت الدوري ضاحكا
- إنها محض أمنيات


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - لماذا سقط صدام حسين