أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق - جعفر المظفر - كما في السياسة كذلك في الطبيعة ... الديمقراطية وأحزاب رد الفعل















المزيد.....

كما في السياسة كذلك في الطبيعة ... الديمقراطية وأحزاب رد الفعل


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 2926 - 2010 / 2 / 24 - 05:27
المحور: ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
    


كما في السياسة كذلك في الطبيعة ... الديمقراطية وأحزاب رد الفعل

جعفر المظفر

ونحن نتحدث عن التجربة الديمقراطية العراقية الحالية علينا أن نتذكر إن هذه الديمقراطية لم تتأسس كحالة سياقية داخلية, أي بموجب تطورات اقتصادية وثقافية واجتماعية استدعت وجود أنظمة وآليات للتعبير عنها وحراستها, وإنما جاءت كحالة سياسية فوقية, ولذلك تجابه هذه الديمقراطية مشاكل متفرقة, أهمها إنها لم تعثر بعد على قواها الاجتماعية الحقيقية بالرغم مما يتحرك على السطح من ممارسات ونشاطات, حتى يمكن القول إن هناك ديمقراطية ولكن بدون ديمقراطيين.
إن تأكيدا بهذا الاتجاه لا ينطلق من روح تشاؤمية من المسألة الديمقراطية, ولكنه بالتأكيد ينطلق من روح تنبيهية وتحفيزية هدفها الأساس تقويض الاعتقاد بأن الديمقراطية, في كل الأحوال وكل الأوقات, هي الحل السحري لمشكلة الديكتاتورية, فالديمقراطية حينما تأتي في المكان الخطأ وفي الزمان الخطأ ستؤدي إلى نتائج خاطئة أيضا إن لم يجري العمل على ضبط مساراتها باتجاهات تضيق فرص الانقضاض عليها. مثلما يوجب الأمر أيضا الإسراع في عملية التنمية التي ستوفر البنية الموضوعية للعملية الديمقراطية, وتصاعد من فرص التناغم بينها وبين المجتمع بشكل عام, وبينها وبين القوى التي تمارسها بشكل خاص, ولكي تتعدى كونها جاءت كقرار سياسي مجرد من ظرفه وزمانه.
وبهذا لا أظني منحازا للديكتاتورية ولا مبشرا بها, لكنني بالتأكيد ضد أولئك الذين تطربهم الكلمة لا المعنى, فيقترب من الديمقراطية بروح ومشاعر أفلاطونية, غير مدركين إن ميكانيكية النقل تخنق المعنى وتقتل الهدف وتحول المقصود إلى مقدس يفقد اعتباراته وأهدافه المادية.
وأرى إن الديمقراطية أعظم من أن تكون مجرد رد فعل على الديكتاتورية, لأن رد الفعل ينتهي بانتهاء الفعل الذي أوجبه, وإذا ما كان صدام حسين حاضرا لحد اللحظة في الذهن العراقي, لكي تشكل موضوعة رفضه عاملا أساسيا وذا أثر مباشر لوجود قوى وظواهر لم تتكون أو تتشكل إلا على أساس هذا الرفض, فإن المستقبل القريب لا بد وأن يؤسس لحياة عراقية خالية من صدام حسين, مما يؤدي بدورة إلى تلاشي قوى وظواهر سياسية لم تحصل على شرعيتها إلا لكونها رد فعل لفعل أسمه صدام.
ولن يكون غريبا أن تتشبث قوى رد الفعل بالفعل الذي أوجدها, فتعمل على إطالة عمر صدام في قبره, وتبعث فيه حرارة الحياة كلما أحست بان رد الفعل يكاد أن ينتهي من خلال تحول الذاكرة العراقية عن الفعل الذي أسس لها, وضغط هذه الذاكرة على هذه القوى والظواهر بوضعها أمام خيارين لا ثالث لهما :
أما أن تنتقل من خانة رد الفعل إلى خانة الفعل المستقل ببرامج وأفكار إنتاجية قادرة على البقاء, لا لكونها " كانت " قد تضررت من صدام حسين , وإنما لكونها " الآن " قادرة على إن تكون بديلا إيجابيا حقيقا وذا برامج وطنية ونهضوية .
أما الخيار الثاني فهو انقراض هذه القوى والظواهر الحتمي بعد أن تنتهي السكرة " سقوط صدام " وتأتي الفكرة “ استمرار الحياة " ولا يعود ثوب المعارضة يكفي لتغطية جسم الدولة فينفضح المكشوف.
وكما في الطبيعة كذلك في السياسة.. إن الثوب الواحد لا يصلح لجميع المواسم, وإن من أخطر ما يمكن أن تتسبب به أحزاب رد الفعل, إنها, وقد وفرت الثوب ذات صيف, عجزت عن أن تجد الثوب المناسب للشتاء العراقي القادم, بإمطاره المنفلتة أو بجفافه المجدب, وبمجاريه المغلقة و شوارعه الطينية وكهربائه المنسية.
فلا عجب أن تصاب هذه الأحزاب بعد ذلك بإمراض شتائية قاتلة وفي مقدمتها ما اسميه ب " أنفلونزا رد الفعل " .
والحال, إن السياسة لا تقبل أبدا بقوى رد الفعل إلا لفترة محدودة, وحينما تستفيق الناس من سكرة القضاء على " الفعل, شخصا ونظاما وظواهر " فإنها ستبدأ حتما بالبحث عن " الفعل البديل.. شخصا ونظاما وظواهر " وإنا لم تستطع هذه المنظومة أن تتجاوز كونها حالة رد فعل فلسوف تنتهي بانتهاء الفعل القاهر الذي أوجدها.
إن من أهم مساوئ صدام بهذا الاتجاه إن ( فعله ) كان قاهرا جدا لذلك جاءت " ردود الفعل " عليه - قوى وظواهر- بمستويات متعددة ومرشحة للاستمرار فترات أطول من المعتاد. فالعراقيون كانوا قد تعودوا على الانقلابات, التي كان أغلبها ذا تأثير محدود ولا يمس سوى سطح المجتمع. لذلك كانت الأغلبية منهم لا تقف باكتراث أمام تلك المتغيرات لأنها لم تفلح بإفراز تأثيرات تنال من العمق الاجتماعي.
غير إن الظاهرة الصدامية الكارثية كانت قد أفلحت بالوصول إلى أعمق نقطة مجتمعية وتسببت بأهوال ومصائب كان من الطبيعي أن تؤدي إلى إنفجارات مضادة, ففي السياسة كما في الطبيعة, تحدث الزلازل حينما يختل التوازن في العمق فيتشقق ويتمزق وينهار السطح وتكون الكارثة على السطح تعبيرا عن قوة الانفجار في العمق, أرضا أو مجتمعا.
إن " حالة رد الفعل " لن تكون حالة إيجابية مطلقا إذا لم تتجاوز نفسها لكي تتحول إلى "حالة فعل مستقل ", والأكثر من ذلك إنها ستتحول إلى حالة سلبية كارثية أيضا, وإن باتجاهات مختلفة لاتجاه الفعل الكارثي الذي تسبب بها.
وكما في الطبيعة, كذلك في السياسة, فإن بإمكان نظام متطور لرصد الظواهر أن يقلل إلى أدنى حد من حجم الخسائر التي تحدثها الزلازل, غير إن أحزاب رد الفعل لا تؤمن بأهمية هذا النظام ولا تقدر جدواه ومنافعه لسبب بسيط, إنها لا تستطيع أن تنظر إلى أبعد من أنفها, فتظن إن الذي يتحرك على السطح هو نفسه الذي يتحرك في العمق, فتخدعها عين رد الفعل القاصرة عن رؤية المستقبل بسبب عتمة الماضي.
ويمكن العثور على ما يدعم هذه الرؤيا من خلال الوقوف أمام حقيقة إن أحزاب رد الفعل هذه تكاد تخلو, إن لم تكن مقفرة بالفعل, من مفكرين منظرين أو سياسيين ستراتيجين قادرين على رفد هذه الأحزاب برؤى تكون بدورها قادرة على أن تجيب على السؤال البديهي الذي سيطرح نفسه بعد ذهاب السكرة ومجئ الفكرة ... والآن ما العمل ؟!
والسبب في هذا الفقر والقفر كما أراه, إن معارضة صدام حسين لم تكن تتطلب روئ إستراتيجية ولا نظريات عقائدية ولا أيدلوجيات متفرقة, فقد كان صدام كارثي العقل والفعل بحيث إن معارضته والافتراق عنه والتناقض معه لا تحتاج إلى أكثر من عقل متواضع وضمير غير متخشب.
ومن هنا سنعثر أيضا على الكارثة المقابلة, إن رد نظام صدام الذي أستمر نسبيا لفترة طويلة, وبفعل كوارثه التي لا تحتاج إلى نضج عقلي تعارضي, كان قد أنتج معارضة مفرغة إلا من عقيدة الهجوم السلبي, التي لا تحتاج إلى جهد عقلي سوى ذلك الذي يتعامل مع كوارث صدام ومع إفرازاتها على السطح فقط وليس مع أسبابها في العمق , ولذلك لم تكن هذه القوى بحاجة إلى تطوير إجابة حقيقة على السؤال الأهم في عصر ما بعد صدام حسين .. والآن ما العمل ؟!
أو على سؤال من نوع .. ماذا سنعمل بعد أن تنتهي السكرة وتأتي الفكرة.
وإن ما شجعها على ذلك, وجود حالة شعبية عامة ترضى بالتعاون مع الشيطان من أجل القضاء على صدام, فتخدرت بفعل هذه الحالة وباتت تعتقد إنها, أي الحالة, قادرة على أن تحول موضوعة القضاء على صدام إلى موضوعة خالدة, وإن بإمكان مفعول رد الفعل أن يتحول من استجابة ظرفية إلى استجابة تاريخية, فأعفت نفسها بالتالي من الإجابة على السؤال .. والآن ماذا بعد صدام, معتقدة إن حكاية صدام سوف تبقى صالحة لكل المواسم.
وإذا ما كانت قوانين الطبيعة تؤكد على أن رد الفعل يساوي الفعل بالمقدار ويعاكسه في الاتجاه لذلك لم يكن متوقعا على مستوى " المقدار " أن يكون رد الفعل في السياسة نقيا وخاليا من الاستجابات الحمراء. غير إن الاتجاه المعاكس لهذه الاستجابة, التي قررتها أحزاب رد الفعل المفرغة من أي وعي إستراتيجي, والتي عَوَمّتْ عقولها قضية الثأر لا الثورة, أنها كانت استجابة معاكسة سلبيا.
مقابل المركزية المطلقة أصبحت المشاريع اللامركزية حواضن للدويلات, التي وإن لم تفرخ كتاكيتها على الأرض لحد الآن, لكن بإمكان " حيامنها وأرحامها " أن تفعل ذلك. ومقابل أن تُعالَج “ الطائفية " كمرض, فقد جرى التعامل مع " طائفية صدام " لوحدها كمرض, في حين أصبحت الطائفية بالاتجاه المعاكس حالة مبررة ومفسرة ومشروعة. وفي مقابل تحرير الدولة من حكم القرابة والقبيلة والحزب الواحد فقد جرى توزيع الدولة على عشائر وعائلات هي غير عائلة وعشيرة صدام في حين جرى توزيع العراق حصصا على أحزاب متعددة بعد أن كان حصة لحزب واحد.
ولكي لا يطول حديثي في هذا الاتجاه, لذلك سأعود عنه إلى ما يخص علاقة قوى رد الفعل بموضوعة الديمقراطية ذاتها, فأقول إن إيمان هذه الأحزاب بالديمقراطية هو إيمان تكتيكي ولا ينطلق من مسلمات فكرية أو عقائدية.
ولن أنتقص من هذه الأحزاب, وخاصة الأحزاب الدينوسياسية, إذا قلت إن هذه الأحزاب تقف من الديمقراطية على الطرف النقيض. ذلك إن الدين يتعامل مع المقدس وتعاليمه بصيغة أمْرِيَةٌ لا حوارية, في حين إن الديمقراطية في السياسة تبدأ من رفض المقدس, ومن مبدأ الحوار لا مبدأ الآمر, ومن نسبية الموقف لا مطلقيته, ومن جدلية الفكرة لا سكسونيتها, ومن المتغير أكثر من الثابت.
وبلا شك, إن تعايش حالة الإيمان على السطح وحالة الرفض في العمق يؤدي إلى ازدواجية مضرة للسلطة والناس, ولن يكون الحزب ذاته بمنأى عن إضرارها, فحالة الديمقراطية المضغوطة لا تجعل الحزب الديني على وئام وسلام مع نفسه بدء, ولا تعطيه القدرة على كبت نوازعه الداخلية المتأسسة على رفضه الحقيقي لمسألة الديمقراطية.
إن حزبا كهذا لا يمكن أن تستمر قصته مع الديمقراطية ما لم يتحول إلى حزب ديمقراطي على السطح وفي العمق أيضا. ويفترض هذا القول أن تتخلى أحزاب الدين السياسي عن أيديولوجياتها الدينية وتكون كما الأحزاب السياسية الأخرى بعقائد أرضية لا سمائية, وهو أمر أراه صعب جدا.
وكما قلت بدء المقال, إن الديمقراطية العراقية جاءت بقرار سياسي أمريكي قبل أن تولد نتيجة قناعات عراقية واعية وخالصة, وتأسست كديمقراطية سياسية بلا قاعدة اجتماعية واقتصادية تشرعن ولادتها من جهة وتوفر مقومات حمايتها ذاتيا من جهة أخرى, وتجعل تطويرها بالتالي حالة متناغمة مع سياق التحول الذي أنتجها ومنسجمة مع مصالح القوى المقررة فكريا واقتصاديا واجتماعيا.
إن حالة " رد الفعل " من جهة وحالة " الازدواجية " من جهة أخرى تجعلان الديمقراطية العراقية في خطر مثلما تبطأن عملية تطويرها, وفي حالات متعددة تجعلان الديمقراطية كلام حق يراد به باطل.
وليس غريبا بعد ذلك أن نلمس. إن المصلحة الحقيقية لأحزاب" رد الفعل " , الفاقدة لأفكار وبرامج "الفعل, ستكمن في حماية الفعل الذي أوجدها ويكون من مصلحتها بالتالي أن يبقى صدام حيا ولو في قبره. وهو لإن مات.. فستبعثه حيا.
وخلاف ذلك, كما في الطبيعة كذلك في السياسة, ينتهي رد الفعل إذا انتهى الفعل الذي أنتجه.
وسوف يبقى العراق تحت التكوين.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وما زال العراق تحت التكوين
- إني أرى عزت الدوري ضاحكا
- إنها محض أمنيات


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....



المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق - جعفر المظفر - كما في السياسة كذلك في الطبيعة ... الديمقراطية وأحزاب رد الفعل