أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مديح الصادق - وعاد منتصرا , مِحكّان المهوال














المزيد.....

وعاد منتصرا , مِحكّان المهوال


مديح الصادق

الحوار المتمدن-العدد: 2998 - 2010 / 5 / 7 - 09:13
المحور: الادب والفن
    


المهاويل وقت الحرب أصناف ثلاث, أولها ذلك الذي يشعل الفتيل قبل أوانها بما يسوغ اضطرامها, ويشحذ النفوس كي تتهيَّأ لحمل ما بأيديها من سلاح, يزين الباطل حقا, ويقلب الحق على العكس؛ فيحشد من ذلك الوقود لنار آكلة بانتظار أن تحرق الجذر والبذر, وحتما ذلك الوقود هم المساكين؛ إما لأنهم ضعفاء, أو لكونهم جهلاء

والصنف الثاني هم الطبالون, نافخو أبواقها, حين يشتد أوارها, ويُحمى الوطيس, فتُنزَف الحمراء, وُتذرَف السواخن, فتُنفخ الكروش, الأرض تفغر فاها تلتهم الضيوف, وفي ليلة عرسها تنام مع الوسادة فاتنة الحي, حوراء, على أنقاضها يغني أغاني النصر, أوالفوز المزعوم هذا الصنف من المهاويل

أما الثالث فهم رافعوا رايات النصر, إن كان هناك ما يسمى النصر, إذ لا أظن أن ما بعد الحرب منتصر قط, وإن لحقت الهزيمة القوم فهؤلاء هم مَن يختلق الأعذار, ويسعى جاهدا لتمرير أن الجولة التي ستأتي سوف يكون حليفها النصر, وسلاح المهاويل بكل أصنافه نفس السلاح, ذلاقة اللسان, سرعة البديهة, مقدرة عالية على التوظيف في العبارات, وهي موهبة فائقة في الضحك على الذقون



أي صنف من هؤلاء أنتَ, يا { مِحكّان } ؟ تلفت حوله كي يطمئن أن لا أحد يصغي إلى حواره الذاتي مع النفس, وهو يعلم الجواب تمام العلم : كلهم - يا محكّان - أنا, فأنا الذي يُضرمها, وأنا أذكيها, والذي يغني على أنقاضها أنا, أنا مَن يواسي أراملها, أخبطها أنا ثم أشرب بعد ذلك صافيها

تفقد صفَّي الرصاص المتقاطعَين على صدره, الشواجير المرصوفة بالتعاقب حول الحزام النسيجي, مسدس مُرَصِّع الغلاف بالنجوم, حربة تتدلى ملامسة عجيزته, علَّق أطراف ثوبه على الجانبين, فأفصح عن سروال من النوع الذي يرتديه علية القوم, لابد أنه بعض مما جاد به الشيخ إكراما لذلك النوع الفريد من { رقص الحروب } الذي لم ينافسه في أدائه ابن أنثى في القبيلة قط حين تحلق الرجال يضربون الأرض بأقدام كأنها طين عام بلا غيث, يقطع الحشد طولا بعرض, يُنشد الأهازيج, يلهب الحماس في النفوس, وعند الترنيمة يقفز عاليا في الجو كأنه البهلوان, يقذف المسدس في الهواء عاليا ثم يلتقطه بإتقان كي يثير إعجاب نساء القبيلة اللائي حضرن هازجات يودِّعنَ المقاتلين, ملهبات الحماس, يستبدل شاجورا فارغا بآخر ملآن, غير مبال بأن الظروف الفارغة قد داستها؛ فأوجعتها الأقدام



راية القبيلة تعني الكرامة فلا يحملها إلا فارس القوم؛ فإن سقطت لحق الفزع المقاتلين, وما من مصير لهم سوى أن يولوا الأدبار هاربين, أو مأسورين, هذا إذا لم يكن نصيبهم من الأعداء الموت, وهل من فارس أهل لحملها, شامخا بها, غير { مِحكّان } المهوال, لقد أثنى عليه, باركه شيخ القبيلة, حمَّله الأمانة بأن لا يبادر مقاتل بإطلاق النار على العدو حتى تأتي الإشارة من مسدسه؛ فيُحكَم الفخ , لا ترحموا أحدا, لا أسر للمستسلمين, واغنموا من أنعامهم ما تشاؤون, ومن نسائهم ما تستطيبون, وعليَّ ببنت شيخهم, تلك التي توهمت أنها في برجها العاجي لن تطالها قبضة { اللقيط } أرأيتم حربا شعواء على مر الزمان إلا وأشعلها اللقطاء ؟



المقاتلون تمترسوا في الزوارق بين أكوام القصب المتشابك, والبردي, خافضين رؤوسهم, تكاد تسمع دقات قلوبهم عن بعد, كلٌّ يُمني نفسه بما سوف يغنم من تلك الحرب, وقد يُمسي تاجرا عزيز الجاه,يستبدل على هواه الزوجات بما لا يُخرجه عن حد الشرع, وفي حال مال قلبه لأكثر ففي الدين ملاذات ومخارج لذلك كثر, غنائم الحرب ليست بحرام, هكذا قال { الملا أبو حصان } لا سيما أن بلعومه سوف يُدهن ببعض مما يعود بهم الغانمون, أصابعهم على الأزندة بانتظار طلقة البدء من حامل الراية, الفارس المغوار, شجاع عصره, مِحكّان



الرجال محاصرون من كل جانب, وكيف يبقى ليثا حين يُحاط غيلُهُ الليث, الكثرة تأخذ أشجع الشجعان, على رأس الواحد منهم ثلاثة أو أكثر من الخصوم, مَن لم يُقتل بالرصاص كان نصيبه قطع الوريد, أو التمثيل به وهو حي, فالثأر ثأر, ولا أخلاق في الحرب, القاتل لا يقطع الوقت كي يراجع نفسه أباطلا أم عدلا كانت تلك الحرب ؟ ألا لعنة الله, والكائنات جميعا على كل حرب, باللسان كانت, أم بالسيف

تنادت على عجل قطعان الغربان مبشرة بعضها بصيد غزير, جثث تطفو على مياه طعمها مرٌّ, زوارق غاصت معانقة طمى الهور الغامق اللون, الخضيري توارى هاربا خلف السحاب صوب بلاد الثلج, القصب اغتاض فلم يَجُدْ بالذوائب لتعزف النايات, ومنه تُشيَّد الدواوين



زورق وحيد, مقلوب, تقاذفته الريح لتصبغ قاره الأسود بحمرة الدم المُسال, هو الشاهد الوحيد على مذبحة الإنسان في تلك البقعة من الأرض, يد ترتجف وهي ترفع واحدا من جانبيه, أطل برأسه ليأمن أن لا موت بانتظاره مثل رفاقه الآخرين, امتطى الزورق معتدلا, جمَّع ما خلفه القتلى من عتاد, خضَّب الراية من دماء الرفاق, أعاد ترتيب صفي الرصاص, فأطلق الرصاص, والأهازيج, بالراية لوَّح راقصا, مُبشرا بالنصر, مِحكّان



نيسان 2010



#مديح_الصادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمال العراق, تأريخ وتحديات
- اخلع جلبابك, يا مشحوت
- احذرا الكفر, سيادة الرئيسَين
- وفاء بالدَين؛ احتفلنا لقائمة الرافدين
- عرسا وطنيا كان في تورونتو
- انتخبوا مرشحكم ... مشحوت
- كل يوم يمر شباط
- شهداؤنا مصابيح نور, وأغراس طيب
- خذ ما شئت من الخرائب مادام كسرى سالما
- ما حرفا, وما اسما
- مراهنات { مشحوت } أبي حصان
- مواضع الهمزة المتوسطة والهمزة المتطرفة
- شرهان يبحث عن رتاَّق الفتوق
- موال زهيري بطور الصبي
- ماهود { أبو الخرز } ينتقم من شرهان
- شرهان والشيخ { ماهود } أبو الخرز
- أحرِقوا الصريم .. قصة قصيرة
- ملائكة كونوا , أيها المندائيون .. بمناسبة عيد رأس المندائية ...
- مواضع كسر همزة { إنَّ } ومواضع فتح همزة { أنَّ }
- الذكرى الأربعون لاستشهاد المناضل ستار خضير الحيدر


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مديح الصادق - وعاد منتصرا , مِحكّان المهوال