أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - إسماعيل ياسين الضاحك الباكي















المزيد.....

إسماعيل ياسين الضاحك الباكي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2978 - 2010 / 4 / 17 - 20:11
المحور: سيرة ذاتية
    


أكثر الناس ضحكاً هم أكثرهم آلاما , لهذا أضحك إسماعيل ياسين الناس في الوقت الذي لم يضحك به هو من كل قلبه بل كان يضحك على رأي الشاعر :

لا تحسبوا رقصي بينكم طَرَبُ


فالطير يرقصُ مذبوحاً من الألم ِ.

وبعض أو غالبية السير الذاتية لنجوم السينما والكوميديا لا تقلُ عن سيرة المثقفين والكتاب والمبدعين ونادراً ما يعير الكُتاب أبطال المسارح والفن والراقصات أنتباههم أو جهدهم فهم تاريخ فكري ونضال سياسي أو ثقافي لا يقلون روعة عن كبار الشعراء والمثقفين , واليوم معنا أبو ضحكه جنان الفنان المنولوجست إسماعيل ياسين الذي كانت نهاية حياتها مثل بدايتها كلها مأساة وتراجيديا محزنة ومقلقة عبرت بحزن كبير عن آلام الشارع العربي والمصري بوجه عام .
وأثبتت السيرة الذاتية لإسماعيل ياسين حقيقة ما غناه سيد درويش حين قال :


أهو دللي صار وادللي كان

مالكش حق تلوم عليّ

تلوم عليّ إزاي يا سيدنا

وخير بلادنا ما هوش بأيدنا

مصر يا أُم العجايب

شعبك أصيل والخصم عايب

خلي بالك من الحبايب

هدول أنصار القضيه .

وفعلاً أخذت الثورة بالها من المصريين وأنصار القضايا الثقافية فعاشوا مشردين وزاد طمع الانتهازيين فيهم لدرجة أن إسماعيل ياسين صار في نهاية حياته يتسول الفن من أجل أن ينفق على ولده الوحيد ياسين وزوجته زينب , وهذا طبع وعادة غالبية القادة العرب فكلنا حتى اليوم ندفع ثمن القضية من أنصار قضايانا الذين حولوا جهودهم في ابتزاز المبدعين وأضاع كل مرتكبي الثورات الإصلاحية حيويتهم وطاقاتهم الشبابية في المغامرات الجنسية أينما وجدوا فرصة لذلك وكانوا وما زالوا ينفقون على مغامراتهم بالألوف بل وبالملايين والطامة الكبرى أن يتمنى المثقفون لو خلقهم الله نساء عاهرات بدل أن خلقهم مثقفين وفنانين ومبدعين .
ولدّ إسماعيل ياسين يتيماً بعد ولادته مباشرة فقد حنان الأم منذ نعومة إظفاره وكان أبوه جواهرجياً تزوج من امرأة إنكليزية مقيمة في السويس فسرقت منه كل مجوهراته فاضطر الطفل بأن يترك الصفوف الدراسية ليعمل مناديا على إحدى أبواب المحلات التجارية لبيع الساعات ,وفقيراً نشأ في كنف وحجر جدته في مدينة السويس المصرية , ومات فقيراً ويتيماً معدماً مذلولاً سنة 1972 بعد أن عاد من الإسكندرية ليغلق الباب على نفسه وينام نوماً هادئاً للأبد بعد صراع ليس مع الأمراض الخبيثة بل مع أمراض الثورة الناصرية التي ثارت على الشعب المصري بدل أن تثور على الملك النذل حسب ما جاء في برنامج الثورة الذي دائماً ما كان يصفه (سلامه موسى ) بهذه الصفة , فلم يكن صراعه مع فنه وإنما مع أعداء الفن والجمال والإبداع ومع الفساد الحكومي والثوري الذي جلبته حكومة جمال عبد الناصر التي كان من المتوقع لها أن تثور على الطغاة وإذا بها تنقلب ليس على الملك النذل فاروق وإنما على الفن وعلى الثقافة وعلى الحريات الشخصية والتعبيرية فلم يبقى مثقفاً إلا ودخل (ليمان الطرة)حتى أساتذة الجامعات الذين كانوا ينعمون بحياة هادئة ومطمئنة أيام الانكليز والوجود الأجنبي في مصر وأيام الأزمة الاقتصادية التي مرت بها حكومة النحاس كان المثقفون يعتقلون ويخرجون بكفالات مالية وعدلية ولم يمت أحد تحت التعذيب كما مات المصريون في المعتقلات السرية والمخابراتية أيام عبد الناصر , وكان فيلسوفنا إسماعيل ياسين قد قدم أكثر من 30 مسرحية أيام الملك فاروق انتقد فيها حكومة النحاس حين طلب من كل الكباريهات أن تعمل يوماً واحداً أكون فيه أجور الكباريهات لصالح حكومة النحاس ووافق الجميع ولم يطلب النحاس مصادرة أموال الناس ولا سجن ولا اعتقال المثقفين ,وقدّم إسماعيل ياسين 30 مسرحية أخرى أيام عبد الناصر لم ينل منهن ما يسدد به جوعه وجوع أولاده و 300 مينولوج كتبها له صديق العمر الشاعر الغنائي والمسرحي (أبو السعود الإبياري) وكافأته الثورة الناصرية بأن وضعت عليه في آخر زمانه مستحقات مالية تُقدر ب 90 ألف جنيه مصري علماً أن كل ما كان يملكه من ثروة لا يساوي 40 ألف جنيه وحين ذهب لمصلحة الضرائب للاعتراض خرج مكسور الخاطر حتى سيارته الشخصية وجدها قد اختفت وهو في مصلحة الضرائب وحين أبلغ عنها الشرطة قالوا له أن مصلحة الضرائب قد صادرتها أثناء تقديمه اعتراضا على حجم الضرائب .

وبعد وفاة جمال عبد الناصر منحه السادات راتباً شهرياً تقاعدياً قدره 100 جنيه بعد أن صادرا لناصريون الأقحاف عمارته التي بناها بتحويشة عُمره و أربعين ألف جنيه من رصيده في البنك الأهلي المصري , وهذه كانت مكافأة الثورة الناصرية التي يفتخر فيها كل العرب اليوم ويتغنون بجماليات عبد الناصر الذي لم تدع ثورته مثقفاً إلا وهتكت ستره وفنه وعرضه ووضعته في السجن أو شردته أو حاصرته في لقمة خبزه وعيشه حتى وفاته .

ولم يكتف الثورة الطاغية بتأميم قناة السويس بل قامت بتأميم الفن المسرحي المصري فتراجع دخل الفنانين مع مصادرة أموال البعض منهم والإبقاء على الآخرين كأسلوب مزاجي وانتقائي في تطبيق مبادئ الثورة التي ثارت على المواهب والعقول النيرة وصادرت الإبداع العام والخاص والجماعي والفردي, والذي زاد الطين بله هو أن التلفزيون المصري أيضاً قد ثار على المسرح حين قام ببث الأعمال المسرحية لإسماعيل ياسين فتراجع إقبال الناس على المسارح ليشاهدوها وقبل ذلك ساهمت السينما أيضاً بالقضاء على المسرح أما التلفزيون فقد دخل عليهم بيوتهم وغرف نومهم دون أن يذهبوا إليه , وأيضاً حلت شاشات عرض السينما محل الستارة المسرحية فلم تعد ترفع الستارة على المسارح للأبد إلا ما ندر .

لم يكن إسماعيل ياسين ماركسياً ولا برجوازياً ولا ثورياً ولم يكن من حاشية الملك المخلوع حتى تنتقم منه الثورة الناصرية بهذه البشاعة البغيضة والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على ثورة أو على انقلاب عسكري هش كان قد ثبت مفهوم الدولة البوليسية بدل تثبيت مفهوم دولة القانون والمؤسسات , ولو كان إسماعيل ياسين قواداً يقود للكبار النساء والغلمان والعاهرات لما صادروا أمواله التي جمعها بتعبه وعرق جبينه , لقد جاء إسماعيل ياسين إلى مصر وهو لا يملك مليماً أحمر وكان يتلقى أجرة 2 جنيه على المنولوج الذي يغنيه وكان يدفع من ال 2 جنيه أجرة التلحين وأجرة وثمن القصيدة ويأكل ويشرب بربع جنيه واستمر عشرة سنوات على هذه الحالة إلى أواسط الثلاثينيان وبداية الأربعينيات حيث نال شهرة واسعة في الدول العربية من خلال متعهدي الحفلات التي كان يقدمها في المطاعم والكباريهات إلى أن فتحت السينما له أبوابها ومع بداية الثورة الناصرية استدعاه العسكري المخرج (فطين عبد الوهاب ) وأخرج له فلم (إسماعيل ياسين في الجيش ) بأسلوب ساخر لكي يحببوا الشعب المصري في الخدمة العسكرية ولم يقصّر الفيلسوف التراجيدي مع الثورة ومثل لهم أيضاً (إسماعيل ياسين في البحرية ) و (إسماعيل ياسين والفانوس السحري ) وغنى للجيش المصري في اليمن وأضحك الجنود وكان جمال عبد الناصر نفسه يقول (أنا لازم كل يوم أشوف حاجه لإسماعيل ياسين ) ومع ذلك كانت مكافأة الناصريين لإسماعيل ياسين مفاجأة للفن وللأدب وللثقافة, وفي أثناء أعتا الأزمات الاقتصادية كتب له (أبو السعود الإبياري) فلم (مراتي من بور سعيد) الذي صور بت وقوف المرأة المصرية إلى جانب زوجها في أيام العُسرة.

ورغم ذلك أيضاً لم يسلم زميله من هذه الثورة الناصرية المجيدة (أبو السعود الإبياري ) فعمدت الثورة على مصادرة كل ما كسبه من أموال باعتباره شريك رئيس لإسماعيل ياسين ولم تدعُ له ما يسدد به جوعه وجوع عياله ومات في ظروف سيئة لا تقل سوءتها عن الظروف المقيتة التي مات بها إسماعيل ياسين أبو ضحكه جنان.
وهرب من مصر أيضاً عبد السلام النابلسي ومات مع الثورة (عبد الفتاح القصيري ) أو كان هذا لأسباب تتعلق بغرام زوجته برجل آخر فتركته للحبوب النفسية والعصبية إلى أن فقد نظره فجأة ويوم وفاته لم يمش في جنازته إلا أربعة أشخاص ,وماتت كل القامات الطويلة وزادة العاهرات من ثرائهن وتراجع المثقفون للوراء وكان إسماعيل ياسين مضطراً في آخر زمانه لأن يغني منولوجات كما بدأ حياته وهو شاب صغير في كباريه (بديعه مصبني ) و (فتحيه), فكان السوكرجية يرمون عليه بالجنيهات وهم يضحكون منه علماً أنه كان يملك رصيداً في البنك يقدر ب 40 ألف جنيه وعمارة وفيلا كسبها من فنه الذي كانت تدعمه الشركات الخاصة أيام تواجد الانكليز في مصر , وبرحيل الاستعمار عن مصر رحل الفن والثقافة والإبداع ومات جمهور السمّيعة والذواقة.
وصدق إسماعيل ياسين حين غنى مع زميله محمود شكوكو:

الحب بهدله ولا فيهش زنقله

بهدلي في صحتي

ولا حول ولا ولا ولا.

وحيت غنى لوحده:

عيني علينا يا أهل


الفن يا عين علينا .

وفي النهاية كانت مأساته قد تحققت فعلاً مع المنولوج الذي قال فيه :

الدنيا دي متعبه

جدا جدا جدا

آه من الدنيا

من أكل وشرب

ولبس وألع


وأصناف ثانيه

آه م الدنيا

وأشياء ثانيه

آه من الدنيا

متستغربش متستعجبش


في ناس بتكسب ولا تتعبش


وناس بتتعب ولا تكسبش


ما تستغربش ما تستعجبش.

لقد أضحك إسماعيل ياسين عبد الناصر وعبد الناصر أبكاه , وقدم للثورة عطاء مثيراً وأخذت منه الثورة روحه , وتسلق الانتهازيون على أكتافه , وعاش هو في تعب وشقاء دائم , وأضحك الملايين من الناس وكان وما زال نقطة تحول في التاريخ المصري ويعتبر إسماعيل ياسين من أهم رجالات وشخصيات القرن التاسع عشر , وكان شاهدا عظيماً على عظمة الشعب المصري وعلى قلة حظه في قياداته التي حكمته , وفرح المصريون بجمال عبد الناصر وعاشوا معه في أحلام كانت قد أعادت الشعب المصري للوراء , ولو لم يقم الناصريون بتأميم الثقافة والفن والإبداع لعاش المبدعون أحراراً للأبد , وهذه الميز أيضاً موجودة في معظم أرجاء الوطن العربي فالفن والدراما تمولها الدولة أو تتبناها الدولة , لذلك الثقافة ضعيفة جدا ولا تعبر عن وجهة نظر المبدع ولو تتخلى الحكومة عن تحكمها بالثقافة وتركوها للشركات الخاصة تدعمها مقابل مبالغ تحسم من ضريبة الدخل على الشركات لانتعشت الثقافة.




#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أنت؟
- من أنا؟
- هل أنت تأكل أظافرك أم ملابسك كما يفعل بعض الناس؟
- هل أنا فعلاً حمار؟
- الإنسان حيوان ابن حيوان2
- الطلاق ظاهرة صحية
- رسالة المعلم
- تفسير سورة لإيلاف قريشٍ إيلافهم
- هل من حقي أن أختار ديانتي؟
- الثقافات المتعددة
- سيكولوجيا العنف ضد المرأة في المجتمعات الاسلامية
- فتنة المسلمين
- الحكومات العربية ضد الشعوب العربية
- الاسلام من وجهة نظرأنثربولوجية
- امرأة من أهل النار
- -كلب العَربْ بسكُت من حاله-
- هل أنا كاتبٌ مأجور؟
- الاسلام هو الاعلام الأقوى في العالم
- الحاكم العادل
- الحاكم الفردي القمعي الجلاد المستبد العادل


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - إسماعيل ياسين الضاحك الباكي