فاضل الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 2978 - 2010 / 4 / 17 - 16:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بانتظار الجلاء.!..
يقطن العساكر في الثكنات وعيونهم تكون دائماً على حدود الوطن وليس على القصر الجمهوري!
أربعة وستون عاماً في تاريخ الشعوب ليست بالزمن الكبير، وبالنسبة لابن سوريا الذي عمره الحضاري قرابة عشرة آلاف سنة قد لا تساوي شيئاً. لكنه خلال تلك العقود التي أعقبت الجلاء، جاءت للحكم وذهبت بشكل ديمقراطي عشرات الحكومات في الدول التي تحترم وتحافظ على استقلالها وشعبها.
لقد أحيينا نحن السوريين ذكرى الجلاء، وكل على طريقته. بعضنا استلهم منها عزيمة أكثر لمقاومة القمع والنضال لإعادة الإفراج عن الجلاء المعتقل منذ عشرات السنين في مزرعة العائلة، والبعض وخصوصاً أصفار وصيصان بلادي حاولت غسل ثياب البعث الداخلية بما تحمله من آثار الاغتصاب، ونشرها على سارية الجلاء المكسورة، البعث القاصِر-المغلوب على أمره والمغتصَب، شيءٌ يُشبه القطيع الذي يلحق رنة الجرس الموضوع في رقبة قائد القطيع ذو الاحتياجات الخاصة "لا شماتة"، وأكثر الأمراض العقلية في هذا العصر هي عبادة الفرد، رغم فظاعتها الفكاهية هي فظيعة في نتائجها على الوطن والشعب. لكن غالبية شعبنا استعادت ذكرى الجلاء وأبطاله بصمت رغم أنف جرس القطيع، والبعض الآخر من أبناء شعبنا المكلوم أبى الصمت وقال كفى صمتاً، قالها مع منظمات عالمية وأنصار مدافعين عن حقوق الإنسان، وخيرة أبناء وأحفاد صانعي الجلاء احتفلوا في ذكرى عيد أعيادنا الوطنية في سجون القمع الشمولية وبنسختها الأكثر قبحاً، نسخة الوريث الذي لم تُساهم عائلته في صنع الجلاء بل هي التي انقضّت عليه وأجهضته وكانت أكثر سوءً بما لا يقاس من الاستعمار الفرنسي.
لا يوجد إنسان حقيقي للجلاء بدون مجتمعٍ حقيقي له، ولا يوجد مجتمع حقيقي للجلاء بدون انتماء وطني وشعور بالمواطنة الحقيقية. لكن أين هو نظام العائلة من حقيقة كل هذا؟ وماذا أفرز؟ وأين الجلاء اليوم حقيقةً وليس ابتذالاً وعبادة وريثاً صنعوا منه رئيساً أو "رئيثاً"؟
جوهر ثقافة المواطنة والانتماء الوطني هي ثقافة الجلاء والوحدة الوطنية التي صهرها حينها أهلنا وبكل فخرٍ، "وزير الدفاع يوسف العظمة" وميسلون، سلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو والخراط والأشمر والقائمة طويلة، وبالمقابل أهل الوريث وبكل خجلٍ " وزير الدفاع حافظ الأسد " والجولان. ثقافة الجلاء ليست ثقافة الفرد المطلق وفكره ونسخاته المضحكة التي تعيد ثقافة سليمان الأسد و"وطنيته"..
نحتاج نحن إلى إعادة إنتاج معنى الجلاء الذاتي والداخلي والارتقاء به إلى معنى الجلاء الحقيقي للوطن، كي نتذكره بكل شفافية الأمس ونقائه، وليس كالوقوف على الأطلال..
وماذا بعد الجلاء؟ وكيف نستطيع تقييم ذكراه؟
أهم محرّك لتقييم التاريخ قد يكون الإنتاج الذي حققه. كيف يمكن ربط التاريخ مع رغيف الخبز وكرامة الإنسان؟ أي ثوبٍ نضعه اليوم على الجلاء؟ أو يضعه الفلاح أو العامل البسيط أو المثقف والموظف الصغير أو أبناءهم الذين يبحثون عن العمل وعن وجودهم وشخصياتهم في هذا العالم؟ وهؤلاء كلهم من يقع على عاتقهم تقدم أي مجتمع، وعلى عاتقهم كان الجلاء أيضاً.
يرتبط الجلاء بتاريخ محدد، وهل يمكن استحضار يومٍ من تلك الفترة ومعرفتها من "تحت"؟ كيف كان تاريخنا لحظة قيام الجلاء؟ لقد كان مغتصبو الجلاء وخاصة عائلة الوريث والتي حاولت منع الجلاء من خلال استجداء الاستعمار الفرنسي للبقاء في سوريا حينها، ويُعيد نسختها اليوم حقيقة أن بقاء نظام الأسد كان ومازال ضمانة إسرائيلية أمريكية رغم مسرحية الممانعة، وهو استعمار أكثر قسوة ويجعلنا نترحم على غورو فرنسا!
بماذا كانت تفخر سوريا حينها وبماذا تُعرف اليوم في العالم؟ ورشة كاملة لكل سورية في وحدة وطنية كانت مضرب المثل لدول كثيرة ومُلهِم لماليزيا في نهضتها الاقتصادية، واليوم فقرٌ وسجن وتجهيل وتفريط في أرض الوطن، ومكانة عالمية في الفساد والاستبداد من اعتقال طالبات الثانوي وحتى الشيخ المالح ابن الثمانية عقود، نظام بطاقات التموين المُقننة والذي لم يعطِ غير بطاقات تقنين لحرية الكلمة، لأنه يفكر ويحكم كطاغية في عهد القنانة..
الجلاء الذي نحتفل فيه هو الجلاء القادم، هو الخلاص من أسرة خانت المجاهدين أيام فرنسا حين وقع سليمان الأسد على وثيقة استجداء للفرنسيين تطالبهم عدم الانسحاب من الوطن، وأكملت الأسرة ذات التاريخ "العريق" في الوطنية بـ"بيع" الجولان وتسليم آخر حلمٍ لعودة اسكندرون، ويرافق تلك الخيانات كل هذا الفساد الأخلاقي والمادي الذي أنتجه الأسد والأصفار التي تلحق جرس القطيع...
أمر جمال باشا "العثماني" بإعدام إحدى وعشرين شخصية وطنية في ساحة المرجة بدمشق وساحة الشهداء في بيروت في 6 أيار عام 1916، ومنذ ذلك التاريخ نسميه بالسفاح، واليوم وبعد أن قضى عشرات الآلاف من أبناء شعبنا على يد نظام العائلة، بعد هذا أين نضع جمال باشا السفاح أمام ذو الجرس؟
لا أستطيع فهم سلوك ذلك البعثي الذي يعيش في أوربا ويحمل شهادة دراسية –أي أنه يعرف يفكّ الحرف- ورغم ذلك لا يخجل من كون الأسد اغتصب السلطة والحزب! لا يخجل من تلك المسرحية التي صار عمرها عشر سنوات وهي تُشبه مبايعات القرون الوسطى عندما يحضرون الولد وينفضون الغبار عن ثيابه ويضعونه على العرش! أشعر بالشفقة على تلك الأفراد والتي تتلمس طول أذنيها يوماً بعد يوم، لكنها في الصباح تعود للجرس وللقطيع..
ستقرع أجراس الحرية وسيعود الجلاء حراً وسنصنع من تماثيل الطغاة أجراساً للكنائس التي تبارك الجلاء وتعزف لحن الحرية. وسيضع شعبنا جرس القطيع وحامله في مكانه اللائق..
..............
أبحث عن صوت يُسمَع،
أبكم، وأصابعه كانت تُسمِع،
"كمشة" عتب تتأرجح قرطاً مصلوباً يتدلى على مدخل رواق الشام.
يبقى غياب صوت رسائلك،
كسوط كفرٍ يجلد حروف لغات العالم في بابل.
هنا الطريق، ليس بعيداً عنه،
هناك شريط شائك، حائط،
وخلف الحائط طريق آخر.
في لوحة رسم، اللون الأحمر يَتكسر،
على شريط الحدود، نقطة عشق تتأرجح،
في الأصص، بذور الحبق تدمع نشوة.
وفي غفلة من البعد الرابع، يقلع نجمة،
ويزرعها على غيمة صيفية تتمشى
بالقرب من "حرش" البلوط الأخضر.
بعد غياب سنوات طويلة،
تعود للرفاق في القرية،
لا أساطير عندك. شعاراتهم لم تتغير،
نفس الصور المعلقة على الجدران،
نفس الكتب على الرفوف،
تغيّرت سنواتك أنت عمّا كنت، لكنهم
مازالوا يغتسلون بنفس ساعات الحلم.
نهاية الطريق، كبدايته؟
في "الوراء دُرْ" آخر واحد، يصبح الأول.
على منصة الاحتفال، وقفت الصُوَرْ،
وجوهٌ باسمة، وأيادي تلوّح،
وأخرى رافعة شارة النصر.
من أعماق الأدغال، من بين الشجر،
ذئاب أليفة تسرح مع خرفان مفترسة،
وبطون خاوية لا تنسى تقديم الشكر....
بودابست، 17 نيسان/إبريل 2010.
#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟